نازحو غوطة دمشق يطعمون أطفالهم أوراق الجرائد... ودعوات لتدخل دولي

نفاد مخزون حليب الأطفال يهدد حياتهم

رجل مصاب بين أفراد عائلته في غوطة دمشق (أ.ف.ب)
رجل مصاب بين أفراد عائلته في غوطة دمشق (أ.ف.ب)
TT

نازحو غوطة دمشق يطعمون أطفالهم أوراق الجرائد... ودعوات لتدخل دولي

رجل مصاب بين أفراد عائلته في غوطة دمشق (أ.ف.ب)
رجل مصاب بين أفراد عائلته في غوطة دمشق (أ.ف.ب)

«لم يجد سكان مخيمات النازحين في الغوطة الشرقية لدمشق غير أوراق الصحف، لإطعام أولادهم مع وجبة الطعام. فالخبز تحول إلى وجبة نادرة، وإذا وجدت، يحتكرها التجار الذين رفعوا سعر الكيلو الواحد من 300 ليرة إلى 1300 ليرة سورية، وهو ما لا طاقة للفقراء من سكان المخيمات به... فاستبدلوا به أوراق الجرائد!».
هذه خلاصة الوضع الإنساني في الغوطة الشرقية لدمشق، حيث يحاصر النظام السوري وحلفاؤه 350 ألف شخص، ولم يدخل المساعدات الإنسانية إليهم منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. نفد مخزون حليب الأطفال من المستودعات، كما يقول عبد الملك عبود، أحد منسقي حملة «الأسد يحاصر الغوطة»، لـ«الشرق الأوسط»، وهو ما فاقم معاناتهم إلى حدود وفاة طفلين أواخر الأسبوع الماضي نتيجة سوء التغذية، بينما يعاني مئات آخرون من نقص التغذية، مما يهدد حياتهم.
ووثَّق تقرير نشرته «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» أمس، مقتل ما لا يقل عن 397 مدنياً، بينهم 206 أطفال، و67 سيدة، بسبب الجوع ونقص الدواء؛ تحديداً منذ بداية الحصار على الغوطة الشرقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2012 حتى 22 أكتوبر 2017. كما نوَّه بأنَّ معظم الوفيات حصلت بين الفئات الهشَّة، كالأطفال الرضع، وكبار السن، والمرضى، والجرحى.
والأطفال، ليسوا إلا جزءاً من ضحايا سكان الغوطة المهددين بالموت. والعائلات الأخرى، التي تعد ميسورة إلى حد ما؛ أي القادرة على شراء الخبز، لا سبيل لها سوى توفير وجبة واحدة من الطعام لأطفالها. يقول عبد الملك إن أغلب العائلات باتت تحضر وجبة واحدة فقط؛ قوامها الذرة المسلوقة أو الخضراوات المسلوقة. أما الخبز؛ «فلا يشتريه إلا الأغنياء بسبب ارتفاع سعره». ويقارب سعر كيلو الخبز الواحد، الدخل اليومي لعائل الأسرة البالغ 1500 ليرة سورية، علما بأن ندرة فرص العمل، جعلت واحدا فقط من أسرة مؤلفة من 5 أشخاص، قادراً على إيجاد فرصة عمل (الدولار الأميركي يساوي 500 ليرة).
وفي محاولة للتحايل على أطفالها الجائعين، تغلي منال قدراً مملوءاً بالمياه على النار، موهمة إياهم بأنها تعد طعاماً لا تقوى على توفيره، على غرار عائلات كثيرة تعجز عن تأمين قوتها في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق. وتقول منال، التي تقيم مع زوجها وأطفالها الأربعة في منزل متواضع بمدينة حمورية في الغوطة الشرقية، لوكالة الصحافة الفرنسية، بتأثر شديد: «أملأ قدراً كبيراً بالمياه لأوهم أبنائي أنني أطهو الطعام لهم إلى أن يناموا بعدما ينهكهم الانتظار».
