تريد باريس أن تلعب دوراً «نشطاً» في الملف النووي الإيراني. لكنها، وفق المصادر الفرنسية الرسمية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، ترفض الحديث عن «وساطة» بالمعنى الحرفي والرسمي للكلمة لأن فرنسا «ليست طرفاً محايداً بل هي جزء من الاتفاق النووي».
ولهذا الغرض، تعمل الدبلوماسية الفرنسية على «توظيف» علاقات الرئيس إيمانويل ماكرون القوية مع نظيره الأميركي دونالد ترمب من جهة، ومع الرئيس الإيراني حسن روحاني من جهة ثانية. وتقول هذه المصادر إن باريس «لم تنتظر قرار الرئيس ترمب لتبدأ التحرك»، لا بل إن ماكرون ومن على منصة الأمم المتحدة دعا، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى المحافظة على الاتفاق والانطلاق منه «لإكماله» من خلال فتح مفاوضات جديدة مع طهران حول 3 مسائل: الأولى، النشاط الصاروخي الباليستي لإيران المخالف للقرار الدولي رقم 1929 لعام 2010. والثانية، البحث في مصير الأنشطة النووية الإيرانية لما بعد عام 2025. والثالثة، مناقشة السياسة الإيرانية الإقليمية، بما فيها التدخل لدى جيرانها ودعم التنظيمات الإرهابية.
تعي باريس أن إيران ترفض رفضاً مطلقاً معاودة التفاوض بشأن الاتفاق المبرم في يوليو (تموز) 2015، ولذا، فإن الدبلوماسية الفرنسية تسعى، في الوقت عينه، إلى «إرضاء» الطرفين الأميركي والإيراني. وتقول المصادر الفرنسية إن باريس «لا تريد فتح الاتفاق لزيادة فصول لم تكن موجودة فيه». وبما أن الكرة أصبحت اليوم بين أيدي الكونغرس الأميركي الذي أمامه شهران ليقرر ما إذا كان سيستجيب لطلب ترمب بالعودة إلى فرض العقوبات الأميركية السابقة على طهران أو فرض عقوبات جديدة مرتبطة بملفها النووي، فإن باريس تريد أن تتحرك ثنائياً ولكن أيضاً مع الشريكين الأوروبيين «بريطانيا» ومع وزيرة الخارجية الأوروبية موغيريني. لكن في أي حال، لا ترغب باريس بالدخول طرفاً في الجدال الداخلي الأميركي والنزاعات بين الإدارة والكونغرس، بل تحرص على البقاء ضمن مقاربة «دبلوماسية واستراتيجية محضة».
وفي هذا الإطار تندرج الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية جان إيف لو دريان، إلى طهران، «في الأسابيع القادمة» بناء على طلب ماكرون، من أجل «استكشاف» احتمالات الوساطة والتحضير للزيارة التي وعد الرئيس الفرنسي القيام بها إلى طهران «بداية العام القادم».
تعترف المصادر الفرنسية بأن البرنامج الصاروخي «الباليستي» الإيراني «يشكّل مصدر قلق» لباريس. وتقول مصادرها إنها «عبرت باستمرار» للمسؤولين الإيرانيين عن ذلك، إضافة إلى تعبيرها عن القلق من «تزايد التدخل الإيراني في شؤون المنطقة»، أكان في سوريا ولبنان والعراق واليمن أو الخليج بشكل عام.
ويجيء الرد الإيراني أن الاتفاق النووي «لا علاقة له بهذه المسائل» وأن طهران، إن كانت مستعدة للبحث في هذه الملفات، إلا أنها لا تقبل ذلك في إطار خمسة زائد واحد بل في «إطار ثنائي» من أجل رفض الاعتراف بوجود صلة بين الملف النووي والملفات الأخرى. لكن المشكلة أيضاً موجودة في الجانب الأميركي الذي «يرفض» التحاور مع إيران من جهة، كما أن تفاصيل ما ستعتمد عليه واشنطن من أجل دفع إيران لتعديل سياستها النووية والإقليمية «غير واضحة المعالم اليوم»، وهو ما يصح كذلك على «السياسة الشمولية» التي تريد واشنطن السير على هديها، إذ إنها «ما زالت في مرحلة التشكل».
وتقول باريس إن أولوياتها مع إيران هو أن يستمر العمل بالاتفاق النووي لأنه «جيد»، ولأنه يجنّب المنطقة «أزمة نووية جديدة». لكن رسالة باريس لطهران أن استمرارها في «تحسين كفاءة» الصورايخ الباليستية واتساع مداها والتحجج بأنها «محض دفاعية» ليس أمراً مقبولاً. يضاف إلى ذلك، أن ما تقوم به في سوريا والعراق واليمن «خطير على الأمن الإقليمي». وبما أن إيران «لم تفهم الرسالة» فإن ذلك أفضى مجدداً إلى «ظهور تهديدات عسكرية» أميركية وإسرائيلية وغيرها. فمن جهة، أبلغت إسرائيل باريس أن طهران «أخذت تلامس الخط الأحمر المزدوج، وهو زيادة تسليح (حزب الله) وإنشاء قواعد عسكرية في سوريا» ما يفتح الباب أمام تصعيد قد يكون مختلف الأشكال.
هذا إلى جانب أن واشنطن عبرت في الأسابيع الأخيرة عن «ضيقها» من إيران، بينما ربطت البلدان الخليجية «التطبيع» مع إيران بكفّ الأخيرة عن ممارسات التدخل وزعزعة استقرار المنطقة. ولذا، فإن رسالة باريس لإيران هي التالية: «إذا كنتم حريصين على الاستقرار في المنطقة والخليج وتوفير سبل النجاح لبرنامجكم الاقتصادي الحيوي للشعب الإيراني، فعليكم أن تسمعوا صوت العقل والمنطق وإلا فإن المنطقة ذاهبة إلى المجهول».
وتخلص المصادر إلى القول إن إيران «قبلت التوقيع على الاتفاق النووي بسبب وجود التهديد الإسرائيلي والعقوبات الاقتصادية الدولية، واليوم هناك التهديدات والعقوبات يمكن أن تعود».
وتحذّر باريس من أن وأد الاتفاق سيكون من نتائجه «تمكين المتشددين من كل الجهات وتحديداً الذين يعتقدون أن الحل العسكري ممكّن من اتخاذ القرارات، ما يعني السير بالمنطقة وباتفاقية منع انتشار السلاح النووي نحو الهاوية». ولذا، فإن الغرض الذي تسعى إليه باريس، وفق مصادرها، هو «تلافي السيناريو» المشار إليه والعمل على بقاء القرار في أيدي أشخاص يغلّبون المنطق على الأهواء.
وأحد السيناريوهات الذي يخيف باريس هو أن يعود القرار في إيران إلى أيدي «الحرس الثوري» الذي لم يوافق يوماً على الاتفاق النووي وكان يعتبر دائماً أن إيران لم تحصل على ما وعدت به. ومن نتائج قرار الرئيس الأميركي إضعاف روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، وتوفير أوراق ضغط للجناح المتشدد في النظام.
باريس: وأد «النووي» الإيراني سيقود المنطقة إلى المجهول
قلق فرنسي إزاء عودة الملف إلى أيدي «الحرس الثوري»
باريس: وأد «النووي» الإيراني سيقود المنطقة إلى المجهول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة