الانتصار المؤقت على الإرهاب... هل فشلت الحرب على «داعش»؟

قدرة التنظيمات على إعادة توليد المقاتلين تبرز صعوبة المواجهة

أميركا وأوروبا تواجهان اليوم مستوى غير مسبوق من الهجمات الإرهابية التي يقف وراءها «داعش» و«القاعدة»... ضباط شرطة اسكتلنديارد
أميركا وأوروبا تواجهان اليوم مستوى غير مسبوق من الهجمات الإرهابية التي يقف وراءها «داعش» و«القاعدة»... ضباط شرطة اسكتلنديارد
TT

الانتصار المؤقت على الإرهاب... هل فشلت الحرب على «داعش»؟

أميركا وأوروبا تواجهان اليوم مستوى غير مسبوق من الهجمات الإرهابية التي يقف وراءها «داعش» و«القاعدة»... ضباط شرطة اسكتلنديارد
أميركا وأوروبا تواجهان اليوم مستوى غير مسبوق من الهجمات الإرهابية التي يقف وراءها «داعش» و«القاعدة»... ضباط شرطة اسكتلنديارد

جدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، التأكيد على عزم بلاده القضاء على تنظيم «داعش» في بلاده. وجاء هذا التصريح في وقت تراهن فيه كلٌّ من أميركا والسلطة السياسية بالعراق على القضاء النهائي على «داعش» قبل نهاية هذه السنة. وفي هذا السياق، أضاف العبادي أن «القوات المشتركة استطاعت الوصول إلى مناطق لم تصل إليها أي قوة عسكرية منذ سقوط النظام السابق» سنة 2003؛ مما يشكل بالنسبة إليه أحد أبرز المؤشرات على الاندحار الذي يشهده تنظيم البغدادي، على المستويين الجغرافي والبشري. من جهته أكد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في زيارته الأخيرة للعراق يوم 22 أغسطس (آب) 2017، أن «أيام التنظيم أصبحت معدودة بكل تأكيد لكنه لم ينتهِ بعد ولن ينتهي في وقت قريب».
الخبيرة كاثرين زيمرمان الباحثة في معهد المشروع الأميركي «AEI» ترى في دراسة مطولة، صدرت لها حديثاً؛ أن الولايات المتحدة الأميركية خاسرة في حربها ضد الإرهاب، وأن تاريخ المواجهة مع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» حافل بأخطاء استراتيجية وسوء فهم للعدو الحقيقي، الشيء الذي استغلته الجماعات المتطرفة، التي أصبحت اليوم أقوى، وأكثر خبرة ومرونة.

