هيوارد ويلكنسون: إهمال الناشئين سبب أزمة الكرة الإنجليزية

دعا هيوارد ويلكنسون، مدرب سندرلاند السابق ومساعد مدرب المنتخب الإنجليزي الأسبق وأحد خبراء الكرة في إنجلترا والعقل المصمم لبرنامج تنمية المواهب الكروية الناشئة على مستوى كرة القدم الإنجليزية، إلى مراجعة البرنامج برمته وإصلاحه، متهماً الأندية الكبرى بالفشل في تحمل «مسؤوليتها الأخلاقية» المتمثلة في توفير الفرص المناسبة للاعبيها الناشئين.
جدير بالذكر أن ويلكنسون كان يتولى منصب المدير الفني لدى اتحاد كرة القدم عام 1997 عندما صمم النظام الحالي الذي يشارك في إطاره حالياً 12.000 صبي يجري تدريبهم داخل الأندية منذ سن الثامنة. وقال ويلكنسون إنه يدرك أن معدل «التسريح» المرتفع للغاية يسبب مشكلات ترتبط بالصحة الذهنية للبعض، من الممكن أن تستمر سنوات. وأضاف: «المطلوب اليوم إجراء مراجعة جادة ومتعقلة، وإبداء جميع المعنيين بكرة القدم التزامهم بتنفيذ التوصيات التي يجري التوصل إليها بهدف منح هؤلاء الصبية الفرصة المناسبة على النحو اللائق أخلاقياً. ومن الضروري أن يأتي التغيير من أعلى».
جاءت تصريحات ويلكنسون استجابة لتقرير نشرته «الغارديان» سلط الضوء على الاكتئاب ومشكلات أخرى تتعلق بالصحة الذهنية يعانيها الشباب من الملتحقين بالأكاديميات، خاصة بعد تسريحهم. وتوصلت دراسة أكاديمية صدرت عام 2012 حول «الأساتذة»، وهي مجموعات نخبوية صغيرة تلتحق على أساس دوام كامل بالأكاديميات التابعة للأندية، وتتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً، إلى أن 99 في المائة لم يمضوا في طريقهم نحو بناء حياة مهنية بمجال احتراف كرة القدم.
يذكر أن الأندية المشاركة في الدوري الممتاز والدرجات الأدنى تضم في صفوفها العشرات من الصبية على الصعيدين المحلي والوطني، ويتولى الكثير منها إدارة «مراكز تنموية» حتى لأطفال لا تتجاوز أعمارهم خمس وست سنوات. ومع هذا، فإنه غالباً ما لا يبدي مدربو الفريق الأول التزاماً يذكر حيال الاستعانة بهؤلاء الناشئين، وإنما تفضل الأندية بدلاً عن ذلك ضم نجوم جاهزين من الخارج.
من ناحيته، أشار ويلكنسون إلى توتنهام هوتسبير وساوثهامبتون باعتبارهما استثناءين، واللذين يتولى إدارة منظومة تنمية الناشئين بهما المدربان السابقان لدى اتحاد الكرة جون مكدرموت وليس ريد على الترتيب، ويبدي الناديان اهتماماً أكبر عن غالبية الأندية الأخرى للاستعانة بلاعبين ناشئين إنجليز.
وقال ويلكنسون: «مدربو الناشئين العاملون حالياً داخل إنجلترا على مستوى الكفاءة ذاته، إن لم يكن أفضل، عن نظرائهم في أي مكان آخر بالعالم. ويتميزون بكونهم خبراء أصحاب مؤهلات رفيعة، ويبذلون جهوداً دؤوبة ويتفانون في عملهم، لكنهم يتقاضون أجوراً زهيدة». يذكر أن ويلكنسون كان قد سبق ونشر خطة عمل لنظام الأكاديميات المتبع حالياً منذ عشرين عاماً تحت عنوان «ميثاق الجودة» تحت رعاية اتحاد كرة القدم.
وأضاف ويلكنسون: «تتميز الأكاديميات بمنشآت حديثة وعناصر رائعة، لكن ثمة مشكلة ضخمة تكمن في نقص الفرص المتاحة. إذا ألحقت طفلك بمدرسة ما، مثلاً، فأنت تتوقع أن تتيح له المدرسة كل فرصة ممكنة لتنمية مواهبه؛ فتلك هي المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها المدرسة. ومن وجهة نظري، تتحمل كرة القدم المسؤولية ذاتها. في الواقع، غياب الفرص يمثل مشكلة شديدة الخطورة يمكنها التأثير على الصبي على المدى البعيد، وتؤثر حالياً بالفعل على المنتخب الإنجليزي الكبير».
وفي إشارة إلى مئات الصبية الذين يجري تسريحهم سنوياً، أشار ويلكنسون إلى أن «هؤلاء صبية صغار، والكثيرون منهم لم ينالوا ما وعدوا به، وبطبيعة الحال يشعر عدد منهم بخيبة الأمل. إنهم في سن المراهقة، ما يجعل بعضهم عرضة للإصابة بالاكتئاب». واستطرد قائلاً: «من الواضح أنه ليس هناك التزام تجاه إشراك اللاعبين. ولا تقتصر المشكلة على مجرد عدم استيعاب الأندية لأعداد كبيرة من الصبية، وإنما كذلك على عدم التزامها بمنحهم الفرصة».
تجدر الإشارة إلى أن الميثاق الذي صاغه ويلكنسون منح الأندية المحترفة فرصة غير مسبوقة لإشراك أطفال في صفوفها منذ سن صغيرة للغاية، بهدف تحسين جودة تدريب الناشئين والمنشآت وتنمية مهارات النشء، والحيلولة دون إقدام الأندية أو المدارس على التفريط في إشراك الأطفال في كرة القدم. في العام السابق لطرح الوثيقة، تمكن منتخب إنجليزي كان لاعبوه قد تخرجوا عبر نظام المدارس القديم، وبدأ معظمهم مشوارهم بمجال كرة القدم داخل أندية من دور أقل عن الدوري الممتاز وأندية هواة، من الوصول إلى دور قبل النهائي ببطولة أمم أوروبا لكرة القدم عام 1996. في المقابل، لم يفلح أي منتخب إنجليزي في الوصول إلى مستوى مشابه داخل أي بطولة دولية منذ إقرار نظام الأكاديميات. من ناحيته، أعرب ويلكنسون عن اعتقاده بأن المدرب الحالي للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، يفتقر إلى عدد كاف من اللاعبين يمكنه من بناء فريق قوي.
وأضاف: «تكشف أبحاث أنه كي يتمكن بلد ما من بناء منتخب ناجح، فإنه بحاجة إلى مجموعة من نحو 50 لاعباً على مستوى رفيع من المهارة، والخبرة والقدرة على اللعب الجماعي. بالنسبة لإنجلترا، فإنه لا يتوافر لديها هذا العدد من اللاعبين ممن حصلوا على فرصة الانطلاق وتنمية مهاراتهم».
من ناحية أخرى، أدخل مسؤولو الدوري الممتاز عام 2012 سلسلة من التحسينات على الخطة التي وضعها ويلكنسون، تحت عنوان «خطة أداء اللاعب النخبوي»، في الوقت الذي رفضوا باستمرار الحجج القائلة إن اعتماد الأندية التابعة للدوري الممتاز على نجوم قادمين من خارج البلاد قوض المنتخب الإنجليزي. كان الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم غريغ دايك، قد أجرى مراجعة لهذه القضية، متعهدا بإجراء تحقيق بخصوص ما إذا كان نقص الفرص المتاحة أمام اللاعبين الإنجليز يعود في جزء منه إلى امتلاك مستثمرين أجانب لأندية إنجليزية كبرى لا يبدون التزاماً كبيراً تجاه المنتخب الوطني. ومع ذلك، فإن المراجعة التي أجرها أخفقت نهاية الأمر حتى في ذكر هذا الاحتمال، وتعرض المقترح الذي تفتقت عنه والخاص باستحداث دور أدنى جديد يمكن للفرق الثانية التابعة للأندية المشاركة في الدوري الممتاز اللعب فيه، للسخرية على نطاق واسع، وجرى التخلي عنه لاحقاً.
من جهته، أكد ويلكنسون على أن ثمة حاجة في الوقت الراهن لإجراء مراجعة شاملة. وأضاف: «يبدو أن اتحاد الكرة ومسؤولي الدور المختلفة للدوري يتجاهلون الحقائق: هل يهتم الناس بوجود منتخب إنجليزي قوي؟ ينبغي أن يهتم مسؤولو اتحاد الكرة والمستويات المختلفة للدوري بهذا الأمر، ويعتمد النجاح على هذا الصعيد على كرة القدم الإنجليزية وتاريخها وإرثها. وقد أثبتت ألمانيا بالفعل إمكانية تحقيق النجاح على صعيد بطولتي كأس العالم ودوري أبطال أوروبا من خلال الاهتمام بالناشئين لديها».