الحكومة التونسية تناقش قانون المالية الجديد تحت ضغط النقابات

TT

الحكومة التونسية تناقش قانون المالية الجديد تحت ضغط النقابات

عرضت الحكومة التونسية أمس، مشروع قانون المالية للسنة الجديدة على أنظار مجلس الوزراء، بهدف مناقشة الإجراءات التي أثيرت حولها عدة تحفظات من قبل نقابة العمال (اتحاد الشغل)، ونقابة رجال الأعمال (اتحاد الصناعة والتجارة)، في انتظار إيداع مشروع القانون في الآجال الدستورية المحددة بتاريخ 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، على أن تتم المصادقة عليه من قبل البرلمان قبل العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وصاحب الإعلان عن مشروع قانون المالية الجديد جدل واسع بسبب ما تضمنه من إجراءات تقشفية، تعتمد بالخصوص على الرفع في الأداءات واقتطاع الضرائب من المصدر، مقابل تراجع تدخل الدولة في خلق الثروة وتوفير فرص العمل، وهو ما أثر على سير جلسات الإعداد لمشروع قانون المالية لسنة 2018، وجعل مصادر حكومية تشير إلى أن الوثيقة الحكومية المعروضة حاليا ليست نهائية، ولا تكتسي طابعا رسميا.
وفي هذا الشأن، أكد سامي الطاهري، المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، في تصريح إعلامي بمناسبة انعقاد هيئة إدارة نقابة العمال، وجود تباين كبير بين تصور الاتحاد لإصلاح الصناديق الاجتماعية ولمشروع قانون المالية الجديد، وبين مقترحات الحكومة التي «تتضمن إجراءات أغلبها يشكل أعباء إضافية على حساب الأجراء»، على حد تعبيره.
ودافعت الحكومة عن خياراتها المبدئية من خلال التأكيد على مراجعة النظام التقديري في مجال الجباية، بهدف التصدي للتهرب من الضريبة، مشيرة في هذا الصدد إلى تهرب نحو 400 ألف من أصحاب المهن الحرة من دفع المستحقات الحكومية. كما أكدت عدم المساس بمنظومة دعم المواد الاستهلاكية في قانون المالية للسنة المقبلة.
وسبق للحكومة أن عرضت على الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج، المشكلة لحكومة الوحدة الوطنية (9 أحزاب سياسية وثلاث منظمات نقابية)، مشروع ميزانية الدولة للسنة الجديدة، وطلبت من مختلف الأطراف التقدم بمقترحاتها، في محاولة منها لحشد الدعم للإصلاحات الحكومية، وذلك لمواجهة توصيات صندوق النقد الدولي المتعلقة على الخصوص بخفض عدد موظفي القطاع العام، والتخلص من نحو 130 ألف موظف، والضغط على كتلة الأجور من 14.1 في المائة إلى 12 في المائة، إلى جانب عدد آخر من الإصلاحات التي تمس المؤسسات العمومية والجهاز البنكي ومنظومة الدعم. لكن قوبلت هذه الاقتراحات بمعارضة قوية من قبل عدة أحزاب، من بينها تحالف الجبهة الشعبية اليساري، الذي دعا الحكومة إلى الخروج من قبضة صندوق النقد الدولي، على حد تعبير حمة الهمامي المتحدث باسم الجبهة.
وردا على ذلك، عبرت عدة جمعيات حقوقية عن صعوبة تغيير منوال التنمية في البلاد، وتوقعت تواصل موجات الاحتجاجات الاجتماعية، وفي هذا الصدد قال مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة) لـ«الشرق الأوسط»، إن تونس عرفت خلال الشهور التسعة الأولى من السنة الحالية نحو ثمانية آلاف حراك احتجاجي نتيجة تدهور المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتضخم حجم الديون الفردية والحكومية، مقابل ضعف حيلة الحكومات المتعاقبة على السلطة في إيجاد حلول مناسبة للتنمية.
وتوقع الرمضاني، أن ترتفع وتيرة الاحتجاجات نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية للطبقة المتوسطة، وأخطاء الحكومة في التعامل مع المحتجين، وتنظيم محاكمات ضدهم وإيداع البعض منهم السجن، مشددا على ضرورة إيجاد معادلة عادلة بين التزام الحكومة مع هياكل التمويل الدولية، وبين حاجيات الطبقات الاجتماعية الفقيرة في تونس.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم