من سيد قطب إلى الحازمي... منزلقات التأصيل الأصولي

قراءة في آيديولوجيات التطرف العنيف

اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي  (إ.ب.أ)
اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
TT

من سيد قطب إلى الحازمي... منزلقات التأصيل الأصولي

اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي  (إ.ب.أ)
اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي (إ.ب.أ)

تبدو الأصوليات وآيديولوجيات التطرف العنيف تأويلات خارجة عن المستقر في وعي الأطر والمؤسسات القومية والدينية وما استقر من تراكم تاريخي وزمني في وعي الناس من حالات الصدام والتغالب في علاقتها بذاتها والعالم... لذا فهو غالباً يقطع شعورياً أو لا شعورياً مع التراث والتاريخ السالف وإن ظل جزءاً من هويته أو دعوته في الحق والعدل يرتكز عليه ويستنفر به
قطع الخوارج الأُول مع مقام وتراث وفهم الصحابة والصدر الأول الذين عاصروهم، وتجرأوا على تكفير كبارهم وهم بين ظهرانيهم لم يرحلوا بعد. وكذلك غالوا في مشادتهم في فهم الدين والإمامة حتى آمنوا بقتل المختلف والقاعد ومن لم يكفّر الكافر ولو كان عثمان وعلي بن أبي طالب (رضى الله عنهما) أو صحابياً مثل عبد الله بن خباب بن الأرت. وهم يأخذون بظاهر الآيات لغايتهم، بقطعٍ دون وصل، وطرحٍ دون جمع. وظلت متتابعة غلوهم تُخرج الأشد من الأقل شدة، حتى أكل بعضها بعضاً ولم يبقَ في التاريخ والواقع إلا أكثرها اعتدالاً.
بيد أن هؤلاء تميّزوا في اللغة وبقي أدبهم وشعرهم أمكن من فكرهم، كما كثر أدباؤهم، رجالاً ونساءً، وخلّدوا بطولاتهم في ديوانه، من عبد الرحمن بن ملجم إلى عمران بن حطّان إلى مرداس بن أدية وغيرهم.
هنا تبدو اللغة ملاذاً ومنزلقاً خطيراً لكل كلامية خارجة تأتي بسابقة، وخارجية لم تسبق إليها، فهي تحصر الفهم في النص مباشرة، منه وإليه، وتمارس عليه التأويل الذي قد ينحرف مخالفاً ما استقر في قواعد الدين وتراثه وتجربته.
كذلك، انزلقت فرق الغلو الأخرى قديماً وحديثاً، بإرادتها الآيديولوجية المسبقة في فهم النص وتطويعه وفق ما تريد، في التكفير أو الخروج أو الاستحلال أو غيرها، تيهاً باطنياً يصطنع له عمقاً ومنطلقات مختلفة حيناً، وحشوية ظاهرية تقف عند ظاهره دون ربط ودون سياقات مرة أخرى. والنص مفتوح حمّال أوجه، كما كان يقول الإمام علي (رضى الله عنه)، فيخرج الخبط عن الضبط غالباً، وينحت المؤول الأصل فرعاً والفرع أصلاً، ويصير التاريخ -كخلاف الإمامة- والمعتقد الصحيح حكراً على التصور الخطأ.

