أفلام استحقت ولم تفز في مهرجان مالمو للسينما العربية

توزعت بين التسجيلي والروائي

من  «ذاكرة باللون الخاكي»
من «ذاكرة باللون الخاكي»
TT

أفلام استحقت ولم تفز في مهرجان مالمو للسينما العربية

من  «ذاكرة باللون الخاكي»
من «ذاكرة باللون الخاكي»

اختتم مهرجان مالمو للسينما العربية دورته السابعة في العاشر من هذا الشهر بإطلاق جوائزه الرسمية في حفلة حاشدة، حيث امتلأت القاعة بضيوف عرب وسويديين وأوروبيين آخرين في الوقت الذي توزعت فيه تلك الجوائز على مسابقات للأفلام الروائية القصيرة والطويلة وأخرى للأفلام غير الروائية، قصيرة وطويلة أيضاً فخرج بها من أسعفتهم جهودهم أو حظوظهم وما استولى على تفضيل لجان التحكيم على نحو أو آخر.
أن تمنح لجان التحكيم في مهرجانات السينما جوائزها فتصاب بها أفلام دون مستوى أفلام أخرى فإن ذلك علّة باقية ودائمة تقع في أصغر المهرجانات وفي أكبرها. الواقع أن لجان التحكيم عليها أن ترهن نفسها لما تحب كأفراد أكثر مما تكترث للنظر إلى جوهر العمل الفني وعلى أساس حرفي أمر شائع وبعض جوائز مالمو يشي بذلك. لكنه يشي أيضاً بنيل أفلام مهمّـة تستحق الفوز بلا ريب، علماً بأنه كانت هناك لجنتا تحكيم واحدة للأفلام التسجيلية وأخرى للأفلام الروائية.
- أفلام شخصية
في نطاق الأفلام التسجيلية، خرج فيلم ألفوز طنجور «ذاكرة باللون الخاكي» (أو «الكاكي»، كما تعني) بجائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل وهو فوز مستحق ليس بسبب أنه يكشف موضوعه السياسي المعارض لحكم الحزب الواحد في سوريا بثبات وجرأة بل - أساساً - لأنه الفيلم الأكثف في مفرداته السينمائية الخالصة من سواه.
من بدايته، يدرك المشاهد أنه سيتابع فيلماً تتحكم الصورة فيه بفضل موهبة المخرج على معالجة الموضوع بصرياً على نحو أخاذ: صبي يرتدي البزّة العسكرية يقف تحت المطر وعلى مرآه خوف وتوقع. يبدو في وقفته كما لو أنه ينتظر حكم الإعدام بالرصاص، وبالتأكيد هو مُعاقب. في مكان ما من وسط الفيلم هناك لقطة ساحرة من تلك التي يمارسها الأكفاء: لقطة عامة لداخل بيت مهدم بلا جدار. تنسحب الكاميرا منه لكي تكشف عن محيطه وجواره. كل شيء حوله مهدوم. تواصل الابتعاد بالسرعة المتوسطة ذاتها فتكشف عن مدينة من مدن الأشباح التي دمرتها الحرب الدائرة في سوريا.
عند النهاية، هناك توارد سريع لمشاهد بالغة التأثير تجمع بين مشاهد معارك مدمرة وأخرى هادئة تقع في أماكن بعيدة ومع بعض تلك الشخصيات التي رأيناها. هذه المشاهد ليست وحيدة في التأكيد على حسن اختيار المخرج لمعالجة تبتعد عن الخطابة وتعوض غيابه بالبلاغة الفنية.
أقل شأناً منه (بكثير) هو الفيلم الذي نال الجائزة الثانية في مجال الفيلم التسجيلي الطويل وهو الفيلم اللبناني «يا عمري» لهادي زكاك.
كيف يمكن تبرير فيلم لا يحمل، في الصورة، سوى امرأة عجوز وبضعة مشاهد بيتية وعائلية ولقطات قليلة لأماكن مثل ضيعة وصف سيارات وباخرة؟ لا بد لكي تنجح مثل هذه المهمّة أن يكون ما تذكره تلك المرأة من حكايات أهم من مجرد مسألة محض شخصية. أن يكون، على سبيل المثال، كشفاً عن ظروف أو بيئة أو محيط عاشته الشخصية وتأثرت به أو أثّرت.
لكن «يا عمري» لا يحتوي إلا على القدر الأقل من ذلك الكشف. ينطلق وينتهي بالنسبة ذاتها من الاهتمام بشخصية تعني الكثير لصاحبها وتخفق في أن تعني القليل لسواه. المخرج هادي زكاك («مرسيدس»: «كمال جنبلاط، الشاهد والشهادة») يدخل، في مطلع الفيلم على جدته هنرييت ويسألها «عرفتيني» ثم يكرر السؤال المطروح على امرأة في السنة الرابعة بعد المائة كون سمعها ثقيلا في تلك السن وعليه أن يصرخ. حين سمعت لم تسعفها الذاكرة لمعرفته، فيسألها «أنا هادي، عرفتيني؟» ما زالت مترددة فيصيح مرات «هادي… هادي، إبن بنتك منى». مع هكذا بداية منهكة للسيدة كما للمشاهد، يشعر المرء بأنه مثل شخص دخل غرفة فندق بطريق الخطأ. ما عليه إلا أن يعتذر ويرجع. طوال 80 دقيقة لا يتغير منوال الفيلم كثيراً. هو يسألها إذا ما كانت تتذكر وهي تسأله أن يعيد السؤال لكي تسمع والكاميرا في كلوز أب متوسط أو كلوز أب كبير. عندما يكون لديها ما تقوله يأتي متوافقاً مع ما تسمعه.
