أوروبا تتجه يمينا

أوروبا تتجه يمينا
TT

أوروبا تتجه يمينا

أوروبا تتجه يمينا

أحدث فوز قوى اليمين المتطرف المناهض للبناء الأوروبي، في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت الأيام الماضية، زلزالا سياسيا، رغم أن اليمين المحافظ استمر في شغل أكبر عدد من النواب في البرلمان الأوروبي.
وكان فوز الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن في فرنسا هو الأبرز، حيث وضعها في الصدارة كأقوى تكتل سياسي في البلاد. وفي بريطانيا تصدر حزب الاستقلال (يوكيب) المناهض لأوروبا نتائج الانتخابات، ونال نسبة تاريخية بلغت 29 في المائة من الأصوات في ثلثي مناطق البلاد الـ12. وإزاء تلك الأحداث العاصفة عقد القادة الأوروبيون، مساء أمس في بروكسل، اجتماعا بحثوا خلاله خصوصا تحليل نتائج الاقتراع الذي اتسم بالتشكيك وحتى رفض الاتحاد الأوروبي لا سيما في فرنسا. واحتفل زعيم حزب «يوكيب»، نايجل فاراج بلغة مليئة بالرموز الحربية بفوزه في الانتخابات، مفصلا مشروعه لاجتياح البرلمان البريطاني العام المقبل، لكن الهدف الأخير لـ«جيشه الشعبي» يبقى إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
فمن هو نايجل فاراج؟ ومن هي مارين لوبن؟
* نايجل فاراج.. «ثعلب في بيت دجاج»
* يسلط نظره على ويستمنستر

* «ثعلب حزب الاستقلال دخل بيت دجاج وستمنستر»، هذا ما قاله زعيم حزب الاستقلال البريطاني (يوكيب) نايجل فاراج، النجم السياسي الصاعد المعادي لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والذي لا يتمتع حتى الآن بأي تمثيل داخل برلمان المملكة المتحدة، الذي تسيطر عليه النخبة السياسية المتمثلة بالأحزاب السياسية الرئيسة، وهي المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار، والتي تبادلت الأدوار السياسية خلال قرن من الزمن في إدارة سدة الحكم في البلاد.
وبعد فوزه بحصة الأسد في الانتخابات البرلمانية الأوروبية وحصوله على أعلى نسبة من الأصوات وأكبر عدد من المقاعد لتمثيل المملكة المتحدة في البرلمان الأوروبي التي بدأت الأسبوع الماضي وأعلنت نتيجتها صباح يوم الاثنين، وصف نايجل فاراج فوزه «بالهزة الأرضية»، مضيفا أن «حزبه كسر المعايير السياسية وأن ما حصل في الانتخابات الأوروبية، وكذلك الانتخابات المحلية لمجالس البلديات في المملكة المتحدة، لم يحدث لأكثر من مائة عام في السياسة البريطانية»، وهذا سيمهد الطريق لحزبه لدخول البرلمان في وستمنستر.
وحصل الحزب على 24 مقعدا، أي بنسبة 27.49 في المائة من الأصوات، وجاء في المرتبة الأولى، وجاء في المرتبة الثانية حزب العمال المعارض الذي حصل على 20 مقعدا بنسبة 25.4 في المائة من الأصوات، أما حزب المحافظين الحاكم فقد حصل على 19 مقعدا بنسبة 23.93 في المائة من نسبة الأصوات. وتعالت الأصوات من داخل حزب الديمقراطيين الأحرار الحاكم في الائتلاف الحكومي مطالبة زعيم الحزب نيك كليغ بالتنحي بسبب الهزيمة التي مني بها، إذ جاء في المرتبة السادسة، بعد أن خسر عشرة مقاعد مقارنة بما حصل عليه في الدورة السابقة التي أجريت عام 2009. وحصل الحزب في الدورة الحالية على مقعد واحد فقط بنسبة 6.8 في المائة من نسبة الأصوات.
وكان حزب يوكيب قد فاز في الانتخابات الأوروبية السابقة التي جرت في 2009 بـ13 مقعدا. وهذه المرة الأولى منذ عام 1906 التي لا يكون فيها النصر في انتخابات تجري على الصعيد الوطني من نصيب أحد الحزبين الرئيسين في البلاد، أي حزبي المحافظين والعمال.
لكن خصومه السياسيين يتهمون يوكيب وزعيمه فاراج بأنهما يفتقدان إلى سياسات واضحة، ويصفه الكثير من المعلقين بأنه «حزب القضية الواحدة»، أي عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. ووعد فاراج بوضع بيان يوضح موقف الحزب من قضايا الاقتصاد والتعليم والصحة والعلاقات الخارجية وغيرها، ليكون وثيقة الحزب السياسية للانتخابات البريطانية المقرر إجراؤها مايو (أيار) المقبل، ردا على خصومه السياسيين والمعلقين الذين يتهمونه بالشعبوية وأنه يلعب فقط على وتر قضية الهجرة الحساس ولا يستخدم سوى الورقة الأوروبية وتخويف الناخبين من المهاجرين.
وقال فاراج بعد إعلان النتائج وفوزه بمقعده في جنوب شرقي إنجلترا إنه «سيطلق بيان حزبه للانتخابات القادمة من دونكستر في شمال إنجلترا»، أي من مدينة الدائرة الانتخابية لزعيم حزب العمال إيد ميليباند. وأضاف «لقد بدأنا بوضع سياساتنا التي تخص النظام الصحي وقضايا الدفاع والتعليم ومستوى الصرف العام. وسوف نضع هذه السياسات على الإنترنت من أجل أن يطلع عليها الجميع».
وكان قد ركز في حملاته الانتخابية، على الصعيدين المحلي والأوروبي، على موضوع الهجرة والخوف من تدفق ملايين من مواطني أعضاء الاتحاد الـ28 إلى بريطانيا، وهذا ما تسمح به الاتفاقيات التي وقعت عليها بريطانيا.
البعض يرى أن حصول حزب يوكيب على نسبة قياسية عكست الرغبة عند الناخب لمعاقبة النخبة السياسة في وستمنستر، التي يرون أنها متغطرسة وبعيدة عن نبض الشارع. كما أن تقدم الحزب على حساب الأحزاب الرئيسة جاء بتدرج خلال السنوات القليلة الماضية. وأظهرت بعض مراكز البحث في بريطانيا اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، خصوصا أن ذلك جاء على خلفية الأزمة المالية والاقتصادية وفضيحة المصاريف لأعضاء للبرلمان. ومما ساعد حزب يوكيب على تقوية مواقعه واستمالة شرائح كبيرة من المجتمع البريطاني هو إزالة قيود الهجرة على مواطني عضوي الاتحاد الأوروبي الجديدين، رومانيا وبلغاريا، مما يخول مواطني هذين البلدين دون أي عائق القدوم إلى بريطانيا والبحث عن عمل فيها. ولعب نايجل فاراج على هذه الأوضاع وسخرها لصالح حزبه في الانتخابات الأوروبية والمحلية.
إذ تمكن الحزب من أن يزيد عدد ممثليه في المجالس المحلية من تسعة عام 2012 إلى 150 مقعدا يوم الخميس الماضي. حزب الديمقراطيين الأحرار خسر أكثر من 300 مقعد في المجالس المحلية وخسر السيطرة على جزء من المجلس لعدم حصوله على أكثرية.
لكن هل شعبية يوكيب في هذه الانتخابات كافية لإيصاله إلى ويستمنستر، وهل سيحصل على عدد من المقاعد تخوله أن يصبح الوكيل السياسي الذي يحمل بجيبه مفاتيح وستمنستر، كما حصل مع حزب الديمقراطيين الأحرار في الدورة الانتخابية البرلمانية السابقة عندما اضطر «المحافظين» والعمال الدخول بمفاوضات ائتلافية من أجل تشكيل حكومة غير آيلة للسقوط.
لكن على الرغم من كل هذا التقدم فإن أداءهم ليس كما كانت التوقعات في الانتخابات المحلية، وليس بمستوى الانتخابات الأوروبية.
وقال فاراج، 51 عاما، «سنركز جهود يوكيب على المناطق التي له فيها أعضاء في المجالس البلدية ونستخدمها كمنطلق للفوز بمقاعد محددة في مايو 2015». كما يقر بضرورة تشكيل هيئة قيادية ذات صفة تمثيلية ضد الهجوم المعمم لأحزاب «المؤسسة الحاكمة» بعد سنوات من التفرد بالسلطة. وأضاف «أعتقد أن الرأي العام البريطاني يود رؤية فريق منكب على العمل مع اقتراب الانتخابات العامة» معلنا عن تعيين متحدثين كفؤ للصحة والدفاع والهجرة والوظائف قريبا. وقال «في المستقبل لن يتعلق الأمر بي بقدر ما سيتعلق بهم».
حزب يوكيب كان لا يزال حتى يوم الاثنين يعد هامشيا بمنتسبيه الـ36 ألفا. وقال فاراج «لم تتخلصوا منا». أما وسائل الإعلام البريطانية المعادية له عموما فتشير إلى أعضاء حزبه على أنهم «شائبو الصدغين» وهم بغالبيتهم خمسينيون.
جون كيرتيس أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستراثكلايد قال خلال اشتراكه في حوار نظمته هيئة البث البريطاني «بي بي سي» ليلة الانتخابات قال، إن «أداء الحزب جيد لكن لا يجب أن نبالغ في قوتهم.. جيد لكن ليس فوق العادة».
«أداؤهم ليس جيدا في لندن، لأن سكان لندن من الشباب والأقليات العرقية. لهذا نرى أن القاعدة الشعبية لحزب الاستقلال في المناطق العمالية خارج لندن وبين المسنين والبيض».
لكنه في نهاية المطاف فقد أجبر حزب يوكيب السياسيين أن يتفاعلوا مع الوضع الجديد. وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون «سوف نعمل المستحيل لأن نجيب على أسئلة الناس الذين يعملون بجد». المقصود هنا الإجابة على تخوف الناس من تدفق المهاجرين الأوروبيين.
بوريس جونسون، عمدة لندن، الذي يعتقد الكثير من المعلقين أنه الوريث الطبيعي لزعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون في حالة هزيمته في انتخابات العامة في مايو المقبل، قال لـ«بي بي سي» إنه «على رئيس الوزراء أن يوضح سياسية الهجرة، وأن تكون محصورة ببعض المهنيين في الأعمال وألا تكون مفتوحة للجميع»، مضيفا أن «على حزب المحافظين أن يجري استفتاء عاما حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي عام 2016 وليس كما وعد الحزب أن يكون الاستفتاء في عام 2017».
وكان قد وافق ديفيد كاميرون تحت ضغط المعاديين لأوروبا في معسكره وحزب يوكيب على تنظيم استفتاء عام 2017 حول بقاء البلاد في الاتحاد الأوروبي بعد إصلاحات سيجري إقرارها بخصوص علاقة الدول الأعضاء مع الاتحاد.
وقال رئيس الوزراء كاميرون، إن «المواطنين يشعرون بخيبة أمل كبيرة حيال الاتحاد الأوروبي.. يريدون تغييرا وبالنسبة لي، فإنني تلقيت الرسالة تماما وفهمتها».
وعلق المحللون بحذر حتى الآن على إمكانية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رغم أن الغالبية في هذا البلد من المشككين في أوروبا.
ويؤيد 46 في المائة من البريطانيين الخروج من أوروبا بحسب ما أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه مطلع مايو، فيما يدعو 39 في المائة إلى تحسين وضع بريطانيا فيها.
وكان فاراج صرح لوكالة الصحافة الفرنسية أثناء الحملة الانتخابية متحدثا عن ديفيد كاميرون «تحالف؟ إنني لا أثق به لكن بوسعي الإقدام على صفقة لضمان تنظيم استفتاء».
وفي الوقت الحاضر يبقى ماثلا في ذهن كاميرون أن يوكيب «يريد القضاء على المحافظين وليس العمل في فريق معهم». لكن وزير المالية جورج أوزبورن صرح قائلا إنني «أحترم السيد فاراج»، حرصا منه على عدم استبعاد ربع الناخبين الذين صوتوا له.
وهذا ما يرضي زعيم يوكيب الذي يطرح نفسه في موقع الرجل الثالث على الساحة السياسية، ويطالب باستمرار أن يقابله قادة الأحزاب في مناظرات، إلا أن الوحيد الذي وافق على ذلك كان زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ، والذي لم يبل بلاء حسنا، وحسب استطلاعات الرأي خرج نايجل فاراج منتصرا منها.
جون مان من حزب العمال قال غاضبا إن «حزب العمال لم يستغل افتنان نايجل فاراج بمارغريت ثاتشر»، مضيفا لصحيفة «الغارديان»: «كان قرارا خاطئا قرار عدم مهاجمة يوكيب.. بعض المخططين لسياسة الحزب عدوا أن تقدم حزب يوكيب سيكون على حساب كاميرون وحزب المحافظين. عليهم أن ينزلوا من أبراجهم العاجية وأن يراجعوا حساباتهم».
وحتى في داخل حزب العمال ارتفعت بعض الأصوات تطالب بالتغيير في قيادة الحزب، بعد أن فشل الحزب في الحصول على عدد أكبر من المقاعد في الانتخابات المحلية. ومن أجل أن يشكل حكومة أكثرية دون الاعتماد على الأحزاب الصغيرة. فكان على الحزب الحصول على 500 مقعد بدلا من الـ300 مقعد، التي جاءت أكثر من توقعات بعض المحللين.
لكن المزاج في حزب العمال تغير بعد نتيجة استطلاع رأي، قامت به مؤسسة تابعة للورد أشكروفت من حزب المحافظين، والذي يبين أن حزب العمال متقدم على حزب المحافظين في بعض المناطق الساخنة بـ12 نقطة، وبهذا ستكون النسبة التي قد يحصل عليها 41 في المائة مقارنة مع 29 في المائة لحزب المحافظين، وهذا كاف لكسب 83 مقعدا من المحافظين. وبهذا سينجح حزب العمال بأكثرية في الانتخابات القادمة. وحسب الاستطلاع فإن يوكيب سيحصل على 18 في المائة من الأصوات وثمانية في المائة لحزب الديمقراطيين الأحرار.
ووسط فرحة الفوز، فصل الزعيم الشعبوي خارطة الطريق التي سيعتمدها خلال الأشهر المقبلة. وهو لا يعتزم الاندفاع بشكل متهور في المعركة التشريعية في مايو 2015 بخوض السباق لجميع المقاعد المطروحة في مجلس العموم الذي يبقى حتى الآن حصنا منيعا على تنظيمه.
وقال حزب يوكيب إنه لا يريد فقط أن يدخل نايجل البرلمان في انتخابات مايو المقبل «لا نريد أن يكون نايجل هو الوحيد. سنحاول استهداف ما يقارب 30 مقعدا. هذه الطريقة المثلى للأحزاب الصغيرة حتى تدخل المعترك السياسي. وهذا ما قام به حزب الديمقراطيين الأحرار لسنوات وزادوا من رصيدهم السياسي على مدى سنوات».
التوقعات تفيد بأنهم سيحصلون على بعض المقاعد في البرلمان في العام المقبل. وهذا سيعطيهم قاعدة سياسية مهمة في السياسة البريطانية.
في بداية التسعينات لجأ حزب الديمقراطيين الأحرار إلى استهداف بعض المقاعد التي لا تتمتع فيها الأحزاب بأكثرية. في الخامس من يونيو (حزيران) سيكون هناك انتخابات تكميلية بسبب استقالة أحد أعضاء حزب المحافظين من مقعده، ونتيجتها ستكون مؤشرا على مدى اختراق البنية السياسية التقليدية.
* مارين لوبن.. المرأة الطموح
* عينها على الرئاسة الفرنسية

* منذ أشهر، تردد مارين لوبن أن هدفها في الانتخابات الأوروبية التي جرت يوم الأحد الماضي هو الحلول في المرتبة الأولى لتفرض نفسها رقما صعبا في المعادلة الانتخابية الفرنسية، ولتهيئة الاستحقاقات القادمة.
فهذه المرأة «الحديدية»، التي بدأت مسيرتها السياسية في ظل والدها جان ماري لوبن وهي في الثامنة عشرة من عمرها، يحركها طموح لا حدود له، إذ إن عينيها ترنوان نحو استحقاق ربيع عام 2017، حيث ستجرى الانتخابات الرئاسية، وهي تعتقد أن الأحزاب الكلاسيكية «انتهى مفعولها» وأنه «حان وقت وصول مرشح وطني لرئاسة الجمهورية» لإعادة تصويب الأمور ووضع فرنسا على سكة «النهوض الوطني». وعندما تنظر مارين لوبن إلى المشهد السياسي حولها حيث عجز حزب الرئيس فرنسوا هولاند عن الوصول إلى عتبة الـ14 في المائة من الأصوات، وحيث حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية غارق في فضائحه المالية والحروب الداخلية لقادته، فإنها ترى أن هناك فرصة يتعين اقتناصها، وأنه آن أوانها.
تعي مارين لوبن، هذه المحامية المتمرسة في فن النقاش والجدال، أن «الزلزال السياسي» الذي أحدثه احتلال الجبهة الوطنية الصدارة بحصولها على 25 في المائة من أصوات الناخبين الفرنسيين، آخذ في هدم الثنائية الحزبية التي تعودت عليها فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة، وأن التصويت لليمين المتطرف لم يعد فقط تعبيرا عن احتجاج أو رفض للطبقة السياسية التقليدية، بل أصبح تعبيرا عن «قناعات» ناشئة وطروحات تدافع عنها الجبهة الوطنية. وتريد مارين أن تكمل حلم والدها جان ماري لوبن في الانتخابات الرئاسية عام 2002 عندما تقدم على المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان في الدورة الأولى، ونازل الرئيس شيراك في الدورة الثانية. لكن الأخير، كما كان متوقعا، تفوق عليه بحصوله على نحو 80 في المائة من الأصوات. وبحسب الجبهة، فإن المجتمع الفرنسي لم يكن «جاهزا» لتقبل رئيس للجمهورية قادم إليه من اليمين المتطرف. بيد أن الأمور تغيرت جذريا. فشخصية مارين لوبن مختلفة عن شخصية والدها. هي امرأة وحديثة ولا تجر وراءها أثقال حرب الجزائر حيث مارس الأب التعذيب ضد مناضلي جبهة التحرير الوطنية. وهي لا تنوء كذلك تحت أعباء اتهامات معاداة السامية التي انصبت على رأس جان ماري لوبن منذ ثلاثة قرون، ولا يربط الناس بينها وبين الشعارات النازية أو العنصرية.. باختصار، أخذ الفرنسيون ينظرون إلى الجبهة الوطنية وهي الحزب اليميني المتطرف الوحيد الذي احتل المراتب الانتخابية الأولى، على أنها «حزب سياسي كغيره من الأحزاب». والجديد أن منتسبيه أخذوا يتباهون بانتمائهم إليه بعد أن كانوا في السابق يحاولون إخفاءه. فمن هي هذه المرأة التي تريد أن تربط حصانها في باحة قصر الإليزيه؟ وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟
مارين لوبن هي البنت الصغرى لجان ماري لوبن. ولدت في شهر أغسطس (آب) من عام 1968 في ضاحية نويي الراقية الواقعة على المدخل الغربي لمدينة باريس. درست الحقوق ومارست مهنة المحاماة، وهي مسجلة في نقابة المحامين في العاصمة. خلال دراستها الجامعية انضمت بطبيعة الحال إلى التجمع الطلابي القريب من الجبهة الوطنية المسمى «الدائرة الوطنية لطلاب باريس». لها من زوجها الأول الذي طلقته في عام 1999 بنتان وصبي، وهي تساكن حاليا لويس اليو، نائب رئيس الجبهة السابق، وذلك بعد طلاقها الثاني من أحد قادة الجبهة.
وإذا كانت مارين لوبن ستتوجه إلى البرلمان الأوروبي على رأس مجموعة مؤلفة من 24 نائبا من ضمنهم والدها (من أصل 74 نائبا فرنسيا)، فإنها ليست جديدة على هذا البرلمان الذي دخلته للمرة الأولى عام 2004. فمنذ عام 1998، أطلقها والدها في عالم السياسة والجبهة الوطنية ووضعها في الواجهة لقطع الطريق على صهره برونو ميغريه الذي حاول القيام بانقلاب داخلي على مؤسس الحزب. كذلك فإن والدها تدخل بقوة لوأد الاحتجاجات الداخلية التي اندلعت لرغبته في توريثها الزعامة، الأمر الذي تم في مؤتمر عام الحزب بداية عام 2011 حيث انتخبت بنسبة مريحة رئيسة للجبهة الوطنية. وبطبيعة الحال، فإنها ترشحت للانتخابات الرئاسية عام 2012 متنافسة مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي والمرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند. وجاءت المفاجأة بحصولها على نسبة 17.90 في المائة من الأصوات، وهي أعلى نسبة حصل عليها مرشح يمين متطرف بما في ذلك والدها عام 2002. وفي ربيع العام نفسه، سعت للدخول إلى الندوة البرلمانية. لكن النظام الانتخابي وعدم «استعداد» الفرنسيين حرماها من الفوز عن دائرة بادوكاليه، الواقعة شمال غربي فرنسا.
لم تتخط مارين لوبن حتى الآن سن الـ46 عاما. لكنها رغم ذلك تجر وراءها تجربة سياسية عريضة، إذ إنها خاضت أول انتخابات نيابية وهي في الثامنة عشرة من عمرها. وحتى اليوم، لم يحالفها الحظ في الدخول إلى الندوة النيابية. لكنها بالمقابل انتخبت للعديد من المناصب المحلية.
يكمن سر نجاح مارين لوبن في أنها عرفت كيف «تقولب» من جديد الجبهة الوطنية وتنزع عنها الصور الرائجة بصددها، مثل العنصرية ومعاداة السامية والفاشية. الجبهة الوطنية، وفق ما تكرره «ليست يمينا متطرفا»، بل هي حزب «يميني وطني» يدافع عن مصالح الشعب الفرنسي وسيادته التي «سلبها» الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي. وما تريده مارين لوبن أن تنسحب فرنسا من الاتحاد وأن تتخلى عن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، وأن تعيد الرقابة على الحدود وتحد من تدفق المهاجرين وتمنع بناء المساجد وارتداء البرقع والصلاة في الشوارع. وبحسب فكر الجبهة الوطنية، فإن الهجرة غير الشرعية سببها «تلكؤ» الدولة عن القيام بمهامها. وهذه الهجرة سبب أول لارتفاع نسبة البطالة وعجز صناديق الرعاية الاجتماعية وفقدان الهوية الفرنسية التي جعلت من الدفاع عنها هاجسها الأول.
غير أن مارين لوبن نقلت الجبهة الوطنية من مكان إلى مكان، ونجحت في تغيير صورتها لجعلها حزبا عاديا. وإذا نظرنا للنتائج الانتخابية التي تمثل المؤشر الحقيقي لوزن أي حزب سياسي لوجدنا أنها نجحت في ذلك. ففي عام 2007، حصل والدها في الانتخابات الرئاسية على 10.4 في المائة من الأصوات، بينما حصلت هي في الاختبار نفسه وبعد خمس سنوات على نحو 18 في المائة من الأصوات، وها هو حزبها يحصل في انتخابات الأحد الماضي على 25 في المائة من الأصوات بحيث تحولت الجبهة الوطنية إلى أول تشكيلة سياسية في فرنسا.
واضح أن طموحات مارين لوبن لن تتوقف عند البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، حيث ستسعى إلى تشكيل مجموعة مستقلة مع نواب أوروبيين يصبون في الاتجاه السياسي والآيديولوجي نفسه. لكنها بانتظار الاستحقاقات القادمة ستحاول ترجمة فوزها الأوروبي إلى نفوذ وتأثير داخليين بحيث تطأ بكل ثقلها المشهد السياسي الفرنسي. وأول ما تتوقعه هو «انفجار» اليمين بين جناح يريد التحالف بين الجبهة، وجناح رافض له، وبالتالي اجتذاب الفئات الأكثر يمينية أو براغماتية من اليمين الكلاسيكي. وبما أنها تعي «وزنها» الجديد، فإنها بادرت بعد إعلان النتائج مساء الأحد إلى مطالبة رئيس الجمهورية بحل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة، ودعت رئيس الحكومة مانويل فالس إلى الاستقالة باعتبار أن النتائج تفقده المصداقية لا بل الشرعية.
تقول مارين لوبن «نحن نشهد اليوم رفضا كاملا للنظام السياسي. إنه نوع من الثورة الوطنية» التي في رأيها تتخطى الأحزاب التقليدية ولن تتوانى عن الإطاحة بها. لكن هل حل زمن الجبهة الوطنية في فرنسا؟ واضح أن الحزبين الرئيسيين (الاشتراكي والاتحاد من أجل حركة شعبية) يعانيان حاليا من حالة انعدام الوزن. الأول وجد نفسه في طريق مسدود بسبب عجز سياساته الاقتصادية عن مواجهة البطالة وغياب النمو والتقشف وارتفاع الضرائب وحالة التشنج الملمة بالفرنسيين. والثاني غارق في نزاعاته وطموحات قادته وأنانياتهم. ولذا فإن مارين لوبن مقتنعة بأن الفرصة متاحة للانقضاض على قلعة الجمهورية ورفع علم الجبهة الوطنية على أسوارها. لكن ما تراه لوبن جيدا لحزبها يبدو بالغ الإساءة لفرنسا التي ستضعف صورتها في المحافل الأوروبية والدولية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.