قوة التنظيمات الإرهابية
رغم مرور نحو 16 سنة من المواجهة المباشرة بين أميركا والتنظيمات الإرهابية، فإن مسيرة الصراع واستراتيجية كل طرف من الأطراف لعبت دوراً حاسماً في تجدد المواجهة واستمرارها منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وتشير كاثرين زيمرمان الباحثة في معهد المشروع الأميركي ومديرة الأبحاث في مشروع التهديدات الحرجة؛ إلى مجموعة من العوامل تساعد التنظيمات الإرهابية على الصمود والتوالد، رغم ما تتلقاه من هزائم مؤقتة. وتجمل الخبيرة في التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أطروحتها التفسيرية، للانبعاث والصمود الذي يتمتع به كل من «القاعدة» و«داعش»، في 3 خصائص أساسية.
الخاصية الأولى: تتعلق بالخبرة التاريخية للتنظيمات المتطرفة التي استطاعت الخلط بين «الجهاد» والإرهاب (يساعد الإعلام الغربي على استشراء هذا الخلط). ذلك أن أصول هذه الجماعات الإرهابية تعود إلى التجربة الأفغانية التي صقلت هذا النوع من الشبكات العالمية، التي تستغل الجانب المحلي للنزاعات، لتكوين قاعدة، ونشر آيديولوجية دينية قائمة على استعادة نموذج «الخلافة»؛ والتركيز على عقيدة المواجهة مع الغرب باعتباره كافراً ومستعمراً. فهذه التنظيمات اكتسبت خبرة عملياتية، ولها فكر استراتيجي مكّنها في مناسبات عدة من إعادة التجميع دون أن تفقد قاعدتها الآيديولوجية والتنظيمية في أفغانستان. وهكذا كان من السهل عليها أن تظهر في الجزائر وتستمر فيه منذ بداية تسعينات القرن العشرين إلى اليوم؛ كما ظهرت في البوسنة، وطاجيكستان، والصومال، ومصر، والشيشان، وسوريا، والعراق، وليبيا، ومالي، والنيجر ونيجيريا وغيرها.
الخاصية الثانية: تخص وحدة الأهداف، والآيديولوجيا المتشابهة؛ وهذه الميزة تمكّن التنظيمات الإرهابية من تحقيق أهداف عامة مشتركة، حتى من دون وجود تنسيق تنظيمي، أو وحدة هيكلية. ربما هذا ما دفع زيمرمان، إلى التنبيه إلى الطابع الشبكي للجماعات الإرهابية، بالقول: «(الراديكالية الإسلاموية) تهدد الولايات المتحدة والغرب والمجتمعات الإسلامية؛ فهي ليست جماعة محددة أو أفراداً منظمين، وإنما تستمد قوتها من آيديولوجيتها المساعدة على توحيد شبكة الأفراد والجماعات والمنظمات الساعية لتحقيق الهدف العالمي المشترك الخاص بتدمير المجتمعات الإسلامية الحالية بالقتال، وإحلال المجتمع الإسلامي الحقيقي مكانها».
ومن هنا تعتقد الباحثة الأميركية، أن القضاء على التنظيمات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش»، لا يعني نهاية وشيكة للظاهرة؛ وذلك لأن عنصر القوة لا يتمثل في القيادات مثل ابن لادن، أو أبي مصعب الزرقاوي أو البغدادي، كما أن سبب التكوين واستمرارية التنظيم، عبر تشكلات مختلفة، لا تعتبر في ذاتها مكمن قوة الإرهابيين.
إن عنصر القوة الأساس هو القاعدة الفكرية (للراديكالية الإسلاموية)، التي تتميز بشبكيتها وانتشارها الواسع، مما ينتج الجماعات الإرهابية بشكل سلس. وتستمد هذه الحركة قوتها من آيديولوجيتها العنيفة التي تدفع مختلف الجماعات والمنظمات إلى تحقيق هدف مشترك حتى من دون التنسيق المباشر فيما بينها. وتشكل الجماعات الراديكالية المحلية والمنظمات والأفراد، شبكة عابرة للحدود الوطنية... وهذه الأجزاء المكونة للحركة ليست منظمة بنحوٍ هرمي، غير أنها تتفاعل باستمرار بطرق معقدة، وفي نفس الوقت باعتبارها وحدة كاملة تشكل مصدراً أساسياً لقوة الجماعات الأساسية التي صنّفتها الولايات المتحدة جماعات معادية وهي: تنظيما «القاعدة» و«داعش»؛ ومن هنا يجب على الولايات المتحدة توسيع تعريفها للعدو ليشمل هذه القاعدة.
وبالنسبة إلى الخاصية الثالثة، فإنها تتجلى في قدرتها الفائقة على استغلال الأوضاع المحلية، المتسمة بالاضطراب والنزاعات السياسية والطائفية؛ فالتجربة العملية لهذه التنظيمات أكسبتها خبرة كبيرة على مستوى صناعة أنوية شبكية محلية، مع دفعها بشكل سريع نحو الانتشار واستقطاب الطاقات المحلية.
وهنا تضرب الباحثة زيمرمان، مثال ليبيا، لتفسير حيوية الجماعات الإرهابية وخبرتها في استغلال الأوضاع المحلية للتشبيك مع المنظمات الإرهابية العالمية. ففرع «داعش» بليبيا، ظهر بشكل قوي في الحرب الأهلية التي تعيشها البلاد؛ فقد كانت ولادة هذا الفرع الداعشي الليبي «عن طريق كسب ولاء عدد محدود لقليل من القادة المتعصبين الرئيسيين، واستقطاب الشبكة المحلية الموجودة، وهكذا تحولت لفرع خارجي لـ(داعش)».
تفيدنا التجربة التاريخية للصراع مع الإرهاب، أن تنظيماته وشبكاته مرنة، وتتمتع بدينامية في الحركة والتجنيد؛ كما تتمتع بحس استراتيجي، يمنحها حركية ونشاطاً في مناطق التوتر والنزاعات، فهي تستغل القاعدة الفكرية التي تقوم عليها الراديكالية الدينية، لتسهيل نقل الموارد عبر المناطق التي تعرف الصراعات المحلية. وتذهب الخبيرة في مؤسسة المشروع الأميركي، إلى أن الأهم من ذلك، الاستعداد الطبيعي للجماعات الإرهابية أن «تكون بؤرة لاستقطاب القادة والمقاتلين الذين يمكن للتنظيم أن يستفيد منهم. كما أن القدرة على إعادة توليد المقاتلين هي قدرة حاسمة يتمتع بها تنظيما (القاعدة) و(داعش)، وهذا يفسر السبب الكامن وراء بقاء كلا التنظيمين نابضاً بالحياة بعد أن قتلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الكثير من مقاتليهما وقادتهما».
من ناحية ثانية، يبدو أن التركيز على ما هو محلي، وربطه بالعالمي يولد خليطاً من الجماعات الإرهابية، وبالتالي يتم خلق جماعات عابرة للحدود مرتبطة مع الشبكات المحلية، المثبتة والمنخرطة في الصراعات المحلية؛ وهذا بدوره يؤدي إلى خلق تنظيمات جديدة قد ترفض الرؤية العالمية للتنظيمات الإرهابية الدولية. وينتج عن مسلسل التوالد هذا، تحولٌ في العلاقات البينية بين الجماعات الإرهابية، لتخضع للقطيعة والتواصل. ومع ذلك ترى كاثرين زيمرمان أن «الكثير من التحول وإعادة التحالفات والخلاف بين الجماعات هو أمر تنظيمي أكثر منه آيديولوجياً ومنهجياً، وأن التوترات التنظيمية الناتجة عن الخلافات على المستوى العملياتي والعوامل الشخصية هي بديهية في كل الجماعات البشرية، ولا تدل على انفصال أساسي في الأهداف الشاملة. زد على ذلك أن انسيابية انتقال الأفراد من الأهداف المحلية إلى الأهداف العالمية أمر أصيل في عقيدة الراديكاليين.
وعليه فإن ما يظهر أنه صراع بين «القاعدة» و«داعش»، ليس صراعاً آيديولوجياً؛ بل هو تنافس تنظيمي تلعب الظروف المحلية والعالمية دوراً نسبياً في تطوره سلباً أو إيجاباً، لأن آيديولوجية التنظيمين الإرهابيين هي نفسها مستمدة من مصدر متطرف واحد. وعليه لا بد من اعتماد مؤشر الرؤية العقدية العالمية التي تتبناها التنظيمات الإرهابية؛ وفهم الشروخ والانشقاقات التي تضرب هذه التنظيمات من حين لآخر في إطار الدور الذي تلعبه القيادات المركزية العالمية، التي يسهل الوصول إليها واستهدافها، والقيادات المحلية التي لا تظهر على المسرح الدولي إعلامياً ويصعب الوصول إليها عسكرياً.

