من سيد قطب إلى الحازمي... منزلقات التأصيل الأصولي

قراءة في آيديولوجيات التطرف العنيف

اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي  (إ.ب.أ)
اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
TT

من سيد قطب إلى الحازمي... منزلقات التأصيل الأصولي

اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي  (إ.ب.أ)
اعتقال عناصر خلية من «داعش» في ضواحي مدريد في يوليو الماضي (إ.ب.أ)

تبدو الأصوليات وآيديولوجيات التطرف العنيف تأويلات خارجة عن المستقر في وعي الأطر والمؤسسات القومية والدينية وما استقر من تراكم تاريخي وزمني في وعي الناس من حالات الصدام والتغالب في علاقتها بذاتها والعالم... لذا فهو غالباً يقطع شعورياً أو لا شعورياً مع التراث والتاريخ السالف وإن ظل جزءاً من هويته أو دعوته في الحق والعدل يرتكز عليه ويستنفر به
قطع الخوارج الأُول مع مقام وتراث وفهم الصحابة والصدر الأول الذين عاصروهم، وتجرأوا على تكفير كبارهم وهم بين ظهرانيهم لم يرحلوا بعد. وكذلك غالوا في مشادتهم في فهم الدين والإمامة حتى آمنوا بقتل المختلف والقاعد ومن لم يكفّر الكافر ولو كان عثمان وعلي بن أبي طالب (رضى الله عنهما) أو صحابياً مثل عبد الله بن خباب بن الأرت. وهم يأخذون بظاهر الآيات لغايتهم، بقطعٍ دون وصل، وطرحٍ دون جمع. وظلت متتابعة غلوهم تُخرج الأشد من الأقل شدة، حتى أكل بعضها بعضاً ولم يبقَ في التاريخ والواقع إلا أكثرها اعتدالاً.
بيد أن هؤلاء تميّزوا في اللغة وبقي أدبهم وشعرهم أمكن من فكرهم، كما كثر أدباؤهم، رجالاً ونساءً، وخلّدوا بطولاتهم في ديوانه، من عبد الرحمن بن ملجم إلى عمران بن حطّان إلى مرداس بن أدية وغيرهم.
هنا تبدو اللغة ملاذاً ومنزلقاً خطيراً لكل كلامية خارجة تأتي بسابقة، وخارجية لم تسبق إليها، فهي تحصر الفهم في النص مباشرة، منه وإليه، وتمارس عليه التأويل الذي قد ينحرف مخالفاً ما استقر في قواعد الدين وتراثه وتجربته.
كذلك، انزلقت فرق الغلو الأخرى قديماً وحديثاً، بإرادتها الآيديولوجية المسبقة في فهم النص وتطويعه وفق ما تريد، في التكفير أو الخروج أو الاستحلال أو غيرها، تيهاً باطنياً يصطنع له عمقاً ومنطلقات مختلفة حيناً، وحشوية ظاهرية تقف عند ظاهره دون ربط ودون سياقات مرة أخرى. والنص مفتوح حمّال أوجه، كما كان يقول الإمام علي (رضى الله عنه)، فيخرج الخبط عن الضبط غالباً، وينحت المؤول الأصل فرعاً والفرع أصلاً، ويصير التاريخ -كخلاف الإمامة- والمعتقد الصحيح حكراً على التصور الخطأ.

