«الصحراء الغربية»... مسرح جديد للإرهاب في مصر

ظهر دورها قبل 3 سنوات وشهدت 8 عمليات كبرى أوقعت عشرات القتلى

«الصحراء الغربية»... مسرح جديد للإرهاب في مصر
TT

«الصحراء الغربية»... مسرح جديد للإرهاب في مصر

«الصحراء الغربية»... مسرح جديد للإرهاب في مصر

شكل «حادث الواحات» الإرهابي الذي شهدته صحراء مصر الغربية قبل أيام، وخلف 16 قتيلا في صفوف الشرطة، فصلاً جديداً في سلسلة الهجمات التي ضربت البلاد مؤخراً عبر جبهتها الغربية. ووفقا لمراقبين على صلة بالجهات الأمنية تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، باتت هذه المنطقة «مسرحاً جديداً للإرهاب في مصر» يضاف إلى البؤرة التقليدية في شمال شبه جزيرة سيناء حيث يخوض الجيش المصري منذ بعض الوقت حرباً شرسة ضد جماعات مسلحة موالية لتنظيم داعش الإرهابي.

في غضون السنوات الثلاث الماضية فقط شهدت صحراء مصر الغربية، التي تمثل ثلثي مساحة مصر وغير المأهولة سكانياً، ما لا يقل عن 8 عمليات إرهابية كبرى، راح ضحيتها أكثر من 60 جنديا وضابطا مصريا وعشرات المواطنين، ما دفع البعض لاعتبارها خطرا حقيقيا يجب الالتفات إليه.
وتشير طوبوغرافيا الموقع إلى مساحة شاسعة من الصحراء طرقها وعرة، شكلت بيئة ملائمة لتنفيذ الجماعات الإرهابية عملياتها. ثم إن طول الحدود مع ليبيا، التي تشهد بدورها فوضى أمنية، سهل من دخول المسلحين إلى مصر، رغم النجاحات اليومية التي يحققها الجيش في هذا الشأن.
اللواء طارق مهدي، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، قال لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه: «بالطبع لا توجد معسكرات إرهابية أو تجمّعات دائمة هناك، لكن الطبيعة الجغرافية لتلك البقعة الكبيرة، تشكل بين الحين والآخر منطلقا مناسبا لترتيب عمليات إرهابية متنوعة على معظم المحافظات المصرية».
وأضاف اللواء مهدي: «خطورة الصحراء الغربية تأتي بالأساس لكونها ملاصقة للحدود المصرية مع ليبيا، التي تشهد صراعات أمنية وسياسية منذ عدة سنوات، سمحت للمسلحين من الجماعات الإرهابية كـ(داعش) وغيرها المنتشرة بشكل مكثف هناك، بالعبور إلى مصر وتهريب مختلف أنواع الأسلحة».
وحقاً، يسعى الجيش المصري جاهدا للسيطرة على حدوده مع ليبيا، إلا أن ما يزيد الأمر صعوبة أن السيطرة تأتي من جانب واحد فقط، نظراً لعدم وجود جيش ليبي موحّد ومؤهل يمكنه فرض سيطرته على البلاد، وخلال الأشهر الماضية، شهدت الصحراء الغربية مواجهات متعدّدة بين قوات الأمن المصري ومسلحين، تنوّعت ما بين إحباط عمليات تهريب للأسلحة ومواجهات مباشرة قتل فيها العشرات.

سلسلة من الهجمات
لقد لفتت الصحراء الغربية الأنظار إليها بوصفها بؤرة جديدة للعمليات الإرهابية، مع ظهور خلية إرهابية أُطلق عليها اسم «جنوب الجيزة»، تابعة لتنظيم «أنصار بيت المقدس» في سيناء، كان يقودها هشام علي عشماوي، الضابط المفصول من الجيش، وذلك حين نفذت هذه الخلية أضخم عملياتها في 19 يوليو (تموز) 2014، باستهداف «كمين الفرافرة» بالكيلو 100 في مدينة الفرافرة، بمحافظة الوادي الجديد. وأسفر الهجوم حينها عن مقتل 21 من ضباط القوات المسلحة وجنودها.
جهات التحقيق وصفت حينذاك الهجوم بأنه «على مستوى ينبئ بتخطيط وتدريب عسكري جيد للمهاجمين، حيث تم اختيار أماكن الإطلاق والمناطق المستهدفة بعناية وبصفة خاصة استهداف برج المراقبة، ثم مخزن الأسلحة، وتم استغلال وجود الكمين في منطقة منخفضة نسبيا في مواجهة تبات مرتفعة».
وعقب مبايعة تنظيم «أنصار بيت المقدس» «داعش» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 وتغيير اسمه إلى «ولاية سيناء» انشق عشماوي عن التنظيم وفرّ إلى ليبيا، معلنا تأسيس تنظيم «المرابطين»، الموالي لتنظيم «القاعدة»، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من العمليات في هذه المنطقة. في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه أعلن تنظيم «ولاية سيناء» مسؤوليته عن قتل وليم هندرسون، خبير البترول الأميركي بشركة أباتشي، بعد اختطافه من قلب الصحراء الغربية خلال عملية سرقة سيارات، في أغسطس (آب) من العام نفسه.
وفي أغسطس 2015، تحطمت طائرة تابعة للقوات الجوية المصرية أثناء مطاردة مسلحين في منطقة سترة جنوب شرقي واحة سيوة (أقصى غرب مصر)، نتيجة عطل فني مفاجئ أثناء العملية. ويومذاك قتل في الحادث أربعة من عناصر القوات الجوية وأصيب اثنان آخران. وأعلن الجيش حينها أن «القوات تمكنت من تدمير أربع عربات للمسلحين».
وفي الشهر نفسه، أعلن تنظيم «ولاية سيناء» ذبح رهينة كرواتي الجنسية يدعى توميسلاف سلوبك، كان مسلحون قد اختطفوه من مدينة السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، أثناء توجهه إلى عمله بأحد المواقع البترولية في منطقة الواحات.
غير أن الحدث الأبرز عالمياً في تلك البقعة، شهده شهر سبتمبر (أيلول) 2015، حين قتلت القوات المسلحة المصرية، عن طريق الخطأ، 12 شخصًا معظمهم من السيّاح المكسيكيين، كانوا في قافلة سياحية بقلب الصحراء الغربية. إذ اشتبهت القوات في كونهم عناصر إرهابية. وفسرّت السلطات ما جرى بأن «السيّاح كانوا يستقلون أربع سيارات دفع رباعي، وجدوا بداخلها في منطقة محظورة، أثناء قيام قوات مشتركة من الشرطة والقوات المسلحة بملاحقة بعض العناصر الإرهابية في منطقة الواحات بالصحراء الغربية».
وفي الشهر التالي، في أكتوبر أثناء عملية عسكرية استمرت لمدة 48 ساعة باستخدام الأسلحة الثقيلة في الظهير الصحراوي لمحافظة آسيوط، داخل الصحراء الغربية، أعلنت الداخلية المصرية مقتل 20 من العناصر المسلحة والقبض على 22 آخرين.

أحداث العام الحالي
وبينما هدأت الأمور بشكل لافت خلال عام 2016 في الصحراء الغربية، حين كان حادث مقتل ضابطين وأربعة مجندين في هجوم لعصابات تهريب مسلحة بمركز الفرافرة، الحادث الأبرز، جاء عام 2017، ليشكل النجاحات الكبرى للجماعات الإرهابية في هجماتها.
لقد بدأ عام 2017 بهجوم مسلح استهدف كمين النقب الواقع على طريق الوادي الجديد - أسيوط السياحي، وقتل فيه ثمانية من عناصر الشرطة وأصيب اثنان. وفي نهاية مايو (أيار) 2017، وقع الهجوم الأكثر دموية، حين استهدف مسلحون ينتمون لتنظيم داعش حافلة تقل مواطنين مسيحيين في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل، أثناء مرور الحافلة بإحدى الطرق الفرعية الصحراوية، قرب الطريق الصحراوي الغربي الواقع بدائرة مركز شرطة العدوة. وأسفر ذلك الهجوم عن مقتل 28 مواطنا مسيحيا.
وعلى إثر ذلك، نفذ الجيش المصري ضربات جوية ضد ما قال إنه «تجمّعات من العناصر الإرهابية بالأراضي الليبية تأكد من اشتراكهم في التخطيط والتنفيذ لحادث المنيا الإرهابي». وتركزت الضربات الجوية المصرية على مدينتي درنة والجفرة، حيث كانت قوات المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي في الشرق، تقوم بحملة عسكرية في ذلك الوقت.
«هجوم المنيا»، أسندته تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا إلى تنظيم جديد أطلق عليه «جنود الخلافة»، يقوده متهم هارب يدعى عزت محمد، قالت التحقيقات إنه خطط ونفذ العملية، وإن التنظيم تلقى تدريبات على العملية في الصحراء الغربية، وكان يقيم معسكراً داخل نطاق قريب من المنطقة.
كذلك كشفت التحقيقات عن أن عزت محمد تواصل مع صاحبه المقرّب إليه المتهم الهارب عمرو سعد، لإنشاء خلية تابعة للتنظيم الجديد تعمل على تنفيذ عمليات في قلب المحافظات المصرية، وأن عمرو سعد تولى تجنيد عشرات الشباب من محافظة المنيا على وجه التحديد، من بينهم الانتحاريان ممدوح أمين ومحمود حسن مبارك اللذان نفذا تفجير كنيستين بمحافظتي الإسكندرية والغربية فيما بعد.
واتساقاً مع سلسلة الهجمات، لقي أربعة من أفراد القوات المسلحة حتفهم في منطقة الواحات الغربية، في 31 مايو الماضي أيضا، وذكرت القوات المسلحة في حينه أن «قوات برية كانت تمشّط المنطقة حينما انفجر أحد الأحزمة الناسفة الخاصة بالعناصر الإرهابية».

«هجوم الواحات»
أما عن تفاصيل «هجوم الواحات» الأخير، الذي وقع في 20 أكتوبر الحالي، فيوضح العميد خالد عكاشة، عضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، أن «جهاز الأمن الوطني وصل إليه معلومات عن وجود خلية إرهابية خطيرة في منطقة الواحات البحرية (جنوب الجيزة)، كانت تعدّ وتجهز لارتكاب مجموعة من العمليات داخل المحافظات، واتخذت هذه المنطقة منطلقا لعملياتها لكونها قريبة من القاهرة والجيزة والمحافظات المركزية بالصعيد».
وأضاف عكاشة لـ«الشرق الأوسط» شارحاً: «كانت هناك خشية أن تنفذ هذه الخلية عملياتها الإرهابية في وقت قريب، فتقرّر التعجل في التوجه إلى هذا المكان لإجهاض العمليات». وأكد أن «العملية كانت مداهمة وإنقاذ في الوقت نفسه». وذكرت وزارة الداخلية أن 11 ضابطا وأربعة مجندين وفرد شرطة قتلوا في الهجوم، وأصيب 13 من الضباط والجنود، كما فقد أحد الضباط، في حين أعلنت الشرطة أنها قتلت 15 من المسلحين. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذا الهجوم.

طبيعة وعرة
تتمثل الصحراء الغربية في المنطقة الواقعة ما بين الوادي (وادي النيل) والدلتا من الجهة الشرقية، وحدود مصر مع ليبيا من الجهة الغربية، ويحدها من الجهة الشمالية البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى حدود مصر مع السودان جنوباً.
ويبلغ طول هذه الصحراء من الجنوب إلى الشمال نحو ألف كيلومتر، ومن الغرب إلى الشرق ستمائة كيلومتر، وتبلغ مساحتها الكلية قرابة 681 ألف كيلومتر مربع، ويمكن وصفها بأنها صحراء هضاب ومنخفضات.
ووفق العقيد حاتم صابر، الخبير الأمني والاستراتيجي في مجال الإرهاب الدولي بالقوات المسلحة، الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، فإن «حادث الواحات يشير إلى نقل العناصر الإرهابية مسرح العمليات من شمال سيناء إلى صحراء الواحات بعد انقطاع الدعم والإمداد للتنظيمات الإرهابية في سيناء، التي يقف خلفها بعض الدول الإقليمية على رأسها قطر». وتابع العقيد صابر أن «نجاحات الجيش المصري في سيناء، وحصاره للجماعات المسلحة في رقعة نسبتها لا تتخطى 1.5 في المائة من أراضي المحافظة، عوامل جعلت هذه التنظيمات تبحث عن مناطق جديدة لاستغلاها وتنفيذ عمليات إرهابية ترهق السلطات الأمنية وتستنفد قواها».
وعن طبيعة تلك الصحارى ودورها في المواجهات الأمنية، أشار العقيد صابر إلى أن «المعلومات الأولية في حادث الواحات الأخير، تشير إلى أن العناصر الإرهابية كانت متمركزة في مناطق مرتفعة، ونجحت في رصد القوات مبكراً فبادرت بإطلاق وابل من الرصاص على القوات بشكل مكثف، ما أسفر عن إلحاق أضرار وخسائر بالغة بجميع أفراد المأمورية الأمنية».
من جهة ثانية، يؤكد اللواء طارق المهدي، عضو المجلس العسكري السابق - وهو أيضاً محافظ سابق للوادي الجديد التابعة للصحراء الغربية -، أن «معظم العناصر الإرهابية التي تنفذ عمليات ضد أكمنة شرطية أو عسكرية في الصحراء الغربية آتية من الخارج، وهي تستغل المساحة الشاسعة للصحراء وعدم وجود اتصالات للاشتباك مع القوات أو تنفيذ عملية إرهابية، كما حدث في واقعة الهجوم على حافلة المسيحيين، عندما هاجم المسلحون الحافلة في نقطة صحراوية تنقطع عندها الاتصالات ولا تسير فيها دوريات أمنية ونجحوا في ارتكاب فعلتهم الشنعاء».
وتابع: «بالطبع لا توجد معسكرات إرهابية أو تجمّعات دائمة هناك، ومن السهولة أن تكشفها الطائرات المصرية التي تقوم بدوريات أمنية على الحدود، إلا أن الطبيعة الجغرافية لتلك البقعة الكبيرة، تشكل بين الحين والآخر منطلقا مناسبا لترتيب عمليات إرهابية متنوعة على معظم المحافظات المصرية».

