واشنطن تريد ضم الأكراد إلى العملية السياسية... وتركيا تنصح المعارضة بحضور «مؤتمر حميميم»

سوريون يرقصون خلال حفل زفاف في الرقة أمس (أ.ف.ب)
سوريون يرقصون خلال حفل زفاف في الرقة أمس (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تريد ضم الأكراد إلى العملية السياسية... وتركيا تنصح المعارضة بحضور «مؤتمر حميميم»

سوريون يرقصون خلال حفل زفاف في الرقة أمس (أ.ف.ب)
سوريون يرقصون خلال حفل زفاف في الرقة أمس (أ.ف.ب)

نصحت واشنطن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، بضرورة التزام مرجعية «جنيف» للعملية السياسية و«عدم شرعنة» مساري اجتماعات آستانة و«مؤتمر حميميم»، والأهم ضم الأكراد إلى العملية السياسية، الأمر الذي يُتوقع أن يثير غضب أنقرة.
نصيحة أنقرة، في المقابل، لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض، كانت التعاطي الإيجابي مع «مؤتمر حميميم»، واشتراط عدم مشاركة «الاتحاد الوطني الديمقراطي» الكردي، إضافة إلى المشاركة في اجتماع آستانة المقبل يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، الأمر الذي لن يلقى صدى إيجابياً من واشنطن التي تكتفي بـ«دور المراقب» في عملية آستانة ومنع تحولها إلى مسار سياسي.
الواضح، أن الفترة المقبلة ستكون مهمة للإبحار بين سلسلة من الاجتماعات وتثبيت مواعيد أولية لمؤتمرات وإلغاء أخرى، إذ إن البرنامج الذي خضع لتغيرات متكررة، يتضمن الآتي: اجتماعات آستانة يومي 30 و31 الشهر الجاري- المؤتمر الموسع للمعارضة السورية في الرياض وموعده الأولي 10 نوفمبر (تشرين الثاني)- «مؤتمر شعوب سوريا» في حميميم 18 نوفمبر- الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف 28 نوفمبر.
عملياً، هناك مساران: الأول، روسي تسعى عبره موسكو بهدوء وتأنٍّ إلى نسف مرجعية جنيف والأمم المتحدة. الآخر، دولي بالتمسك بـ«بيان جنيف» والقرار 2254.
بالنسبة إلى الخطة الروسية، بدأت بعد أسابيع على التدخل العسكري المباشر في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، عندما نسفت الحديث عن «الانتقال السياسي» و«بيان جنيف» بالدفع إلى تشكيل «المجموعة الدولية لدعم سوريا» وإصدار القرار 2254 الذي نص على مفاوضات لإطلاق «عملية انتقالية سياسية» تتضمن تأسيس «حكم تمثيلي» وصوغ دستور جديد للوصول إلى انتخابات. وتضمنت الخطة الروسية أيضاً، عدم التمديد لآلية التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي قبل أيام، واستخدام حق النقض (فيتو) ضد التمديد للجنة، والتشكيك في تقرير دولي حمّل قوات النظام المسؤولية عن هجوم خان شيخون. الخطوة الأخرى قادمة بعد أسابيع لدى بحث تجديد القرار 2165 الذي تضمن إيصال مساعدات إنسانية عبر الحدود السورية مع دول الجوار. المؤشرات الحالية تدل على أن روسيا لن تمدد للقرار لأنها لا ترى مبرراً لذلك، بل إنها تضغط على الدول الغربية والعربية كي توصل المساعدات عبر دمشق، خصوصاً بعد تثبت مناطق «خفض التصعيد»، حسب رأي موسكو. أما الدول الغربية، فإنها تلوح بوقف المساعدات إلى مناطق خفض التصعيد في حال لم تمدد روسيا للقرار 2165.
ضمن السياق الروسي، جاءت عملية آستانة التي تتسع يوماً بعد يوم. هناك حديث الآن عن انضمام مصر ودول عربية أخرى إلى «الدول الضامنة»، خصوصاً أن اتفاقي غوطة دمشق وريف حمص وُقِّعا برعاية القاهرة. حاولت موسكو سابقاً تحويل مسار آستانة إلى عملية سياسية عندما اقترحت بحث صوغ دستور سوري جديد، لكن المحاولة قوبلت برفض. ويبدو، حسب مسؤولين غربيين، أن مؤتمر «حميميم» هدفه أن يتحول إلى الظل السياسي لعملية آستانة بحيث يصير هناك «حميميم - 1» و«حميميم - 2»... كما حصل مع جولات آستانة. الاقتراح جاء من وزارة الدفاع الروسية، حيث جرى جس نبض مسؤولين ومعارضين إزاء عقد المؤتمر الذي لا يزال بين الأخذ والرد.
آخر ما توفر، أن موعده الأولي هو 18 نوفمبر بمشاركة نحو ألف شخص من «مكونات الشعوب السورية»، وليس القوى السياسية. وقام وفد من قاعدة حميميم بزيارة ممثلي 19 من «المكونات» شرق سوريا لاختبار الفكرة. والتصور أن يُعقد لمدة يوم أو بضع ساعات بحضور إعلامي لافت يؤدي إلى ولادة لجنة لصوغ دستور جديد خلال 6 أشهر. وعلم بحصول مداولات بين فنيين روس وأكراد إزاء مبادئ الدستور، ومدى قبول تحول سوريا إلى «دولة اتحادية - فيدرالية» على النموذح الروسي. والتصور تضمن أيضاً عقد مؤتمر آخر في مطار دمشق تكون له صبغة سياسية، لكن الصيغة النهائية مرتبطة بالمداخلات التي ستقدمها الخارجية الروسية واللقاءات التي جرت بين وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو والمبعوث الدولي في موسكو قبل أيام.

اجتماع عاجل

كان لافتاً هنا، الاجتماع العاجل الذي طلبته الخارجية التركية مع وفد «الائتلاف» وعدم انتظار عودة قيادته من واشنطن. حسب مصدر حضر الاجتماع، فإن رسالة نائب مستشار وزير الخارجية التركي سدات أونال، هي ضرورة «التعاطي الإيجابي» مع مؤتمر «حميميم» الذي سيضم ممثلي المجالس المحلية وفصائل عسكرية شاركت في اتفاقات «خفض التصعيد». وأضاف المصدر أن الموقف التركي كان «مفاجئاً» للحضور الذين طلب منهم أيضاً إعداد ملفات للحديث عن المعتقلين وخروقات خفض التصعيد خلال اجتماع آستانة المقبل.
على الضفة الأخرى، يأتي الانخراط الأميركي. بالنسبة إلى واشنطن لا تزال متمسكة بالتفاهم مع موسكو إزاء محاصصة شرق نهر الفرات لصالح «قوات سوريا الديمقراطية» وغرب نهر الفرات لقوات النظام. لكن الجيش الأميركي يراقب الاختبارات المتكررة التي يقوم بها الروس لهذا «التفاهم» بالتزامن مع تصريحات الرئيس دونالد ترمب إزاء تقليص النفوذ الإيراني، ومدى ترجمة ذلك إلى واقع، ومدى إمكانية التزام طويل للوجود الأميركي العسكري شرق سوريا بما فيها قاعدة التنف قرب حدود العراق والقواعد الأخرى في مناطق «قوات سوريا الديمقراطية».
الجديد، بدء تفكير واشنطن في استثمار الواقع العسكري سياسياً، إذ سمع دي ميستورا من واشنطن ضرورة أن يكون الأكراد جزءاً من العملية السياسية ومستقبل سوريا، إضافة إلى التركيز الأميركي على البعد المحلي والمجالس المحلية وإيقاف العنف وإيصال مساعدات إنسانية مع بدء حديث أميركي عن «انتهاء» دور «الهيئة التفاوضية العليا»، والبحث عن توحيد المعارضة بـ«طريقة خلاقة». ولم تتضح كيفية تحقيق ذلك في مفاوضات جنيف المقبلة ومؤتمر المعارضة المقبل، خصوصاً أن أنقرة تعارض أي مشاركة سياسية لـ«الاتحاد الديمقراطي الكردي» في هيئات المعارضة ومفاوضات جنيف. وعُلم أيضاً، أن واشنطن التي لم تكن أبداً مرتاحة لمشاركة دي ميستورا في اجتماعات آستانة السابقة، وأكدت ضرورة التركيز على مفاوضات جنيف ومرجعياتها. لكن لم يُعرف ما إذا كان هذا سيُترجم بمشاركة رفيعة المستوى من الجانب الأميركي في الجولة الثامنة توازي مشاركة روسيا عبر نائب وزير الخارجية.
في المضمون، تقبل واشنطن ودي ميستورا حالياً أن يكون مسارا «آستانة» و«حميميم» للأمور العسكرية ووقف النار وإجراءات بناء الثقة، على أن تتناول مفاوضات جنيف الأمور السياسية ومبادئها. دي ميستورا يريد من موسكو أن تضغط على دمشق كي تخوض مفاوضات «جدية»، ويريد من حلفاء المعارضة دفعها كي تكون «واقعية». البرنامج أن تستمر المفاوضات لأسبوعين لبحث ملفين من «السلال الأربع» في 2254 هما: الدستور، والانتخابات. هذا يعني عملياً تأجيل الملفين الآخرين: الحكم، ومحاربة الإرهاب.
عملياً، حسب مسؤول غربي، فإن موسكو تريد أن يتطابق مسار تنفيذ القرار 2254 الذي نص على مفاوضات خلال 6 أشهر لتشكيل الحكم وصوغ دستور وصولاً لانتخابات خلال 18 شهراً، مع موعد الانتخابات الرئاسية السورية في 2021، على أن يُترك موضوع مشاركة الرئيس بشار الأسد إلى وقتذاك. وأضاف: «روسيا تريد الآن تثبيت عملية إجراء الإصلاحات والتطوير السياسي بدلاً من العملية السياسية أو الانتقال السياسي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».