اغتيالات غامضة ضد متشددين في درعا وإدلب

TT

اغتيالات غامضة ضد متشددين في درعا وإدلب

تفاقمت مؤخراً ظاهرة الاغتيالات في محافظتي درعا وإدلب اللتين تسيطر عليها فصائل المعارضة. وقد وثّق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل 194 شخصاً في عمليات مماثلة خلال عام واحد في الجنوب السوري، مرجحاً أن يكون النظام قد خطط لمعظمها، فيما طالت الاغتيالات في إدلب، وبشكل رئيسي، «هيئة تحرير الشام» التي تشكل «جبهة النصرة» مكونها الرئيسي.
وأفيد أمس بالعثور على جثة رجل مفصول رأسه عن جسده على الطريق الحربي جنوب غربي درعا، وذلك بعد يوم واحد على عملية اغتيال جماعية طالت 6 مقاتلين وقياديين في المعارضة معظمهم يتبعون فصيل «أبابيل حوران»، وقد تم استهداف سيارتهم بعبوة ناسفة على الطريق الواصل بين منطقتي زمرين وأم العوسج بريف درعا الشمالي الغربي.
وأشار «المرصد» إلى «انفلات أمني» ترزح تحته مناطق سيطرة فصائل المعارضة بمحافظة درعا، لافتاً إلى أن «شبح الاغتيالات بتوقيع فاعلين مجهولين، يلاحق مدن وبلدات وقرى المحافظة منذ أكثر من عام، فتطال العمليات قيادات وعناصر الفصائل وهيئة تحرير الشام بالإضافة لمدنيين»، متهماً قوات النظام بتنفيذها من خلال «زرع عبوات ناسفة واستهدافات بالصواريخ الحرارية ومن خلال مسلحين مجهولين بالعبوات والعيارات النارية». وأوضح «المرصد» أن الاغتيالات تتركز في الريف الشرقي لدرعا على الطريق الحربي الممتد من منطقة جورة الشياح وصولاً إلى بلدة نصيب وطريق أم المياذن - النعيمة وطريق صيدا - المسيفرة، حيث تحدثت مصادر أهلية عن تورط فصائل عن طريق مكاتب أمنية في عمليات الاغتيال التي تجري هناك. وأضاف: «أما قوات النظام فتستهدف بالعبوات الناسفة الطريق الواصل من بلدة الكرك الشرقي إلى رخم، وطريق الصورة - الغارية الشرقية، بالإضافة إلى منطقة الصوامع الممتدة من غرز إلى أم المياذن، وذلك لوجود حواجز ومواقع لقوات النظام بالقرب من تلك المناطق».
وتم توثيق مقتل أكثر من 194 شخصاً خلال عام واحد عبر عمليات اغتيال في درعا، 162 على الأقل من قيادات وعناصر الفصائل و«هيئة تحرير الشام»، و23 شخصاً «متهماً بانتمائه إلى (داعش)»، بالإضافة إلى 9 أشخاص مدنيين جرى اغتيالهم جميعهم بالعبوات الناسفة والصواريخ الحرارية وإطلاق النار.
ولا تختلف الصورة كثيراً في إدلب عما هي عليه في درعا، حيث أفيد أمس بانفجار عبوة ناسفة على الطريق الواصل بين قريتي كفريا والصيادية بريف إدلب الشرقي، قضى على إثرها عنصر من «هيئة تحرير الشام»، فيما أصيب 4 عناصر آخرين بجراح، في استمرار لعمليات الاستهداف التي ينفذها مجهولون، عبر تفجير عبوات ناسفة، واستهداف شخصيات قيادية وعناصر في «الهيئة» والفصائل العاملة في محافظة إدلب. وكان قد سبق هذه العملية انفجار عبوة ناسفة يوم الجمعة أدّت إلى مقتل قيادي في «هيئة تحرير الشام» من الجنسية الأردنية في الريف الشرقي لإدلب، ليضاف هذا الاغتيال لسلسلة عمليات الاغتيال طالت قياديين وعناصر في الهيئة وفصائل أخرى، أبرزهم نجل أبو مالك التلي، قائد «جبهة النصرة» (هيئة تحرير الشام) في القلمون وعرسال بريف إدلب، وقائد لواء إسلامي تابع لحركة «أحرار الشام»، إضافة لمجموعة من قياديي «هيئة تحرير الشام» وشرعييها أبرزهم الشرعي سراقة المكي الذي كان قد دعا، بحسب «المرصد»، في خطب الجمعة لـ«صد هجوم القوات التركية في حال حدوثه على إدلب، ومنع تركيا من الدخول والتدخل بالمحافظة».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.