الانتصار على الإرهاب
مما تقدم أعلاه، يمكن القول: إن اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على المواجهة العسكرية وقتل القيادات، ليس هو طريق النجاح في مسلسل المواجهة الصعبة والمريرة مع الإرهاب. فحسب الخبيرة زيمرمان، فإن الولايات المتحدة الأميركية في مأزق، فهي «من جهة لا تستطيع شق طرق للخروج من هذه الحرب، ومن جهة ثانية، فهي غير قادرة على هزيمة الراديكاليين المتطرفين من خلال مواجهة آيديولوجيتها أو الرسائل التي تبثها من جهة أخرى؛ فالقوى المتطرفة قوية اليوم، بسبب الظروف التي تعيشها الدول الإسلامية، وهذا الوضع يدفع المجتمعات السُّنية إلى قبول المساعدة ممن يقدمها من أجل البقاء. وهذا بدوره يمنح قوة للراديكالية في علاقاتها بالسكان، وستظل الجماعات المتطرفة تستثمر الظروف القائمة حالياً لصالحها».
صحيح أن استخدام القوة العسكرية ضد الجماعات الإرهابية ضروري، وله تأثير قوي؛ لكنه تأثير مؤقت. ذلك أن كاثرين زيمرمان، تؤكد أن «الانتصارات المتحققة بشِقّ الأنفس سرعان ما تتبدد؛ لأن آيديولوجية السلفية المتطرفة توفر مذهباً استراتيجياً للمنظمات على الصعيد العالمي، التي تستمر وراء تدمير أي جماعة، فالتجارب المشتركة في ساحة المعركة، وفي التدريب، وفي الأسر، وأماكن أخرى تعمل على بناء شبكات بشرية تتجاوز العلاقات التنظيمية؛ هذه التجارب بمنزلة مختبرات يقوم فيها المتطرفون بتحسين وسائلهم. إن المرونة العميقة الناجمة عن العقيدة الشاملة للراديكالية، والخبرات المشتركة، والطابع العالمي، هي السبب الكامن وراء استمرار خسارة الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب».
بكلمة، وعلى خلاف ما هو سائد، تعتقد زيمرمان أن الولايات المتحدة تخسر الحرب على الإرهاب، رغم ما يبدو من تقدم بيِّن على الأرض. ولذلك فإن أميركا وأوروبا تواجه اليوم مستوى غير مسبوق من الهجمات الإرهابية، التي يقف وراءها «داعش» و«القاعدة»، وهذا مؤشر يُظهر درجة الفشل أمام عدو يستطيع التكيف السريع مع الظروف المحلية والعالمية ويظهر بطرق شبكية في حيز جغرافي مترامي الأطراف. وكل هذا يتطلب من إدارة الرئيس ترمب تغيير الاستراتيجية التقليدية التي انتهجها كل من بوش الابن منذ 2001، وسار عليها أوباما من بعده.
*أستاذ زائر للعلوم السياسية - جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».