أفضل منه كان الفيلم التسجيلي «حزام» الذي لم يحقق جائزة. ربما صعد على سلم القائمة في الاجتماع التقريري للجنة التحكيم لكنه استبعد لصالح الفيلمين السابقين وفوقهما فيلم ثالث عنوانه «نسور صغيرة» للمصري محمد رشاد.
«حزام» أفضل منهما. يكفيه أنه من صنع العين السينمائية ذاتها التي صنعت فيلم «ذاكرة باللون الخاكي»، ولو أن الموضوع مختلف والميزانية تسمح بفيلم أصغر. مخرجه هو الجزائري الذي يعيش ويعمل في فرنسا حميد بن عمرة الذي كان سبق له وأن أنجز تحفة قبل عامين بعنوان «هواجس الممثل المنفرد بنفسه»، لم تشأ بعض المهرجانات العربية عرضه، بلا سبب واضح.
كل من «يا عمري» و«نسور صغيرة» ينتمي إلى موجة من الأفلام التي تتحدث عن مخرجيها. هذا جائز فيما لو أن الحديث قادر على الخروج من الذات إلى حيث يمكن تكوين رؤية تبرره. لكن في حين «يا عمري» يفشل على نحو كبير في إيجاد هذا التبرير. يصاحب الفيلم المصري «نسور صغيرة» شيء من هذا الوضع. ليس أنه فيلم من دون حسنات نجد معظمها في اختيارات المخرج البصرية سواء في تكوين المشهد (Composition) أو في رمزياته. لكن دوران الفيلم حول ذات المخرج يجعل الكم الذاتي في هذا الفيلم أكثر بقدر مضاعف من كم المشاغل والملاحظات المسكوبة أمامنا. حكاية المخرج مع أبيه (ومن خلال أبيه مع ذكريات والده ومع الزوجة-الأم) تتميز بإلحاح البحث من دون أن تتبدّى ماهية هذه الأشياء الملحّـة.
- تشكيل لافت
الأفلام الروائية الطويلة المتسابقة كانت أكثر امتزاجاً في خانتي الإيجابيات والسلبيات. رغم ذلك قد يكون تغييب بعض الأفلام المستحقة عن الجوائز عائد إلى أنها نالت جوائز في مهرجانات أخرى، وهذا أمر على لجان التحكيم أن تتوقف على الأخذ به، فالجوائز ليست أكياس رز تُمنح لمن لم يلق حظاَ في السابق، بل تقف وحدها وبصرف النظر عما إذا كان الفيلم نال جائزة أو عشرا.
الفيلم المعني هنا هو «أخضر يابس»، أحد أفضل ما خرجت به السينما المصرية من أعمال في السنوات الأخيرة. إنه الفيلم الأول لمخرجه محمد حمّاد ونتيجته مبهرة ليس كعمل أول فقط بل على كل صعيد. وهو ينجح في إدارة كلتا ممثلتيه الرئيسيتين هبة علي وأسماء فوزي وتهيئة المشاهد لقبولهما كنسيج من الحياة الاجتماعية خال من الوهج أو الزينة. فيلم يشبه حياتهما التي نراها بلا رتوش. حياة عارية كجدران منزلهما ومتعثرة كالسلحفاة في أحد المشاهد الأخيرة وقد انقلبت على ظهرها غير قادرة على النهوض.
القصّة متقشفة الأحداث ويتبنى شخصية إيمان، كما تـؤديها هبة علي، في كل مشهد تقريباً، تغادر البيت صباحاً لتعمل في محل حلويات. تقطع جسر مشاة تمر من تحته حياة الآخرين معبأة في قطارات وسيارات. إنه عن يومياتها المملة ومصاعب حياتها عندما تواصل التضحية لسواها من دون أن تقطف من الحياة وردة لها.
وفي حين ذهبت جائزة أفضل موسيقى للفيلم الإماراتي «الرجال فقط يذهبون للدفن» للمخرج عبد الله الكعبي، فإن نظرة أكثر قرباً للفيلم تشهد بأنه كان يستحق جائزة أفضل سيناريو أو حتى جائزة لجنة التحكيم الخاصة. ما يثير الإعجاب هو التشكيل اللافت للمشاهد. صحيح أنها مصنوعة للعين مباشرة، إلا أنها مناسبة في إطار الحكاية والأجواء وفي إطار الكاميرا الثابتة لا تتحرك ولا تتقدم ولا تتأخر، بل تنصب نفسها في كادرات محسوبة همها الأول أن تنقل مباشرة ما يحدث مع ولكل شخصية على حدة. هنا يبرز تصميم المخرج لكل كادراته. إنها رسوم لشخصيات بينها مسافات محسوبة، لقطات من زوايا تعبّر عن الموقف النفسي السائد في المشهد الذي تقوم بتصويره ما يؤلف عملاً فنياً غير مسبوق إماراتياً وقليل التطرّق إليه عربياً (يشبه إلى حد ما أعمال التونسيين فاضل الجعايبي وفاضل الحريري ذات المصادر المسرحية في الثمانينات).


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز