حرائق ودمار في الحويجة بعد تحريرها

قائد عسكري: مقتل 385 من عناصر «داعش» في إطار العملية

حريق في حقل نفطي قرب الحويجة أشعله مسلحو «داعش» الهاربون أمام القوات العراقية (أ.ف.ب)
حريق في حقل نفطي قرب الحويجة أشعله مسلحو «داعش» الهاربون أمام القوات العراقية (أ.ف.ب)
TT

حرائق ودمار في الحويجة بعد تحريرها

حريق في حقل نفطي قرب الحويجة أشعله مسلحو «داعش» الهاربون أمام القوات العراقية (أ.ف.ب)
حريق في حقل نفطي قرب الحويجة أشعله مسلحو «داعش» الهاربون أمام القوات العراقية (أ.ف.ب)

صرح قائد عسكري عراقي كبير أمس بمقتل 385 من عناصر تنظيم داعش في إطار عملية الحويجة جنوب غربي مدينة كركوك (250 كلم شمالي بغداد). وقال الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله قائد عمليات تحرير الحويجة، في بيان صحافي اليوم، إن العمليات «أسفرت عن تحرير 150 قرية ومنطقة وقتل 385 إرهابيا، وبضمنهم خمسة قناصين، وإلقاء القبض على ستة إرهابيين، وتفجير وتفكيك 95 عجلة مفخخة، وتفكيك وتفجير 422 عبوة ناسفة وتدمير 20 مضافة للإرهابيين وتفكيك خمسة أحزمة ناسفة».
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن القائد العسكري أنه «تم تدمير خمسة معامل لتصنيع العبوات الناسفة والعجلات المفخخة وتدمير 34 عجلة مختلفة والعثور على عدد من الأسلحة والأعتدة وتدمير 25 موضعاً دفاعياً، وتدمير 10 مخازن للأعتدة والأسلحة وتدمير 15 وكراً مفخخاً وتدمير 10 أنفاق وإجلاء 240 نازحاً وتدمير خمسة مراكز للاتصالات».
ونجحت القوات العراقية خلال الأسبوعين الماضيين في تحرير ثلاث نواحٍ من أصل أربع تابعة إداريا لقضاء الحويجة، وهي الرشاد والزاب والعباسي، وتضم عشرات القرى، ولم يتبق سوى ناحية الرياض ليعلن رسميا استكمال جميع مناطق قضاء الحويجة من سيطرة «داعش». وكان الفريق رائد شاكر جودت قائد الشرطة الاتحادية في العراق أعلن الخميس تحرير قائمقامية قضاء الحويجة من سيطرة «داعش».
ولا تزال آثار حكم تنظيم داعش ماثلة للعيان في الحويجة، فعلى مدخلها لوحة كبيرة تدعو إلى «الجهاد في سبيل الله» تقابلها أخرى تتوعد المدخنين. هنا أيضاً، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، لجأ عناصر التنظيم إلى «سياسة الأرض المحروقة» عندما أدركوا أنهم موشكون على الهزيمة قبل مقتلهم أو فرارهم أمام تقدم القوات العراقية في محافظة كركوك الشمالية الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين بغداد وأربيل فأضرموا قبل فرارهم النار بآبار النفط المحيطة بالحويجة مخلفين أعمدة من الدخان الأسود الكثيف.
«لقد سببوا خسائر تقدر بملايين الدولارات»، وفق ما يقول سكان المنطقة ومقاتلون من فصائل الحشد الشعبي التي شكلت في عام 2014 لمواجهة تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث البلاد في هجوم خاطف. وتحولت مجموعة الأكشاك في السوق المركزية إلى كومة من الأنقاض جراء انفجار سيارة مفخخة، فيما رفعت قوات الحشد الشعبي راية حسينية محل راية التنظيم المتطرف السوداء. وأحرقت كذلك الحقول الزراعية في المنطقة التي اشتهرت بإنتاجها الوفير والنوعي من الحبوب والبطيخ.
ومنذ استعادة القوات العراقية المدينة التي كانت تعد نحو 70 ألفاً من العرب السنة الخميس، بات السكان غير مرئيين. وعلى الطرق المؤدية إلى وسط الحويجة، آخر مدينة عراقية تحت سيطرة المتطرفين، شوهد قرويون يلوحون للسيارات والقوافل العسكرية العابرة طلباً للطعام. وقالت أم عماد، وهي تذرف الدموع وترفع يدها لكل مركبة عابرة: «لقد مرت أربعة أعوام منذ أن رأينا شاياً أو ملعقة سكر». وأضافت: «أطفالنا يموتون من الجوع ويسيرون حفاة (...) عائلات (داعش) وحدهم كانوا يزدادون وزناً لأنهم فرضوا علينا إعطاءهم أكثر من ربع محصولنا».
وتتكرر مشاهد الخراب داخل المدينة، حيث دمر مقر المجلس المحلي بشكل كامل، وأشعل حريقاً في المستشفى الواقع قبالته وبات خارج الخدمة ولا يجرؤ أحد على دخوله خشية تفخيخه. وقال محمد خليل، الناطق باسم الحشد الشعبي الذي سيطر على مستشفى الحويجة: «عندما سيطر الدواعش على المدينة استخدموا المستشفى، لكن عندما اقتربت القوات العراقية أرادوا حرق كل شي حتى لا يستفيد أحد من البنى التحتية والمرافق العامة».
وفي داخل غرف المشفى، تناثر الزجاج وأنابيب فحص عينات الدم على الأرض، فيما تبعثرت في غرف الممرضات الوصفات الطبية والنشرات وغيرها من الأوراق الإدارية التي تتضمن معلومات عن الحياة تحت سيطرة التنظيم المتطرف. وعلى ورقة تحمل ترويسة «الدولة الإسلامية، ولاية كركوك»، يطلب قادة التنظيم من الموظفين توفير العلاج بأسرع وقت «للأخ عادل، الجندي في القوات الخاصة». وقال مقاتل من الحشد الشعبي ساخرا: «هم أيضا كانوا يتعاملون بالواسطة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.