كارليس بوتشيمون... الرجل الذي هزّ عرش مملكة إسبانيا

وسط العد التنازلي لحسم تداعيات الاستفتاء الكاتالوني

كارليس بوتشيمون... الرجل الذي هزّ عرش مملكة إسبانيا
TT

كارليس بوتشيمون... الرجل الذي هزّ عرش مملكة إسبانيا

كارليس بوتشيمون... الرجل الذي هزّ عرش مملكة إسبانيا

ساعات وتنتهي المهلة المحددة التي منحتها الحكومة الإسبانية في مدريد إلى الرئيس الكاتالوني كارليس بوتشيمون، للإعلان صراحة عن نوايا الإقليم، سواءً بالانفصال التام أو البقاء داخل البيت الإسباني. وللعلم، فإن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي كان حازماً مع بوتشيمون عندما أمهله حتى الساعة العاشرة من صباح بعد غد الاثنين، ليكشف عن نواياه الحقيقية حول استقلال إقليم كاتالونيا، ولكن حتى هذه اللحظة تسود حالة من الضبابية في المواقف السياسية من الأطراف الإسبانية كافة مع اقتراب انتهاء المهلة.
مع انتهاء المهلة المحددة لحسم تداعيات الاستفتاء على استقلال كاتالونيا، بشمال شرقي إسبانيا، سيحق لرئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي العمل على «إعادة الشرعية إلى الإقليم» - على حد وصفه - عبر تطبيق المادة 155 من الدستور الإسباني، فبموجبها سيُعاد إقليم كاتالونيا إلى «بيت الطاعة» الإسباني مجدداً عبر إلغاء وضعية «الحكم الذاتي» autonomy التي كان يتمتع بها، والمباشرة في الإعداد لانتخابات تشريعية إقليمية جديدة.
الجدير بالذكر أن كارليس بوتشيمون، رئيس كاتالونيا الانفصالي، مضى في مسيرته السياسية على أساس تحقيق حلم طفولته، وهي رؤية منطقته تنفصل عن إسبانيا، وتغدو دولة مستقلة. وكان إعلان بوتشيمون (54 سنة) في الخطاب الذي ألقاه أمام نواب البرلمان الكاتالوني عن الانفصال قد أثار حالة من الترقب القلق بعد حصوله على تفويض من الشعب لإعلان الاستقلال، بيد أنه في ضوء ردات الفعل الإسبانية والأوروبية السلبية اقترح تعليق العملية إفساحاً في المجال للحوار.
يمثّل بوتشيمون، وهو صحافي سابق ذو شعر كثيف بني اللون، اليوم، وجه الحركة الاستقلالية الكاتالونية أمام العالم. وكان الرجل الذي قاد حزبه للحصول على تأييد 47.7 في المائة من الأصوات في الانتخابات المحلية عام 2015، قد جعل الأوساط الاقتصادية تتحدث عن «مفعول بوتشيمون» عندما تتحدث عن رحيل شركات من المنطقة، بينما يطالب مدافعون عن وحدة إسبانيا بزجّه في السجن.
في المقابل، قال بوتشيمون إنه سيواجه احتمال توقيفه دون خوف، وذلك في سيرة نشرت في العام 2016. كما كتب عنه صديقه الصحافي كارليس بورتا أن بوتشيمون «رجل صادق ومرن وانفصالي منذ البداية. كما أنه عنيد، وهي صفة يمكن اعتبارها تضيف جوانب إيجابية وسلبية في الوقت نفسه لشخصيته».
فضلاً عن ذلك، يقول خصوم بوتشيمون عنه أنه «لا يتمتع بخلفية ثقافية، لكنه منذ 16 سنة استقلالي حتى العظم» ولديه «قناعات راديكالية». وتجدر الإشارة هنا إلى أن حياة بوتشيمون انقلبت في أحد أيام يناير (كانون الثاني) 2016 عندما دُعي إلى ترؤس تحالف غير منسجم من الانفصاليين المصممين على تحقيق الاستقلال للإقليم البالغ عدد سكانه 7.5 ملايين نسمة. إذ إنه بعدما ترأس بلدية مدينة جيرونا، البالغ تعدادها السكاني 98 ألف شخص منذ 2001، عين رئيساً للإقليم خلفاً للسياسي المحافظ البارز آرتور ماس، الذي أثار تبنيه الخط الانفصالي حديثاً، وتأييده سياسات التقشف التي ينتهجها، استياء اليسار الانفصالي المتطرف. ومن ثم ورث كارليس بوتشيمون عن ماس مهمة صعبة لا يحسد عليها، وبات «العدو الأول» للحكومة الإسبانية برئاسة المحافظ ماريانو راخوي الذي لم يجر معه أي حوار. وبالمناسبة، لعل النقطة المشتركة الوحيدة، ربما، بين الرجلين «الخصمين» راخوي وبوتشيمون، هي أنهما تعرّضا إبان فترة شبابهما لحوادث سير خطيرة، آثارها لا تزال بادية تحت لحية راخوي، بينما تظهر على شفة وجبهة بوتشيمون.

بطاقة هوية
ولد كارليس بوتشيمون عام 1962 لأسرة تعيش في بلدة حدودية مع فرنسا في جبال البيرينيه (البرانس) على بعد مائة كلم تقريباً من برشلونة. وهو ابن وحفيد صانعي حلوى متواضعين، وترتيبه الثاني بين ثمانية أولاد، ولم يكن عمره يتجاوز تسع سنوات عندما أرسل إلى مدرسة داخلية حيث «تعلم الكفاح» حسب تعبيره. وهو حالياً متزوج من سيدة رومانية وأب لفتاتين صغيرتين.
عندما توفي الديكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو كان بوتشيمون لا يزال في الثالثة عشر من عمره. ولقد عاشت في ذاكرة هذا الشاب المتعلق باللغة الكاتالونية والشغوف بالتاريخ ذكريات القمع التي فرضت على إقليمه بعد الحرب الأهلية بين 1936 و1939.
وبدأ الشاب الطموح مسيرته الصحافية والسياسية بالعمل مصححاً في صحيفة «بونت أفوي» القومية عام 1982، وانتهى به الأمر إلى تولي رئاسة تحريرها، وكان في هذه الحقبة يمارس نشاطه السياسي إلى جانب عمله الصحافي. ويذكر أنه كان في العام 1980 قد انضم إلى حزب التوافق الديمقراطي الكاتالوني، وهو حزب قومي محافظ يترأسه جوردي بوجول، الذي تفاوض مع مدريد من أجل الحصول على حكم ذاتي أوسع للإقليم.
في تلك الأيام كان الانفصاليون الكاتالونيون لا يتمتعون بشعبية كبيرة، إلا أن بوتشيمون انصرف في صيف 1991 لدراسة حالة جمهورية سلوفينيا التي أعلنت استقلالها بعد استفتاء محظور عن جمهورية يوغوسلافيا، وتلي ذلك نزاع مسلح قصير.
وفي السنوات التالية دعا بوتشيمون إلى توسيع القاعدة الاجتماعية للحركة الاستقلالية، واعتماد مبدأ النضال اللا عنفي على غرار نضال المهاتما غاندي في الهند. وحقاً، كتب بورتا عنه في سيرته أنه كان «يرفض الاستعجال ويريد السير بالأمور كما يجب».

جوانب من شخصيته
لا يواجه بوتشيمون صعوبة في التعامل مع التقنيات الحديثة، كما أنه يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والرومانية، إضافة إلى اللغتين الإسبانية والكاتالونية، ولقد أسس وكالة صحافة كاتالونية وصحيفة ناطقة بالإنجليزية حول الإقليم، كما ترأس جمعية المناطق للمطالبة بالاستقلال. يضاف إلى ذلك، أن عالم السياسية أنطون لوسادا يشير إلى أن الزعيم الكاتالوني يتمتع أيضاً بـ«حس مسرحي كبير ويعرف كيف يوظف وسائل الإعلام لغاياته».

التزم بوعوده
جدير بالذكر أنه منذ خمس سنوات، طالبت مظاهرات حاشدة في إقليم كاتالونيا، الحكم المركزي الاتحادي الإسباني في مدريد، بإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم. وحقاً التزم بوتشيمون بوعده ونظم في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي استفتاء شعبياً - حظره القضاء الإسباني - شهد أعمال عنف مع الشرطة. وكانت النتيجة المعلنة هي تأييد 90.18 في المائة ممن أدلوا بأصواتهم إعلان كاتالونيا «جمهورية»، علماً بأن نسبة الاقتراع لم تزد عن 43 في المائة... وبناء عليه، ندد قسم من السكان بما اعتبره «احتيالاً ديمقراطياً» يهدف إلى إضفاء صفة شرعية على إعلان الاستقلال، ويتجاهل تجاهل النصف الآخر من السكان غير المؤيدين للاستقلال.
هذا الأمر وصفه عالم السياسة الإسباني خوان بوتيلا «هناك هروب إلى الأمام... ثم إن بوتشيمون يعتقد أن القدر يحتم عليه قيادة الكاتالونيين إلى مستقبل أفضل. لكن من الصعب التكهن بما سيقرره المقربون منه، كما أنه ليس منضبطاً جداً إزاء حزبه، حيث يسود شعور بالقلق». مع هذا يرى بوتيلا أن بوتشيمون «ليس ذلك الرجل المتعصب كما تصوره مدريد».
في المقابل، مع تبلور صورة الزعيم الكاتالوني الذي يهدد الدولة الإسبانية بالتصدع قالت سورايا ساينز دي سانتا ماريا، نائبة رئيس الوزراء الإسباني، معلقة على توقيعه على إعلان استقلال الإقليم عن مدريد مع وقف التنفيذ، «بوتشيمون لا يعرف أين هو، ولا إلى أين يسير، ولا أين يريد أن يذهب». وذكرت أن الحكومة الإسبانية ستعقد اجتماعات طارئة لاتخاذ قرار رداً على ما أقدم عليه الانفصاليون الكاتالونيون، ثم شددت على أن استفتاء 1 أكتوبر «غير شرعي، ويشوبه تزوير ولا يتمتع بأي ضمانات» للديمقراطية. من ناحية أخرى، رفضت ساينز دي ماريا دعوات بوتشيمون لإجراء وساطة مع مدريد، قائلة: «ليس بإمكان بوتشيمون أو أي شخص كان الادعاء بفرض وساطة من دون الرجوع إلى الشرعية والديمقراطية... إن الحوار بين الديمقراطيين يكون باحترام القانون».
تشدد مواقف مدريد عبّر عنها أساساً إعلان راخوي رئيس الحكومة الإسبانية أنه لا يستبعد تعليق العمل بـ«الحكم الذاتي» في كاتالونيا ما لم تتراجع قيادة الإقليم عن إعلان الاستقلال. وفي رد منه على سؤال لصحيفة «إلباييس» حول تطبيق المادة 155 من الدستور، التي تتيح تعليق العمل بالحكم الذاتي في كاتالونيا، قال راخوي «أنا لا أستبعد شيئاً، لكن يجب فعل الأشياء في وقتها»، في إشارة إلى التلويح بالقوة لإعادة الشرعية إلى الإقليم. كذلك استعرضت مدريد قوتها العسكرية إبان الاحتفال باليوم الوطني، في إشارة واضحة إلى أن سلطات مدريد لا تنوي التفريط بوحدة الأراضي الإسبانية.
وعلى صعيد آخر، شهدت مدن إسبانيا مظاهرات عدة دعت إلى وحدة البلاد. إذ نزل عشرات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في أنحاء إسبانيا خلال الأيام الماضية، داعين إلى وحدة البلاد، ومطالبين بتحرك لحل الأزمة السياسية، ورافضين سعي الانفصاليين في كاتالونيا استقلال إقليمهم الغني عن الدولة الإسبانية. ولقد تجمع متظاهرون يرتدون الزي الأبيض أمام مباني البلديات في أنحاء إسبانيا للمطالبة بعقد حوار لإنهاء الأزمة. وهتفت جموع من المتظاهرين الشباب الذين ساروا نحو ساحة كولون متوجهين إلى رئيس الحكومة راخوي بالقول: «إنه يجب الدفاع عن الوطن»، ولوحوا بأعلام إسبانيا وأخرى تحمل شعار «العقاب الأسود» الذي يعود إلى حقبة الديكتاتور فرانكو. وصرح الكولونيل خاكوان بيناس، الذي كان يشارك في إحدى المظاهرات أن «الوضع وصل إلى نقطة تحول، وعلينا المشاركة بفاعلية في الدفاع عن قيم إسبانيا كأمة».

مرونة... وضبابية
في أي حال، يرصد مراقبون بوادر مساع محتملة يبذلها جانبا الأزمة لنزع فتيل أسوأ أزمة تعصف بإسبانيا منذ جيل، بعدما قدمت سلطات مدريد أول اعتذار الجمعة للكاتالونيين الذين تعرضوا لإصابات جراء محاولة الشرطة منع الاستفتاء. إلا أن الضبابية ما زالت مهيمنة على المواقف، وقد يتفاقم الوضع إذا لم يتراجع قادة كاتالونيا عن خططهم الاستقلالية بعد انتهاء المهلة يوم الاثنين المقبل.
وفي هذا السياق، أكد كارليس بوتشيمون أنه لم يجر أي اتصال بالحكومة الإسبانية لحل الأزمة. وتابع في حديث لمحطة «تي في3» الكاتالونية «ملايين الأشخاص صوّتوا ويريدون اتخاذ قرار، وبالتالي علينا التعامل مع هذا الأمر». ومقابل ذلك تعهد راخوي بمنع أي تحرك نحو الاستقلال، رافضاً كل دعوات التوسط في النزاع الذي أثار قلقاً في كل أنحاء إسبانيا، بما في ذلك في صفوف لاعبي كرة القدم من ناديي برشلونة وريال مدريد، إذ قال رئيس الحكومة أن «إسبانيا ستظل إسبانيا وهي ستبقى كذلك فترة طويلة». وشدد لاحقاً على أنه في حال تم إعلان استقلال كاتالونيا، فـ«هذا الإعلان لن يؤدي إلى شيء».

الشق الاقتصادي
في هذه الأثناء، على الصعيد الاقتصادي، واصلت الشركات والحكومة الإسبانية ضغوطها الاقتصادية على سلطات كاتالونيا، وأعلنت شركات كبرى عدة نيتها نقل مقارها الرئيسية إلى أماكن أخرى من إسبانيا. وكما سبقت الإشارة، في حال أصرت قيادة كاتالونيا - التي تشكل خُمس الثقل الاقتصادي للبلاد - على إعلان استقلالها، ستستطيع مدريد الرد عبر تعليق «الحكم الذاتي» للإقليم، وفرض سلطتها عليها بشكل مباشر. وبالفعل، واصلت حكومة مدريد ممارسة الضغوط على الإقليم اقتصادياً لثنيها عن خططها الانفصالية الاستقلالية، إذ مرّرت الحكومة مرسوماً يجعل من السهل على الشركات نقل مقارها من إقليم إلى آخر.
يبقى أن نشير إلى أن الاستطلاعات في الآونة الأخيرة تبين أن الكاتالونيين منقسمون حيال الاستقلال، وهذا مع أن قادة الإقليم ادعوا أن العنف الذي حصل أثناء الاستفتاء زاد التعاطف الشعبي معهم ومع الاستقلال. كذلك نشير إلى مطالبات كاتالونيا، التي لديها لغتها وتقاليدها الخاصة، إلى قرون، لكن هذه المطالبات ازدادت خلال السنوات الأخيرة على خلفية الأزمة الاقتصادية وارتفاع شعبية بوتشيمون.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.