التربية وقراءة العمل الفني

المدرسة العربية لم تقم بواجبها

التربية وقراءة العمل الفني
TT

التربية وقراءة العمل الفني

التربية وقراءة العمل الفني

نادرون هم الفنانون التشكيليون العرب الذين قدموا دراسات نقدية في الفن التشكيلي، وطريقة تذوق الفن، وقراءة الأعمال الفنية، ومن هؤلاء الفنان التشكيلي موسى الخميسي، المقيم في إيطاليا، بكتابه «مناهج التربية الفنية في المدارس والمعاهد - التربية الجمالية في الفكر المعاصر»(*).
الكتاب من القطع الصغير لكنه كبير في محتواه وفائدته وتأثيره وضرورته، على الأخص في قضية التربية الفنية للأطفال العرب في مراحل متتالية من دراستهم وتطورهم العقلي والفني وتغير مستوى الإدراك والحس لديهم من شكله البسيط إلى المركب، وفق تعاقب السنين وتراكم التجارب.
التربية الفنية هي البنية التحتية لمجمل وسائل معرفة الذات والعالم. يقول الخميسي في مقدمته للكتاب: «المقصود بالتربية عن طريق الفن أن يكون الفن وسيلة من الوسائل التربوية التي تقوّم وتهذب السلوك الإنساني، لأن الفن بطبيعته، وعبر مساره التاريخي المصاحب للحضارات والديانات البشرية، كان ولا يزال ملازماً ومنحازاً لجانب الخير والحق ما لم تفسد الفطرة».
ولأن الفكرة الجمالية محاولة لإحداث ذلك التوازن الضروري بين الإنسان ومحيطه، فهي تكف عن أن تكون فكرة هلامية مجردة عند المولعين بتأمل ذاتي معزول عن المحيط وبتجريد عناصر الوجود من تفاعلاتها العميقة وتشابك بعضها مع بعض في حركة جدل أزلية، وتقع في صميم الحياة اليومية للناس، حسب أولويات حاجاتهم، فليس على المرء أن يتغيب عن عمله، مثلاً، ليذهب إلى معرض فني أو لحضور مسرحية أو حفل موسيقي، لكن التأجيل، هنا، عابر وعرضي بينما الحاجة إلى الحفل الموسيقي والمعرض الفني والعرض المسرحي تظل قائمة وملحة، هذه الحاجة «تتمثل بالشروع في البحث عن عوامل إشباعها لتتراءى لنا بلونها وصفائها، لأن الفن هو ابن الحياة ورفيق الإنسان منذ أن وُجد على الأرض وفي خطى التطور الأولى الشاقة وهو الصاحب في الكفاح الجبار، اليوم، من أجل الانتصار والسلطان على الطبيعة» حسب الكتاب.
مرت السيرة الذاتية للفن بمراحل معقدة وتطورت بجهود الفنانين أنفسهم، ومعهم سائر المشتغلين بقضايا الفن ونقده وتأريخه وترويجه واختراعاته، لتتحق تلك الوثبات الكبرى، الحاسمة، التي نقلته من طابعه الفطري إلى مراحله ومدارسه المعاصرة، وخضع الفن لمجهر علوم وعلماء متعددين، حتى أصبح هو نفسه علماً (علم الجمال) الذي لم يزل بدوره مدار بحث وسجالٍ واختلاف، لكن جوهر الفن الأساسي لم يزل صامداً في أعمال الفنانين وهم ينظرون بأعين متنوعة إلى وجود واحد، هو متنوع أيضاً، في الوقت نفسه.
