اقتربت لحظة الحقيقة بالنسبة للمحكمة الفرنسية التي تتولى، منذ خمسة أسابيع، محاكمة عبد القادر مراح، بتهم المشاركة في الجرائم التي ارتكبها شقيقه محمد مراح في شهر مارس (آذار) من العام 2012 في مدينتي تولوز ومونتبان، الواقعتين جنوب فرنسا. وفيما يسعى الادعاء إلى إثبات تورط عبد القادر مراح في هذه الجرائم الإرهابية، فإن «الدفاع» يستميت في إثبات العكس، وتبيان براءة موكله وجهله بمخططات شقيقه الأصغر.
وبحسب ما هو وارد في ملف الاتهام، فإن عبد القادر مراح، إضافة إلى المشاركة في القتل، فإنه متهم بتشكيل «مجموعة إجرامية تنتمي إلى تنظيم القاعدة وتدعو إلى إسلام (جهادي) والعمل بوحي هذه التنظيم وامتلاكه لنصائحه وتعاليمه العملانية». وتأتي هذه المحاكمة على خلفية العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا في العامين الأخيرين. لكن إشكالاتها الأساسية، وسط المشاعر المؤججة لأهالي الضحايا السبع الذين قتلهم محمد مراح بالرصاص، وهم أربعة جنود من الفرقة الأجنبية وثلاثة أطفال في مدرسة يهودية، تكمن في كيفية المحافظة على حيادية القضاء، والاكتفاء بمحاكمة عبد القادر على ما اقترفه، وليس محاكمته بجريرة ما فعل شقيقه. ورغم الساعات الطويلة التي استغرقتها الجلسات والاستماع إلى عبد القادر مراح ووالدته وعدد لا يحصى من الشهود ومداخلات المحامين ورئيس المحكمة، فإن الأمور لم تتضح تماماً، وما زالت الشكوك قائمة.
فالوقائع التي تؤخذ على عبد القادر مراح تستند إلى دوره المفترض كـ«راعٍ» عقائدي لشقيقه، ومشاركته في سرقة دراجة نارية صغيرة وشراء السترة الواقية من الرصاص التي استخدمت خلال الاعتداءات. ويمثل إلى جانب مراح، مهرب صغير اسمه عبد الفتاح ملكي، وهو ملاحق بتهمة توفير السلاح الذي ارتكب به القاتل جرائمه. خلال هذه الجلسات، سعى رئيس المحكمة والادعاء والمحامون إلى سبر شخصية عبد القادر، وهو الأخ الأكبر لمحمد، ومعرفة مدى تأثيره عليه، واحتمال أن يكون قد قام بهذه العمليات الإرهابية بناءً على نصائحه وبتشجيع منه.
وبمعنى ما، فإن المحكمة كانت تريد أن تثبت أن عبد القادر كان المنظر، بينما كان محمد المنفذ. فالأول، ذهب إلى مصر «أربع مرات وانتمى إلى مدرسة (الفجر) التي تبث تعاليم دينية متشددة، وهو يعرف عن نفسه بأنه مسلم (أصولي)». وبحسب العديد من الذين واكبوا المحاكمة، فإن أقواله تدل على التطرف الديني. وأكثر من مرة، لفت محامو الضحايا الانتباه إلى الدور الذي من المفترض أن يكون قد لعبه في دفع أخاه إلى التطرف، وتوفير سفره إلى باكستان، ولقائه أشخاصاً من تنظيم القاعدة. فضلاً عن ذلك، فإن الادعاء يعتبر أن قربه المؤكد من شقيقه محمد يدفع إلى الاعتقاد أنه كان على علم بمخططاته الإجرامية. وخلال استجوابه في المحكمة، برر سفر أخيه إلى باكستان بـ«السياحة» وسفرياته المتعددة إلى مصر بـ«الرغبة في إتقان اللغة العربية لفهم أعمق للقرآن». وفي كل الحالات، نفى بشدة أن يكون على اطلاع على مخططات شقيقه الذي أجهز على أربعة جنود، بينهم اثنان من المسلمين، وعلى ثلاثة أطفال يهود.
خلال الجلسات، عمد محامو الدفاع إلى إبراز التناقضات في أقوال عبد القادر مراح. وعاد هؤلاء إلى بعض المقاطع الواردة في محاضر استجوابه من قبل القضاة، وفيها تبرير، لا بل تمجيد لما فعله شقيقه. فقد وصف موت محمد بأنه «الموت الجميل»، واعتبر أن «كل مسلم يطمح لأن يقتل بسلاح عدوه». ورغم وصفه لشقيقه بأنه «مسلم إرهابي»، فإنه أكد رغبته في أن يعطي، يوماً ما، اسمه لابنه. وفي مناسبة أخرى، برر كلامه المتعاطف مع أخيه بأنه «جاء في لحظة غضب» من المحققين.
بيد أن أيريك دوبون موريتي، محامي عبد القادر، وهو أحد أفضل المحامين ومشهود له بالكفاءة، ندد حتى قبل بدء الجلسات، بمحاولة تدفيع موكله ثمن جرائم شقيقه الذي خصص الجزء الأكبر من الجلسات له. وقارع دوبون موريتي طويلاً محامي الدفاع وأكثر من مرة ارتفعت الأصوات في قاعة المحكمة في مدينة تولوز، ووصلت أحياناً إلى حد الشتائم، الأمر الذي دفع رئيس المحكمة فرانك زينتارا إلى التدخل وتهدئة الأجواء، والتشديد على الأفعال والبراهين. وبما أن هذه البراهين الدامغة لم تتوافر، فإن ما جمعه الادعاء وما شدد عليه محامو الدفاع، وفق تعبير شرطي استدعي إلى الشهادة «ليس أدلة ضده بل حزمة مؤشرات». وبحسب الشرطي المشار إليه، فإن القانون يقبل العمل بمبدأ «قرينة الشك»، ولذا يتعنى أيضاً قبول مبدأ «قرينة الدليل». والسؤال المطروح اليوم: «هل سيأتي حكم المحكمة المفترض أن يصدر يوم الخميس المقبل صارماً بناءً على (مؤشرات) أم مخففاً لغياب الأدلة؟».
يقول أوليفييه موريس، محامي أحد العسكريين الذين قتلهم محمد مراح، إنها «محاكمة خارجة عن المألوف، وهي تشكل علامة في تاريخ الإرهاب الفرنسي». ويضيف سيمون كوهين، أحد محامي ضحايا الأطفال الذين قتلوا في مدرسة يهودية في تولوز، أن المحاكمة «مشحونة بالمشاعر ولم يتم التعبير عن الألم فقط، بل شعرنا بالاصطدام، لا بل بالانفجار بين عالمين».
فرنسا: محكمة التمييز تواجه إشكالية الحكم على شقيق الإرهابي مراح
لا دلائل دامغة على إطلاعه على الجرائم المرتكبة
فرنسا: محكمة التمييز تواجه إشكالية الحكم على شقيق الإرهابي مراح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة