شيخ الأزهر يُعيد الجدل مجدداً برفض المساواة في الميراث

63 مفتياً طالبوا بقانون لضبط الفتوى وميثاق للفضائيات

TT

شيخ الأزهر يُعيد الجدل مجدداً برفض المساواة في الميراث

أعاد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجدل من جديد أمس، بعدما جدد رفضه المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وهي الدعوة التي أطلقها الرئيس التونسي باجي قايد السبسي في أغسطس (آب) الماضي، وأثارت وقتها جدلاً واسعاً في عدد من الدول العربية.
في غضون ذلك، طالب 63 مفتياً وعالم دين في مؤتمر «دور الفتوى في استقرار المجتمعات» الذي نظمته دار الإفتاء المصرية برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، بقانون لضبط الفتوى وميثاق للفضائيات.
وقال الطيب في كلمة خلال افتتاح المؤتمر، إن «دعوات وجوب مساواة المرأة والرجل في الميراث، وزواج المسلمة بغير المسلم، هو فصل جديد من فصول اتفاقية (السيداو) وإزالة أي تمييز للرجل عن المرأة... يراد للعرب والمسلمين الآن أن يلتزموا به ويلغوا تحفظاتهم عليه».
كان الرئيس التونسي قد قال إن بلاده تتجه نحو المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل المجالات من بينها المساواة في الميراث. موضحاً أنه يعتزم السماح للتونسيات بالزواج بأجنبي حتى وإن كان غير مسلم.
وأصدر الأزهر حينها بياناً شديد اللهجة، ندد فيه بدعوة السبسي، وقال إن «أحكام المواريث» في الإسلام «قطعية الثبوت والدلالة»، و«النصوص الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد الصادر من أهل الاختصاص الدقيق في علوم الشريعة ومنها ما لا يقبل».
وقالت مصادر مطلعة في دار الإفتاء إن «الدار لم توجه الدعوة إلى مفتى تونس لحضور فعاليات المؤتمر»... وكان ديوان الإفتاء التونسى قد أصدر بياناً حينها أيّد فيه دعوة الرئيس السبسي.
وندد الطيب أيضاً في كلمته بدعوات إباحة الشذوذ، قائلاً: إن «الهجوم على الحضارة الإسلامية والأزهر تزامن مع المطالبات الجماعية بإباحة الشذوذ باعتباره حقاً من حقوق الإنسان، وفي جرأة غريبة أشد الغربة عن شباب الشرق الذي عُرف برجولته، وباشمئزازه الفطري من هذه الانحرافات والأمراض الخلقية الفتاكة، كما تزامن ذلك مع إزاحة البرقع عن وجه التغريب».
وأكد الطيب أن «أهل العلم الصحيح وأهل الفتوى في أيامنا هذه قد ابتُلوا بنوع من الضغوط والمضايقات لم يعهدوه بهذا التحدي، وأعني به الهجوم على تراث المسلمين، والتشويش عليه من غير مؤهلين لمعرفته ولا فهمه، لا علماً ولا ثقافة، ولا حسن أدب أو احترام لأكثر من مليار ونصف المليار ممن يعتزون بهذا التراث ويقدرونه حق قدره، ولم يعدم هذا الهجوم المبيّت بليل دعاوى زائفة يغلَّف بها للتدليس على الشباب، كدعاوى التنوير وحرية الإبداع وحق التعبير؛ بل حق التغيير حتى لو كان تغييراً في الدين وشريعته، وأصبح من المعتاد اقتطاع عبارات الفقهاء من سياقاتها ومجالاتها الدلالية، لتبدو شاذة منكرة ينبو عنها السمع والذوق».
مشدداً على أن الساحة تعج الآن باكتساح العملة الزائفة للعملة الحرة الأصيلة في مجال الفتاوى، بعدما تصدر بعض أدعياء العلم حلقات تشويه الإسلام وتجرؤوا على القرآن والحديث وتراث المسلمين وجلسوا على مقاعد العلماء.