الحدود مدخل للإرهابيين
يبلغ طول الحدود بين مصر وليبيا نحو 1100 كيلومتر، ويقع العبء الأكبر في تأمينها على الجانب المصري بسبب ضعف إمكانيات الجيش الليبي في الشرق، وانشغاله بمحاولة فرض الأمن والاستقرار وهزيمة الجماعات الإرهابية داخل عموم ليبيا.
وكما يوضح اللواء سمير فرج، رئيس الشؤون المعنوية السابق بالقوات المسلحة المصرية، فإن «ليبيا تمثل خطرا مباشرا للأمن القومي المصري»، ويستطرد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «جزءاً كبيراً من العناصر الإرهابية الآتية من عدة دول في العالم، وتقاتل حاليا في ليبيا، يحاول الدخول إلى الأراضي المصرية عبر المناطق الحدودية الهشة».
وباستثناء السلوم وسيوة، لا توجد مدن أو أي تجمّعات سكانية على طول الحدود المصرية الليبية. وتعدّ منطقة بحر الرمال - بمحاذاة الحدود مع ليبيا - التي يبلغ طولها نحو 150 كيلومترا وعرضها نحو 75 كيلومترا، أصعب ممر للعبور إلى داخل مصر.
وخلال السنوات الأخيرة الماضية أعلنت مصر عن إحباطها عدداً من عمليات إحباط تهريب أسلحة وسيارات دفع رباعي عبر الحدود مع ليبيا. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب حادثة حافلة أقباط المنيا، في مايو الماضي، إن «مصر تمكنت خلال العامين الماضيين من تدمير ألف سيارة دفع رباعي حين حاولت التسلل من ليبيا».
الإعلان عن إحباط تهريب أسلحة وتدمير سيارات دفع رباعي آتية من ليبيا، ازداد بشكل ملحوظ خلال العام الحالي، إذ أعلنت القوات المسلحة خلال مايو الماضي عن تدمير القوات الجوية المصرية 15 سيارة دفع رباعي محملة بالأسلحة على الحدود المصرية داخل ليبيا في عملية عسكرية استمرت قرابة الـ48 ساعة.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت القوات المسلحة المصرية عن إحباط محاولة مشابهة لتهريب أسلحة عبر الحدود مع ليبيا، بعد تدمير القوات الجوية 12 سيارة دفع رباعي محملة بالأسلحة والذخائر.
ويوم 23 أكتوبر الحالي أعلن الجيش إحباط القوات الجوية محاولة جديدة لاختراق الحدود الغربية، وتدمير 8 سيارات دفع رباعي محملة بكميات من الأسلحة والذخائر والمواد الشديدة الانفجار، والقضاء على العناصر الإرهابية الموجودة بداخلها. وذكر أن ذلك يأتي «مع استمرار تنفيذ القوات الجوية وعناصر حرس الحدود مهامهما بكل عزيمة وإصرار لتأمين حدود الدولة ومنع أي محاولة للتسلل أو اختراق الحدود على الاتجاهات الاستراتيجية كافة»، بالتزامن مع أعمال التمشيط والمداهمة للدروب والمناطق الجبلية لتتبع العناصر الإرهابية المنفذة للهجوم الإرهابي بمنطقة الواحات، واستمرارا للجهود المبذولة لتأمين حدود الدولة على جميع الاتجاهات الاستراتيجية.

تفاؤل بقرب الحسم
أخيراً، العقيد صابر يرى أنه رغم ضخامة العملية الإرهابية الأخيرة، فإنها «ستكون سبباً في القضاء بشكل كامل على العناصر الإرهابية في المنطقة بشكل عاجل». وهو يعتقد أن القوات المسلحة والفرق الأمنية «أحكمت قبضتها على المنطقة الجبلية بشكل كامل وبسطت سيطرتها على الأرض، وجارية حالياً عمليات ملاحقة المتهمين في الدروب الجبلية من أجل القضاء عليهم»، مؤكدا أنه «من السهل على القوات اصطياد تلك العناصر نظراً لوجودهم في ظهير صحراوي مكشوف بدلاً من أن يكونوا مختبئين في مناطق سكنية يصعب التعامل العسكري فيها». وحقاً، افتتحت مصر في يوليو الماضي «قاعدة محمد نجيب» العسكرية بمدينة الحمام، في محافظة مطروح بشمال غربي مصر، وهي القاعدة التي توصف بأنها الأكبر عسكريا في مصر وشمال أفريقيا، فيما بدا كمحاولة للتعامل مع الخطر القادم من الغرب.

أبرز الهجمات الإرهابية في مصر خلال عام 2017
شهد عام 2017 سلسلة هجمات استهدفت في معظمها قوات الأمن في شمال سيناء، إضافة إلى تجمّعات مسيحية متفرقة. ورغم سقوط عدد من الشهداء فإن قوات الأمن نجحت في تكبيد الجماعات المسلحة خسائر فادحة أيضاً.
> 9 أبريل (نيسان): تفجيران انتحاريان متزامنان يضربان كنيستي مار جرجس في طنطا والكاتدرائية المرقسية في الإسكندرية، أسفرا عن مقتل 46 شخصا وإصابة 126 آخرين، تبناهما تنظيم داعش.
> 19 أبريل: مقتل شرطي وإصابة أربعة في هجوم بالقرب من دير سانت كاترين بجنوب سيناء.
> 14 مايو: مقتل عسكريين مصريين، بينهم مقدم، في هجومين منفصلين بشمال سيناء.
> 26 مايو: هجوم مسلح على الطريق الصحراوي الغربي، استهدف عشرات الأقباط كانوا يستقلون 3 حافلات في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل في محافظة المنيا، وأسفر الهجوم عن مقتل 28 شخصاً وإصابة 24 آخرين.
> 18 يونيو: مقتل ضابط شرطة وإصابة 4 في انفجار عبوة ناسفة بالعاصمة المصرية القاهرة.
> 8 يوليو: مقتل 23 وإصابة 32 من الجيش المصري في هجمات بسيارات مفخخة في شمال سيناء.
> 9 أغسطس: مقتل 4 رجال شرطة مصريين في هجوم مسلح بشمال سيناء.
> 11 سبتمبر: مقتل 18 شرطيا في هجوم على قافلة أمنية بمدينة العريش كبرى مدن شمال سيناء.
> 13 أكتوبر: مقتل ستة مجندين وإصابة أربعة في هجوم بمدينة العريش.
> 15 أكتوبر: مقتل ستة جنود في هجوم على حاجزين للجيش في شمال سيناء.
> 20 أكتوبر: 16 قتيلا من الشرطة في مواجهات بين الأمن ومسلحين في الواحات بالصحراء الغربية.


مقالات ذات صلة

تركيا: استضافة لافتة لرئيس وزراء كردستان ورئيس حزب «حراك الجيل الجديد»

شؤون إقليمية إردوغان مستقبلاً رئيس وزراء إقليم كردستاني العراق مسرور بارزاني (الرئاسة التركية)

تركيا: استضافة لافتة لرئيس وزراء كردستان ورئيس حزب «حراك الجيل الجديد»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، بالتزامن مع زيارة رئيس حزب «حراك الجيل الجديد»، شاسوار عبد الواحد

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا جنود ماليون خلال تدريبات عسكرية على مواجهة الإرهاب (أ.ف.ب)

تنظيم «القاعدة» يهاجم مدينة مالية على حدود موريتانيا

يأتي الهجوم في وقت يصعّد تنظيم «القاعدة» من هجماته المسلحة في وسط وشمال مالي، فيما يكثف الجيش المالي من عملياته العسكرية ضد معاقل التنظيم.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مقاتلان من الفصائل الموالية لتركيا في جنوب منبج (أ.ف.ب)

تحذيرات تركية من سيناريوهات لتقسيم سوريا إلى 4 دويلات

تتصاعد التحذيرات والمخاوف في تركيا من احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات بين الفصائل و«قسد» في شرق حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ علم أميركي يرفرف في مهب الريح خلف سياج من الأسلاك الشائكة في معسكر السجن الأميركي في خليج غوانتانامو (د.ب.أ)

بايدن يدفع جهود إغلاق غوانتانامو بنقل 11 سجيناً لعُمان

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها نقلت 11 رجلاً يمنياً إلى سلطنة عُمان، هذا الأسبوع، بعد احتجازهم أكثر من عقدين من دون تهم في قاعدة غوانتانامو.

علي بردى (واشنطن )
أميركا اللاتينية شرطة فنزويلا (متداولة)

السلطات الفنزويلية تعتقل أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب

أعلن وزير الداخلية الفنزويلي ديوسدادو كابيلو، الاثنين، أن السلطات اعتقلت أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب، عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس )

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.