مأزق اللغة والقطيعة
إن المطالع المدقق لكتابات الراحل سيد قطب في مرحلتيه: الناقد الأدبي والمنظر الأصولي، لن يجد إلا كاتباً واحداً كان أديباً وناقداً، تعاطى مع النص بنظرته الحرة الخاصة، ثم انطلق كالناقد يكتب رؤيته الجديدة للنص بالمنهج الذي يراه. وتميُّزه سبقه في الاكتشاف والتحليل والنقد، فالإبداع والنقد في الأدب يستدعيان الخيال المفتوح. ولكنه ليس في الدين كذلك، بل يحتاج إلى الضبط احتكاماً إلى مرجعيات النص وتأصيلاته السابقة، دون قطع كامل معها، مكتفياً بنتف مقتطفات من هنا أو هناك تلتقي مع ما يريد ومقولاته الحاكمة وليس ما يريده النص واستقر عليه الفهم فيه. بل ظن -وكذلك المودودي- بما يمكن أن نسميه مصطلحية وأبجدية جديدة في فهم الدين، وبخاصة في كتاب الأخير «المصطلحات الأربعة»، أو كتابَي الأول: «هذا الدين»، و«خصائص التصور الإسلامي»، بهدف التأسيس لتفسيرهما المسيَّس للإسلام، الذي لم يتصوره وأتباعهما، إلا إمامة وحاكمية وحرباً بين فسطاطين، وانقلاباً على الحكومات وتطهيراً للصف لا يستقر معه عيش ولا مقرّ.
وهذا التفسير السياسي استقر يلهم مجموعات التطرف في مصر والعالم الإسلامي، عقوداً طويلة، رغم ما وُجه إليه من نقد من كثيرين ممن لم يدركوا هذه المخاطر في بدايتها، مثل الراحل أبو الحسن الندوي في كتابه المشهور «التفسير السياسي في الإسلام: في مرآة كتابات المودودي وسيد قطب». ولقد أقره المودودي نفسه على الأخطاء فيه في حياته وقبل رحيله، بينما كان سيد قطب قد رحل، كما يذكر الندوي في مقدمته.
تغيب، عند سيد قطب بالخصوص، كونه ناقداً أدبياً وشاعراً مقلاً، مراجع وتراث السلف. وقد أثبتنا في موضع آخر أنه لم يكن له اطلاع على كتابات ابن تيمية أو ابن القيم، أو غيرهما، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه ليس له اطلاع جيد على دعوات كدعوة وكتابات الدعوة النجدية، أو كتابات الأفغاني وعبده ومحمد رشيد رضا. وكان الرجل مدفوعاً كل الدفع بالحاكمية والإصرار الثائر على تغيير الأوضاع والانقلاب عليها، تأثراً بموجات التغيير في العالم، واستفادةً من أفكار اليسار وضداً له في الآن نفسه.

«الفريضة الغائبة»... وضعف التأصيل
هذه الغيبة للتأصيل تتكشف من مطالعة دقيقة لكتابات مجموعات «الجهاد» المصري الأولى، إذ نجد ضعف التوثيق، وضعف الارتباط بالتراث. وإذا أردنا أن نضرب مثالاً لن نجد أفضل من نصٍّ مؤسسٍ لها هو «الفريضة الغائبة» لمحمد عبد السلام فرج، على أساسه قتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات. ولكن حين العودة إليه لن نجد إلا هامشاً على فتوى أهل ماردين لابن تيمية -رحمه الله- نقلها خطأ، ثم أسقط على هذا الأساس، واكتفى بتأويل الدار وفق ذلك على الدولة المعاصرة وصحة توجهاته. ولن نجد فروقاً كثيرة في كتابات أخرى كـ«حتمية المواجهة» الذي أصدرته «الجماعة الإسلامية المصرية»، أو «كلمة حق» لعمر عبد الرحمن، أو غيرها، إذ قطع كثيرون من منظري التطرف العنيف والغلو المعاصر مع ما استقر في تراث السلف وأهل السنة والجماعة، من عدم الخروج أو التورّع عن التكفير -وبخاصة تكفير المعيّن وعدم العذر بالجهل أو التأويل، وغيرها من المسائل الشائكة التي توقفوا فيها وكتبوا في ذلك الكثير- من مقالات الإسلاميين إلى المِلل والنِّحَل والفصل وغير ذلك. ولم يشتهر عن أحد منهم تكفيرٌ على الإمامة أو الحكم أو تكفير معين في تأويل.
كذلك نجد هذه الحالة من خديعة اللغة والتأويل حاضرة عند منظّر معاصر برز أتباع له في الساحة الشامية العامين الأخيرين، وهو أحمد بن على الحازمي، المعتقَل حالياً في المملكة العربية السعودية. هذا الرجل دخل ميدان التنظير الأصولي من باب اللغة والأدب، وولع خاص بها، فوضع الشروح لألفية ابن مالك وألفية السيوطي في النحو، وشرح ألفية أخرى له في علم الحديث، وكذلك شرح نظم الشافية للنيسابوري في الصرف، وغيرها من الكتب الشارحة التي تهتم باللغة والنحو والصرف وما شابه.
لكن، يلاحظ من يطالع كتابات ودروس أحمد بن عمر الحازمي -زعيم وملهم التيار الحازمي، الجناح المغالي في «دا»- ومن تبعه من قبيل أبو جعفر الحطاب وأبو عبد الله التونسي من زعماء الحازمية وغيرهما، الاكتفاء باللغة والبيان. وعدم الانطلاق مما استقر في علوم التوحيد، بل مخالفة أعلامه إذا ذُكروا، أو تطويعهم لما يريد. هناك اكتفاء بظاهر اللغة في تفسير أحكام خطيرة، مصراً على تكفير من لم يكفِّر الكافر، وهو لا يعرف للتوحيد مدخلاً إلا من بابٍ ضده الكفر، وأن الثاني هو الأصل في الناس وليس الأول.
ثم إنه يضع قاعدة أن كل فعل يستلزم وصفه، مما يورط في التكفير بالمعصية! حال قبل هذا، فضلاً عن التكفير كما فعل الخوارج. ونجد مثالاً على ذلك، في مسألة العذر بالجهل وعدم العذر به التي لم يلامسها قطب، الذي لم يهتم بالفقه والأصول وأحكامهما كثيراً، مكتفياً بالبيان والبلاغة من علوم المقدمات، ولكن كان يكتفي بها مصدراً أحكامه ونحت مصطلحاته في فهم «هذا الدين» وفي التأسيس لـ«الحاكمية»، واقتطف ما يلتقي مع هذا التأويل، بغض النظر عن صحته. ويعلن الحازمي في مرحلته الثانية التي اتضحت فيها توجهاته التكفيرية مخالفته لأسماء وآراء ابن تيمية -رحمه الله- الذي كان يؤكد دائماً عدم تكفير المعيّن، وعدم تكفيره أحداً من أهل القبلة، وظل يعلن ذلك ويشهد عليه حتى مات.
إن هدف أو شهوة «التكفير والتطهير» الذي تأسست عليه قضية عدم العذر به عند الحازمي، يوافق فيه الشوقيين الذين انقلبوا وانشقوا على «الجماعة الإسلامية المصرية» في ثمانينات القرن الماضي، واتخذوا من قرية كحك بمحافظة الفيوم المصرية مقراً لهم. ولقد كفّر زعيمهم شوقي مصطفى الراحل عمر عبد الرحمن قولاً واحداً في المسجد، وأمام العامة، لعدم قوله بتكفير من لم يكفِّر الكافر.
وكان هذا جزءا من إشارات وآراء عبد القادر بن عبد العزيز في مرحلته الأولى قبل مراجعاته. إذ أكد عدم العذر بالجهل. وبارز ابن تيمية معارضاً ومخطِّئاً له، ورأى أن ابن تيمية وغيره من أئمة السلف أخطأوا في عذرهم بالجهل. وعذره هو والحازمي وغيره أنهم ليسوا مثلهم تمتلكهم شهوة التكفير والتطهير والتصفية التي امتلكتهم، كما أن العذر بالجهل بل العذر بالخطأ الكبير حال التوبة عنه، ثابت بنص القرآن في قصة الأسباط المشهورة وقصة الثلاثة الذين خُلِّفوا، كما ثبتت في الكثير من أحاديث السنة النبوية الشريفة.
وهنا، يبدو التأويل والذرائعية، ومشكلة الهوية المعرفية المضببة والغائمة لمجموعات التطرف العنيف، سُنةً وإماميةً وخوارج، والبراغماتية التي تتجاوز الثابت. فهم «طالبانيون» يلقبون أميرها بـ«خليفة المسلمين»، لكن بعضهم يرفض إمامة محمد الفاتح كونه فقط حنفياً ماتريدياً!
ورغم أنها جماعات، لكن تشظت اجتهاداتها الفردية، فعارض الزرقاوي شيخه المقدسي، في إصراره على القتل على الطائفة واللون وما شابه، كما كفر دواعش شيوخهم الظواهري وابن لادن وصولاً لبنعلي والبغدادي نفسه.
وتعتمد هذه الشظايا الفردية على تأويل لغوي منحرف منقطع عن أصوله، وعلى قطف من التاريخ حيناً ومن التراث أحياناً، وتظل شماعة الواقع المنبوذ ومؤامراته منطلقه وغايته، دون اعتماد تراث كبير وتاريخ متراكم في فهمه، شُروداً عن التأسيس والمؤسسة في آن، وبناءً في فراغ جديد بعيداً عنهما.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».