من جانبه، أكد الدكتور شوقي علام مفتى مصر، في كلمته بالمؤتمر، أن سبب تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف إصدار تلك الفتاوى المضللة المنحرفة المجافية للمنهج الوسطي الصحيح واتباعها؛ مما كان له أسوأ الأثر في انتشار العنف والفوضى، وتدمير الأمن والسلم، وتهديد الاستقرار والطمأنينة التي تنعم بها المجتمعات والأفراد.
مضيفاً: «على الصعيد العالمي والدولي، الإرهاب يسعى لفرض سيطرته وبسط نفوذه على عقول العامة والشباب عن طريق نشر الأفكار المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية؛ مما كان له أسوأ الأثر في نشر العنف والفوضى وتهديد السلم والأمن في كثير من بلادنا، ولولا فضل الله ثم تكاتف الدول العربية والإسلامية في محاصرة منابع تمويل الإرهاب ومصادره لتغير الواقع بما لا تحمد عقباه».
موضحاً أن قضية الفتوى وما يتعلق بها من ضوابط وقواعد من أهم قضايا العصر التي يجب أن ينشط لها أهل العلم والاجتهاد؛ لضبطها وبيانها، فقد أحدث تَصدر غير العلماء وغير المؤهلين للفتوى اضطراباً كبيراً نتج عنه خلل واضح في منظومة الأمن والأمان، وأصبح السلم العالمي مهدداً نتيجة التهور والاندفاع والتشدد الذي اتخذه البعض مطية لتحقيق أغراض سياسية بعيدة تماماً عن تحقيق مقاصد الشريعة.
في غضون ذلك، دعا الدكتور محمد عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى بمكة، إلى ضرورة إصدار قانون لضبط الفتوى، لما لها من أثر كبير على سلم المجتمعات، مشدداً على ضرورة محاسبة كل مخالف للفتاوى التي اتفق عليها أئمة الدين، وكل من جعل العلم غرضاً لهواه، فشرع الله لا يُستفرغ على الهواء مباشرة؛ بل يجب فحصه ودارسته دراسة متعمقة.
وقال الشيخ عبد اللطيف دريان مفتي لبنان، إن العالم الإسلامي يواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخه الحديث؛ ولا نستطيع أن نتصدى لهذه التحديات الوجودية الخطيرة مع استمرار تفرقنا وتخاصمنا. مضيفاً: «لا نستطيع أن نتصدى لها، إذا واصل السفهاء من الجماعات الإرهابية المتشددة وغير العلماء تشويه سمعة ديننا، الذين يفتون بغير علم والذين يفترون على الله كذباً».
في سياق آخر، أعرب شيخ الأزهر بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر، عن تضامنه وتألمه لمعاناة ملايين الفقراء والجوعى والمحرومين عبر العالم، محذراً من أنه كلما اتسعت رقعة الفقر والجوع والتهميش، بعُد العالم عن الأمن والسلام والاستقرار.
مؤكداً أن اليوم العالمي لمكافحة الفقر يشكّل جرس إنذار لكل العقلاء في العالم كي يتكاتفوا ويكثفوا جهودهم من أجل انتشال هؤلاء الفقراء من واقعهم المؤلم، حتى لا يصبحوا فريسة سهلة لجماعات العنف والجريمة والإرهاب.
وتعجب من أنه بينما يخطو جزء من العالم بسرعة غير مسبوقة نحو التمدن والرفاهية والتطور، فإن جزءاً آخر، ليس بالقليل، من عالمنا يسير بنفس السرعة، لكنه ينحدر صوب مستنقعات الفقر والجهل والحرمان والتهميش.
وذكّر الطيب الضمير العالمي بمأساة مسلمي الروهينغا في بورما، الذين يتخطفهم الجوع والخوف، ويتوزعون ما بين ألم التهجير والتشرد والجوع في دولة بنغلاديش المجاورة، وبين قسوة التنكيل والترويع لمن بقوا في قراهم بإقليم راخين، بينما يقف المجتمع الدولي متفرجاً وعاجزاً عن مساعدتهم ووقف معاناتهم.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.