400 قتيل وجريح في أعنف هجوم بمقديشو

وسط إدانات عربية ودولية، أعلن الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو أمس حالة الحداد لمدة ثلاثة أيام على أرواح ضحايا تفجيرين بتقاطعين مزدحمين في قلب العاصمة مقديشو، ودعا إلى التبرع بالدم وتقديم مساعدات مالية. بينما ارتفع عدد الضحايا بشكل غير مسبوق ليصل لنحو (400) قتيل وجريح، وفقا لما ذكرته مصادر أمنية وطبية.
وقالت مصادر طبية إن الأطباء يكافحون لمساعدة مئات المصابين جراء الانفجار، الذي وصفه سكان محليون بأنه الأقوى من نوعه منذ شن متشددون تمردا في عام 2007. وقال مسؤول في الحكومة الصومالية لـ«الشرق الأوسط» إن «حكومات عربية وأجنبية عرضت تقديم مساعدات فورية والمساهمة في علاج الجرحى والمصابين»، منددا بما وصفه بـ«الكارثة الدامية التي أصابت مقديشو أول من أمس».
ولم تقدم السلطات الصومالية أي إحصائيات رسمية نهائية بعدد القتلى والجرحى، لكن مصادر متعددة قالت إن ما لا يقل عن 190 شخصا قتلوا وأصيب 200 آخرون، في حين ذكرت مصادر شبه حكومية أن الرقم النهائي للضحايا قد يتجاوز الـ400 ما بين قتيل وجريح.
وقال المسؤول في الشرطة إبراهيم محمد لوكالة الصحافة الفرنسية «تردنا أرقام متباينة للضحايا من المراكز الطبية ولكننا أكدنا مقتل 231 شخصا غالبيتهم احترقت جثثهم لدرجة عدم التمكن من التعرف عليها»، لافتا إلى أن «حصيلة القتلى يمكن أن ترتفع أكثر لأن هناك أكثر من 300 جريح بعضهم إصابتهم خطرة».
واستهدف الانفجار فندق سفاري الشعبي على الطريق المزدحم في منطقة هودان، الذي يقع بالقرب من وزارة الخارجية الصومالية، علما بأن الفندق لا يؤمه في العادة مسؤولون حكوميون.
وأدى التفجير إلى انهيار عدد من الفنادق والمطاعم والمباني واشتعال النار في نحو 20 سيارة كانت بالقرب من موقع الحادث. وقالت الشرطة إن شاحنة ملغومة انفجرت أول من أمس أمام الفندق عند تقاطع كيه 5 الذي تصطف على جوانبه مكاتب حكومية وفنادق ومطاعم وأكشاك، ما أدى إلى تدمير مبان واندلاع النيران في سيارات.
ووفقا لرواية شهود عيان، فإن الشاحنة كانت تسير بسرعة كبيرة في أحد شوارع مقديشو، وأدت إلى انقلاب دراجات نارية وسيارات واصطدمت ببعض المركبات التي كانت عالقة في الزحام المروري.
وحاولت قوات الأمن إطلاق النار على قائد الشاحنة، الذي نجح في الوصول بها إلى أحد أكثر التقاطعات ازدحاما في العاصمة وفجر الشاحنة هناك.
وانضم الرئيس الصومالي إلى آلاف الأشخاص الذين ردوا على نداء يائس من قبل المستشفيات للتبرع بالدم للمصابين، وقال فرماجو في خطاب مقتضب: «فقدنا خلال التفجير الإرهابي مواطنينا الأبرياء، ونعلن حالة حداد لثلاثة أيام، وتنكيس علم الدولة»، ودعا الشعب إلى نجدة عاجلة من أجل الوقوف بجانب المصابين وأسر الضحايا، كما أكد أهمية الوحدة وتضافر الجهود للقضاء على ميليشيات حركة الشباب المتطرفة.
وزار فرماجو مستشفى إردوغان حيث قال له الأطباء إنهم استقبلوا 205 مصابين، كانت جروح أكثر من مائة منهم خطيرة. وأعلن في كلمة متلفزة أنه «هجوم رهيب شنه عناصر من حركة الشباب الإسلامية على مدنيين أبرياء، ولم يستهدف مسؤولين حكوميين صوماليين محددين»، معتبرا أن «هذا يدل على درجة العنف لدى هؤلاء العناصر الذين تخلو قلوبهم من الرأفة، حتى يستهدفوا من دون تمييز أشخاصا أبرياء كانوا منصرفين إلى الاهتمام بشؤونهم».
وحث فرماجو أجهزة الأمن على تشديد إجراءات الأمن، ومواجهة أي اضطرابات قد تهدد سلامة المدنيين، قبل أن يتبرع خلال جولة له على المستشفيات برفقة عدد من المسؤولين الحكوميين، وضباط الأمن، بالدم للضحايا. وتعبيرا عن حجم الكارثة، قال أحد الأطباء في «خدمة أمين» للإسعاف المحلي «على مدى السنوات العشر التي عملت فيها في مقديشو كمسعف، لم أر أي شيء من هذا القبيل».
