تفاهم أوروبي على حفظ الاتفاق النووي والتصدي للتهديدات الإقليمية

استمرت الهزات الارتدادية لزلزل استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول إيران، ورغم تأكيد برلين ولندن على حفظ الاتفاق النووي، إلا أنهما أكدا أمس التوصل إلى تفاهم على ضرورة التصدي لأنشطة إيران التي تزعزع الاستقرار في المنطقة. وأكد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن واشنطن تحاول البقاء في الاتفاق النووي، على أن تعمل مع حلفائها لإصلاح عيوبه. وقالت سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي إنها «تتوقع الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران في الوقت الحالي». وفي المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن طهران تعول على مقاومة أوروبية في استمرار الاتفاق النووي، فيما حذر رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي من وقف تنفيذ إيران للبرتوكول الإضافي.
وقالت متحدثة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بعد مكالمة هاتفية بينها وبين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إن بريطانيا وألمانيا اتفقتا أمس على الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران بعد قرار أميركي بعدم التصديق على الاتفاق.
وأضاف مكتب ماي، في بيان، «اتفقنا على الالتزام الكامل للمملكة المتحدة وألمانيا بالاتفاق». وتابعت: «اتفقنا أيضاً على ضرورة مواصلة تصدي المجتمع الدولي لأنشطة إيران التي تزعزع استقرار المنطقة وبحث سبل مواجهة المخاوف من برنامج إيران للصواريخ الباليستية»، وفق ما نقلت «رويترز».
وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أمس، إن بقاء أميركا في الاتفاق النووي في صالحها، وقال في مقابلة مع «سي إن إن»: «لذلك، قال الرئيس، حتى منذ حملته الانتخابية، إنه سيصلح هذا الاتفاق ويعيد التفاوض بشأنه... بشكل أساسي قال إنه سيصلح هذه العيوب، أو سنضطر إلى إجراء اتفاق مختلف بشكل كامل».
وأكد تيلرسون، أن الاستراتيجية الجديدة بشأن إيران «لا تهدف فقط للتعامل مع الاتفاق النووي، ولكن مع جميع تهديدات إيران». وقال إن «الرئيس ترمب أراد استراتيجية أكثر شمولاً للتعامل مع إيران بشكل كلي». وأضاف: «لمدة طويلة جداً، حددت الإدارة السابقة (إدارة أوباما) العلاقة مع إيران حول هذا الاتفاق النووي، الذي يوجد به عيوب وعدد من نقاط الضعف».
وأوضح تيلرسون أن الاستراتيجية الجديدة لترمب «تتفق مع ذلك»، مضيفاً أن أميركا تريد العمل مع الحلفاء لرفع العيوب في الاتفاق، وقال: «الآن، نريد التعامل مع نقاط الضعف في الاتفاق، ولكن نريد أيضاً التعامل مع مجموعة أوسع من تهديدات إيران للمنطقة والأصدقاء والحلفاء ولأمننا القومي».
وأكدت طهران، في عدة مناسبات، رفض فكرة إعادة التفاوض حول برنامجها النووي، وقال قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، الأسبوع الماضي، إن طهران «ترى الحل حول قضايا المنطقة في مكان آخر خارج طاولة المفاوضات»، مشدداً على أن بلاده لا ترى «كلاماً للتفاوض ولا طرفاً لذلك».
ورداً على سؤال حول ما إذا كان يوافق وزير الدفاع جيمس ماتيس حول ضرورة عدم تعجل الكونغرس بوضع عقوبات جديدة ضد إيران، لأنه بحسب ماتيس، قد يعني خروج أميركا من الاتفاق النووي، قال تيلرسون إنه «يوافق رأي ماتيس ويعتقد أن الرئيس الأميركي يعتقد ذلك».
في هذا الصدد، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي أمس، إن واشنطن تتوقع الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، مضيفة أن إدارة ترمب تريد التوصل لرد «متناسب» مع تصرفات طهران على المسرح العالمي. وأضافت: «أعتقد أنه في الوقت الحالي سترون أننا باقون في الاتفاق لأننا نأمل أن نحسن الأوضاع وهذا هو الهدف»، مشيرة إلى القلق إزاء اختبارات إيران لصواريخ باليستية ومبيعاتها للأسلحة ودعمها للإرهاب.
وأضافت هيلي لقناة «إن.بي.سي» أن السبب في أن الولايات المتحدة تتابع عن كثب الاتفاق النووي مع إيران هو تصاعد التوترات مع كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي «وما نقوله الآن فيما يتعلق بإيران هو لا تسمحوا لها بأن تكون كوريا الشمالية المقبلة».
من جهته قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقابلة مع قناة «سي بي أس» الأميركية، أمس، إنه «لم يعد أحدٌ في العالم يثق بحكومة الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات طويلة الأمد، إذا ما ألغت الولايات المتحدة الاتفاق النووي»، مضيفاً أن مواقف ترمب ضد الاتفاق النووي «قد شوهت سمعة أميركا في العالم». وتابع أن الاتفاق لم يكن ثنائياً بين طرفين، مضيفاً أن مصداقية الولايات المتحدة ستكون على المحك، بصفتها أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
وفي إشارة إلى انسحاب الإدارة الأميركية من اتفاقيات دولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، وخروجها من اليونيسكو، حذر ظريف من انعدام الثقة بالإدارة الأميركية، وقال إن الإدارة الحالية تتابع مبدأ الانسحاب، موضحاً أن «هذه الإدارة تنسحب من كل شيء».
وحول احتمال تحسين العلاقات مع الإدارة الأميركية الحالية، قال ظريف: «أعتقد أن إدارة ترمب أغمضت عينيها أمام الحقائق في المنطقة، ونعتقد من المهم أن تقوم الولايات المتحدة وإدارة ترمب بتصحيح هذا الخطأ تجاه منطقتنا».
وأوضح وزير الخارجية الإيراني أنه استمع مباشرةً إلى كلمة ترمب حول إيران، وأنه كان على علم بمحتوى كلمة ترمب عن طريق نظرائه الأوروبيين، «لذلك فإن كلام ترمب لم يكن مفاجئاً بالنسبة له».
وكان ظريف قد اعتبر، في مقابلة مع القناة الرسمية الإيرانية، أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول إيران يمثّل انتهاكاً للاتفاق المبرم في 2015 بين إيران والدول الكبرى بشأن برنامج طهران النووي.
وتعول طهران على «مقاومة أوروبا» ضد قرار ترمب بشأن عدم التصديق على الاتفاق النووي الموقع في 2015، وقال وزير الخارجية الإيراني إن «مقاومة الأوروبيين ستظهر ما إذا كان يمكن للاتفاق النووي أن يستمر من عدمه»، حسب «وكالة الأنباء الألمانية».
وجدد ظريف موقف بلاده بعد عدم تصديق ترمب على الاتفاق النووي، وقال إن إيران ستلتزم بالاتفاق طالما التزمت به الأطراف الأوروبية المشاركة.
وقال ظريف في لقاء أجراه معه التلفزيون الإيراني الرسمي إن «تصريحات ترمب تتناقض مع البنود 26 و28 و29 من الاتفاق حول البرنامج النووي». وأضاف: «لقد أرسلت حتى الآن تسع رسائل (إلى فيديريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمكلفة بمتابعة سير الاتفاق) للإبلاغ عن المخالفات والانتهاكات (الأميركية)، وسوف أكتب رسالة جديدة بشأن تصريحات ترمب» وفقا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وتنص البنود الثلاثة التي أشار إليها الوزير الإيراني على التزام الأطراف الموقّعة على الاتفاق «حسن النية»، وامتناع الإدارة الأميركية والكونغرس عن «فرض عقوبات جديدة مرتبطة بالبرنامج النووي» الإيراني.
وكان ترمب أعلن في خطاب في البيت الأبيض عن عقوبات «قاسية» جديدة بحق الحرس الثوري الإيراني، مشيراً إلى أن بإمكانه إلغاء الاتفاق النووي في أي وقت بعد إعلانه رفض الإقرار بالتزام طهران بالاتفاق الذي وقّع في عهد سلفه باراك أوباما.
وقال ظريف «المهم بالنسبة لنا هو أن الولايات المتحدة التزمت تجديد تعليق العقوبات»، محذراً من أنه إذا لم تفعل واشنطن ذلك فإنه «ستتخذ إجراءات انتقامية».
ورداً على التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على طهران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية، قال ظريف إن بلاده لن تسمح «لأحد» بالتدخل في سياستها الدفاعية. وقال: «مكتسباتنا في المجال الباليستي ليست موضع نقاش بأي شكل من الأشكال. نحن نعيش في منطقة باع فيها الأميركيون أسلحة بمليارات الدولارات، وحوّلوها إلى برميل بارود (....) وبالتالي من حقنا امتلاك وسائل للدفاع عن أنفسنا».
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني سارع إلى الرد على ترمب، مؤكداً في خطاب متلفز الجمعة أن ما سرده الرئيس الأميركي «ليس سوى تكرار لشتائم واتهامات لا أساس لها».
وقال روحاني إن ترمب «لم يقرأ القانون الدولي. هل يستطيع رئيس بمفرده إلغاء اتفاق دولي ومتعدد الأطراف».
ورغم ذلك يبدو مستقبل الاتفاق على المحك، إذ أمام الكونغرس 60 يوماً لاتخاذ القرار بشأن إعادة فرض عقوبات على خلفية الملف النووي، أو فرض عقوبات جديدة إذا خرقت إيران «نقاطاً محددة».
بدوره، قال رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب نائب رئيس الجمهورية، في تصريح للتلفزيون الحكومي، إنه «إذا أصبح الاتفاق النووي يوماً ما لاغياً، فإن تطبيق البروتوكول الإضافي سيتوقف لأنه من دون الاتفاق لا معنى لتطبيق البروتوكول».
وحذر صالحي من أن طهران قادرة سريعاً على استئناف إنتاج اليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامه لصناعة قنبلة ذرية. وقال: «إذا اعتبر المسؤولون في البلاد يوماً ما أن الاتفاق النووي لا يؤتي فوائد للبلاد، وقرروا استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة»، فإن طهران بحاجة فقط «إلى أربعة أيام» لإعادة العمل بمصانع التخصيب.
في سياق متصل، اتهم رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، أميركا، بخرق مكرر للاتفاق النووي، وفي تصريحات أدلى بها خلال لقائه رئيس برلمان أرمينيا آرا بابلويان، وصف استدلالات الإدارة الأميركية حول الاتفاق النووي بـ«استدلالات أطفال لا يمكن إقامة قوانين اقتصادية بناء عليها».