ويعاني أكثر من 1100 طفل في الغوطة الشرقية، أحد آخر معاقل الفصائل المعارضة، من سوء تغذية حاد، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، جراء حصار محكم تفرضه قوات النظام منذ عام 2013. ورغم سريان اتفاق لخفض التوتر في المنطقة وتوقف الأعمال القتالية، فإن ذلك لم ينسحب تحسناً على إدخال المساعدات الإنسانية. ولا يمكن لقوافل المساعدات الدخول إلى الغوطة الشرقية إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من النظام السوري. ودخلت آخر قافلة مساعدات غذائية وطبية ومستلزمات أخرى إلى 3 مدن فقط في الغوطة الشرقية، في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وساهم التوصل إلى اتفاق خفض التوتر في آستانة في مايو (أيار) الماضي، الذي بدأ سريانه في منطقة الغوطة الشرقية عملياً في يوليو (تموز) الماضي، في توقف المعارك والغارات العنيفة التي كانت تستهدفها متسببة بدمار كبير في الأبنية والبنى التحتية، وموقعة خسائر بشرية كبرى.
لكن توقف القتال لم يُترجم على صعيد تكثيف وتيرة إدخال المساعدات، وأعلنت روسيا بعد سريان الاتفاق توزيع أكثر من 10 آلاف طنّ من المساعدات الغذائيّة في الغوطة الشرقية. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «عملية التوزيع تمت لمرتين على أحد الحواجز، ثم توقفت إثر ذلك».
وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا إنجي صدقي لوكالة الصحافة الفرنسية أمس: «الحاجات الإنسانية في الغوطة الشرقية ضخمة، ويتوجب بذل مزيد من الجهود». وشددت على أن «الوضع يزداد سوءاً»، مضيفة: «نعلم من خلال تجارب سابقة أنه يمكن للأوضاع أن تتدهور سريعاً وتصل إلى مراحل مأساوية حين يعتمد السكان على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية».
ويعدّ غياب حليب الأطفال من أبرز المشكلات التي تعاني منها الغوطة اليوم. يقول عبد الملك لـ«الشرق الأوسط» إن المخزون من حليب الأطفال «استنفد تماماً»، مؤكداً أنه «خلال شهرين، ازداد عدد الذين يعانون من سوء التغذية والمعرضة حياتهم للخطر».
هذا الوضع ينسحب على المئات من المرضى المهددة حياتهم بالخطر. ويشير عبد الملك إلى أنه «يقبع حاليا أكثر من 600 مريض بحاجة لأدوية سرطان، و360 مريضاً يحتاجون لإخلاء فوري لأن حالاتهم المرضية تحتاج لعلاج سريعاً»، مؤكداً أن هناك «تقصيراً من ناحية المنظمات الإنسانية».
ويقول ناشطون سوريون إن النظام كان يقطع المواد التجارية عن سكان الغوطة، منذ إحكام حصاره عليها في أكتوبر 2013، للضغط على الناس للقبول بالمصالحات، لكنه «لم يدخل المواد الإغاثية إلا بعد ضغوط دولية، وعبر التجار التابعين للنظام». وعدا ذلك، لم يعانِ السكان من آثار الحصار، كما هي الحال في مدن وبلدات أخرى بريف دمشق في وقت سابق، بسبب وجود مساحات زراعية واسعة في الغوطة الشرقية، كانت تزرع بالحبوب والخضراوات والمزروعات الموسمية. أما الآن؛ «فإن سيطرة النظام على مساحات واسعة بالمرج في شرق الغوطة، وعلى البساتين في جنوبها، حرم السكان من فرصة الحصول على ما يبقيهم أحياء».

