كاتالونيا جورج أورويل

كاتالونيا جورج أورويل
TT

كاتالونيا جورج أورويل

كاتالونيا جورج أورويل

لا بد أن يحضر جورج أورويل حين تحضر كاتالونيا. فليس غير صاحب «الأخ الأكبر» من أدخل هذه البقعة المنكوبة التاريخ الأدبي من خلال كتابه «تكريما لكاتالونيا» الذي أصدره عام 1938، بعد سقوط الجمهورية الإسبانية المنتخبة على يد قوات الجنرال فرانكو المدعوم من هتلر وموسوليني. والمعروف أن المأساة الإسبانية، التي سميناها خطأ بالحرب الأهلية، قد أنتجت كما كبيرا من الأعمال الأدبية والفنية، من أبرزها قصيدة الشاعر البريطاني دبليو. أتش. أودن «إسبانيا 1937»، ولوحة «غورنيكا» لبابلو بيكاسو، ورواية «الأمل» للروائي الفرنسي أندريه مالرو. لكننا لم نقرأ عملا مكرسا لكاتالونيا، التي جرت فيها واحدة من أكبر الخيانات في التاريخ: خيانة الرفاق لرفاقهم. ففي 1937، حوصرت الكتيبة التروتسكية، التي استطاعت تحرير كل كاتالونيا وأرادتها أن تكون كومونة أخرى على غرار كومونة باريس، ليس من قبل قوات فرانكو، ولكن من قبل القوى المسلحة التي يقودها الحزب الشيوعي الإسباني، بناء على أوامر من جوزيف ستالين نفسه.
وحصلت المجزرة، التي طمسها التاريخ لحد هذه اللحظة... ولم يسجلها أحد من الشهود سوى جورج أورويل. وبعد أكثر من 58 سنة، عاد إليها المخرج البريطاني اليساري كين لوتش في ملحمته السينمائية «الأرض والحرية».
ولكن ما الذي قاد البريطاني صاحب «1984» و«مزرعة الحيوانات» إلى كاتالونيا، مغامرا بعمله وحياته وحياة زوجته التي صحبته إلى هناك في عز الحرب الإسبانية؟ وصل أورويل إلى كاتالونيا عام 1936 ليقاتل فقط ضد قوات فرانكو الفاشية، بل كما يقول في رسالة لاحقة له، «ليحرك الطبقة العاملة في بريطانيا وفرنسا» من خلال تقاريره التي كان يبعث بها من هناك. لم يتصرف أورويل، كما فعل همنغواي مثلا، كمراسل حربي، أو ككاتب يبحث عن مادة مثيرة. نسي الكاتب والصحافي فيه، وصار مقاتلا في الصفوف الأمامية من أجل الطبقة العاملة. لكنه، بعد حين، سيشهد كيف تحول حزب الطبقة العاملة، إلى أداة قمع لرفاق الأمس، الذين «خرجوا عن خط الحزب الرسمي» الذي رسمه ستالين. فبدلاً من قتال فرانكو، بدأ هذا الحزب بمقاتلة ما سماهم بـ«التروتسكيين» والفوضويين الذين سيطروا على برشلونة، وبدأوا فيها بتطبيق مبادئهم الاشتراكية، كما كانوا يرونها. وسط هذا الصراع «الرفاقي»،
حزم أورويل أمره. دائما مع الجانب الضعيف. وهو أساساً لم ينتم منذ البداية إلى الفصيل الأممي، الذي تشكل تحت قيادة الحزب الشيوعي الإسباني، كما فعل زملاؤه الكتاب الذين تطوعوا دفاعاً عن الثورة الإسبانية مثل الفرنسيين أندريه مالرو وجون دوس باسوس، والبريطانيين أودن، وسبنسر ولوري لي، وعشرات غيرهم من كتاب العالم، بل انضم إلى الفصيل التروتسكي، الذي أعلن قطيعته مع الأحزاب الأممية الثالثة، الخاضعة لموسكو.
دفع أورويل ثمنا باهظاً من أجل برشلونة. ففي مايو (أيار) 1937، وجه قناص بندقيته نحو رقبة أورويل. وبعدها لم يعد صالحاً للقتال، إضافة إلى ملاحقته من قبل أنصار الحزب الشيوعي الإسباني. ونجح أخيراً هو وزوجته في الهروب إلى فرنسا، ومن هناك إلى بريطانيا. بعدها بقليل بدأت صحته بالتدهور، خاصة بعدما تلقى طعنة أخرى، حين حكم عليه الرفاق في كاتالونيا غيابياً، هو ومجموعة من قادة الحزب التروتسكي، إثر نجاح الشيوعيين الرسميين في السيطرة على المدينة. بعد سنة فقط، لم تسقط كاتالونيا وحدها على يد فرانكو، بل إسبانيا كلها.
مباشرة بعد هذا السقوط المدوي، الذي سيرسم شكل إسبانيا كما نعرفها الآن، اعتزل أورويل في كوخ صغير في وطنه مع زوجته التي شهدت المأساة، ليكتب ملحمة كاتالونيا الكبرى.
لم يندمل بعد جرح كاتالونيا... لم يندمل بعد جرح إسبانيا، بل ازداد قيحا.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».