أرى، كقارئ، أن الجسم الأساسي للكتاب (التربية الجمالية للطفل العربي) يلبي حاجة ملحة في مدارسنا العربية وبيوتنا، كذلك، وهي الفضاء الصغير الذي يعيش فيه هذا الطفل، ومنه يستقي لغته الأم ومفاهيمه الأولى والأسماء الأولى، وسط سياسة تربوية أقل ما يقال عنها إنها قاصرة، لأنها جعلت من درس التربية الفنية، أسوة بالنشيد والرياضة، وقتاً للراحة، بل درس شاغرٌ، في أحيان عدة، أو ترفيهية في أفضل الأحوال، ولهذا السبب، مع أسباب ثقافية وأكاديمية، وحتى سياسية، نرى ندرة الحضور العربي في فنون العالم لأن المدرسة العربية، مصنعاً تربوياً أساسياً، لم تقم بواجبها المهم: تربية الطفل فنياً وإعداده بما يجعل منه فنان المستقبل المنتظر، على أرضية تربية الطفل فنياً وتهذيب حواسه لتلقّي الفن والتمتع به، كأن المسؤولين عن التربية في مدارسنا نسوا أن العصور العربية والإسلامية زخرت بالأعمال الفنية وإن اقتصرت على قصور الخلفاء والسلاطين وذوي النفوذ، لكنها دخلت في لائحة فنون وآداب تلك العصور، وثمة شواهد شاخصة حتى اليوم.
رغم أن الخميسي وضع كتابه وهو في حالة استغراق كبير في تأملاته الفنية، وإن كان أكاديمياً وحتى تعليمياً في بعض المواضع، وهذا لكي يتيح الفرصة لمستويات قرائية متنوعة ومتفاوتة، لكنه (الخميسي) جعل من هذا الاستغراق قرين المسؤولية في كشف الكثير من الغامض والملتبس والمثير للجدل وسط زحمة الأفكار والمفكرين وتعدد المفاهيم واختلاطها أحياناً، مثل التباس الفني والجمالي، ليستشهد باللساني والروائي والناقد الإيطالي أمبرتو إيكو وهو يفض الاشتباك بين «الجمال» و«الفن»، إذ ليس كل «جميل» قرين «الفني» ولا كل «فن» قرين «الجميل».
الخلاصة:
بما أن الفن كاللعب، في حياة الطفل والفتى والمراهق، حاجة نفسية بهدف تحقيق المتعة، يتطلب من الأهل تنظيم وقت الطفل، خصوصاً وسط إغراءات ثورة المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة، وتوجيهه إلى ضرورة تنمية حسه الجمالي عبر تذوق الفن وممارسته.
يشدد الباحث: «على إمكانية إضفاء صيغة النفعية والوظائفية على الفن باعتبار رفض فكرة أن هناك حقيقة مطلقة، أو قيماً تملي الفعل وتعطيه معناه وقيمته، بل إن الفعل يفرز القيم وترتبط قيمته ومعناه بنتائجه. كما أننا نعتقد أنه يمكن أيضاً إضفاء الطابع الجمالي، فالخبرة الجمالية ظاهرة بشرية تطاول شتى خبراتنا اليومية العادية».
كتاب أكثر من جدير بالقراءة، أي يمكن أن يدخل في مناهج التربية الفنية العربية، في مدارسنا ومعاهدنا، كما أنه ضروري للمعلمين والمدرسين في هذا الميدان، خصوصاً معاهد إعداد المعلمين، وسائر الكورسات والورش الفنية المكرسة لهذه الغاية.
الكتاب مدعّم بعشرات المصادر العربية والأجنبية، ويدخل هذا في باب إخلاص الباحث لبحثه ومصداقيته مع القارئ.

(*) الكتاب الفائز بالجائزة الثانية للبحث النقدي التشكيلي من حكومة الشارقة، دائرة الثقافة والإعلام - إدارة الشؤون الثقافية.



«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
TT

«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)

وسط أجواء من الفرح والأنشطة المتنوعة، عادت المدن حول العالم لتزيين شوارعها واستقبال موسم الميلاد بألوان زاهية، من بيت لحم وغزة إلى الأقصر في مصر وسيدني في أستراليا، معبرة عن الأمل وتجدد الحياة رغم التحديات.

قداس عيد الميلاد في كنيسة المهد ببيت لحم مع مسيرة كشافة فلسطينية (أ.ف.ب)

شهدت بيت لحم والأراضي الفلسطينية احتفالات ميلادية بعد عامين خيّم عليهما النزاع في غزة، حيث عادت الحياة تدريجياً بعد اتفاق وقف إطلاق النار. شارك المئات في ساحة المهد وشارع النجمة في قداس ومسيرة للكشافة، وسط أصوات الطبول وألحان الترنيم الميلادي.

رئيس الوزراء الأسترالي ألبانيزي يقدم الطعام في غداء عيد الميلاد بسيدني (إ.ب.أ)

وقالت كاتياب عمايا، إحدى المشاركات في الكشافة، إن عودة الاحتفالات تمثل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة، وتمنح سكان غزة الأمل في مستقبل أفضل. وأكد السكان أن الاحتفالات تعكس رغبتهم في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح، بعد فترة من عزوف الزوار وارتفاع معدلات البطالة.

في غزة، أحيا المسيحيون قداس الميلاد في الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة بعد وقف إطلاق النار، معبرين عن رغبتهم في عودة الحياة الطبيعية إلى المدينة.

شجرة عيد الميلاد المضيئة في إحدى حدائق بكين (أ.ف.ب)

احتفلت الأقصر التاريخية في صعيد مصر بعيد الميلاد بعروض فلكلورية وألعاب التحطيب، على أنغام الربابة والمزمار، مستعرضة إرث المصريين القدماء في الاحتفال بالأعياد والمواسم. واستمرت الاحتفالات طوال فترة الميلاد ضمن فعاليات الدورة الـ15 للمهرجان القومي للتحطيب، ما أضفى بهجة وفرحاً على السكان والزوار.

أعضاء جوقة أغابي يقدمون عرضاً بمتحف الحضارة المصرية بالقاهرة (أ.ب)

شهد شاطئ بونداي في أستراليا احتفالات محدودة بسبب هجوم إرهابي أودى بحياة 15 شخصاً قبل أيام، حيث حافظ المشاركون على طقوس الميلاد مع احترام ذكرى الضحايا، وسط تعزيز الإجراءات الأمنية، بينما قلل الطقس العاصف من عدد المحتفلين.

وفي الوقت نفسه، تواجه بعض مناطق العالم ظروف طقس صعبة، مثل كاليفورنيا التي أعلنت السلطات فيها حالة الطوارئ تحسباً لفيضانات محتملة، ما يعكس التحديات المتعددة التي تواجه المجتمعات خلال موسم الأعياد.

أوكرانيون يرنمون للميلاد حاملين نجوم بيت لحم وسط مدينة لفيف (إ.ب.أ)

على الرغم من الظروف الصعبة، حملت الاحتفالات الميلادية هذا العام رسائل فرح وتجدد للأمل، سواء في فلسطين أو مصر أو أستراليا. وتجسد هذه الفعاليات قدرة المجتمعات على التعبير عن التضامن والحياة المشتركة، والحفاظ على التراث والثقافة، حتى في أصعب الأوقات.


«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
TT

«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

رغم إعلان محافظة القاهرة نقل رفات أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 - 1932) إلى مقابر الخالدين التي تضم رفات رموز المجتمع المصري من ساسة ومبدعين وعلماء وأمراء، فإن خبر هدم ضريح أحمد شوقي في مكانه التاريخي قوبل بردود فعل غاضبة، جاء معظمها من مهتمين بتراث المقابر ذات الطرز المعمارية المتميزة، وأضرحة الشخصيات التاريخية، والعارفين بقدر شوقي، ومكانته في تاريخ الشعر المصري والعربي الحديث.

ويؤكد الباحث في التاريخ الدكتور مصطفى الصادق أن «هدم ضريح أمير الشعراء أحمد شوقي، يأتي ضمن لائحة طويلة من قبور المشاهير والعظماء التي تمت إزالتها»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غضب كبير، إلا أن عملية الهدم نفسها غير مستغرَبة، ومتوقَّعة، فقد سبقه كثيرون، جرفتهم المعاول، حيث سبق هدم ضريح محمود الفلكي، والسردار راتب باشا، وكثيرون آخرين».

وتحدث الصادق عن «وعود لم يفِ بها أحد»، على حد قوله، مضيفاً: «بعد هدم قبة حليم بن محمد علي باشا، أعلن المسؤولون أن أعمال الهدم سوف تتوقف، لكن ما جرى بعدها فاق الوصف، كانت أعمال الإزالة بعد ذلك خرافية»، ولفت إلى أن الحديث الذي يدور حالياً عن «مقابر فاخرة» لا معنى له في ظل هدم أضرحة لا مثيل لها في الفخامة والإبداع والعمارة.

من جهتها أعلنت محافظة القاهرة قرب افتتاح «مقابر تحيا مصر للخالدين»، التي «أقامتها الدولة خصيصاً لنقل رفات الشخصيات التاريخية، وسيخصص جزء منها لعرض التراكيب المعمارية الفريدة ذات الطراز المعماري المتميز».

جانب من أعمال الهدم في المقابر (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

وقالت المحافظة في بيان: «إن المقابر شرفت بإعادة دفن رفات شوقي، إذ تم وضعه في المكان الذي يليق بمكانته الأدبية والتاريخية». فيما قال الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط» إن «هدم ضريح شوقي جاء على خلاف ما أعلن عنه المسؤولون، فقد كان الحديث عن عدم المساس به، لكننا فوجئنا بنقل رفاته منذ شهور، ثم هدم المقبرة الذي لم يراع مكانة شوقي؛ فهو أشهر شعراء العربية في العصر الحديث».

وأضاف عبد المجيد أن «الخبر مؤلم جداً، خصوصا أنه يأتي في ظل الحديث عن هدم أضرحة رموز إبداعية مهمة في تاريخ مصر، بدءاً من مدفن محمود سامي البارودي، وصولاً إلى ضريح عميد الأدب العربي طه حسين، الذي يختفي الآن تحت الجسر».

ووفق عبد المجيد: «هناك أضرحة عديدة هدموها وكانت بمثابة متاحف زاخرة بالتحف والتماثيل والرسومات والزخارف الفنية المرصعة بالمعادن، تعرضت للسرقة وبيعت في السوق، وبينها شواهد قبور وتركيبات لمشاهير كان يجب حمايتها ومنع المساس بها».

المحزن في واقعة هدم ضريح شوقي، وفق الباحث في التراث إبراهيم طايع، أن «عمليات الإزالة سبقها بشهور نقل رفاته، وقام مجهولون بسرقة تركيبات عدد من المقابر داخل الضريح»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الواضح أن مصير الضريح إلى زوال، لأن كل ما حوله من مدافن جرفتها المعاول».

من جهته وصف الشاعر المصري، أحمد عبد المعطي حجازي، إزالة مقبرة شوقي بأنها بمنزلة «هدم جسم حي وكيان باقٍ وخالد بأيدي فانين وعاجزين عن تقدير القيم». وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث لمقبرة شوقي يطول الثقافة المصرية كلها، منذ عقود وحتى الآن، ومَن هدموا مقبرة شوقي هم أنفسهم الذين يهدمون الثقافة المصرية».

دُفن أمير الشعراء في مقبرة تخص عائلة زوجته، وتعود لحسين باشا شاهين، وهناك يوجد رفاته أيضاً، ورفات زوجته ووالده. «أكثر من 5 تركيبات اختفت قبل هدم الضريح، ولم يتبقَّ سوى التركيبة الرخامية الخاصة بشوقي، التي ظلت حتى هدم الضريح»، وفق طايع.


«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
TT

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)

من جديد، يعود مهرجان «بين ثقافتين» ليعبر حدود الثقافة، ويحتفي بتجارب استثنائية تجمع بين الفنون والموسيقى ومذاقات المأكولات التقليدية وشتى العروض الحيّة، جامعاً في نسخته الثالثة بين الثقافتين السعودية والصينية، لإبراز التنوع الثقافي وحدود التلاقي بينهما في قلب الرياض.

وأطلقت وزارة الثقافة النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين» التي تستضيف جمهورية الصين وثقافتها وتقاليدها المتنوعة، وذلك في قاعة «الملفى» بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مدينة مسك» في العاصمة الرياض، ضمن حدث دولي يُقام بالتزامن مع العام الثقافي السعودي الصيني 2025؛ بهدف ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والصين.

وتُقدم الفعالية تجربة فنية متكاملة تستعرض الإرث الحضاري والممارسات الثقافية لكلا البلدين، وتكشف عن أوجه التشابه والتكامل بينهما في مجالات الفنون والطهي والحرف اليدوية والموسيقى، ما يعكس عمق الروابط التي تجمع الشعبين.

ويضم المهرجان معرضاً فنياً يزخر بأعمال لفنانين سعوديين وصينيين بارزين، ومتاجر متنوعة تُقدم منتجات من كلتا الثقافتين، وفعاليات تفاعلية تشمل عروضاً أدائية حية، وتجارب طهي فريدة، وأنشطة ثقافية مصممة لإثراء تجربة الزوار.

‏أصالة الموروث السعودي والصيني تتجلّى في عروض ثقافية متنوّعة في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

حينما تهب الرياح شرقاً

يحضر الفن في المهرجان بوصفه لغةً وجسراً يربط بين ثقافتين وشعبين اختارا، عبر العصور، التعبير عن مكنونات ثقافتيهما من خلال العطاء الفني والإبداعي الرصين. وفي معرض يحمل عنوان «حينما تهبّ الرياح شرقاً»، تلتقي الأعمال السعودية والصينية في حوار إبداعي يعكس التلاقي الثقافي المعاصر، من خلال لوحات ومنحوتات وأعمال تركيبية، تسعى إلى استكشاف نقاط الالتقاء بين الطبيعة والفكر، وبين الماضي والحاضر، ضمن رؤية فنية مشتركة.

‏تناغم ثقافي يتوهّج بألوان الفن في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

وتتوزع أعمال المعرض في 3 أقسام؛ حيث تلتقي الصحراء ببحر الذاكرة في القسم الأول من المعرض الفني، ويتناول كيف تُشكِّل الصحراء والبحر ذاكرة الفنانين ورؤيتهم الفنية، إذ تتحول العناصر الطبيعية إلى لغة للتأمل تربط بين ثبات الأرض وسيولة الزمن.

وفي قسم «نسيج من نور وتراب»، وهو القسم الثاني من المعرض، يُسلط الضوء على العلاقة بين المادي واللامادي، إذ يذيب الفنانون الحدود بين الضوء والطين والنسيج ليكشفوا جوهر المادة واتحاد الروح بالبيئة.

وفي قسم «آثار المستقبل»، تُركز المعروضات على إعادة قراءة التقاليد برؤية معاصرة تمزج بين الذاكرة والابتكار، لتغدو الأعمال بمثابة خريطة زمنية تصل الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح المستقبل.

‏صور توثّق الالتقاء الثقافي البديع بين المملكة والصين (وزارة الثقافة)

14 يوماً من جسور الثقافة

يُقدم المهرجان الذي سيستمر حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026، تجربة ثقافية شاملة تُبرز عُمق الحضارة الصينية وتَنوُّعَ موروثها، كما يستعرض أوجه التلاقي والتباين بينها وبين الثقافة السعودية، وذلك في إطار جهود وزارة الثقافة لمدّ جسور التواصل الحضاري، وتعزيز حضور السعودية إقليمياً ودولياً، وترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً للحوار الثقافي العالمي.

ويستهدف المهرجان العائلات والأفراد، والسياح والزوار الأجانب، والوفود الرسمية، والمهنيين في القطاعات الثقافية، من خلال برنامج متنوع يشمل معرضاً فنياً، وتجربة «الشارع الصيني» التي تجمع بين الثقافتين عبر الحِرف اليدوية، إلى جانب العروض الأدائية والموسيقية، وغيرها من الفعاليات التي تعكس القيم المشتركة في التراث والهوية، وتُسهم في تعزيز التقارب الإنساني عبر الثقافة بوصفها لغةً عالمية.

من الصين إلى المهرجان وجوه متعددة للمتعة واستكشاف الفن والتراث (وزارة الثقافة)

يُذكر أن النسخة الأولى من مهرجان «بين ثقافتين» استضافت الثقافة اليمنية، فيما استضافت النسخة الثانية الثقافة العراقية، إذ شهدت النسختان إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً ملحوظاً من المهتمين والمثقفين؛ ما أسهم في ترسيخ مكانة الفعالية منصة ثقافية سنوية تحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني.

وتسعى وزارة الثقافة، من خلال مهرجان «بين ثقافتين»، إلى تقديم الثقافة السعودية في سياق تفاعلي مُقارَن، يُبرز أوجه التقارب والاختلاف مع ثقافات العالم، ويُعزز الوعي بالتنوّع الثقافي، ويدعم تمكين المبدعين والحرفيين والفنانين، ويوسّع آفاق فرص التعاون الثقافي الدولي، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تنمية الصناعات الإبداعية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية 2030».

أبعاد ثقافية رحبة يضمها المهرجان بين الثقافتين (وزارة الثقافة)