من «القاعدة» إلى «داعش»... سيولة الفكر المتطرف واختفاء منظريه الكبار

مع تراجع دور المؤثرين من جيل البغدادي والجولاني في كل الاتجاهات

حمل كثير من المتشددين الظواهري المسؤولية عن شتات المشهد الأصولي وانقلاب بعض الفروع على «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
حمل كثير من المتشددين الظواهري المسؤولية عن شتات المشهد الأصولي وانقلاب بعض الفروع على «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
TT

من «القاعدة» إلى «داعش»... سيولة الفكر المتطرف واختفاء منظريه الكبار

حمل كثير من المتشددين الظواهري المسؤولية عن شتات المشهد الأصولي وانقلاب بعض الفروع على «القاعدة» («الشرق الأوسط»)
حمل كثير من المتشددين الظواهري المسؤولية عن شتات المشهد الأصولي وانقلاب بعض الفروع على «القاعدة» («الشرق الأوسط»)

تغيرات سريعة على مشهد التطرف العنيف الراهن، مع «داعش» ثم مع أجنحته المتصارعة، ليس فقط على المستوى الميداني ولكن أيضاً على مستوى الرموز الفكرية والفقهية لتنظيمات التشدد العنيف، يختفي بعضهم تماماً، ويظهر بعض آخر، وتراجع دور شيوخه الكبار، كالمقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وأبو بصير الطرسوسي والظواهري وغيرهم.
هناك سيولة في شتات الخطاب الفكري للتنظيمات المتطرفة من «القاعدة» لـ«داعش» لغيرها يمكن تحديد ملامحها فيما يلي من سمات:
1 - تراجع خطاب «القاعدة»، واتساع الشقة بين التنظيم وفكر «السلفية الجهادية» الذي انطلقت منه، فلم يعد كل منهما معبراً عن الآخر بشكل كامل.
2 - تحول «داعش» من مواجهة «القاعدة» و«السلفية الجهادية» للصدام داخلها بين أجنحتها المتطرفة.
3 - اختفاء كثير من المنظرين الكبار للتيارين الكبيرين، ومقتل بعضهم، وظهور وجوه جديدة أقل تأثيراً وأكثر تطرفاً، مثل الحازميين.
4 - اختفاء المؤلفات والمدونات الكبرى التي عهدت في تسعينات القرن الماضي لـ«السلفية الجهادية» وتنظيماتها، ككتابات وسلاسل عبد القادر بن عبد العزيز - الذي تراجع فيما بعد - أو «أبو محمد المقدسي» وغلبة المنهج السجالي في الردود والردود المضادة.
5 - يبدو أن ما أسسه أيمن الظواهري في «التبرئة» التي رد بها على «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» لعبد القادر بن عبد العزيز، من كون الفقه والإفتاء لفقهاء الميدان، قد أصابه تأثيرها فلم تعد له سطوة على التنظيمات المقاتلة في سوريا أو العراق، وصار كما وصفه أحد الدواعش سنة 2015 بـ«رجل فَقَد ظله».
6 - حصر التأثير النظري والآيديولوجي في بؤر الصراع في سوريا، وتحول سريعاً للمواقع التواصلية، التي لا ضابط لها، مما يبشر مع الوقت بسيولة واندثار تام للبنية الفكرية الثابتة لهذه التنظيمات.
7 - من الملاحَظ غياب أي قيادة تنظيرية وشرعية من خارج بؤر الصراع، وغابت الأسماء الكبيرة من مصر، رغم أنها أول من أسَّسَ لهذا الفكر المتشدد، وأول أدبياته صدرت منها لمحمد عبد السلام فرج وعبد القادر بن عبد العزيز وعمر عبد الرحمن وغيرهم كثير.
8 - كما تراجعت الأسماء السعودية التي عُرِفَت في مسار «القاعدة» أو فكر «السلفية الجهادية» منذ التسعينات، لمراجعات بعضها وسيطرة الأجيال الجديدة على المشهد، وغلبة الواقع الميداني على أي تأسيس، وتوجه «داعش» لتأخير ترتيبهم ومقامهم كذلك، ربما باستثناء عبد الله المحيسني المحسوب على النصرة، وعثمان آل نازح الذي قتل في أغسطس (آب) سنة 2015 ولا تُعرَف له كتابات.
9 - في أقل من عام تشظَّى المشهد الفكري المتشدد، واختفت أبرز أسمائه ومنظروه سريعاً، وصار الصراع صراع قضايا وقنابل انشطارية، تزيد من انفجارها والخلاف عليها وحولها المواقع التواصلية والمدونات، وعدم وجود بنية حاكمة ونظام فكري وشتات القيادة والقواعد.
10 - لم يستعِر الخلاف الحالي بين التنظيمات المتشددة والأنظمة التي تعارضها، بل كان منذ اقتتالها في سوريا ومع خلافة «داعش» التي اشترطت بيعة كل الآخرين لها، خلافاً بين التنظيمات عنيفاً في المقام الأول، وتحولنا من تصورات العدو البعيد والقريب للعدو الشبيه المخالف.
لم يختفِ منظر «داعش» الأشهر تركي البنعلي بمقتله في يوليو (تموز) الماضي 2017، والذي سبقه ظهور أخير له في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) جدلاً مع تيار الحازميين المنشق على أفكاره، بل اختفى فترة طويلة قبل ذلك، وكتب كول بنزل مقالا في مجلة «Jihadica» المعروفة يتساءل عن سبب اختفائه بتاريخ 15 يونيو سنة 2015، تساءل فيه عن اختفاء تركي البنعلي طوال الفترة الماضية، وهو من لم يكفّ عن التبشير لخلافة «داعش» وخلافتها ويترجم لقيادييها - البغدادي والعدناني - ويرد على شيوخه من منتقديها أشد الانتقادات (1) وأشيع حينها أنه تم توقيفه عن الإفتاء والنشاط من قبل قيادة «داعش»، وبعد فترة من الوقت في يونيو سنة 2016 جاء الخبر بإقالته وعزله من رئاسة الهيئة الشرعية، واتهامه بالردة، ثم ظهر البنعلي قبل وفاته بقليل برسالة وبيانين، يرد فيها على أفكار «الحازميين»، والهجوم عليه وعلى انتقاداته لهم في مسألة العذر بالجهل.
لكن لم يختف البنعلي وحده، بل اختفت أسماء كثيرة من منظري «داعش» وشيوخه السابقين، الذين نشطوا بين عامي 2013 و2015، ولم يعد يُسمع لهم خبر في الجدل السائر الآن، نذكر منهم أبو الحسن الأزدي الذي نرجح أنه صاحب فتوى تحريق الشهيد الأردني معاذ الكساسبة، ومنهم آخرون مثل أبي المنذر الشنقيطي المجهول الهوية والذي كان ناشطاً كبيراً في التأييد لخلافة «داعش» ونقد مخالفيها ومنتقديها من منظري «السلفية الجهادية» الآخرين.
مما وصف به أبو بصير الطرسوسي - المؤيد لحركة «أحرار الشام» - أبو منذر الشنقيطي هذا قوله: «مجهول الاسم والعين... مما يسمح له أن يركب سرج التشدد والغلو... والمزايدات... وأن يسير في المسرب الذي يشاء، فيرفع صوته في الوادي الذي يشاء، وبالطريقة التي يشاء»، ثم يضيف لائماً على المقدسي وموقعه الذي نشر بعض منشورات الشنقيطي: «ولولا تعريف منبر التوحيد والجهاد بكتاباته لما عرفه أحد من الناس، فهو من الغلاة الأجلاف، خارجي جلد.. الخوارج من قبل كفروا بالكبائر.. وهذا يكفِّر بالحسنات.. وبالاجتهاد والاختلاف المستساغين.. فهو من هذا الوجه أسوأ من الخوارج الغلاة الأوائل... كل كتاباته وخربشاته، وردوده علينا - وعلى غيرنا - تدلل على ذلك».
كذلك تراجع دور مؤثرين من جيل البغدادي والجولاني في كل الاتجاهات، مع تصاعد الخلاف وسيولة المشهد النظري والإفتائي وتشظيه التواصلي، مثل أبو ماريا القحطاني وعبد الله المحيسني، كما يكاد يختفي تأثير شيوخ «السلفية الجهادية» الكبار مثل الأردنيين أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني، وإن كان شرعي «النصرة» الدكتور سامي العريضي لا يزال يصارع الحضور والجدل والدعوة للتصالح أو التصحيح، ولكن بلغة أقل تفاؤلاً وحسماً كما كانت... وهو ما يحمل في طياته دلالة خاصة بعد تراجع «داعش» وتبخر خطرها على المختلفين معه من «الجهاديين»، المفاصلة الكاملة وضعف حمية الجدل بين المختلفين، وتحولت مساحاته لداخل «داعش» وداخل كل التنظيمات المسلحة بشكل كبير، وليس على صدارة «الجهاد» العالمي كما كان متوقعاً قبل فترة.
يلاحظ منذ سنوات، تراجع دور المصريين والسعوديين، بالفكر والمشهد «الجهادي»، ربما باستثناء الظواهري، الذي يحمله كثير من المتطرفين، منذ توليه الزعامة وخلافة أسامة بن لادن عام 2011، المسؤولية عن شتات المشهد وانفلات بيعات «القاعدة» وانقلاب بعض الفروع على «القاعدة».
لكن كون الظواهري قيادة تنظيمية في المقام الأول وليست فكرية، واستراتيجية استهداف قياداته في أفغانستان واليمن وغيرها، لا ينفي تراجع دور المصريين الذين كانوا الأبرز في تنظيم «الجهاد» المصري ثم «القاعدة» ثم «داعش»، تنظيراً وتنظيماً، فلم تتكرر أسماء منهم بمستوى عبد القادر بن عبد العزيز أو عمر عبد الرحمن أو غيرهم، بل لم يعد مستغرباً أن تنظيماً كـ«أنصار بيت المقدس» الذي بايع «داعش» في أبريل (نيسان) سنة 2015 بلا أدبيات وبلا منظرين وبلا أدبيات يمكن تحليلها أو الاعتماد عليها في قراءة أفكاره، ليتحول لولاية تابعة لخلافة «داعش» المأزومة داخلياً.
وهو ما يرجع بشكل ما للمراجعات التصحيحية التي صدرت في الدولتين الكبيرتين، بدءا من مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية التي تمخضت عن سلسلة تصحيح المفاهيم في نيف وعشرين كتاباً، إلى مراجعات عبد القادر بن عبد العزيز التي صدرت سنة 2009 بعنوان «وثيقة لترشيد العمل الجهادي» ثم رسالته «التعرية في الرد على التبرئة للظواهري» وهو ما عُد تحدياً نظرياً وشرعياً زاد واخترق «الفكر الجهادي» الراهن.
وفي السعودية كانت برامج المناصحة والسكينة التي أوقفت بدرجة كبيرة نمو التشدد وأفكاره، ونشطت خطابات نقده ومكافحته، كما لا بد من الإشارة للنجاحات والاستباقات الأمنية السابقة والمستمرة، التي سيطرت على عدد من الشباب والأجيال.
ولكن حال السؤال عن تصاعد حضور أمثال أحمد بن عمر الحازمي المعتقل حاليا، وفكره التكفيري الذي تأثر به المقاتلون التونسيون بالخصوص، حيث زار تونس خمس مرات منذ عام 2011، فنراه ضغط القضية التي كانت سبباً في خلاف كثير من التنظيمات المتطرفة في مصر، مثل الجماعة الإسلامية و«الجهاد» المصري، في تكفير الطائفة الممانعة، أو الجماعة الإسلامية المصرية وأميرها عمر عبد الرحمن وتنظيم الشوقيين الذي انشق عنه، وأصر على ما يصر عليه الحازميون الآن، من تكفير المخالف، وتكفير من لم يكفره، وأن الأصل في الناس الكفر، فهنا الحازمي يمثل بعثاً لقضية ولكن لا يعرف لهذا اللغوي أي أثر أو أدبيات سابقة في الفكر أو تاريخ التشدد الراهن، وهو ما نراه مناسباً لحالة السيولة الصاعدة وتراجع أهمية البنى الفكرية والتنظيمية والشرعية للتنظيمات وسهولة الانقضاض عليها، في تشظٍّ فكري وأزمات تنظيمية لن تنتهي كما نظن بين عناصر التطرف، بل تبشر بنهاية هذه التنظيمات ذاتها.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».