مأزق اللغة والقطيعة
إن المطالع المدقق لكتابات الراحل سيد قطب في مرحلتيه: الناقد الأدبي والمنظر الأصولي، لن يجد إلا كاتباً واحداً كان أديباً وناقداً، تعاطى مع النص بنظرته الحرة الخاصة، ثم انطلق كالناقد يكتب رؤيته الجديدة للنص بالمنهج الذي يراه. وتميُّزه سبقه في الاكتشاف والتحليل والنقد، فالإبداع والنقد في الأدب يستدعيان الخيال المفتوح. ولكنه ليس في الدين كذلك، بل يحتاج إلى الضبط احتكاماً إلى مرجعيات النص وتأصيلاته السابقة، دون قطع كامل معها، مكتفياً بنتف مقتطفات من هنا أو هناك تلتقي مع ما يريد ومقولاته الحاكمة وليس ما يريده النص واستقر عليه الفهم فيه. بل ظن -وكذلك المودودي- بما يمكن أن نسميه مصطلحية وأبجدية جديدة في فهم الدين، وبخاصة في كتاب الأخير «المصطلحات الأربعة»، أو كتابَي الأول: «هذا الدين»، و«خصائص التصور الإسلامي»، بهدف التأسيس لتفسيرهما المسيَّس للإسلام، الذي لم يتصوره وأتباعهما، إلا إمامة وحاكمية وحرباً بين فسطاطين، وانقلاباً على الحكومات وتطهيراً للصف لا يستقر معه عيش ولا مقرّ.
وهذا التفسير السياسي استقر يلهم مجموعات التطرف في مصر والعالم الإسلامي، عقوداً طويلة، رغم ما وُجه إليه من نقد من كثيرين ممن لم يدركوا هذه المخاطر في بدايتها، مثل الراحل أبو الحسن الندوي في كتابه المشهور «التفسير السياسي في الإسلام: في مرآة كتابات المودودي وسيد قطب». ولقد أقره المودودي نفسه على الأخطاء فيه في حياته وقبل رحيله، بينما كان سيد قطب قد رحل، كما يذكر الندوي في مقدمته.
تغيب، عند سيد قطب بالخصوص، كونه ناقداً أدبياً وشاعراً مقلاً، مراجع وتراث السلف. وقد أثبتنا في موضع آخر أنه لم يكن له اطلاع على كتابات ابن تيمية أو ابن القيم، أو غيرهما، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه ليس له اطلاع جيد على دعوات كدعوة وكتابات الدعوة النجدية، أو كتابات الأفغاني وعبده ومحمد رشيد رضا. وكان الرجل مدفوعاً كل الدفع بالحاكمية والإصرار الثائر على تغيير الأوضاع والانقلاب عليها، تأثراً بموجات التغيير في العالم، واستفادةً من أفكار اليسار وضداً له في الآن نفسه.

«الفريضة الغائبة»... وضعف التأصيل
هذه الغيبة للتأصيل تتكشف من مطالعة دقيقة لكتابات مجموعات «الجهاد» المصري الأولى، إذ نجد ضعف التوثيق، وضعف الارتباط بالتراث. وإذا أردنا أن نضرب مثالاً لن نجد أفضل من نصٍّ مؤسسٍ لها هو «الفريضة الغائبة» لمحمد عبد السلام فرج، على أساسه قتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات. ولكن حين العودة إليه لن نجد إلا هامشاً على فتوى أهل ماردين لابن تيمية -رحمه الله- نقلها خطأ، ثم أسقط على هذا الأساس، واكتفى بتأويل الدار وفق ذلك على الدولة المعاصرة وصحة توجهاته. ولن نجد فروقاً كثيرة في كتابات أخرى كـ«حتمية المواجهة» الذي أصدرته «الجماعة الإسلامية المصرية»، أو «كلمة حق» لعمر عبد الرحمن، أو غيرها، إذ قطع كثيرون من منظري التطرف العنيف والغلو المعاصر مع ما استقر في تراث السلف وأهل السنة والجماعة، من عدم الخروج أو التورّع عن التكفير -وبخاصة تكفير المعيّن وعدم العذر بالجهل أو التأويل، وغيرها من المسائل الشائكة التي توقفوا فيها وكتبوا في ذلك الكثير- من مقالات الإسلاميين إلى المِلل والنِّحَل والفصل وغير ذلك. ولم يشتهر عن أحد منهم تكفيرٌ على الإمامة أو الحكم أو تكفير معين في تأويل.
كذلك نجد هذه الحالة من خديعة اللغة والتأويل حاضرة عند منظّر معاصر برز أتباع له في الساحة الشامية العامين الأخيرين، وهو أحمد بن على الحازمي، المعتقَل حالياً في المملكة العربية السعودية. هذا الرجل دخل ميدان التنظير الأصولي من باب اللغة والأدب، وولع خاص بها، فوضع الشروح لألفية ابن مالك وألفية السيوطي في النحو، وشرح ألفية أخرى له في علم الحديث، وكذلك شرح نظم الشافية للنيسابوري في الصرف، وغيرها من الكتب الشارحة التي تهتم باللغة والنحو والصرف وما شابه.
لكن، يلاحظ من يطالع كتابات ودروس أحمد بن عمر الحازمي -زعيم وملهم التيار الحازمي، الجناح المغالي في «دا»- ومن تبعه من قبيل أبو جعفر الحطاب وأبو عبد الله التونسي من زعماء الحازمية وغيرهما، الاكتفاء باللغة والبيان. وعدم الانطلاق مما استقر في علوم التوحيد، بل مخالفة أعلامه إذا ذُكروا، أو تطويعهم لما يريد. هناك اكتفاء بظاهر اللغة في تفسير أحكام خطيرة، مصراً على تكفير من لم يكفِّر الكافر، وهو لا يعرف للتوحيد مدخلاً إلا من بابٍ ضده الكفر، وأن الثاني هو الأصل في الناس وليس الأول.
ثم إنه يضع قاعدة أن كل فعل يستلزم وصفه، مما يورط في التكفير بالمعصية! حال قبل هذا، فضلاً عن التكفير كما فعل الخوارج. ونجد مثالاً على ذلك، في مسألة العذر بالجهل وعدم العذر به التي لم يلامسها قطب، الذي لم يهتم بالفقه والأصول وأحكامهما كثيراً، مكتفياً بالبيان والبلاغة من علوم المقدمات، ولكن كان يكتفي بها مصدراً أحكامه ونحت مصطلحاته في فهم «هذا الدين» وفي التأسيس لـ«الحاكمية»، واقتطف ما يلتقي مع هذا التأويل، بغض النظر عن صحته. ويعلن الحازمي في مرحلته الثانية التي اتضحت فيها توجهاته التكفيرية مخالفته لأسماء وآراء ابن تيمية -رحمه الله- الذي كان يؤكد دائماً عدم تكفير المعيّن، وعدم تكفيره أحداً من أهل القبلة، وظل يعلن ذلك ويشهد عليه حتى مات.
إن هدف أو شهوة «التكفير والتطهير» الذي تأسست عليه قضية عدم العذر به عند الحازمي، يوافق فيه الشوقيين الذين انقلبوا وانشقوا على «الجماعة الإسلامية المصرية» في ثمانينات القرن الماضي، واتخذوا من قرية كحك بمحافظة الفيوم المصرية مقراً لهم. ولقد كفّر زعيمهم شوقي مصطفى الراحل عمر عبد الرحمن قولاً واحداً في المسجد، وأمام العامة، لعدم قوله بتكفير من لم يكفِّر الكافر.
وكان هذا جزءا من إشارات وآراء عبد القادر بن عبد العزيز في مرحلته الأولى قبل مراجعاته. إذ أكد عدم العذر بالجهل. وبارز ابن تيمية معارضاً ومخطِّئاً له، ورأى أن ابن تيمية وغيره من أئمة السلف أخطأوا في عذرهم بالجهل. وعذره هو والحازمي وغيره أنهم ليسوا مثلهم تمتلكهم شهوة التكفير والتطهير والتصفية التي امتلكتهم، كما أن العذر بالجهل بل العذر بالخطأ الكبير حال التوبة عنه، ثابت بنص القرآن في قصة الأسباط المشهورة وقصة الثلاثة الذين خُلِّفوا، كما ثبتت في الكثير من أحاديث السنة النبوية الشريفة.
وهنا، يبدو التأويل والذرائعية، ومشكلة الهوية المعرفية المضببة والغائمة لمجموعات التطرف العنيف، سُنةً وإماميةً وخوارج، والبراغماتية التي تتجاوز الثابت. فهم «طالبانيون» يلقبون أميرها بـ«خليفة المسلمين»، لكن بعضهم يرفض إمامة محمد الفاتح كونه فقط حنفياً ماتريدياً!
ورغم أنها جماعات، لكن تشظت اجتهاداتها الفردية، فعارض الزرقاوي شيخه المقدسي، في إصراره على القتل على الطائفة واللون وما شابه، كما كفر دواعش شيوخهم الظواهري وابن لادن وصولاً لبنعلي والبغدادي نفسه.
وتعتمد هذه الشظايا الفردية على تأويل لغوي منحرف منقطع عن أصوله، وعلى قطف من التاريخ حيناً ومن التراث أحياناً، وتظل شماعة الواقع المنبوذ ومؤامراته منطلقه وغايته، دون اعتماد تراث كبير وتاريخ متراكم في فهمه، شُروداً عن التأسيس والمؤسسة في آن، وبناءً في فراغ جديد بعيداً عنهما.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».