«حماس» تستنفر لكشف المتورطين في استهداف مسؤولها الأمني في غزة

إسرائيل والمتشددون والمهربون في دائرة التحقيق

إسماعيل هنية عقب زيارته اللواء توفيق أبونعيم في المستشفى (رويترز)
إسماعيل هنية عقب زيارته اللواء توفيق أبونعيم في المستشفى (رويترز)
TT

«حماس» تستنفر لكشف المتورطين في استهداف مسؤولها الأمني في غزة

إسماعيل هنية عقب زيارته اللواء توفيق أبونعيم في المستشفى (رويترز)
إسماعيل هنية عقب زيارته اللواء توفيق أبونعيم في المستشفى (رويترز)

استنفرت حركة حماس أجهزتها الأمنية في قطاع غزة من أجل الوصول إلى الجهات التي تقف خلف محاولة اغتيال اللواء توفيق أبو نعيم، قائد قوى الأمن التابعة للحركة في غزة.
وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن «حماس» تسعى إلى كشف أدوات الجريمة مبكراً واعتقال منفذيها، وذلك بهدف توجيه رسالة إلى من يخطط أو يفكر في القيام بمثل هذه العمليات التي تستهدف الحركة وقادتها في قطاع غزة. لكن المصادر ذاتها أضافت أن «التحقيق يجري في اتجاهات مختلفة».
وذكرت المصادر أن الحركة تنظر بعين الخطورة إلى تجرؤ أي جهة كانت على محاولة المس برمز من رموز الأمن في القطاع. وتابعت أن «حماس ستضرب بيد من حديد. لن تسمح بالمس بهيبة الأمن».
وفي إطار التحقيقات التي تجريها الحركة، حذّرت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة من تداول «إشاعات» متعلقة بمحاولة اغتيال أبو نعيم، داعيةً الجميع إلى الاعتماد فقط على ما تنشره الوزارة عبر وسائلها الرسمية.
وأكد الناطق باسم الوزارة إياد البزم أن متابعة سير التحقيقات تستلزم من الجميع «التحلي بالمسؤولية وعدم اتباع الأكاذيب والروايات المضللة»، وانتظار النتائج النهائية التي ستتوصل لها الأجهزة الأمنية والتي سيُعلن رسمياً عنها في حينه.
وعلى الرغم من أن رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية وجّه الاتهام إلى «إسرائيل وعملائها» بمحاولة اغتيال مدير عام قوى الأمن الداخلي، قائلاً إن مثل هذه المحاولات سيزيد حركة حماس قوة وثباتاً، فإن أصابع الاتهام تشير كذلك إلى جهات أخرى محتملة، بما في ذلك «الدواعش» المتشددون في قطاع غزة ممن ضيقت عليهم «حماس» إلى حد كبير. وفي حين تشير بعض المعلومات إلى احتمال تورط مهربي مخدرات في محاولة استهداف مسؤول أمن «حماس»، فإن كثيراً من المراقبين يميلون إلى ترجيح تورط متشددين في المحاولة. ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن أدوات إسرائيل «أكثر حرفية» في العادة عندما يتعلق الأمر بمحاولات الاغتيال.
وكانت الأجهزة الأمنية التابعة لـ«حماس» بنت منطقة عازلة على الحدود مع مصر، وضيّقت كثيراً على المتشددين والمهربين بهدف منع التسلل من سيناء وإليها. وخلال العامين الماضيين، لاحقت «حماس» المتشددين في القطاع واعتقلت المئات منهم وحاكمت بعضهم في إطار الحرب المعلنة ضدهم وضد تدخلهم في الشأن المصري. وطلبت مصر من «حماس» تعاوناً أكبر في هذا المجال خلال لقاءات كثيرة بين الطرفين. وبرز اسم أبو نعيم بوصفه مسؤولاً أساسياً عن الإجراءات ضد «الدواعش» في غزة.
كما برز أبو نعيم في مايو (أيار) الماضي عندما أعلن أن خلية متعاونة مع إسرائيل هي التي وقفت خلف اغتيال الأسير المحرر مازن فقها في غزة، واصفاً كشف الخلية بأنه علامة فارقة في منظومة العمل الأمني في غزة وبداية لمرحلة جديدة عنوانها «الحسم والمبادرة».
ويتضح بذلك أن للرجل أعداء كثيرين.
وكان أبو نعيم أصيب بجروح بعدما انفجرت سيارته أثناء خروجه من المسجد بعد صلاة الجمعة، لكنه غادر مجمع الشفاء الطبي أمس بعد إتمام المتابعة الطبية له. ووصف ناطق باسم قطاع الصحة حالة أبو نعيم بالجيدة والمطمئنة.
ويُعد أبو نعيم مقرباً من قائد «حماس» في غزة يحيى السنوار، وهما خرجا معاً من السجون الإسرائيلية بموجب اتفاق تبادل بين «حماس» والدولة العبرية عام 2011، بعد أن أمضى أبو نعيم 22 عاماً داخل السجون.
ويبلغ أبو نعيم من العمر 55 عاماً، وهو متزوج ولديه 4 أبناء، وولد في مخيم دير البلح للاجئين الفلسطينيين، وسط قطاع غزة، وعيّنته «حماس» في منصبه الجديد في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2015.
وأبو نعيم ليس أول شخص يُستهدف في «حماس» خلال السنوات الماضية، لكن منصبه وتوقيت الاستهداف أشعلا كثيراً من الأسئلة والمخاوف، لا سيما أن محاولة قتله جاءت بعد أقل من شهر على المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، وفي وقت لم يتم فيه الاتفاق بعد على طريقة إدارة الترتيبات الأمنية في قطاع غزة.
واتصل رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله للاطمئنان على أبو نعيم، كما زاره قياديون في حركة «فتح» في قطاع غزة. واتصل به أيضاً مسؤولون من المخابرات المصرية للاطمئنان عليه.
وفي هذا الإطار، قال هنية في تصريحات صحافية: «مخطئ من يعتقد أن هذه الجرائم أياً كان من يقف وراءها يمكن أن تثنينا عن طريق المقاومة من أجل تحرير فلسطين، ومخطئ أيضاً من يعتقد أن هذه العملية الإجرامية يمكن أن تحد من عزيمتنا باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية».
وأضاف أن «حركة حماس مستمرة في خط المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية». ودعا هنية الرئيس محمود عباس إلى حث الخطى على تنفيذ كل الاستحقاقات المطلوبة من أجل تحصين الجبهة الداخلية في وجه كل من يريد أن يعبث «بالأمن الداخلي ومساراتنا السياسية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم