طريق شائكة وطويلة لبناء جيش ليبي موحد

تساؤلات «العقيدة العسكرية» و«الشرعية» و«الولاء» تنتظر إجابات

أفراد من الجيش الوطني الليبي يشتبكون مع عناصر متشددة في أحد أسواق بنغازي في مايو الماضي (غيتي) - المشير خليفة حفتر (رويترز)
أفراد من الجيش الوطني الليبي يشتبكون مع عناصر متشددة في أحد أسواق بنغازي في مايو الماضي (غيتي) - المشير خليفة حفتر (رويترز)
TT

طريق شائكة وطويلة لبناء جيش ليبي موحد

أفراد من الجيش الوطني الليبي يشتبكون مع عناصر متشددة في أحد أسواق بنغازي في مايو الماضي (غيتي) - المشير خليفة حفتر (رويترز)
أفراد من الجيش الوطني الليبي يشتبكون مع عناصر متشددة في أحد أسواق بنغازي في مايو الماضي (غيتي) - المشير خليفة حفتر (رويترز)

أعاد المُشير خليفة حفتر، في 2014، لَمْلَمة القوات العسكرية الليبية، بعد أن تفرقت بها السبل وتعرضت لضعف وانقسام، جراء انتفاضة مسلحة دعمها حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد حكم معمر القذافي. لكن عدد الضباط والجنود في ظل النظام السابق كان يزيد قليلا على 140 ألف عنصر نظامي، وفقا للضابط السابق والسياسي الحالي، أحمد قذاف الدم. واليوم يبلغ قوام القوات المنضوية تحت قيادة حفتر نحو 35 ألفا فقط. فأين ذهب الباقون، بأسلحتهم وعتادهم وعقيدتهم العسكرية؟
رغم ظروفٍ صعبة تمرُّ بها المؤسسة العسكرية، منذ مقتل القذافي في مثل هذا الشهر من عام 2011، فإن حفتر تمكَّن من تحقيق أمرين... الأول قتالي؛ ويخص طرد جماعات متطرفة من معظم مناطق الشرق والجنوب. والآخر يتعلق بإصلاحات هيكلية في بنية الجيش الموروثة من العهد السابق، وهي - كما يقول العميد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي - أن تَكُوْن «الكتائب الأمنية»، مثلها مثل «كتائب الجيش» تابعة، فقط، للقيادة العامة للقوات المسلحة.

ظهرت «الكتائب»، بأسلحتها الثقيلة كالدبابات الروسية والمدرعات وراجمات الصواريخ وقذائف الهاون، مصطلحا سيئ السمعة، لقمع الانتفاضة المسلحة ضد حكم العقيد الراحل. ولم يكن لها قيادة موحدة تُذكر. بيدَ أنَّ قذاف الدم، الذي بدأ حياته العسكرية مع القذافي، يرى أن الأمر لم يكن بهذه الصُّورة القاتمة. وعلى العكس من ذلك، يقول: إن كل المقاتلين كانوا يخضعون للقوات المُسلَّحة، وكانوا يدافعون عن الوطن في 2011.
على كل حال، تبدو الطريق اليوم طويلة، من أجل الوصول إلى جيشٍ مُوحَّد. ولا يُحب العسكريون في ليبيا - مثل غيرهم في أي مكان آخر في العالم - الكلمات التي تتعلق بالتساؤل عما إذا كانت هناك انقسامات في مؤسسة الجيش وعقيدته، أم لا، سواء بالنسبة للضباط الذين ما زالوا محسوبين على نظام القذافي، أو العسكريين المحسوبين على انتفاضة فبراير (شباط) التي أسقطت «العقيد الراحل»؛ والمقصود بهم حفتر وخصومه من قادة تلك الانتفاضة.
وبينما تجري محاولات لتوحيد الجيش الليبي، انطلاقاً من مصر، بالتزامن مع جُهود المبعوث الدولي غسَّان سلامة، لإنهاء الخلافات، تستطيع أن تقول في يأس: ماذا يفعل الإنسان إذا كانت بعض الأسئلة لا تجد إجابات شافية من داخل الوحدات العسكرية المنتشرة في ربوع ليبيا؟
مثلا... كيف يمكن تفسير موقف العميد المخضرم مصطفى الشركسي، الذي كان آمرا لمنطقة بنغازي العسكرية، ثم وجد نفسه خصما لحفتر ويقود «سرايا الدفاع» المتهمة بالإرهاب والمصنفة في القائمة المرتبطة بقطر.
وبعد حديث مطول مع الشَّركَسي، وهو وسط الصحراء، تستطيع أن تدرك أن بعض الأمور يمكن أن تُحل بخليطٍ من الحُوار، وحُسن النوايا، وإظهار القوة أيضا. فهناك عملية جراحية يظهر أنه لا بد منها، كما يقول أحد آمري الاستخبارات العسكرية هنا، وهي «الإقدام سريعا على فك ارتباط ضباط كبار، معروفين، بأي ميليشيات مذهبية أو مناطقية».
ويرى أن الأمر نفسه يسري على قيادات عسكرية أخرى مبعثرة هنا وهناك. مثلا... ما ملابسات موقف الفريق علِي كَنَّة، الذي كان من الضباط الأقوياء أيام النظام السابق؟ لقد كان متحمسا لإصلاح أوضاع المؤسسة العسكرية عقب مقتل القذافي. غير أنَّ دوره اليوم يبدو أنه يتقلص إلى مجرد مدافع، مع جنوده وضباطه، عن قبيلته «الطوارق»، ذات الأصول غير العربية، في إقليم فزان جنوب ليبيا.
لقد تحوَّل موقف كَنَّة، في نظر بعض العسكريين المنتمين لقبائل عربية هناك، ومنهم آمر الاستخبارات المشار إليه، إلى مصدر قلق، في بعض الأحيان، بشأن تهيئة البلاد للتقسيم، وبخاصة بعد استقالة ابن قبيلته، موسى الكوني، من المجلس الرئاسي المدعوم دوليا، والذي يرأسه فايز السراج؛ وذلك بالنظر أيضا إلى شرحٍ مماثلٍ قدَّمه الدكتور محمد الورفلي، القيادي السابق في مؤتمر القبائل الليبية.
ومع هذا، ورغم أطماع دول عدة للهيمنة على الجنوب - منها فرنسا - ومحاولاتها استقطاب الفريق كَنَّة بعيدا عن مؤسسة الجيش، فإن هذا العسكري قليل الكلام، لديه رؤية تتعلق بتوحيد المؤسسة، وبإمكانه أن يكون إضافة مهمة لها في عموم البلاد، وليس في الجنوب فقط.
ويقول أحد مساعديه من الضباط ذوي الأصول الطوارقية: نحن ليبيون... هدفنا الحفاظ على وحدة ليبيا. وهذا لن يتحقق إلا بوحدة المؤسسة العسكرية. المشكلة، أن التواصل بين القيادات في عموم البلاد أصبح أقل من السابق... أو هذا على الأقل ما نلاحظه في الجنوب، حتى بالنسبة إلى العسكريين من قبيلة التبو (وهي قبيلة من أصول غير عربية أيضا، ومنافسة كذلك للطوارق في الجنوب).
وفي منطقة الوسط الليبي، اختفى من المشهد العميد محمد أحمودة، الذي قاد عملية «البرق الخاطف» ضمن الجيش الذي يتزعمه حفتر، لتحرير الموانئ النفطية من الميليشيات مطلع هذا العام. ويقول أحد وجهاء قبيلته إنه «موجود في بيته، ولا يفضل الظهور في الإعلام، أو التحدث عن سبب اختفائه من المشهد العسكري... لقد كان مخيفا للخصوم». ويشير إلى أن العميد أحمودة... «ربما صادفته خلافات مع بعض القادة، وقد يكون رأى من الأفضل أن ينسحب، بدلا من زيادة المشاكل في هذه الظروف الصعبة».
وفي العاصمة، هناك العميد محمود زَقَل، قائد «الحرس الوطني». وهو رجل يتميز بلغة نظامية صلبة، ويقود مئات عدة من الضباط والجنود. ومحسوب على «المؤتمر الوطني (البرلمان السابق)» المنبثق عنه حكومة الإنقاذ التي يرأسها خليفة الغويل. ما موقف العميد زَقَل من الإعراب في أي ترتيبات جديدة؟
يبدو من إجاباته - ومن خلال الاستماع إليه مرات عدة في الفترة الأخيرة - أنه معارض متشدد لحفتر وحربه في الشرق. ويقول: «أنا شخصيا لن أرضى في أي يوم من الأيام أن يكون حفتر في المشهد. إنه يطمع في السيطرة على السلطة. إنه يريد أن يكرر تجربة القذافي. وهذا غير مقبول لدينا».
ويوجد أيضا العميد عمر عبد الجليل، آمر غرفة تحرير مدينة صبراتة، الشهير بأدبه الجم وصبره الطويل، والذي أعلن، عقب طرده الميليشيات المسلحة من منطقته في غرب طرابلس، قبل أسبوع، أنه يتبع السراج، بعد أن ساد اعتقادٌ بأنَّه يتبع حفتر. وللعلم، يستمد المشير حفتر شرعيته من «البرلمان»، بينما يستند العميد عبد الجليل في تلقي الأوامر من السراج، على القرار رقم 4 الذي أصدره رئيس المجلس الرئاسي في 2016 بتشكيل حكومته. وهو قرار لم يُعتمد من «البرلمان» حتى الآن. ويلعب مثل هذا التضارب في السلطات دورا في تشرذم العسكريين.
وأيضا العميد نجمي الناكوع، القائد العسكري الأسمر، الذي يعتمد عليه السراج في حفظ الأمن في مناطق بطرابلس، حيث يقوم الرجل، برئاسة «الحرس الرئاسي»، ويحاول جذب عسكريين سابقين للعودة إلى صفوف الجيش، وقد شمَّر كُمَّي بزته العسكرية... كأن الموضوع صعب تحقيقه. وهو يظهر أنه كذلك بالفعل، في ظل وجود منافسه «الحرس الوطني»، بقيادة العميد زَقَل، داخل العاصمة نفسها!
ويوجد بعض من القادة العسكريين الآخرين، وجنودهم، ممن كانوا بمثابة العمود الفقري لجيش الدولة في عهد النظام السابق، وقد وجدوا أنفسهم، بعد نحو سبع سنوات من رحيل القذافي، والفوضى السياسية، وغياب السلطة المركزية، يعملون إما كجزر منعزلة في مناطقهم، أو ينتظرون في دول الجوار إلى حين، كما يفعل آلاف عدة منهم.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما يعرف بـ«قوات البنيان المرصوص»، وأغلب قادتها العسكريين من مدينة مصراتة، وتولت، تحت قيادة السراج، مهمة تطهير سرت من تنظيم داعش، أواخر العام الماضي، بعد أن أصبح التنظيم يمثل خطرا على المدينة. لكن هذه القوات لم تعد اليوم على نفس درجة الوفاق مع السراج.
أثناء الانتفاضة المسلحة، كان صراخ بعض الأطراف يعلو من جبروت «الكتائب الأمنية» باعتبار أنها كتائب غير منضوية تحت سلطة الجيش، وتدافع عن شخص القذافي. لكن قذاف الدم الذي رافق العقيد الراحل لسنوات طويلة يقول: إن «هذه مسميات كانت جزءا من الحرب النفسية».
ويضيف: «الحقيقة أن القوات المسلحة العربية الليبية كانت في ذلك الوقت تتشكل من أربع قوات، هي القوات البرية، والبحرية، والجوية، والدفاع الجوي... وتحتها سلسلة من الفروع. مثلا كان في القوات البرية، الوحدات الأمنية، والردع، والحرس، والمناوبة الشعبية، والحرس الشعبي... هذه كلها أفرع من القوات المسلحة، وتتبع القائد العام، ورئيس أركان القوات البرية».
ويشير في هذا السياق إلى نقطة لافتة، تتعلق بما كان يعرف في الجيش الليبي بـ«المناوبة الشعبية المسلحة»، التي يوضح أنها كانت «تشبه ما هو موجود لدى جيش الدفاع الإسرائيلي». ويقول إنه في حالة النفير «كان العدد يصل إلى نحو 450 ألف مقاتل؛ لأن الشعب الليبي كان، كله، مُجيشّا في وحدات قتالية. وكل الطلبة الليبيين، من المرحلة الثانوية إلى الجامعة، كانوا يتدربون على حمل السلاح، ويدخلون في تخصصات».
وعما إذا كان انضمام بعض القيادات العسكرية، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، إلى جماعات مذهبية أو جهوية أو بعض القبائل، أثرت في عقيدة الجيش، يجيب قائلا: «لا... لأن الجيش الليبي عادة معبأ نفسيا ومعنويا، مثل أي جيش في العالم، للدفاع عن الوطن».
أما عن بعض القيادات العسكرية التي انضمت مع ميليشيات ومع جهات أخرى، ولا تعمل تحت قيادة حفتر، وهل هذا يمكن أن يؤدي إلى تقسيم ليبيا؟ يجيب مرة أخرى موضحا: «لا... معظم العسكريين الآن في مدنهم، وقراهم، يحاولون الالتحاق بالجيش، بغض النظر عمن يقود؛ لأنه، في الحقيقة، لا أحد يقود في ليبيا. كلها هياكل وَهْمِية. العسكريون تنادوا، اليوم، لكي يثبِّتوا الأمن، ويواجهوا التطرف الموجود في مناطقهم... يشكلون وحدات قتالية لمواجهة هذا الخلل».
رغم كل شيء تمكنت القوات العسكرية التي جمعها حفتر في ظروف صعبة، من أن تفرض نفسها، وهي تقصف بمدافع الهاوزر أوكار الجماعات المتطرفة، ليس في منطقة واحدة، ولكن في مواقع عدة، بدأت من الشرق ووصلت إلى الجنوب، وأعينها الآن على غرب البلاد. وكما يقول أحد أعضاء لجنة الحوار السياسي التابعة للبعثة الأممية: على الأقل تستطيع القول إنه أصبح يوجد في ليبيا جنرال يمكن التحدث معه. هذا سيساعد على إقناع المجتمع الدولي برفع الحظر عن تسليح الجيش المفروض عليه منذ عام 2011.
ولدى حفتر ضباط أقوياء، مثل اللواء المبروك سحبان، آمر المنطقة العسكرية الوسطى الممتدة من إجدابيا إلى سرت. ويعد اللواء سحبان، بقواته، ومعظمها من النخبة التي جرى تدريبها أيام القذافي، العائق الوحيد، حتى الآن، لانفصال المنطقة الشرقية عن إقليمي طرابلس غربا وفزان جنوبا، كما يقول الدكتور الورفلي. بالإضافة إلى أن قوات حفتر تمكنت، خلال الشهور الماضية، من التمركز في مناطق مهمة في الجنوب وطرد ميليشيات عدة إلى الصحراء، إضافة إلى مغازلة ضباط كبار في غرب طرابلس.
ويقول مصدر عسكري تابع لغرفة عمليات سرت الكبرى: إذا عرفت أننا أصلحنا أسلحة قديمة عمرها يزيد على 30 عاما، واستخدمناها بكفاءة، فهذه إنجازات ضخمة بالنظر إلى استمرار الحظر الدولي على تسليح الجيش. وبالنظر إلى استمرار بعض الجهات الإقليمية في تدليل ودعم زعماء ميليشيات من خصوم حفتر وبخاصة في طرابلس، وبالنظر إلى محاولات لاستقطاب قادة عسكريين من غرب البلاد وجنوبها.
ويضيف: مهما كان، فنحن نعمل بما لدينا من إمكانات ضعيفة، لكننا نتقدم. وتستطيع أن ترى آثار هذا التقدم على وجوه الليبيين، على الأقل في المنطقة الشرقية، حيث ارتاحوا أخيرا من جرائم المتطرفين. التعويل اليوم على توحيد مؤسسة الجيش، وهذا سيحدث قريبا.
وردا على سؤال بشأن ظهور دعوات في بعض المناطق الليبية بترشيح حفتر ليكون رئيسا للبلاد، وما يمكن أن يؤدي إليه مثل هذا التحرك من غضب لدى قادة عسكريين متربصين، أصلا، بتحركاته، يقول أحد القادة المقربين من الجنرال في قاعدة الرجمة: إن الهدف من توحيد الجيش ليس سياسيا، و«الحقيقة أن حفتر لا يسعى لمنصب سياسي... نحن ندافع عن بلادنا المعرّضة للضياع، وليس عن سياسيين».
لقد كانت مسألة توحيد الجيش مجرد حلم وفكرة، إلا أن عزيمة حفتر، كما يرى البعض، نقلت هذه الفكرة إلى طاولة الحوار، إقليميا ودوليا. ودخلت مصر لتأخذ بيد الليبيين في هذا الاتجاه. بَيْدَ أنَّ التحدي هو كيفية دمج القادة الآخرين، بضباطهم وجنودهم، في كيان واحد والالتفاف حول عقيدة واحدة. ويقول العميد المسماري: «بالتأكيد عقيدة الجيش الليبي هي عقيدة دفاعية، للدفاع عن ليبيا، وعن مكتسبات الشعب الليبي، وفرض سيطرة الدولة على إقليمها الجغرافي بالكامل».
لكن، مرة أخرى، ما العمل تجاه استقطاب جهوي ومذهبي يبدو أنه يجرُف ضباطا كبارا في غرب ليبيا وجنوبها، بعيدا عن سلطة الجنرال حفتر، وهو أمر يرى البعض أنه يمكن أن يدفع إلى تفتيت البلاد، كما يوضح الدكتور الورفلي.
ومع ذلك، ورغم الجانب القاتم من القصة، ما زالت توجد فُرص، وضغطٌ دولي، وجهودٌ عربية ومصرية، لإنقاذ الدولة الليبية. فقد التقى حفتر، المَزهوّ بانتصارات جنوده، قبل أيام، مع سلامة، في مكتبه في قاعدة الرجمة العسكرية، على بعد 40 كيلومترا من مدينة بنغازي. وسبق لعواصم مثل موسكو وباريس وروما، استقبال الجنرال الذي يحتفظ بعلاقات قوية ومهمة، مع كل من القاهرة وأبوظبي.
وقبل نهاية الشهر الماضي اتفق عسكريون ليبيون في القاهرة، على تشكيل لجان فنية ونوعية مشتركة لبحث آليات توحيد مؤسسة الجيش الليبي. ويقول المسماري: «لقد قررنا الآن البدء في عمل هذه اللجان بمصر».
وعما إذا كان يرى أن النزعات الجهوية والمذهبية لبعض العسكريين يمكن أن تؤثر على الجيش، يجيب المسماري قائلا: «أنا أتحدث عن القوات المسلحة... الجيش الوطني الليبي. كل العناصر التي تنتمي إلى الجيش الوطني الليبي، لا تنتمي إلى قبائل، ولا تنتمي إلى تكتلات معينة، أو أحزاب معينة، كل من ينتمون لهذه الأحزاب، أو ينتمون لهذه العقائد القبلية، أو الميليشياوية، أو الحزبية... هؤلاء خارج القيادة العامة للقوات المسلحة».
أما المحلل السياسي الأميركي شريف الحلوة، الذي كان يتجول بين مدن عدة في الغرب الليبي، فيرى الأمور من منظور مختلف. ويوضح قائلا إن وجود قيادات عسكرية ليبية كبيرة خارج سلطة حفتر، يؤثر في الجيش بالفعل... «هذا أمر طبيعي، ويمكن أن تتسبب مثل هذه القيادات في الجنوب والغرب في تقسيم البلاد إلى ثلاث دول أو أقاليم... ولا بُدَّ أنْ تعلم أن الفوضى التي مرت على ليبيا جعلت لكل قيادة أتباعها في منطقتها».
ولا يمكن - كما يقول الحلوة - تجاهُل وجهات نظر قيادات عسكرية معتبرة، أو التغاضي عن أسباب رفضها العمل تحت قيادة حفتر حتى الآن. ويضيف: «أعتقد أن حفتر عسكري، قد يكون ذكيا، لكنه ربما يفتقر إلى مَلَكات تجعله زعيما مُوحِدا لكل الأطراف الليبية، حتى الآن». ويشير إلى أن محاولات توحيد الجيش لا تقتصر فقط على الجهود التي يقوم بها حفتر انطلاقا من شرق ليبيا، أو من مصر، ولكن «يوجد الآن، كما نرى، محاولات لتوحيد بعض القيادات العسكرية، وتوحيد الصف العسكري، في مناطق أخرى من البلاد».
ويقول أيضا: «هناك، من بين هؤلاء القادة العسكريين، من لهم علاقة وطيدة بوزارة الدفاع الأميركية، ويمكن أن يكون لهم دور في مستقبل ليبيا... كما أن هناك قيادات عسكرية لا تريد الدخول في المشهد في الوقت الراهن، حتى لا يُحسبوا على أي من الأطراف المتنازعة سياسيا».
ويتابع الحلوة: «أعتقد أنه مهما حدث فإن الجيش لن يستمر في حالة الانقسام... ما أعرفه أنه يوجد تواصل بين قياداته؛ لأنهم، في الأصل، أبناء مؤسسة واحدة، مهما حدث من تغيرات سياسية».
