هل كان عراب الحداثة الشعرية مجنوناً؟

وصف هتلر بأنه «شهيد» ودافع عن موسوليني

إزرا باوند
إزرا باوند
TT

هل كان عراب الحداثة الشعرية مجنوناً؟

إزرا باوند
إزرا باوند

قلّ من شعراء اللغة الإنجليزية في القرن العشرين من لاقى مصيراً محزناً ومأساوياً كذلك الذي لاقاه الشاعر الأميركي إزرا باوند (1885 - 1972). فهذا الشاعر الناقد المترجم الذي يعد من آباء الحداثة المؤسسين في النصف الأول من القرن العشرين، بل هو - مثل فرويد وأينشتاين - واحد من صناع العقل الحديث، قد اختار أن ينحاز في أثناء الحرب العالمية الثانية إلى صف الفاشية، وأن يقف ضد قيم الديمقراطية، مما أدى به إلى الاصطدام مع بلاده.
ولقد أثارت مواقفه هذه جدلاً كبيراً عبر السنين. وأحدث حلقات هذا الجدل كتاب صادر في هذا العام، عنوانه «مستشفى الأمراض العقلية: شعر إزرا باوند ومبادئه السياسية وجنونه»، من تأليف المحاضر الجامعي دانيل سويفت (الناشر: هارفيل سيكر، لندن 2017، 299 صفحة).
يقول سويفت في مقدمة الكتاب إن باوند يمثل حالة من أصعب الحالات وأعصاها على الفهم، وذلك لما حفلت به من تناقضات. لقد كان متحمساً للفاشية، وهو مع ذلك يقول: «لا تنظر إلى أي شيء على أنه عقيدة قطعية (دوجما)». وكان معادياً للسامية على نحو تعميمي، وهو الذي يقول: «إن دقة التقرير الأساسية هي المبدأ الأخلاقي الوحيد في الكتابة». وكان شاعراً حداثياً يزخر شعره بالإيماءات الأدبية والتاريخية (بل والنظريات الاقتصادية والسياسية)، وهو مع ذلك مؤلف بعض من أكثر القصائد حناناً ورقة في زماننا. وكان صبياً أميركياً من ضواحي مدينة فيلادلفيا، ولكنه قضى أغلب عمره في أوروبا متنقلا بين لندن وباريس وإيطاليا. وأعظم أعماله (الأناشيد) قصيدة استغرق أربعين عاماً في كتابتها، تتألف من ثمانمائة صفحة، وهي مع ذلك لم تكتمل. والصعوبة الأساسية التي تمثلها لا تتمثل فقط في ثراء نسيجها واستيحائها ثقافات متعددة وفترات تاريخية مختلفة، وإنما تتمثل أيضاً في صعوبة التوفيق بين ما تقوله ومتناقضات حياته.
لقد كان يحب الدستور الأميركي، ولكنه قضى فترة الحرب العالمية الثانية يلقي أحاديث دعاية ضد أميركا من إذاعة روما. وكان عنصرياً، ولكنه يجد قمة الصدق في الأساطير الأفريقية والفلسفة الصينية ومسرحيات النوه اليابانية. وقد دعي بمختلف الأسماء: فاشي، مجنون، عبقري، خائن. كان يمثل أفضل الأشياء وأسوأها في آن واحد، حتى ليصعب أن تفرق بين فضائله ورذائله.
ولا يمكن الحديث عن تاريخ الشعر الإنجليزي (البريطاني والأميركي) في القرن العشرين دون الحديث عن باوند؛ إنه بطل القصة وشريرها معاً، قد تحبه أو تكرهه، ولكنك لا تستطيع أن تتجاهله.
إن أفضال باوند على الأدب الحديث لا يمكن نكرانها؛ لقد أقنع ت. س. إليوت باختصار قصيدته «الأرض الخراب» إلى نحو ثلث حجمها الأصلي، وكانت اختصاراته هذه سديدة صائبة تصب في صالح القصيدة، وعلم إرنست همنجواي أن يقلل من استخدام النعوت، وأن يركز في أسلوبه على استخدام الأسماء والأفعال، وشجع أ. إ. كمنجز على إجراء تجارب على الصورة الطباعية لقصائده. وكان له الفضل في نشر رواية جويس «يوليسيز» في 1922. وحث و. ب. ييتس على طرح الزخارف جانباً، وكتابة شعر عار عيني محدد. ولا عجب أن دعاه وندام لويس: تروتسكي الأدب، فقد كان ثورياً في الشعر مثلما كان تروتسكي ثورياً في السياسة.
ويكفي للدلالة على اختلاف الآراء في باوند أن نقرأ هذه الكلمات على الغلاف الخلفي للكتاب: ت. س. إليوت يقول: «إنه أهم شاعر على قيد الحياة في اللغة الإنجليزية». مجلة «نيوماسز» (الجماهير الجديدة) تتساءل: «أينبغي أن يعدم إزرا باوند رمياً بالرصاص؟» موسوليني يقول: «إنه مسل». إرنست همنجواي يقول: «إنه يستحق العقاب والعار، ولكن أكثر ما يستحقه حقيقة هو السخرية... إنه واحد من أعظم الشعراء على قيد الحياة». وليم كارلوس وليمز يقول: «إنه أكبر أحمق ملعون ومزور في مهنتنا». مجلة «تايم» الأميركية تقول: «إنه خطر على الأطفال». أما باوند ذاته، ومن الإنصاف أن ندع الكلمة الأخيرة له، فيقول: «إنهم لا يعرفون ماذا يصنعون بي، ومن ثم فإنهم يضعون إز العجوز في قفص». وأين تكون الحقيقة في معترك هذه الشهادات المتضاربة؟
في مايو (أيار) 1945، قبض الجيش الأميركي على باوند في إيطاليا قرب مدينة رابالو. ذلك أنه في يناير (كانون الثاني) 1941 - عام دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية - بدأ يذيع سلسلة أحاديث من راديو روما يؤيد فيها موسوليني، وينتقد سياسات بلاده، ويذهب إلى أن محاربتها قوات المحور حماقة، ويناقش مسائل أخرى من قبيل إصلاح النظام المالي، والشعر. وقد أذاع قرابة مائتين من هذه الأحاديث قبل أن تقرر وزارة العدل الأميركية، في 26 يوليه 1943، أن توجه إليه تهمة الخيانة، وهي تهمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام. نقل إلى معسكر يودع فيه المتهمون بجرائم الاغتصاب والقتل والفرار من الخدمة العسكرية، وأودع - حرفياً - في قفص فولاذي أبعاده ستة أقدام في ستة أقدام، وقد دعاه بـ«قفص الغوريلا»، عند حافة حقل. ولم تعلم زوجته درورثى بمكانه إلا بعد شهور. كما جاء لزيارته ابنه عمر باوند، وهو مجند في الجيش الأميركي.
فحص الشاعر خبراء طبيون من الجيش، ثم وافوا المحكمة بتقرير مشترك مؤداه أن باوند «يعاني حالياً من حالة بارانويا تجعله غير صالح من الناحية العقلية للتشاور مع محاميه، أو لأن يشارك على نحو ذكي معقول في الدفاع عن نفسه». وفور انتهاء الجلسة، نقل من المحكمة إلى مستشفى سانت إليزابيث، وهو مستشفى حكومي للأمراض العقلية خارج واشنطن. هكذا، أنقذه من الإعدام قول الأطباء: «إنه بعبارة أخرى مجنون وغير صالح عقلياً للمحاكمة».
ولم تكن هذه الأحاديث الإذاعية هي وحدها ما أدى إلى اتهامه بالخيانة. ففي مطلع مايو 1945 - وكان محتجزاً في جنوا - أجرى مقابلة مع صحافي أميركي. وقد وصف في المقابلة هتلر بأنه «شهيد»، وموسوليني بأنه «شخصية بالغة الإنسانية، ولكنها غير كاملة وفقدت صوابها»، ووصف ستالين بأنه «خير مخ في ميدانه». هكذا، دافع أو على الأقل التمس العذر لثلاثة من أكبر طغاة القرن العشرين.
في المستشفى، كان باوند هو المريض رقم 58.102. وسمح له باستقبال الزائرين (وحتى عشيقاته فيما بعد)، فكان ممن جاءوا إليه سائحون وناشطون سياسيون شبان وسفراء وأكاديميون وأدباء بارزون. وكانوا يحملون إليه هدايا متنوعة، مثل الحلوى والشاي بنكهة الياسمين والخبز بالزبيب والكتب. يجلسون عند قدميه، ويستمعون إليه وهو يتحدث عن الشعر وأمور أخرى.
بعد خروج باوند من المستشفى، سافر إلى إيطاليا ليقيم في قلعة تملكها ابنته الأميرة ماري بين الجبال. وفي سنواته الأخيرة، قلما كان يتكلم. وقد توفي في المستشفى البلدي بمدينة البندقية، في شتاء 1972، عن سبعة وثمانين عاماً.
ومع تضارب تقارير الأطباء الذين فحصوه، أثير هذا السؤال المهم: أكان مجنوناً حقيقة أم أنه كان يتظاهر بالجنون كي ينجو من عقوبة الإعدام؟ ذهب المدافعون عنه والمحبون له إلى أنه سواء كان هذا أو ذاك، فهو شاعر عظيم لا يمكن الحكم عليه بالمعايير العادية.
ومن العدل بعد ذلك أن نقول إن باوند في سنواته الأخيرة ندم على حماقاته السابقة؛ إنه يخاطب نفسه في «الأناشيد» قائلاً: «طامن من غرورك». وفي الأنشودة 119، وهي قصيدة قصيرة، يقول:
لقد حاولت أن أكتب الفردوس
لا تتحرك
دع الريح تتكلم
ذاك هو الفردوس
دع الآلهة تغفر ما
صنعت
دع أولئك الذين أحبهم يحاولون أن يغفروا
ما صنعت.
والخلاصة: إن باوند - كما يقول سويفت - خائن ووطني، شاعر ومجنون، عبقري وأحمق، نثر وشعر، جمال ونظام. كلها متناقضات اجتمعت في شخصه، مثلما كان الشأن مع سلفه والت ويتمان، القائل: «أأنا أناقض نفسي؟ حسن. إني رحيب الذات أتسع لكثرات كثيرة».



زجاج فريد فائق المتانة للمحطات الفضائية !

زجاج فريد فائق المتانة للمحطات الفضائية !
TT

زجاج فريد فائق المتانة للمحطات الفضائية !

زجاج فريد فائق المتانة للمحطات الفضائية !

يخطط علماء بمعهد فيزياء القوة وعلوم المواد بأكاديمية العلوم الروسية لتطوير زجاج فريد من نوعه، لاستخدامه بنوافذ محطة الفضاء الروسية (ROS)؛ وذلك بحلول عام 2026.

وأفاد موقع مركز تومسك الإلكتروني غرب سيبيريا بأنه «بحلول عام 2026، يتوقع أن ينجز علماء المواد بالمركز العمل على تطوير زجاج فريد ذي طبقات واقية قوية ومتينة وبخصائص بصرية ممتازة لاستخدامه في النوافذ الفضائية الكبيرة الحجم التي يبلغ قطرها نصف متر، ما سيفتح فرصا جديدة لتشغيل أجهزة بصرية، مثل التلسكوبات وكاميرات التصوير». وذلك وفق ما ذكرت وكالة أنباء «تاس» الروسية.

ومن أجل المزيد من التوضيح، قال الدكتور فيكتور سيرغييف رئيس مختبر علوم المواد والطلاءات وتقنيات النانو بمعهد الفيزياء والرياضيات والميكانيكا لدى أكاديمية العلوم الروسية «إن زيادة متانة الزجاج من خلال تطبيق الطلاءات الواقية ستقلل من سمكه ووزنه، ما يخفض بدوره من التكاليف الاقتصادية. إضافة لذلك، بناء على تعليمات من شركة (إينيرغيا) الروسية للصواريخ والفضاء أجرى العلماء من معهد فيزياء القوة وعلوم المواد حسابات مكّنتهم من تحديد عمر الخدمة المسموح به للنوافذ في محطة الفضاء الروسية. كما أظهرت الحسابات أن النوافذ سوف تستمر في الخدمة حتى عام 2040 على أقل تقدير».

جدير بالذكر، ان العلماء تمكنوا أيضا من زيادة مقاومة زجاج الكوارتز المستخدم بروسيا للتأثيرات الخارجية من خلال تطبيق طبقات متعددة المستويات (حتى 10 طبقات)، تم تطويرها في معهد الفيزياء والرياضيات. وقد اجتازت الدفعة الأولى من الزجاج بالطلاءات الواقية المطبقة باستخدام معدات البلازما الأيونية كل الاختبارات بنجاح، وتم تسليمها لشركة «إينيرغيا» لتركيبها في المركبات الفضائية الجديدة.


على آخر خُطى ميخائيل نعيمة... «حارسة الذاكرة» تكشف خبايا السنوات الأخيرة

TT

على آخر خُطى ميخائيل نعيمة... «حارسة الذاكرة» تكشف خبايا السنوات الأخيرة

على هذه الكنبة كان يجلس نعيمة وقد حوّلت سهى كل زاوية إلى ذكرى (الشرق الأوسط)
على هذه الكنبة كان يجلس نعيمة وقد حوّلت سهى كل زاوية إلى ذكرى (الشرق الأوسط)

ليست حكاية عاديّة تلك التي ترويها سهى نعَيمة، التي أمضت إلى جانب الأديب والمفكّر اللبناني ميخائيل نعيمة السنوات الـ20 الأخيرة من حياته. وهي في الأصل سهى حدّاد، لكنّ القلب اختار اسم «جدّو ميشا»، الذي ربّى الفتاة في غياب الأب بعد طلاق الوالدَين عندما كانت بعدُ في أحشاء والدتها.

«باستثناء الأبوّة البيولوجيّة، كان ميخائيل نعيمة أبي بكلّ معاني الكلمة. رغم سنّه المتقدّمة يوم وُلدت –80 عاماً– فهو ربّاني بتَعبِه وأطعمني وكَساني وأرسلني إلى المدرسة والجامعة»، هذا بعضٌ قليل مما تقوله سهى عن عمّ والدتها في لقائها مع «الشرق الأوسط».

تنادي سهى الأديب ميخائيل نعيمة «جدّو ميشا» وهو في الواقع عمّ والدتها لكنها تعده والدها الحقيقي (الشرق الأوسط)

«ميماسونا»

بعد أن غادر عمّها الأكبر ووالدتها هذه الدنيا، حلّ الفراق ثقيلاً عليها وآلمتها الوحدة، فقرّرت ملء الفراغ بما يُحيي ذكراهما ويؤنسها في آنٍ معاً. «للتعويض عن الغياب وللتخفيف من الألم، عملتُ على تحويل البيت الذي جمعنا 20 عاماً إلى ما يشبه المتحف». سمّت المكان MiMaSuNa (ميماسونا) جامعةً الحروف الأولى من أسمائهم واسم العائلة.

تعيش سهى اليوم في متحف ميخائيل ومَي، كما لو أنها قرّرت الالتصاق بروحَيهما. هي حارسة الذاكرة وهذا يُسعدُها. «لم أشعر بالتعب خلال تحويلي البيت إلى متحف عام 2015. ساقَني حبّي وشَوقي لهما. عملت بشغف على المشروع، وموّلته من راتبي المتواضع كأستاذة جامعيّة. هذا المكان بمثابة طفلي ولا أستطيع الابتعاد عنه».

على هذه الكنبة كان يجلس نعيمة وقد حوّلت سهى كل زاوية إلى ذكرى (الشرق الأوسط)

مخطوطاتُه، وكتبُه، وأقلامُه، وتفاصيلُ وجهه، وقبّعتُه وعصاه، وعلبة سجائره، والأواني التي تناول الطعام فيها، ونظّاراتُه، وسريره والعباءة... كلُّ تفصيلٍ هنا يُشعر الزائر كأنّه في معبد نعَيمة، الذي عُرف بـ«ناسك الشخروب» نسبةً إلى عشقه لقريته بسكنتا ولعزلته وسط طبيعتها. لكن كيف نزل نعيمة إلى المدينة وانغمسَ في صخبها بعد 37 عاماً أمضاها في أعالي لبنان، متخلياً بذلك عن النُّسك والهدوء؟

ميخائيل ومَي

تشرح سهى أنّ صلابة العلاقة التي جمعت نعيمة بابنة شقيقه و«ابنته الروحيّة» مي، عوّضته عن تلك الغربة. «صارت مي هي الشخروب وبسكنتا والطبيعة والوطن. أينما حلّت حلّ البيت». وما الصور التي تزيّن أرجاء المنزل كافّة سوى دليل على خصوصية تلك العلاقة. هنا احتفلا معاً بعيد ميلاد الصغيرة، وهناك احتسيا قهوة العصر على كنبة الزاوية، وفي الشخروب إجازة صيفيّة في أحضان الطبيعة، أما قرب غرفة نومه فلقطاتٌ لمَي وهي تساعده في الحلاقة بعد أن خانته يداه مع تقدّمه في السنّ.

صورة لميخائيل ومي وسهى نعيمة خلال إحدى إجازات الصيف قرب صخرة الأديب في الشخروب (الشرق الأوسط)

يوم عاد ميخائيل نعيمة من غربته الأميركية إلى لبنان في الـ43 من عمره، أقام مع شقيقه في بسكنتا وشارك في تربية أبنائه الثلاثة. تعلّق الأولاد به، خصوصاً الكبرى مَي التي تأثّرت بثقافته واتّساع فكره. تذكر سهى أنّ «العمّ ميخائيل وسّع آفاق ابنة أخيه، ومنحها الثقافة من خلال القراءات، كما أنه غذّى روحها وفكرَها وهي ابنة القرية النائية». ولاحقاً خلال سنوات المراهقة، كان يصطحبها إلى بيروت لشراء الملابس والحليّ؛ «أيقظها إلى قيمتها شكلاً ومضموناً».

استوعب نعيمة مَي في مراحل حياتها كافّة، وحتى عندما انفصلت عن زوجها في زمنٍ كان الطلاق فيه أمراً نافراً، احتضنها وفتح لها بيتاً وانتقل للإقامة معها ومع مولودتها.

أمضى ميخائيل نعيمة السنوات الـ20 الأخيرة من حياته إلى جانب ابنة شقيقه وابنتها (الشرق الأوسط)

بعد كل ما تُبصره العين وتسمعه الأذن عن حكاية ميخائيل ومَي، يجوز التساؤل إن كانت تلك العلاقة قد تطوّرت إلى ما هو أعمق من بنوّة روحيّة. هل كان كل ذلك الاهتمام حباً بين رجل وامرأة؟ تنفي سهى نعيمة الأمر، وتحفظ العلاقة في خانة المحبّة الصافية بين عمّ تعامل مع ابنة شقيقه كأنها ابنته، وهي بادلته الاهتمام تفانياً فكرّست حياتها لخدمته، تحديداً في آخر 20 سنة من عمره. وتضيف سهى أنّ تلك العلاقة أوحت لنعيمة بأكثر من كتاب، من بينها «عدوّ النساء» و«نجوى الغروب».

صورة لميخائيل نعيمة في زاويته المفضّلة وإلى جانبه ابنة شقيقه مَي (الشرق الأوسط)

خبز وزبدة وعسل

في سنواته الأخيرة، غالباً ما لجأ نعيمة إلى كتبه فأعاد قراءتها. أحبُّها إلى قلبه، وفق ما تنقل عنه سهى، «كتاب مرداد» الذي خطّ جزأه الأكبر خلال جلوسه داخل صخرته في الشخروب. وقد رافقته الكتابة حتى الرمق الأخير؛ «آخر ما كتبه كانت أمنية لي بمستقبل باهر. حصل ذلك قبل 5 أيام من رحيله»، تُخبر سهى.

إلى جانب الذكريات الملموسة، تحتفظ سهى نعيمة بمشاهد في البال عن «جدّو ميشا». «أراه جالساً في زاوية هذه الكنبة وهو يلعب الورق. كنت آتي إليه وأضع رأسي على كتفه ويحضنني قائلاً: (يا روحات جدّك إنتِ)، ثم نصمت طويلاً». في أرشيف ذاكرتها كذلك، عاداته اليوميّة الصغيرة التي كانت تبدأ بحركاتٍ رياضيّة، يليها استحمامٌ ووجبة فطور لم تتبدّل يوماً، وهي مؤلّفة من الجريب فروت وخبزٌ محمّص مع الزبدة والعسل. لاحقاً كان يجلس إلى طاولة المائدة ويكتب، أو يستقبل كتّاباً وصحافيين، بانتظار عودة سهى من المدرسة وتناول طعام الغداء معاً.

تحتفظ سهى بأغراض نعيمة كلّها... وهنا عدّة الحلاقة وصورٌ لمَي وهي تساعده (الشرق الأوسط)

أغمضَ عينَي جبران

من بين الوجوه التي توافدت إلى منزل نعيمة، تذكر سهى توفيق يوسف عوّاد، وشارل مالك، وكمال جنبلاط، وإميلي نصر الله، ومتري بولس، وغيرهم من كبار الأدباء والمفكّرين. غير أنّ الصديق الذي تربّع على عرش الذاكرة، رغم أنّ الموت فرّقهما باكراً، كان جبران خليل جبران.

تصف العلاقة التي جمعت جبران ونعيمة بالعميقة فكرياً وروحياً، رغم طباعهما المختلفة. «لم يكتب جبران شيئاً إلّا وأخذ رأي نعيمة فيه. أسّسا معاً الرابطة القلميّة بهدف النهوض بالأدب العربيّ. وكان نعيمة معجباً بثورة جبران على التقاليد البالية».

جمعت صداقة الروح والفكر بين جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة (الشرق الأوسط)

تُوّجت تلك العلاقة بين الأديبَين الفيلسوفَين، بأنْ رافقَ نعيمة جبران على سرير الموت عام 1931، «كان الوحيد إلى جانبه»، وفق ما تخبر سهى، «وهو واكب الصراع الأخير الذي دام 6 ساعات، قبل أن يغمض له عينَيه».

أما وفاة نعيمة عام 1988، ورغم أنها كانت متوقّعة بسبب سنّه المتقدّمة، فقد خلّفت فجوة هائلة في حياة مَي وقلب سهى. هي التي اعتادت منذ الطفولة أن تصلّي يومياً كي يحفظ الله «جدّو ميشا»، وكانت توقظه أحياناً قبل الذهاب إلى المدرسة خوفاً من أن يرحل في غيابها، صارت تبحث عنه في كل الأماكن. حتى إنها قررت دراسة الفلسفة علّها تعثر عليه فيها.

غرفة نوم ميخائيل نعيمة وجزء صغير من مكتبته التي بقي القسم الأكبر منها في قريته بسكنتا (الشرق الأوسط)

اليوم وهي تتوسّط أغراض ميخائيل نعيمة وأفكاره، تسترجع سهى مطمئنّةً أنفاسه وطاقتَه. لا تحتفظ بالذكرى لنفسها، بل تفتح بيتها المتحف 3 مرات سنوياً أمام العامّة ومحبّي نعيمة، احتفاءً بذكرى ولادته (17 أكتوبر - تشرين الأول)، وإحياءً لذكرى رحيله (28 فبراير - شباط) ورحيل مَي (15 يناير - كانون الثاني).


القضاء البريطاني يرفض استئناف الأمير هاري بشأن حقه في الأمن الشخصي

الأمير هاري (أرشيفية - أ.ب)
الأمير هاري (أرشيفية - أ.ب)
TT

القضاء البريطاني يرفض استئناف الأمير هاري بشأن حقه في الأمن الشخصي

الأمير هاري (أرشيفية - أ.ب)
الأمير هاري (أرشيفية - أ.ب)

رد القضاء البريطاني الذي رفض في فبراير (شباط) منح حماية شرطية ممنهجة للأمير هاري خلال زياراته للمملكة المتحدة، أمس (الاثنين) استئناف دوق ساسكس، وأمر بتحميله كل التكاليف القانونية تقريباً في هذه القضية.

وكان الأمير هاري، الابن الأصغر للملك تشارلز الثالث، وزوجته ميغان ماركل فقدا حقهما في الحماية الممنهجة على حساب دافعي الضرائب البريطانيين، بعدما قررا الانسحاب من العائلة الملكية عام 2020 والاستقرار في الولايات المتحدة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وطعن هاري الذي نادراً ما يزور المملكة المتحدة، بقرار السلطات منحه الحماية على أساس كل حالة على حدة.

وفي نهاية فبراير، قضت المحكمة العليا في لندن بأن هذا القرار لم يكن «غير عقلاني» ولا «ظالماً»، وأن الاستراتيجية التي اعتمدتها الشرطة بالتعامل مع كل حالة على حدة «كانت ولا تزال قائمة على أسس قانونية».

وسارع ناطق باسم الأمير حينها للإشارة إلى أن هاري سيستأنف القرار، لافتاً إلى أن هاري لا «يطالب بمعاملة تفضيلية»، بل مجرد تطبيق «عادل وقانوني» لقواعد الحماية.

لكن المحكمة رفضت استئناف الأمير القرار.

وجدّد القاضي المسؤول عن القضية تأكيده أن السلطات «محقة» في عدم منحه الحماية المنهجية.

ومع ذلك، لا يزال بإمكان الأمير تقديم طعن أمام محكمة الاستئناف.

كما أمر القاضي هاري الاثنين بدفع 90 في المائة من التكاليف القانونية التي تكبدتها وزارة الداخلية في هذه القضية.

ويمثل حكم فبراير (شباط) الهزيمة القانونية الثانية للأمير هاري بشأن المسؤولية عن أمنه عندما يزور المملكة المتحدة. وفي إجراء آخر انتهى في مايو (أيار)، رفضت المحاكم حقه في الاستفادة من حماية الشرطة عن طريق دفع ثمنها من أمواله الشخصية.


ندوات «السينمائي الخليجي»... من ندرة الروايات إلى وفرة المهرجانات

جانب من حضور عروض الأفلام الخليجية المُصاحبة للمهرجان (هيئة الأفلام)
جانب من حضور عروض الأفلام الخليجية المُصاحبة للمهرجان (هيئة الأفلام)
TT

ندوات «السينمائي الخليجي»... من ندرة الروايات إلى وفرة المهرجانات

جانب من حضور عروض الأفلام الخليجية المُصاحبة للمهرجان (هيئة الأفلام)
جانب من حضور عروض الأفلام الخليجية المُصاحبة للمهرجان (هيئة الأفلام)

تحدّيات عدّة تُواجه صنّاع الأفلام في الخليج، يُحاول «المهرجان السينمائي الخليجي»، المقام حالياً في الرياض، الإضاءة عليها ضمن برنامجه الثقافي الذي يتناول «تحدّيات إنتاج الأفلام المقتبسة من الرواية»، وذلك في ندوة بحثت سُبل ردم المسافة ما بين الرواية والفيلم، خصوصاً مع ما تظهره إحصائية عُرضت خلال الفعالية مفادها أنّ نحو 85 في المائة من الأفلام الحائزة جوائز هي مقتبسة من روايات.

«غواصو الأحقاف»

رئيسة «جمعية السينما» الكاتبة والمخرجة السعودية هناء العمير، العاملة حالياً على فيلم عن رواية «غواصو الأحقاف» للروائية أمل الفاران، تحدّثت عن تجربتها: «منذ بداية قراءتي للرواية، لمحتُ مَشاهد منها في خيالي. شكَّل هذا التواصل الأول بيني وبين العمل، كما شعرتُ بالتماهي الكبير مع إحدى الشخصيات، لذا راودتني الرغبة في رؤيتها على الشاشة. تواصلتُ مع الكاتبة للحصول على موافقتها، فعبَّرت عن سعادتها واستحسانها للفكرة».

تحدّي إنتاج أفلام مقتبسة من روايات... موضوع النقاش (هيئة الأفلام)

وأشارت إلى أنّ الإشكالية التي تخوّفت منها كمنت في كيفية رؤية الروائي لموضوع تحويل سرده إلى فيلم: «يتطلّب العمل إنجازه بمنطق سينمائي بحت، ولحُسن الحظ أنّ لدى أمل الفاران تجربة في كتابة السيناريو فاستوعبت ذلك، وأعلنت تفهّمها بأنّ الموضوع سيكون مختلفاً»، وهو ما تراه دليل وعي كبير، مضيفة: «في النهاية سيكون عملاً آخر». وتابعت: «يظلّ هناك قلق من أنّ المُشاهدين سيأتون وفي أذهانهم الرواية. هذا واقع لا أعرف كيفية التعامل معه، لكني أتمنّى التمكُّن من تقديم قصة تُمتعهم إلى حدّ يجعلهم يتفهّمون التضحية ببعض الجوانب التي قرأوها وأحبّوها».

تحدّي الاطّلاع

من جهته، أوضح الناقد السينمائي طارق خواجي، في مداخلته، أنّ ثمة كثيراً من الأعمال المقتبسة من روايات، لكن الجمهور لم يدرك ذلك إلا لاحقاً، كما في فيلمَي (إصلاحية شاوشانك)، و(فورست غامب)». وتابع: «أحد التحدّيات الكبيرة أمام المواهب الشابة اليوم هي أهمية الاطّلاع على عدد من الأعمال الإبداعية، لأنّ المعرفة بالإبداع تُغني جوانب المعالجة».

أما المخرج والكاتب المغربي حكيم بلعباس، فرأى أنّ «المشكلة الكبرى تكمن في أنّ الشباب اليوم لا يقرأون، بل تستغرق شبكات التواصل الاجتماعي معظم أوقاتهم؛ حتى وإنْ قرأوا، فلا يتجاوز ذلك الدقائق، بمعنى أن لا مجال لديهم للتأمّل»، مشدّداً على ضرورة «فرض قراءة الأعمال العالمية على الطلاب للخروج من هذا المأزق».

ندوة المهرجانات السينمائية في الخليج (هيئة الأفلام)

وفرة المهرجانات

وفي ندوة تناولت «مهرجانات الأفلام في دول الخليج»، بيَّن مدير «مهرجان أفلام السعودية» ومؤسِّسه أحمد الملا، أنّ «ثمة حاجة إلى المهرجانات في مناطق لديها صناعة سينمائية، بعكس الدول التي لا مكان فيها لهذه الصناعة»، مؤكداً أنّ «دور هذه المهرجانات لا يقتصر فقط على عرض الأفلام، بل يمتدّ إلى التمكين وخلق المناخ السينمائي».

وبالسؤال عن وفرة المهرجانات السينمائية في الخليج، أكد أنّ «عدد جميع المهرجانات الخليجية لا يساوي عدد المهرجانات السينمائية في مدينة واحدة في دولة أوروبية، وهناك حاجة ماسَّة إلى مهرجانات أخرى»، متوقّفاً عند «ضرورة أن تتعاون هذه المهرجانات معاً»، ومستشهداً بتجربة «مهرجان أفلام السعودية» في هذا السياق.

الرياض تستضيف «المهرجان السينمائي الخليجي» (هيئة الأفلام)

الدعم والميزانيات

ويواصل «المهرجان السينمائي الخليجي» فعالياته بندوات أخرى بعنوان «صناديق الدعم والتمويل المشترك»، و«الأفلام المستقلّة والميزانيات الصغيرة»، و«تجربة منصّات العرض في الشرق الأوسط»، والتي تجمع مهتمّين بالصناعة على مدى اليومين المقبلين؛ إلى تقديم خبراء السينما الخليجيين لمحات من خبراتهم عبر عدد من الورش التدريبية التخصّصية للزوّار، منها ورشة «كيف تصنع فيلماً وثائقياً مؤثراً؟»، من تقديم السينمائي عبد الرحمن صندقجي، وورشة «علاقة المؤلّف الموسيقي بالمخرج السينمائي»، من تقديم محمد حداد، وورشة «فن وكتابة وتطوير السيناريو» التي يقدّمها الكاتب محمد حسن أحمد.


الاعتناء بالأحفاد ينشط عقل الأجداد أكثر من «السودوكو»

أصبحت نسبة الأجداد إلى الأحفاد أعلى من أي وقت مضى (رويترز)
أصبحت نسبة الأجداد إلى الأحفاد أعلى من أي وقت مضى (رويترز)
TT

الاعتناء بالأحفاد ينشط عقل الأجداد أكثر من «السودوكو»

أصبحت نسبة الأجداد إلى الأحفاد أعلى من أي وقت مضى (رويترز)
أصبحت نسبة الأجداد إلى الأحفاد أعلى من أي وقت مضى (رويترز)

نحن في زمن «الجدين»، هناك 1.5 مليار جد وجدة في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل 20 في المائة من السكان، بحسب تقرير لصحيفة «التلغراف».

ووفق التقرير، أصبحت نسبة الأجداد إلى الأحفاد أعلى من أي وقت مضى.

فمارسيا ميلن، جدة لثلاثة أحفاد، تعيش مع زوجها في مرآب منزل عائلتها في جنوب غربي لندن، في حين تعيش ابنتهما فلورا وزوجها نيك والأولاد الثلاثة في المنزل الرئيسي المجاور.

وأشارت الصحيفة إلى أن أحفاد ميلن يقومون بزيارتها مرات عدة في الأسبوع. فهي تأخذهم في نزهات وتستمع إلى مشاكلهم. وهم بدورهم يثقون بها، والنتيجة هي علاقة جميلة.

الأحفاد أو السودوكو... ما الذي ينمي عقل الجدين أكثر؟

ويصف ريان لوي، المعالج النفسي للأطفال والمتحدث الرسمي باسم جمعية المعالجين النفسيين للأطفال البشر بأنهم «عبارة عن مجموعات، ومن المفترض أن يكون لدينا مجموعات من الأشخاص تشكل عالمنا».

وقال: «الجدان هما الخيار الأفضل الواضح لتوسيع المجموعة من مجرد عائلة نووية، وهذا مفيد للأطفال، لأنه يساعدهم على تكوين نماذج عمل داخلية إضافية للسلوك البشري، وهذا بدوره يساعدهم على بناء علاقات صحية».

بالنسبة للجدين، في الوقت نفسه، فإن واحدة من أفضل الطرق لعدم التعرض للكثير من الضرر في تفكيرك المعرفي هي الاستمرار في تنمية عقلك، وفق لوي، وأضاف مازحاً: «السودوكو ينمي العقل، لكن الأحفاد مستوى آخر تماماً».

مستويات أقل من الاكتئاب والوحدة

ووجدت دراسة أجرتها جامعة إيموري عام 2021، وفق الصحيفة، أن التعاطف كان قوياً لدى الجدات اللاتي أمضين وقتاً أطول مع أحفادهن.

كما أن الجدين اللذين يقضيان وقتاً مع أحفادهما يبلغان مستويات أقل من الاكتئاب والشعور بالوحدة، وفق الدراسة.

في حين وجدت دراسة أجريت عام 2023 في مجلة الزواج والأسرة أنه حتى الجدين اللذين يقدمان الحد الأدنى من الرعاية لأحفادهما يتمتعان بأداء إدراكي أفضل من غير مقدمي الرعاية.


حلقة هائلة من ابيضاض المرجان تُهدّد 850 مليون شخص

دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)
دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)
TT

حلقة هائلة من ابيضاض المرجان تُهدّد 850 مليون شخص

دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)
دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)

يشهد العالم حالياً، للمرّة الثانية خلال 10 سنوات، حلقة هائلة من ابيضاض المرجان بسبب درجات حرارة قياسية في المحيطات، وفق ما حذّرت الوكالة الأميركية لمراقبة المحيطات والغلاف الجوي (نوا).

وتُهدّد هذه الظاهرة بقاء الشعاب المرجانية حول العالم، بما فيها الحاجز المرجاني العظيم قرب أستراليا. وهي ترتبط بارتفاع درجة حرارة المياه، ما يؤدّي إلى تغيُّر اللون، ويمكن أن يتسبّب بموت هذه الكائنات الحيّة في حال التعرُّض لفترة طويلة أو شديدة للإجهاد الحراري.

لكن عكس هذه الظاهرة قد يكون ممكناً، إذ يمكن للشعاب المرجانية المتضرّرة البقاء على قيد الحياة إذا انخفضت درجات الحرارة وتقلّصت عوامل الإجهاد الأخرى، مثل الصيد الجائر أو التلوُّث.

حلقة الابيضاض الحالية هي الرابعة التي تسجلها وكالة «نوا» منذ عام 1985. وقد لوحظت الحلقات السابقة في الأعوام 1998، و2010، و2016.

