لا تُعقد مثل هذه المؤتمرات إلا مرة واحدة كل خمس سنوات لتقرير القيادة المستقبلية لثاني أكبر اقتصاد في العالم. المؤتمر السابق للحزب الشيوعي الصيني عقد عام 2012، وأعطى للزعيم الحالي الرئيس تشي جينبينغ فرصته لتثبيت رؤيته وأفكاره في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
في مؤتمر الحزب التاسع عشر، الذي سيبدأ الأربعاء المقبل في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في بكين، من المتوقع أن يعمل الزعيم الصيني أولاً على ترسيخ فكره السياسي في ميثاق الحزب، ويدفع بالمزيد من الأصدقاء في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، وهي الهيئة العليا الحاكمة.
وقال تشاو سويشنغ، أستاذ السياسة الصينية في جامعة دنفر، في تصريحات لـ«الوكالة الألمانية للأنباء»، إن أيديولوجية تشي تتضمن ثلاثة محاور، أولاً، القضاء على الفقر، ثانياً، بناء الصين كقوة عظمى عالمية، وثالثاً، الحصول على الولاء للحزب ولنفسه. ويمكن تلخيص هذه المفاهيم على أنها «الشيوعية والقومية والانضباط».
وسوف تكون فترة ولاية تشي الثانية في منصبه فرصة لإعادة تشكيل النخبة الحاكمة في البلاد. وقد يعطي المؤتمر أيضاً لمحة عن طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية التي سوف يتم انتهاجها في المستقبل.
ومن المتوقع أيضاً أن يكسر تشي التقاليد، ولا يختار زعيم المستقبل خلال المؤتمر. ويتوقع البعض أنه يخطط لفترة حكم أطول تتجاوز الولايتين المعتادتين.
لكن صفقات الغرف الخلفية للحزب الشيوعي باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للعالم، لأن الحزب في ظل قيادة الرئيس تشي هو من يسيطر بقوة على توجه الصين، وليس الدولة أو الجيش أو الأسواق. وإذا أضيف الفكر السياسي لتشي، مع اسمه، إلى ميثاق الحزب، فإن هذا الأمر من شأنه أن يضعه في مصاف اثنين من كبار قادة البلاد وهما: ماو تسي تونغ، الذي أسس الصين الحديثة، أو دنغ شياو بينغ، الذي فتح أسواقها.
وقال المعلق السياسي دنج يووين لـ«الوكالة الألمانية» في تحقيقها من بكين، إن المؤتمر يحظى باهتمام دولي لأنه «غامض جداً»، مضيفاً: «لا أحد يستطيع أن يرى بوضوح ما يحدث في هذه الدائرة الصغيرة». أما ريتشارد ماكجريجور، من معهد لوي للدراسات والأبحاث في أستراليا فيعتقد أن الرئيس تشي «أحدث ارتباكاً في التوافق واسع النطاق... بأن عصر الزعيم الأوحد القوي في الصين قد ولى».
أثار تشي، على مدار السنوات الخمس منذ توليه منصب الرئيس في الصين، دهشة وتعجب المراقبين، حيث حظي، على حد سواء، بإعجاب وازدراء القادة الأجانب بسبب قدرته على تعزيز سلطته بسرعة.
وقد تولى الرئيس تشي المسؤولية عن مختلف القطاعات الاقتصادية، مجرداً بذلك مجلس الدولة ورئيس الوزراء من السلطة. ويقول النقاد إنه استخدم حملة كاسحة لمكافحة الفساد للتخلص من المعارضين السياسيين. كما قام تشي أيضاً بتفكيك الفصائل القديمة داخل الحزب الشيوعي، وأنشأ تكتلات خاصة به، حيث قام بالدفع بالزملاء والأصدقاء القدامى في كل المؤسسات. وقد أعاد هيكلة الجيش، وشدد السيطرة على وسائل الإعلام والمحاكم.