ويقول العميد زَقَل: «نحن نريد حكومة ليبية تستطيع جمع الليبيين... تكون ديمقراطية مدنية... والجيش مهامه معروفة، في أي دولة ديمقراطية؛ وهي حماية الوطن... وألا يتدخل في الأمور السياسية».
أما العميد الشركسي، خريج الأكاديمية العليا لضباط الطيران في بولندا، والذي سبق وأعلن استعداده لحل سرايا الدفاع عن بنغازي، فيرفض رفضا تاما التعامل مع حفتر.. «نحن خلافنا واحد؛ حفتر... إذا خرج حفتر من المشهد فنحن لسنا انتقاميين. نحن نريد قيام مؤسسات الدولة».
ومنذ أكثر من سنة كلفت القاهرة الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري، برئاسة لجنة معنية بليبيا. وعقدت اللجنة لقاءات مع سياسيين وناشطين ليبيين، والأهم، مع عسكريين من أتباع حفتر ومن منافسيه، في محاولة لتوحيد الجيش، حتى يكون قادرا على إنهاء حالة الفوضى والانفلات الأمني والقدرة على حراسة حدود الدولة الليبية.
وتطور الأمر، خلال مناقشات القاهرة، إلى استلهام تجربة قديمة تعود لعام 1939 حين بدأ تأسيس جيش التحرير الليبي، بمساعدة من البريطانيين، انطلاقا من ضاحية أبو رواش في غرب العاصمة المصرية، من أجل تحرير ليبيا من الاحتلال الإيطالي حينذاك.
وكان والد قذاف الدم أحد قيادات هذا الجيش الوليد، حيث تولى في خمسينات وستينات القرن الماضي موقع آمر منطقة إقليم فزان. وعقب اجتماع لقيادات من الجيش الليبي مع الفريق حجازي، قبل أيام، صرح العميد أركان حرب تآمر الرفاعي، الناطق باسم الجيش المصري، بأن أبناء المؤسسة العسكرية الليبية اختاروا مصر لتكون نقطة البدء في إعادة تنظيم الجيش الليبي، كما كانت نقطة البدء عند التأسيس، في النصف الأول من القرن الماضي.
ويقول الرفاعي: «نعم... ما يمكن قوله أن الاجتماع تطرق لمختلف الشواغل التي عرقلت مسيرة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية. كما تطرق الاجتماع أيضا لمختلف الأفكار والحلول لتدشين مرحلة جديدة على مسيرة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية».
ومن جانبه، يبدو العميد المسماري متفائلا، مثل معظم قيادات الجيش التي جاءت إلى القاهرة خلال الشهور الأخيرة، أو تلك التي تترقب من بعيد، بمن فيهم ضباط من مدينة مصراتة التي تعد من أقوى المدن تسليحا وعداء لحفتر.
وعلى العموم، يمكن كذلك ملاحظة تغيُّر في لهجة عسكريين من مصراتة. فالعقيد سالم جحا، مثلا، وهو ممن شاركوا في دعم الانتفاضة ضد القذافي، بدا، أخيراً، أنه يُفضِّل التوصل إلى حلول وسط من أجل توحيد الجيش، رغم أنه ما زال هناك ضباط متشددون، من مصراتة، ضد الجنرال حفتر، مثلهم مثل العميد زَقَل في طرابلس، والعميد الشَّركسي، ابن بنغازي، وغيرهم.
وبينما تمر الأيام، يبدو أن قطار توحيد الجيش الليبي يستعد للانطلاق من مصر، بمن لديه الرغبة في ذلك، بغض النظر عن أي مواقف مسبقة. ومن جانبه، يقول المسماري: «سيبدأ في مصر عمل اللجان الفنية... الغرض دراسة ضم، أو توحيد، كل المؤسسة العسكرية، بضباط من المنطقة الغربية، والشرقية، والجنوبية. وستعمل هذه اللجان برئاسة الفريق حجازي».
وعلى كل حال، من السهل أن تلمس شعوراً بالثِّقة لدى ضباط مصريين كبار بشأن إمكانية إنجاز المهمة قبل فوات الأوان. ومع ذلك، تبدو ظروف تأسيس الجيش الليبي في غرب القاهرة عام 1939 مختلفة عما يجري اليوم، إلا أن بارقة الأمل ما زالت تلوح في الأفق أمامهم ولو بعد حين.



السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.