تنديد سياسي بالحصار

ونددت المعارضة السورية بسياسة الحصار التي يتبعها النظام السوري في الغوطة الشرقية؛ إذ أعلنت «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة أن استغلال النظام الصمت الدولي «المريب» في ارتكابه «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين العزل وفرض الحصار والتجويع»، هو «إرهاب تمارسه منظومة الإجرام دون حرج أو خجل، في غياب المحاسبة»، لافتة إلى أن الأمم المتحدة، أو أياً من هيئاتها أو أعضاء مجلس أمنها، «لم تحرك ساكناً».
وأكدت «الهيئة» أن «الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد ومرتزقته ولا يتردد في ارتكابها متحديا كل القرارات الدولية، لا يمكن الصمت عليها»، مطالبة الأمم المتحدة وأمينها العام والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الراعية لمفاوضات جنيف، بتحمل مسؤولياتها، والعمل على «فرض التطبيق الفوري للبندين 12 و13 من القرار الدولي (2254)، ورفع المعاناة عن المحاصرين، وتأمين الحماية لهم، وتأمين وصول ما يحتاجون إليه من الغذاء والدواء... والضغط على النظام لوقف خروقاته لاتفاقية خفض التوتر، ووقف التصعيد العسكري... ودخول بعثة أممية للتقصي ومتابعة أوضاع المحاصرين في الغوطة... وفتح الممرات الإنسانية لحركة المدنيين والمنظمات المدنية والمواد الإغاثية... ومحاسبة من يقف وراء هذه الجرائم».
من جهته، قال «المرصد» أمس: «لم يكن مايو (أيار) شهراً عادياً بالنسبة لغوطة دمشق الشرقية؛ بل كان توقيتاً لبدء الجوع، توقيتاًً لبدء عودة الأمراض وتفشيها في الغوطة الشرقية، توقيتاً لإعلان مزيد من الموتى، وهذه المرة ليس بالقذائف والغارات والصواريخ والطلقات النارية، بل عبر تغييب رغيف الخبز وعلبة الدواء ومصل اللقاح وحقنة العلاج، والفاعل الروسي كان الرئيسي والقائد لهذه العملية، عبر دعم مباشر لقوات النظام للسيطرة على أحياء دمشق الشرقية وإنهاء تواجد المقاتلين فيها في منتصف مايو الفائت، وإنهاء مسلسل الأنفاق والتهريب عبرها بين شرق دمشق وغوطتها المتصلة معها». وأضاف أن قوات النظام «منعت منذ الـ24 من يوليو دخول أي مواد غذائية أو إنسانية أو طبية إلى الغوطة الشرقية».



البرد يهدد حياة 67 ألف أسرة يمنية في مخيمات النزوح

موجة الصقيع تسببت العام الماضي في وفاة عدد من سكان المخيمات في اليمن (إعلام حكومي)
موجة الصقيع تسببت العام الماضي في وفاة عدد من سكان المخيمات في اليمن (إعلام حكومي)
TT

البرد يهدد حياة 67 ألف أسرة يمنية في مخيمات النزوح

موجة الصقيع تسببت العام الماضي في وفاة عدد من سكان المخيمات في اليمن (إعلام حكومي)
موجة الصقيع تسببت العام الماضي في وفاة عدد من سكان المخيمات في اليمن (إعلام حكومي)

أطلقت الوحدة الحكومية المعنية بمخيمات النازحين في اليمن نداءً عاجلاً للأمم المتحدة والمنظمات الدولية لإنقاذ حياة آلاف الأسر التي تعيش في مخيمات النزوح بمحافظة مأرب نتيجة البرد القارس.

يأتي هذا في وقت كشف فيه برنامج الأغذية العالمي عن مواصلته توزيع المساعدات الطارئة في مناطق سيطرة الحوثيين، واستبعاده نحو مليون شخص في مناطق سيطرة الحكومة من قوائم المستفيدين من المساعدات الغذائية نتيجة نقص التمويل، ونحو مليون طفل من التغذية المدرسية للسبب ذاته.

يعيش النازحون داخلياً في اليمن داخل مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة (إعلام حكومي)

وذكرت الوحدة المعنية بإدارة مخيمات النازحين في بيان لها أن نحو 67941 أسرة تعيش في 203 مخيمات وفي مساكن مؤقتة «غير محمية من البرد الشديد» الذي يهدد حياة آلاف الأطفال وكبار السن في ظل غياب مواد التدفئة والخدمات الأساسية. وقالت إن السنوات الماضية شهدت حالات وفاة بسبب البرد الشديد.

وإذا لم تُقدَّم مساعدات طارئة هذا العام، قالت الوحدة الحكومية إن «الخطر لا يزال قائماً»، داعية الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية إلى التحرك السريع لـ«إنقاذ النساء والأطفال وكبار السن في مخيمات مأرب» التي تضم أكثر من 60 في المائة من النازحين في اليمن.

وطالبت الوحدة المعنية بشؤون النازحين بتوفير مستلزمات الشتاء من الأغطية والملابس ووسائل التدفئة، وتحسين المساكن المؤقتة لضمان حماية النازحين الذين يعيشون في ظروف سيئة، ويواجهون مخاطر المجاعة بسبب نقص المساعدات الغذائية نتيجة نقص التمويل المقدم من المانحين لخطة الاستجابة الإنسانية.

مساعدة الأكثر احتياجاً

ذكر برنامج الأغذية العالمي أنه أكمل توزيع الدورة الأولى من برنامج المساعدات الغذائية الطارئة المستهدفة في نوفمبر (تشرين الثاني)، في مناطق سيطرة الحوثيين، وأنه يستعد لتوسيع البرنامج بشكل أكبر. وبيّن أن النقص الشديد في التمويل اضطره إلى توجيه المساعدات فقط إلى أولئك الأكثر احتياجاً؛ مما يدفع إلى استهداف صارم وتحديد الأولويات لتعظيم استخدام الموارد النادرة.

وفي المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً، بدأ البرنامج توزيع الأغذية في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، مع إعطاء الأولوية لـ2.8 مليون شخص للحصول على المساعدات الغذائية، حيث تُظهر أحدث البيانات تدهوراً شهرياً في استهلاك الغذاء على مستوى البلاد خلال أكتوبر (تشرين الأول).

نقص التمويل حرم مليون طفل يمني من برامج التغذية المدرسية (إعلام حكومي)

وأعاد البرنامج الأممي أسباب ذلك التدهور في المقام الأول إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ونقص المساعدات الغذائية المقدمة في المناطق الخاضعة للحوثيين، بالإضافة إلى ندرة الأنشطة المدرة للدخل على مستوى البلاد.

ووفق البرنامج، تجاوزت جميع المحافظات في اليمن عتبة «عالية للغاية» (20 في المائة) لاستهلاك الغذاء السيئ في أكتوبر، مع إفادة أكثر من نصف الأسر بتبني استراتيجيات تكيّف شديدة تعتمد على الغذاء.

نقص التمويل

ذكر برنامج الغذاء العالمي أن الاستهلاك غير الكافي للغذاء كان أعلى في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، حيث وصلت تكلفة سلة الغذاء الدنيا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، فيما يتعلق باستمرار انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار الوقود.

واعتباراً من دورة توزيع الشهر الحالي، يقوم البرنامج بتقليص عدد الأشخاص المستهدفين بالمساعدات الغذائية من 3.6 مليون إلى 2.8 مليون شخص كجزء من جهود تحديد الأولويات في إطار عملية إعادة الاستهداف والتسجيل.

ونبّه البرنامج إلى الآثار المترتبة على نقص التمويل، وقال إنه يواجه نقصاً في التمويل، ويحتاج بشكل عاجل إلى مزيد من الدعم من الجهات المانحة لكي يتسنى له توسيع نطاق المساعدات الغذائية وتلبية الاحتياجات بصورة كافية.

وأكد أنه لم يكن باستطاعته استهداف سوى مليون طفل تقريباً من أصل مليونَي طفل كان من المقرر الوصول إليهم على مستوى اليمن خلال العام الدراسي 2024-2025.