وفي الخريف الماضي، التف الحزب حوله، وأُطلق عليه الزعيم «المحوري»، وهو لقب مرموق كان قد تم إطلاقه في السابق على ماو تسي تونغ ودنغ شياو بينغ وجيانغ تسه مين. ومع ذلك، فإن من الصعوبة بمكان أن يترسخ فكر تشي. وقال ويلي لام، الأستاذ في الجامعة الصينية في هونج كونج لـ«الوكالة الألمانية»: «إن تشي جينبينغ ليس مثقفاً أو صاحب فكر جيد أو سياسياً بارعاً مثل دنغ شياو بينغ أو ماو تسي تونغ».
وأضاف لام أن «الحلم الصيني لتشي» متجذر في صورة مبتذلة، و«مفاهيمه الأربعة»، التي تشير إلى «بناء مجتمع مزدهر باعتدال بشكل شامل، ودفع الإصلاحات الاقتصادية، وسيادة القانون، وحكم الحزب بصرامة»، هي «أقوال مأثورة لقادة آخرين».
ولتحقيق هذه الغاية، قاد تشي حملة مكافحة الفساد، التي عاقبت حتى الآن أكثر من 3.1 مليون مسؤول، سواء بين «النمور» رفيعي المستوى في الحزب و«الذباب» في الرتب البيروقراطية الدنيا. ويقول منتقدوه إن تشي استخدم هذه الحملة للتخلص من المنافسين المحتملين، مثل سون سو كاي، سكرتير الحزب السابق في تشونغ تشينغ، الذي كان ينظر إليه في السابق على أنه خليفة تشي المحتمل. وقد تم إخضاع سون للتحقيق في الشهر الماضي بسبب «انتهاكات خطيرة للانضباط»، واستبداله بشيه يمن شانت بيار الذي يحظى بحماية ورعاية الرئيس تشي، والذي قد ينضم أيضاً إلى المكتب السياسي للحزب في هذا المؤتمر.
ويقول بعض المراقبين إنه نظراً لأن تشي قام بسرعة بتفكيك الفصائل المنافسة داخل الحزب وعزز وضعيته، فإن التحديات لحكمه أصبحت قليلة، ولكن ما زال يمكن أن تواجه طموحاته عراقيل يضعها في طريقه البيروقراطيون من المستوى الأدنى، الذين يخشون على سلامتهم، مما يجعلهم غير راغبين في تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق. كما يشعر العديد من المثقفين بالإحباط بسبب عمليات القمع التي تطولهم. ولكن السؤال الرئيسي هو ما الذي سوف يفعله تشي، في فترة ولايته الثانية، بعد أن جمع الكثير من السلطة في يده.
وتساءل بعض المعلقين، هل يخطط تشي ليصبح ديكتاتوراً، أم يريد استخدام سلطته لتنفيذ أفكاره وسياساته؟ ونظراً لأن ارتفاع الديون ونمواً أبطأ يهددان اقتصاد الصين، يتعرض تشي للانتقاد للسماح بخروج خطط الإصلاح الطموحة عن مسارها، مما عزز المؤسسات الحكومية ذات الأداء الضعيف، وقيد حركة القطاع الخاص. وتتعرض الحكومة الصينية لانتقادات، خصوصاً لعدم السماح للأسواق بدور أقوى، كانت قد وعدت به. وأضاف لام أن «تشي لن يخفف قبضته على الاقتصاد أو الجيش لأنه يعتقد أن الاتحاد السوفياتي اقترف نفس الأخطاء، مما أدى إلى انهياره». وتابع لام «إن أولوية تشي جينبينغ ستظل الحفاظ على وضع الحزب الشيوعي الصيني، وهو ما يطلق عليه الحزب الحاكم الدائم في الصين، وبطبيعة الحال، الحفاظ وضعه كحاكم دائم في الصين».
8:17 دقيقة
مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني فرصة لتثبيت أفكار زعيمه في عالم متغير
https://aawsat.com/home/article/1052551/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D8%B5%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%AB%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A3%D9%81%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%85%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1
مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني فرصة لتثبيت أفكار زعيمه في عالم متغير
الشيوعية والقومية والولاء وسياسة السوق في آن
مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني فرصة لتثبيت أفكار زعيمه في عالم متغير
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة