«إنّه عالم النساء»... فسيفساء تشكيلية بلغة أنثوية

جينا نحلة تخاطب المرأة بلسان حالها في معرضها ببيروت

جينا نحلة أخرجت برسومها المرأة عن الإطار المألوف  -  «مودة» منحوتة من زجاج المورانو استوحتها جينا من المرأة العربية
جينا نحلة أخرجت برسومها المرأة عن الإطار المألوف - «مودة» منحوتة من زجاج المورانو استوحتها جينا من المرأة العربية
TT

«إنّه عالم النساء»... فسيفساء تشكيلية بلغة أنثوية

جينا نحلة أخرجت برسومها المرأة عن الإطار المألوف  -  «مودة» منحوتة من زجاج المورانو استوحتها جينا من المرأة العربية
جينا نحلة أخرجت برسومها المرأة عن الإطار المألوف - «مودة» منحوتة من زجاج المورانو استوحتها جينا من المرأة العربية

همسة، وهمزة، ومينا، ومودة، وأورورا، ومزاج، ونوراشان، وشروق، هي أسماء وجوه نسائية رسمتها الفنانة جينا وجيه نحلة، في خيالها لتؤلّف منها «إنّه عالم النساء» عنوان معرضها التشكيلي الذي تقيمه في غاليري (إس في) في بيروت (منطقة الصيفي).
«تمثل هذه اللوحات مجموعة نساء قد تشكل بعضهن أجزاء من شخصيتي الحقيقية ولكنّهن في الواقع كائنات موجودة بيننا». تشرح جينا ابنة الفنان الراحل وجيه نحلة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، فـ«عالم النساء» الذي استحدثته جينا في أكثر من 25 لوحة أكليريك تضمن أيضاً تصاميم مجوهرات، وهي كناية عن منحوتات خشبية منمنمة. وكذلك تلون بتماثيل منفوخة من زجاج المورانو ورسوم أخرى خربشتها بواسطة رماد السيجارة وقلم الرصاص. ولعل إعجابها الكبير بنساء أغاني الفنان كاظم الساهر يقف وراء فكرتها هذه. «لم أرغب في انتظار تلقي رأي الرجل بي فيحدثني عن نفسي، فسبقته بخطوة وقدّمت المرأة بوجوه مختلفة تحت عنوان «نساء أبحث عنهن». ملامح المرأة الشرقية والفارسية والغربية تجدها مجتمعة في معرض. «إنّه عالم النساء»، فناهيك عن «نوراشان» التي تطالعك بإطلالة أنيقة (مشغولة بخيوط شجر النخيل) و«لولوة» التي يحاكيك رسمها بلسان شهرزاد، وقد وضعت يدها المحنّاة على ثغرها، و«فتنة وهمزة ولمسة» اللواتي يمثلن المرأة العربية المحافظة بألوانها الهادئة، تطالعك «شانغريلا» و«بابريكا» و«إيفا» و«ميكانيكا» وغيرهن. فيدلك خليط ألوان الفنانة، الصارخة (برتقالي وأحمر ناري وأخضر) على تمتعهن بكمية من الجرأة والإغراء والذكاء توازي عمق المحيطات. «لا شك أنّني تأثرت بوالدي بشكل أو بآخر، تماماً كباقي إخوتي الذين يعملون في مجال الرسم أيضا. فلقد آثر أن يترك لنا مساحة من الاستقلالية والحرية لنترجم فيها أفكارنا على سجيتنا من دون أن نتقيّد بخطّه المميز به». وتتابع: «في لوحة (ليال) مثلا التي رغبت في نفخها بزجاج المورانو فاستعرت بعضا من ألوان والدي الفاهية المعروف فيها، أمّا ملاحظاته لي في كل مرة شاهد إحدى لوحاتي الجريئة فكان يختصرها بعبارة (أنتم الشباب لديكم أفكار غريبة)».
قدّمت جينا في معرضها لوحة لوالدها وأخرى لشقيقتها لينا تكريما لهما بعد رحيلهما. «لطالما شكّلنا عائلة فنية بكل ما للكلمة من معنى، وفي هاتين اللوحتين أردت استذكار دفء العائلة التي تربينا في كنفها».
وجسدت جينا نحلة رسومها على لوحات خشبية بعد أن غمرتها بألوان فاهية وقطعتها بشكل يناسب أقسام جسد المرأة. «بداياتي كانت مع الخشب وما زلت متمسكة به حتى في أعمالي من منمنمات منحوتة، وقد لجأت فيها إلى أنواع مختلفة كخشب شجر الأرز والكرز والجوز والأبنوس وغيرها».
تفاجئك جينا التي تستقر اليوم في لبنان بآفاقها الفنية الواسعة، فموهبتها الفذة لم تقتصر على الرسم والأكليريك والكانفا بل تعدت ذلك لتشمل النحت بوجوهه المتعددة. «لطالما شعرت بأن في داخلي بذور نحاتة، كوني شغوفة بهذا الفن الذي ترجمته في قطع خشبية صغيرة وفي أخرى زجاجية ساعدني فيها أساتذة (مايسترو) إيطاليون معروفون في هذا الفن في مدينة مورانو».
أخرجت جينا كل ما لديها من أفكار تخص المرأة في هذا المعرض لتكشف كما ذكرت لنا عن أسرار المرأة وشخصيتها القوية وتمتعها بروح المحاربة حينا والمرأة الأنثى حينا آخر. «لقد طوعت الخشب ليتحول إلى أجساد نساء تحمل دلالات عدة، ونفختها بزجاج المورانو لتؤلف قصصاً شفافة يقرأها مشاهدها بتفاصيل منحيناتها».
أدخلت جينا عناصر ومواد مختلفة إلى أعمالها (القماش وخيوط الفضة والزجاج)، لتستطيع تكملة أفكارها في إطارها الفلسفي العميق الذي تجاوز مرات كثيرة تقنية الثلاثي الأبعاد من خلال إجادتها فن «الكولاج». «أنا متعمقة في التاريخ الفرعوني ولفتتني بشكل كبير أعمالهم الفنية، حتى إنّني صنعت في إحدى المرات لوحة مذهبة وانتظرت إلى حين أن تغمرها الشمس بأشعتها لأستمتع بوهج نورها». وفي لوحة «المرأة الجبنة» (من نوع الريلييف) استخدمت الفنانة اللبنانية أوراقا مذهبة كانت تغلّف قطع جبنة فرنسية تناولتها في فترة سابقة، فألّفت بواسطتها أشكالا فنية متشابهة تفيض أنوثة.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».