وفي هذا السياق، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن بيبي كلارك من «الصندوق العالمي للطبيعة»، وهي منظمة غير حكومية، أن «حجم ابيضاض المرجان الجماعي وشدّته دليلان واضحان على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ اليوم».

وتشير تقديرات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوّي إلى أنّ كوكبنا فقد ما بين 30 و50 في المائة من شعابه المرجانية التي قد تختفي تماماً بحلول نهاية القرن، إذا لم تحدُث تغييرات كبيرة.

الظاهرة ترتبط بارتفاع درجة حرارة المياه (رويترز)

ووصلت درجة حرارة المحيطات التي تؤدّي دوراً رئيسياً في تنظيم المناخ العالمي، إلى مستوى قياسي مُطلق جديد في مارس (آذار)، بمعدّل 21.07 درجة مئوية مقاسة على السطح، باستثناء المناطق القريبة من القطبين، وفق مرصد كوبرنيكوس الأوروبي.

وتتكوّن المستعمرات المرجانية من مخلوقات صغيرة تُسمى بوليبات، تفرز هيكلاً خارجياً من الحجر الجيري. وتقتل موجات الحرارة الحيوانات، إما ببساطة عن طريق الحرارة الزائدة أو عن طريق إخراج الطحالب التي تزوّدها المواد المغذّية من أجسامها: وهذا ما يُسمَّى ابيضاض المرجان.

وقال ديريك مانزيلو من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: «منذ فبراير (شباط) 2023 إلى أبريل (نيسان) الحالي، لوحظ ابيضاض كبير للشعاب المرجانية في نصفَي الكرة الشمالي والجنوبي لكل حوض محيطي رئيسي».

ولوحظت هذه الظواهر منذ مطلع عام 2023 في فلوريدا (جنوب الولايات المتحدة)، وفي منطقة البحر الكاريبي، والبرازيل، وحتى في شرق المحيط الهادي الاستوائي.

ابيضاض المرجان يهدّد العالم (رويترز)

كما يتأثر البحر الأحمر وجنوب المحيط الهادي بشدّة، وكذلك الحاجز المرجاني العظيم قبالة سواحل أستراليا. وأعلنت السلطات الأسترالية مطلع مارس الماضي، أنّ هذه الشعاب المرجانية، وهي الأكبر في العالم والوحيدة التي يمكن رؤيتها من الفضاء، تتعرَّض لعملية «ابيضاض هائلة».

وقالت وزيرة البيئة الأسترالية تانيا بليبيرسك آنذاك: «نعلم أنّ التهديد الأكبر للشعاب المرجانية في العالم هو تغيُّر المناخ. والحاجز المرجاني العظيم ليس استثناءً».

عواقب هذه الظواهر متعدّدة: فهي تؤثّر في الأنظمة الإيكولوجية للمحيطات، لكنها تؤثّر أيضاً في السكان البشريين، ما ينعكس على أمنهم الغذائي واقتصاداتهم المحلية، خصوصاً السياحة.

ووفق الصندوق العالمي للطبيعة، يعتمد نحو 850 مليون شخص حول العالم على الشعاب المرجانية في غذائهم ووظائفهم، وحتى لحماية السواحل. كما أنها تؤدّي دوراً مهماً في الأنظمة الإيكولوجية البحرية، إذ تؤوي أكثر من ربع الأنواع البحرية. وبالتالي، تشكّل «مثالاً مرئياً ومعاصراً لما هو على المحكّ مع كل جزء من درجة إضافية من الاحترار»، وفق كلارك.

ومع ذلك، قالت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوّي إنها حقّقت «تقدّماً كبيراً» في تطوير تقنيات مكافحة ابيضاض المرجان، تشمل «نقل مشاتل المرجان إلى مياه أعمق وأبرد»، أو تركيب منشآت توفّر الظلّ لحمايتها من أشعة الشمس في مناطق أخرى.


روبوت يمنح الصبر لأحبّة الموتى... لا حاجة إلى توديعهم «على الإطلاق»

الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)
الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)
TT

روبوت يمنح الصبر لأحبّة الموتى... لا حاجة إلى توديعهم «على الإطلاق»

الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)
الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)

روبوتات الإنترنت، أو البوتات، هي برمجيات وتطبيقات تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال الشبكة الدولية لأداء وظائف متنوّعة في مجالات البحث، والترفيه، والأعمال، والتواصل الاجتماعي، وغيرها. لكنّ شركات برمجيات كشفت مؤخراً عن نوع جديد من روبوتات الإنترنت، أطلقت عليها اسم «بوتات الأحزان».

ووفق «وكالة الأنباء الألمانية»، تعتمد فكرة هذه النوعية من التطبيقات على «خلق» نموذج افتراضي من الموتى، فيتواصل معه المستخدم، ويتحدّث إليه لتسكين الأحزان. وتعتمد هذه البرمجيات على المخزون المُتاح من رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصّية، والتسجيلات الصوتية، والتدوينات على مواقع التواصل التي تركها المتوفى؛ لمحاكاة شخصيته أمام أحبّته.

في هذا السياق، يرى الصحافي المتخصّص في الشؤون العلمية تيم رايبوث أنّ البشر اعتمدوا على الوسائل التكنولوجية المُتاحة منذ أكثر من 100 عام لتعويض فقدان أحبائهم؛ ومن النماذج الواضحة على ذلك، الصور، واللوحات التي رسمها الإنجليز في العصر الفيكتوري لموتاهم بعد وفاتهم في القرن الـ19، واحتفظوا بها للذكرى، والتغلُّب على الشعور بفقدانهم. وأكد أنّ العلم لا يزال يعمل على سبر أغوار مشاعر الحزن الإنسانية للتوصُّل إلى أفضل الوسائل للتغلُّب عليها.

ومع اتّساع نطاق الإنترنت في التسعينات، اشتقَّت أستاذة علم الاجتماع في «جامعة سيينا» بنيويورك كارلا سوفكا مصطلح «الثاناتكنولوجي» لتصف أي تقنية رقمية يمكنها المساعدة في التغلُّب على أحزان الموت، مثل إنشاء البعض موقعاً إلكترونياً، أو حساباً عبر مواقع التواصل لأحبائهم الموتى. وتشير إلى أنّ البعض يلجأ إلى إعادة قراءة رسائل البريد الإلكتروني، أو التسجيلات الصوتية التي وصلتهم منهم، كشكل من أشكال التواصل معهم، ووسيلة للتغلُّب على أحزانهم.

وتتوافر حالياً بوتات الأحزان على المستوى التجاري، إذ تتيح شركة «ساينس» للذكاء الاصطناعي تطبيقاً لمعالجة الحزن لمَن يريدون السلوان لفترات وجيزة، بينما تقدّم شركات أخرى، مثل «يو» و«أونلي فيروتوال»، بوتات تجسّد شخصية أحبائهم الذين فارقوا الحياة لفترات طويلة بحيث لا يحتاجون، وفق هذه الشركات، إلى «توديعهم على الإطلاق».

