بالأزرق والأبيض تستقبلك بلدة أنفه الشمالية (قضاء الكورة) التي تبعد نحو 45 كيلومترا عن العاصمة بيروت. وعلى مدخل هذه البلدة ستلقى ترحيبا من نوع آخر يتمثلّ بتحية هوائية ترشقك بها دواليب الهواء المنتصبة هناك والتي تعدّ رمزاً من رموز تراثها العريق عندما كانت تستخدمها البلدة في صناعة الملح المشهورة به.
بيوت صغيرة بيضاء ذات شبابيك خشبية زرقاء تنتشر على طول شاطئ شبه جزيرة تعرف بـ«تحت الريح» ستذكّرك بمشهد أوروبي من بلاد اليونان وبالتحديد بجزيرة «سانتوريني» المعروفة، والتي تيمناً بها أطلق على بلدة أنفة لقب «أنفوريني».
قد تكون أنفه من البلدات اللبنانية القليلة، حيث في استطاعة السائح أن يمضي فيها أيام العطلة ممارساً هوايات كثيرة كالسباحة والسير على الأقدام وتناول أطباق ثمار البحر على أنواعها وكذلك إن ينزل في أحد منتجعاتها السياحية لقضاء ليلة هادئة، فينام على هدير الموج ويستفيق على أشعة شمس لا تغيب عن سمائها.
أماكن سياحية كثيرة تتضمنها بلدة أنفه تتنوّع ما بين قلعتها الأثرية وشاطئها الفضّي وملّاحاتها العريقة، إضافة إلى مطاعمها المنتشرة هنا وهناك فتصيبك الحيرة حول أي منها تختار.
قلعة أنفه ومعالمها الأثرية
تعدّ أنفه بلدة أثرية لم يتمّ التعرّف إلى معالمها إلا بعد أن قامت جامعة البلمند بأبحاث ميدانية لاكتشافها إثر توقيعها اتفاقية تفاهم مع بلديتها حول هذا الموضوع. اندهش علماء الآثار بالمعالم التي تحتضنها هذه البلدة. وأهمها قلعة أنفه التي تتميز بوجود خندق محفور في الصخر، والذي يبلغ طوله نحو خمسين متراً وعرضه عشرين متراً وارتفاعه عشرين متراً. ويشكل نوعاً من «ترعة» تصل المياه بالمياه من وسط الرأس الحجري، كما أن الخندق بكامله نقش بالمطرقة والإزميل.
معالم حفر ارتكاز أساسات أسوار القلعة واضحة حتى اليوم مع بعض من أبراجها الاثني عشر الممتدة على طول الشاطئ مع بقايا من أكبر أسوار فيها والذي ما زال منتصباً عند نهاية الرأس. ويضم الشاطئ الشمالي للرأس خمسة منحدرات صخرية. وقد جرّ الأقدمون مياه «نبع الغير» إلى القلعة عبر شبكة من القساطل الفخارية المميزة التي وجدت تمديداتها عند حفر أساسات الكثير من البيوت الحديثة.
كما فيها كنيسة «سيدة الريح» المبنية على أنقاض كنيسة أخرى يتردد أنها عجائبية يقصدها أهالي منطقة الشمال من طرابلس وأهدن وغيرها كي يرزقوا بطفل ثانٍ، فيمسك الوالد ابنه البكر من رجله ويغطسه بأكمله في مياه بئر السيدة، طالباً منها أن ترزقه أخاً أو أختاً. ويعود تاريخ هذه الكنيسة إلى القرن الثالث عشر ميلادي تحتضن جداريات مزخرفة إضافة إلى خزّانات مياه محفورة على شكل قبو وفي داخلها قطع فخارية تؤرخ للقرن السادس قبل الميلاد في الفترة الفينيقية.
شاطئ «تحت الريح» السياحي
يقع شاطئ «تحت الريح» شمال قلعة أنفه. وهو يُعَدّ خليجاً طبيعياً لامتداده الصخري العمودي العميق في البحر مما يجعل مياهه نظيفة وصافية. جاءت تسمية الموقع نتيجة طبيعته الجغرافية المحمية من الرياح الغربية - الجنوبية، ومن التيارات البحرية وهو ما شجع على السباحة وصيد الأسماك فيه.