وأبلغ المسؤول الأمني عبد القادر مختار، الصحافيين أنه لا تتوافر لديه حصيلة مفصلة، لكن مئات الأشخاص قتلوا أو جرحوا، وأضاف أن «الحكومة ما زالت تعمل لتحديد العدد الدقيق للأشخاص الأبرياء الذين قتلوا أو أصيبوا في هذا الاعتداء الرهيب... كان مئات الأشخاص منهمكين بأشغالهم عندما وقع الانفجار، فأصيبوا أو قتلوا».
وخرج الآلاف إلى شوارع المدينة للاطمئنان على أقاربهم المصابين أو البحث عن ذويهم الذين لا يزالون مفقودين، بينما اتهم رئيس الحكومة حسن علي خيري ميليشيات حركة الشباب بالمسؤولية عن هذه العملية الإرهابية، التي وصفها بأنها «هجوم إرهابي يدل على وحشية معارضي السلام». وأعلن رئيس مجلس الشيوخ عبدي حاشي تأجيل اجتماع كان مقررا أمس للمجلس، ودعا الشعب إلى الوقوف بجانب قوى الأمن للحيلولة دون وقوع تفجيرات تهدد حياة المواطنين. ومشطت الشرطة وعمال الإنقاذ أنقاض المباني المدمرة، حيث عثر على عشرات الجثث ومعظمها تفحم إلى درجة تحول دون التعرف عليها، وأغلقت الشرطة المنطقة بالمتاريس لأسباب أمنية.
وقالت وزارة الخارجية القطرية إن القائم بالأعمال القطري لدى الصومال أصيب بجروح في التفجير وقالت في بيان لها إن مبنى سفارتها في العاصمة تعرض «لأضرار جسيمة» جراء التفجير الناتج عن انفجار شاحنة مفخخة السبت عند تقاطع «الكيلومتر 5» في منطقة هودان، الحي التجاري الحيوي الذي يضم الكثير من المتاجر والفنادق والمكاتب.
من جانبها، أعربت المملكة العربية السعودية عن إدانتها للتفجيرين اللذين وقعا في قلب العاصمة الصومالية مقديشو، وقدم مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية، المواساة والعزاء لذوي الضحايا، وللصومال «الشقيق» حكومةً وشعباً، مجدداً في الوقت نفسه وقوف المملكة مع الشقيق الصومال ضد الإرهاب والتطرف.
ودانت التفجير مصر وجامعة الدول العربية، حيث اعتبرت الخارجية المصرية في بيان أن «تلك الأعمال الآثمة لن تفتّ في عضد الشعب الصومالي نحو استكمال بناء مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار».
في حين جدد محمود عفيفي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في بيان «التزام الجامعة بمواصلة دعمها للجهود الحثيثة التي تقوم بها المؤسسات الأمنية الصومالية من أجل مكافحة الإرهاب وتثبيت الأمن والاستقرار في ربوع البلاد».
وطالبت الجامعة العربية المجتمع الدولي بمضاعفة الدعم الذي يقدمه لحكومة الصومال «لمساندة مؤسساتها الأمنية». وتعرض مبنى بعثة الجامعة العربية الذي يقع على مقربة من موقع التفجيرات لبعض الأضرار. وأكدت منظمة التعاون الإسلامي على لسان أمينها العام يوسف العثيمين دعمها لحكومة الصومال في جهودها المتواصلة لتحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في البلاد بما يخدم مصالح الشعب الصومالي والسلام في المنطقة. واعتبر الممثل الخاص لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في الصومال، السفير فرانسيسكو ماديرا، أن هذا العمل الجبان يدل على الجهود المتعمدة التي تبذلها حركة الشباب لردع التقدم الذي يبذله الصوماليون المجتهدون لتحقيق الاستقرار في بلدهم. وأضاف في بيان وزعه مكتبه «علينا أن نحول هذا الهجوم المأساوي إلى قوة متجددة وأن نواصل العزم على استعادة السلام والاستقرار في الصومال». وطردت قوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم) والقوات الصومالية متمردي حركة الشباب من مقديشو في أغسطس (آب) من عام 2011.
ثم بدأوا بعد ذلك بخسارة معاقلهم الواحد تلو الآخر، لكنهم مع ذلك لا يزالون يسيطرون على مناطق ريفية مترامية يشنون منها عمليات انتحارية وهجمات غالبا ما تستهدف العاصمة وقواعد عسكرية صومالية وأجنبية. وتسعى الحركة المتطرفة للإطاحة بالحكومة الصومالية المركزية الضعيفة، والمدعومة من المجموعة الدولية و22 ألفا من عناصر قوات أميصوم.