من جانبها، تعرب خبيرة التكنولوجيا والصحة العامة من «جامعة ويسكنسون ميلوكي» الأميركية لينيا لاستاديوس عن مخاوفها من أنّ بوتات الأحزان قد تحتجز الأقارب المكلومين داخل بوتقة من الحوارات المعزولة مع الموتى عبر الإنترنت، بحيث لا يستطيعون المضي قدماً في حياتهم، موضحةً أن عملها مع مثل هذه التطبيقات كشف أنّ الأشخاص يقيمون روابط عاطفية قوية مع هذه الشخصيات الافتراضية للموتى بحيث يصبحون معتمدين عليها في أغراض الدعم الانفعالي.

أما الباحثة في معهد «كيوتو للتكنولوجيا» في اليابان وان جو تشي فتشير إلى ضرورة أن تتحلّى الشركات بالمسؤولية عند تطوير هذه النوعية من البرامج.

واشتركت تشي في دراسة بحثية لتحديد مدى قدرة البوتات على مقاومة الأحزان، شملت استطلاع رأي 10 أشخاص يتعاملون مع هذه النوعية من البوتات. وذكرت أنّ غالبية المستخدمين كانوا يتواصلون مع هذه الشخصيات الافتراضية لفترة أقل من عام خلال المرحلة الانتقالية الأولى للتغلُّب على أحزانهم، ولم يكونوا راغبين في الاحتفاظ بها طوال حياتهم.

كذلك أكد المشاركون في الدراسة معرفتهم بأنهم يتحدّثون إلى روبوتات إلكترونية، وأنهم لا يبالون بذلك. وتقول تشيجو إن هذه البوتات تُسكّن الحزن، لأنها تجعل المستخدم يشعر كما لو كان يتحدّث إلى الشخص الذي فقده، واستطردت أنه في ذروة الشعور بالحزن، قد يمثل الانسياق وراء التخيلات مشكلةً بالنسبة إلى المستخدم، لذا لا بدَّ أن توضح هذه النماذج الافتراضية أنها ليست شخصاً حقيقياً.

وتتابع تشي أنّ بوتات الأحزان لا تخضع حالياً لرقابة، ومن الصعب بالنسبة إلى الشركات المنتِجة إثبات أنها تعود بفائدة حقيقية على المستخدمين، كما أن التشريعات المتراخية تسمح لمبتكريها بالزعم أنها تساعد في تحسين الصحة النفسية من دون الحاجة لتقديم دليل على ذلك. وتخلُص إلى أنه مهما كان قدر الراحة الذي تحققه هذه البرمجيات «ينبغي ألا تكون محل ثقة المستخدم بأي شكل من الأشكال».


تأهب خليجي لـ«منخفض المطير» بعد تسجيل وفيات في عُمان

توقعات باستمرار الحالة الجوية وهطول أمطار غزيرة اليوم الثلاثاء (العمانية)
توقعات باستمرار الحالة الجوية وهطول أمطار غزيرة اليوم الثلاثاء (العمانية)
TT

تأهب خليجي لـ«منخفض المطير» بعد تسجيل وفيات في عُمان

توقعات باستمرار الحالة الجوية وهطول أمطار غزيرة اليوم الثلاثاء (العمانية)
توقعات باستمرار الحالة الجوية وهطول أمطار غزيرة اليوم الثلاثاء (العمانية)

ارتفع عدد ضحايا السيول الناجمة عن المنخفض الجوي «منخفض المطير» الذي تشهده سلطنة عُمان إلى 16 وفاة، أغلبهم من تلاميذ مدرسة انجرفت مركبتهم بنيابة سمد الشأن، كما عُثر صباح أمس، على مفقودَين اثنين من بين 5 مفقودين.

وتمكنت فرق الدفاع المدني والإسعاف من إنقاذ 1200 شخص من إحدى المدارس بولاية المضيبي، بعد أن غمرت المياه مدرستهم.

ومن المتوقع أن يتحرك المنخفض الجوي نحو الشرق خلال الساعات المقبلة، حيث ستشتد السُحب الرعدية على أجزاء من الكويت وشرق السعودية وقطر والبحرين وغرب الإمارات، وسرعان ما تمتد مع مرور ساعات الليل إلى أغلب أجزاء سلطنة عُمان وبعض محافظاتها الشمالية، خصوصاً مسندم والبريمي والباطنة والظاهرة.

وبينما تتأهب دول خليجية للعاصفة، وجهت السلطات في دبي بأن يكون العمل عن بُعد اليوم (الثلاثاء)، لموظفي الحكومة وجميع المدارس الخاصة في الإمارة.


السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في موقع تصوير الفيلم الأميركي «راست»

هانا غوتيريز ريد تمسح دمعة خلال جلسة النطق في الحكم (أ.ب)
هانا غوتيريز ريد تمسح دمعة خلال جلسة النطق في الحكم (أ.ب)
TT

السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في موقع تصوير الفيلم الأميركي «راست»

هانا غوتيريز ريد تمسح دمعة خلال جلسة النطق في الحكم (أ.ب)
هانا غوتيريز ريد تمسح دمعة خلال جلسة النطق في الحكم (أ.ب)

حكم القضاء الأميركي، الإثنين، بالسجن 18 شهراً مع النفاذ على المشرفة على استخدام الأسلحة في فيلم الويسترن «راست» الذي يُنتجه النجم الهوليوودي أليك بالدوين وقُتلت مديرة تصويره بطلق ناري خلال التقاط أحد مشاهده.

وكانت محكمة في ولاية نيو مكسيكو دانت مطلع مارس (ىذار) الفائت المشرفة على استخدام الأسلحة في الفيلم هانا غوتيريز ريد بتهمة القتل غير العمد.

وتبيّن أن هانا غوتيريز ريد تولت وضعَ الرصاصات في المسدس الذي كان يستخدمه أليك بالدوين خلال تصوير أحد المشاهد في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 في مزرعة بهذه المنطقة في جنوب غرب الولايات المتحدة، وكان يُفترض أنه يحوي رصاصاً خلبياً، غير أن طلقة حية انطلقت من السلاح تسببت بمقتل المصورة هالينا هاتشينز (42 عاماً) وإصابة المخرج جويل سوزا.

وفرضت المحكمة العقوبة القصوى التي طالبت بها النيابة العامة. ولم تبد هانا غوتيريز ريد «أي مسؤولية أو ندم» خلال المحاكمة، وفق ما قالت المدعية العامة كاري موريسي الاثنين.

وأشارت النيابة العامة إلى أن غوتيريز ريد وصفت أعضاء هيئة المحلفين بأنهم «أغبياء» و«متخلفون»، في اتصالات أجرتها من السجن منذ حكم الإدانة الصادر في حقها في مارس.

وقالت المشرفة على الأسلحة باكية «هيئة المحلفين اعتبرت أنني مسؤولة جزئياً عن هذه المأساة المريعة، لكن ذلك لا يجعل مني وحشاً»، مبدية تعاطفها مع عائلة الضحية.

كذلك يواجه أليك بالدوين، وهو نجم الفيلم وأحد منتجيه، تهمة القتل غير العمد، وتالياً عقوبة مماثلة بالسجن 18 شهراً، إلاّ أن محاكمة منفصلة له يُفترض أن تنطلق في يوليو (تموز).

هانا غوتيريز ريد في المحكمة (أ.ب)

وخلال محاكمة هانا غوتيريز ريد، انتقدت المدعية العامة كاري موريسي قلة احتراف المشرفة على الأسلحة وخبرتها، واعتبرت أن إهمالها أدى إلى «إخفاقات متواصلة تتعلق بالسلامة» في موقع التصوير.

وأشارت المدعية العامة إلى أنّ هانا غوتيريز ريد «كانت طوال الوقت تترك الأسلحة من دون مراقبة»، ولم تكن تتأكد من أن الذخيرة غير خطرة، مخالِفَة بذلك «كل المعايير التي تنظّم عمل مسؤولي الأسلحة في مواقع التصوير».

وأضافت «إذا لم تتحقق من أن الذخيرة ليست حية (...) فإن كل مرة يحمل فيها ممثل سلاحا تكون بمثابة لعبة روليت روسية».

واعتبر وكلاء الدفاع عن غوتيريز ريد أنها كانت بمثابة كبش فداء لفريق إنتاج أهمل مسألة السلامة لأسباب مالية.

ولم يكن لدى الشابة أي وسيلة لمعرفة أن ذخائر حية قد أُدخلت إلى موقع التصوير، واعتقدت أن فريق الإنتاج لم يُحضر سوى رصاص فارغ، بحسب محاميها جيسون بولز.

كذلك كانت مكلفة مهمة المساعدة في تحضير الأكسسوارات المستخدمة في التصوير، ما منعها من التركيز بشكل كامل على دورها كمشرفة على استخدام الأسلحة.

وسبب هذا الحادث النادر صدمة في هوليوود وصدرت على إثره دعوات إلى حظر الأسلحة النارية في مواقع التصوير.

واستؤنف تصوير «راست» رسمياً في مارس في ولاية مونتانا، مع تولّي أرمل هالينا هاتشينز، ماثيو، مهمة المنتج التنفيذي.

الممثل الأميركي أليك بالدوين خلال تصوير فيلم «راست» (أ.ف.ب)

وفي نهاية عام 2022، تخلى ماثيو عن الدعاوى المدنية التي أقامها على بالدوين إثر اتفاق لم تُكشف قيمته.

ويحاول محامو أليك بالدوين في الوقت الراهن الدفع لإلغاء محاكمته الجنائية، من خلال إثارتهم دفوعاً ببطلانها.

إلا أن النيابة العامة دعت الأسبوع الفائت إلى الإبقاء عليها، في رد تفصيلي تضمّن اتهامات شديدة للممثل البالغ 66 عاماً.

وأشار ممثلو الادعاء إلى أن الممثل كان يصرخ بانتظام على الجميع ويريد إنهاء الفيلم بأسرع وقت. وأضافوا أن «ضغط بالدوين على الطاقم في موقع التصوير أدى إلى تعريض الأمن للخطر بشكل منتظم»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.


مصر لإعادة إحياء «مسار آل البيت» في القاهرة التاريخية

تطوير مسجد السيدة نفيسة (الهيئة الوطنية للإعلام)
تطوير مسجد السيدة نفيسة (الهيئة الوطنية للإعلام)
TT

مصر لإعادة إحياء «مسار آل البيت» في القاهرة التاريخية

تطوير مسجد السيدة نفيسة (الهيئة الوطنية للإعلام)
تطوير مسجد السيدة نفيسة (الهيئة الوطنية للإعلام)

تسعى مصر لإعادة إحياء «مسار آل البيت» في القاهرة التاريخية، الذي يربط بين مساجد وأضرحة شهيرة بالعاصمة المصرية.

وقد وجّه مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، بتشكيل لجنة عليا لإحياء هذا المسار وربط المناطق الواقعة به، والعمل على إعادة تأهيلها بإتاحة ساحات حولها، وإنشاء حدائق ومتنزهات والحفاظ عليها من الزحف العشوائي، حسب بيان نشره مجلس الوزراء، الاثنين.

فخلال لقائه مع أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، طرح رئيس الوزراء ملف إحياء «مسار آل البيت» وتطوير منطقة جنوب القاهرة التاريخية لدعم حركة السياحة، والمساهمة في إحياء المناطق التراثية، وأشار إلى أهمية الحفاظ على تلك المنطقة، نظراً لما تتفرد به من مبانٍ أثرية وتراثية.

من جانبه، قال الدكتور مختار الكسباني المتخصص في الآثار الإسلامية في جامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن «مشروع تطوير (مسار آل البيت) يدخل الآن المرحلة التنفيذية». موضحاً أن «مصر تتمتّع بمجموعة من المنشآت التي تُنسب لـ(آل البيت)، وتُعدّ من أهم المزارات السياحية التي يفد إليها كثيرون، خصوصاً من جنوب شرقي آسيا». وتابع: «على ما يبدو أن الجهات الرسمية في الدولة بدأت تنتبه إلى هذه الأعداد الكبيرة التي تأتي قاصدة مزارات آل البيت، وأن هذه المقاصد لا بدّ أن تتضمن أماكن للإقامة وتوفير سُبل الراحة للزائرين، وهو ما تعمل عليه الدولة حالياً».

وبينما أكد رئيس الوزراء على أهمية هذه المزارات بما تمثله من وجه حضاري وعمق تاريخي، وضرورة تطويرها وإحاطتها بالساحات والحدائق والمتنزهات، أشار الكسباني إلى «وجود عدد كبير من المنشآت التي طوّرتها الدولة بالفعل مثل ضريح الإمام الشافعي، ومقام الحسين، ومسجد السيدة زينب، رغم أنه ليس مدفن السيدة زينب ولكنه كان بيتها».

مسجد السيدة نفيسة بعد تطويره وتنمية المنطقة المحيطة به (صفحة الجمهورية الجديدة على فيسبوك)

وذكر أستاذ الآثار الإسلامية أن «بعض الجهات الدّولية تُساهم في هذا التطوير مثل البَهرة الذين طرحوا مبالغ لتطوير مسجد السيدة نفيسة».

ورأى الكسباني أن «الاهتمام بالمنشآت الدينية المرتبطة بالعقائد له أهمية كبرى لدى الدولة، ومثل مسار آل البيت كان هناك أيضاً مسار العائلة المقدسة الذي أعادت مصر إحياءه، وهناك أيضاً جبل التجلي ودير سانت كاترين وغيرهما من الأماكن السياحية التي تُطوّر». منوهاً إلى أن «حضور آل البيت إلى مصر له دلالة خاصة، والدليل على ذلك دعوة السيدة زينب لأهل مصر، حسبما ذكرت مصادر تاريخية متعددة (آويتمونا آواكم الله... أكرمتمونا أكرمكم الله)، فكل هذه العبارات تشير إلى قيمة أهل البيت وحبهم لأهل مصر».

رئيس الوزراء المصري مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي (صفحة مجلس الوزراء على «فيسبوك»)

وأشار أستاذ الآثار الإسلامية إلى أن «الفترة المقبلة ستشهد طفرة في تطوير مزارات وأضرحة آل البيت لتكون مقاصد سياحية مميزة».

وكانت وزارة الأوقاف المصرية أعلنت عن تجديد وتطوير عدد من المساجد المرتبطة بـ«آل البيت» خلال افتتاح مسجد السيدة زينب نهاية مارس (آذار) الماضي، وقال وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة إن «إجمالي المساجد التي أُنشئت أو جُدّدت وطُوّرت بلغ أخيراً 11 ألفاً و887 مسجداً، وأنّ التكلفة الإجمالية لهذه الأعمال وصلت إلى نحو 18 مليار جنيه مصري».

وقبل ذلك أعلنت الوزارة عن افتتاح مسجد الإمام الحسين، رضي الله عنه، ومسجد السيدة نفيسة، رضي الله عنها، ومسجد السيدة فاطمة النبوية، رضي الله عنها، ومسجد السيدة رقية، رضي الله عنها.