بدأ شاطئ «تحت الريح» يرسم خطوطه السياحية في أنفه إثر إيقاف العمل بالملاحات التي كانت تشكّل مصدر رزق لأصحابها، وليتم استبدالها فيما بعد بشاليهات قائمة على الشاطئ. وصنّف هذا الشاطئ معلماً أثرياً منذ عام 1972. ومؤخراً ارتدت هذه المنطقة حلة جديدة تميّزت بالأبيض والأزرق نظراً لتشبيه السيّاح الأجانب شاطئ أنفه بجزر اليونان، وامتلأت بالزوّار من مختلف المناطق اللبنانية لا سيما أن دخولها مجاني وعادة ما يقصدها الناس لنظافة مياهها ووسائل الترفيه وخدمات المأكل والمشرب الموجودة فيها.
أسواق أنفه القديمة
تتميّز أنفه بأسواقها التراثية التي هي عبارة عن مزيج ما بين العمارة الحديثة والقديمة. يبلغ طول هذه السوق نحو كيلومترين تشتهر بدكاكين بيع الأسماك الطازجة وملح أنفه الطبيعي والخالي من أي مواد صناعية. كما يحتوي على مقاه ومطاعم ومحلات خياطة وبيع الحبوب والمونة اللبنانية وغيرها.
وتحيط بالسوق حديقة عامة كانت في الماضي بمثابة بيدر لدرّ القمح يستخدمها أهل البلدة لحصد محصولهم الزراعي. وهي مطلّة على الشاطئ لتكشف على مناظر طبيعية جميلة يحلو لزائرها متابعة غروب الشمس من على أحد مقاعدها الخشبية. ومن السوق في استطاعتك استئجار مركبة أو سيارة للقيام بجولة في شوارع البلدة الضيّقة والتعرّف إلى مغاورها المحفورة بالصخر وزيارة ما تبقى من ملاحاتها، أو الإبحار في زرقة مياه شاطئها والذي تجري العادة بأن يمرّ الزائر من تحت جسر قديم في البلدة كانت تحيط به الملاحات في الماضي القريب. هناك يتضرّع الزائر إلى ربّ العالمين من أجل تحقيق أمنية له.
بيوت ضيافة ومنتجعات سياحية لإقامة مريحة
في أنفه بيتا ضيافة مشهوران، وهما كناية عن منزلين لعائلتين منها (شحادة فوز وزياد خبّاز)، تحوّلا إلى نزلين يقيم في غرفهما زائر أنفه. هناك في إمكانه أن يمضي ليلة هادئة ويستفيق باكراً لتناول «ترويقة أنفوية» بامتياز تتألّف من اللبنة البلدية والمنقوشة على الصاج والبيض المقلي الطازج.
ومن بين المنتجعات السياحية المعروفة فيها «لاس ساليناس» و«مارينا ديل سول».
منتجع لاس ساليناس
يقع منتجع لاس ساليناس على شاطئ أنفه ويبعد نحو 10 دقائق عن مدينة طرابلس. يضم 5 مسابح داخلية وفي الهواء الطلق وملاعب للتنس وأخرى لكرة السلة وملعب إسكواش وغرف ألعاب للأطفال وجيم وسونا وغرفة بخار وحوض استحمام ساخن، بالإضافة إلى مركز للبولينغ ودور سينما ومركز للترفيه وميناء وسنسول لليخوت.
كما يحتوي على 8 غرف وجناح واحد و11 شاليها مفروشة بتصميم كلاسيكي مزوّدة بأجهزة التكييف وجميع وسائل الراحة.
يمكن للنزلاء الاسترخاء وقضاء فترة ظهيرة مريحة على ممشى الشاطئ على «السنسول» الخاص بالمنتجع، وكذلك التمتع بغروب الشمس وتناول الطعام في مطعمه المطلّ على شاطئ البحر.
منتجع مارينا ديل سول
يعدّ منتجع «مارينا ديل سول» أحد أكبر المسابح في بلدة أنفه. وهو يتألّف من شاليهات (نحو 60 شاليها) يتم استئجارها من قبل الزوّار، بحيث يستطيعون أن يختاروا الأنسب لهم منها كونها متعددة الأحجام. وإلى جانب بركتي السباحة وإحداها تعتمد القياسات الأولمبية والثانية خاصة بالأطفال، ابتكر المنتجع فسحة من العشب الأخضر لهواة التسمّر على العشب. جميع الخدمات مؤمنة لنازل هذا المرفق السياحي المزوّد أيضاً بملعب كرة مضرب. كما فيه مطعمان أحدهما من نوع «سناك» يقدّم الأطباق السريعة وآخر يحمل اسم المنتجع ويقدم المأكولات اللبنانية ولا سيما تلك المؤلّفة من ثمار البحر والأسماك على أنواعها.