بعد 20 عاماً... واشنطن ترفع العقوبات الاقتصادية عن السودان

جهود سعودية مع الإدارة الأميركية قادت إلى الخطوة... الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط»: يبقى الكثير من العمل أمام الخرطوم

الرئيس عمر البشير خلال زيارة لإقليم دارفور الشهر الماضي (رويترز)
الرئيس عمر البشير خلال زيارة لإقليم دارفور الشهر الماضي (رويترز)
TT

بعد 20 عاماً... واشنطن ترفع العقوبات الاقتصادية عن السودان

الرئيس عمر البشير خلال زيارة لإقليم دارفور الشهر الماضي (رويترز)
الرئيس عمر البشير خلال زيارة لإقليم دارفور الشهر الماضي (رويترز)

أعلنت واشنطن، أمس، عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 20 عاماً، مشيرة إلى قيام الحكومة السودانية بمعالجة المخاوف المتعلقة بمكافحة الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين، وبصفة خاصة في إقليم دارفور. ووجدت الخطوة التي جاءت بعد جهود سعودية مكثفة لدى الإدارة الأميركية، ترحيباً كبيراً من المسؤولين السودانيين وفي الأوساط الشعبية أيضاً.
وقال مسؤولون بالخارجية الأميركية في مؤتمر صحافي، أمس، إن السودان واصل تحقيق تقدم في مجالات عدة منها مكافحة الإرهاب وتحسين حقوق الإنسان وتعزيز وقف إطلاق النار في مناطق النزاع. وجاء في بيان صادر عن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيثر ناورت حصلت عليه «الشرق الأوسط» أمس، أن حكومة الولايات المتحدة قررت إلغاء العقوبات الاقتصادية على السودان المفروضة منذ عام 1997، المتعلقة بالقرارين التنفيذيين (1307 و13412)، وذلك اعترافاً منها بالإجراءات التي اتخذتها حكومة السودان للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع، وتحسين المساعدات الإنسانية والسماح بوصولها إلى جميع المناطق في البلاد، والمحافظة على التعاون مع الولايات المتحدة في معالجات الصراعات الإقليمية ومهددات الإرهاب. وقالت الخارجية الأميركية إن قرارها سيدخل حيز التنفيذ ابتداءً من 12 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وأوضح البيان أن وزير الخارجية قدم تقريراً للرئيس ترمب بشأن الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان، في أثناء فترة الإبلاغ المقررة خلال الأشهر التسعة السابقة. وذكر أن حكومة السودان خلال الأشهر التسعة الماضية أبدت جدية في التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، واتخذت خطوات مهمة لوقف الصراع وتحسين وصول المساعدات الإنسانية وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وأوضحت الخارجية أن القرار يُلزم الخرطوم بإحراز المزيد من التقدم لتحقيق السلام بصورة كاملة، والتعاون مع أولويات الإدارة الأميركية، بما في ذلك زيادة توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية، وتحسين ممارسات حقوق الإنسان والحريات.
ومن المقرر أن تقوم إدارة الرئيس دونالد ترمب بإبلاغ الكونغرس بالقرار لاتخاذ الخطوات التنفيذية اللازمة لرفع العقوبات والتمهيد لتعليق الحصار التجاري والاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة وإلغاء التجميد السابق على الأصول وإزالة القيود المالية التي عرقلت الاقتصاد السوداني.
ويأتي القرار استكمالاً لعملية بدأت في نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما، وعارضتها جماعات حقوقية، ثم قام بإكمال الخطوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وتسببت الإجراءات العقابية الأميركية، في فصل السودان عن معظم النظام المالي العالمي.
وجاءت هذه الخطوة بعد جهود وضغوط سعودية على الإدارة الأميركية. وكان وزير الدولة بالرئاسة السودانية السابق الفريق طه عثمان الحسين، قد أكد لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة العربية السعودية لعبت دوراً رئيسياً في رفع العقوبات عن السودان، ومارست ضغوطاً متواصلة على الإدارة الأميركية، من أجل تحقيق هذا الهدف.
وأوضح الحسين أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وجّه الأمير محمد بن سلمان (ولي ولي العهد وقتها) ببذل المزيد من الجهود من أجل الرفع الكلي للعقوبات عن السودان، مضيفاً أن الدور السعودي المتعاظم في رفع العقوبات عن السودان كان وراء الانفراجة التي تحققت «ولولاه لما تحقق ما تحقق».
ويأتي قرار الإدارة الأميركية برفع العقوبات وإنهاء الحصار الاقتصادي الأميركية المفروض على السودان بعد قرار للرئيس ترمب الشهر الماضي بإزالة السودان من قائمة الدول التي يخضع مواطنوها لقيود على السفر إلى الولايات المتحدة. وأوضحت الخارجية أن القرار يلزم الخرطوم بإحراز المزيد من التقدم لتحقيق السلام بصورة كاملة، ودائمة، والتعاون مع أولويات الإدارة الأميركية، بما في ذلك زيادة توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية، وتحسين ممارسات حقوق الإنسان والحريات، وضمان التزامها الكامل بقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن كوريا الشمالية. وقد أشار مسؤولون أميركيون في يوليو (تموز) الماضي إلى قلقهم حول العلاقات السودانية مع كوريا الشمالية وقد ردت الخرطوم بتأكيدات على قطع العلاقات مع كوريا الشمالية والالتزام الكامل بالجزاءات والعقوبات التي فرضها المجتمع الدولي ومجلس الأمن على بيونغ يانغ بشأن برامجها الصاروخية النووية.
واجري جون سوليفان نائب وزير الخارجية الأميركي عدة لقاءات مع مسؤولين سودانيين وتناقشوا في كل من واشنطن ونيويورك حول قطع السودان للعلاقات مع كوريا الشمالية والمعلومات حول حسابات مصرفية كانت تحتفظ بها جهات من كوريا الشمالية في المصارف السودانية. وقدم الجانب الأميركي معلومات عن الحسابات والأسماء والمبالغ. وأشارت مصادر أميركية أن الجانب السوداني أبدى تعاونا واضحا في قطع العلاقات مع كوريا الشمالية.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إن إدارة ترمب ستواصل دفع السودان إلى تحقيق مزيد من التقدم بما في ذلك تمهيد الطريق أمام مليونين من النازحين الذين فروا من القتال في دارفور قبل أكثر من عشر سنوات بالعودة إلى ديارهم بسلام. وتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نَعتبر خطوة رفع العقوبات خطوة مهمة للغاية، على طريق لا يزال يتطلب منا وقتاً طويلاً بهدف أن يصل السودان إلى ما نريد ونطمح أن يصل إليه، وهي خطوة مثمرة، لكن هذا لا يعني أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به».
وفُرضت العقوبات الأميركية على السودان بقرارات تنفيذية وقوانين وتشريعات سنها الكونغرس الأميركي، إضافة إلى إدارجه ضمن قائمتي الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993، والدول المتقاعسة في محاربة الاتجار بالبشر، التي أضيف إليها الشهر الماضي.
ولا يتضمن القرار الجديد العقوبات المفروضة على السودان فيما يتعلق بوجوده في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
أما العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية الشاملة فقد فُرضت على السودان منذ عام 1997، وأبعدته تقريباً من النظام المالي العالمي، وتقول حكومته إن تجربة الحصار ألحقت بالاقتصاد السوداني خسائر قاربت 50 مليار دولار.
وسيؤدي رفع العقوبات إلى تعليق الحصار التجاري والاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة منذ ما يقرب من عقدين ضد الدولة الأفريقية، وإلغاء التجميد السابق للأصول، وإزالة القيود المالية التي عرقلت الاقتصاد السوداني، كما سيزيل القرار أي عراقيل وقيود مفروضة على المعاملات التجارية والمالية، وسيسمح بالعمل مع صناعات النفط والغاز في السودان مثل خطوط الأنابيب وخدمات حقوق النفط، لكن القرار برفع العقوبات يترك عقوبات أخرى مفروضة على الأفراد الذين صدرت بحقهم أوامر اعتقال تتعلق بارتكاب جرائم خلال النزاع في دارفور، كما سيتم الإبقاء على السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو الأمر الذي تجري بشأنه المناقشات بين المسؤولين الأميركيين والسودانيين في الوقت الحاضر. ويضع القرار تقويماً أميركياً بأن السودان حقق بالفعل تقدماً في تلبية المطالب الأميركية، ويعد تحولاً استراتيجياً في سياسات الإدارات الأميركية السابقة تجاه السودان منذ فرض العقوبات عام 1997.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.