الأجهزة الأمنية توقف الداعية عمر بكري

اختفى قبل شهرين مع تطبيق خطة طرابلس الأمنية لتورطه بدعم مقاتلي التبانة

عمر بكري
عمر بكري
TT

الأجهزة الأمنية توقف الداعية عمر بكري

عمر بكري
عمر بكري

أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية أمس الداعية الإسلامي عمر بكري فستق، المتواري عن الأنظار منذ نحو شهرين، لعلاقته بجولات الاقتتال التي شهدتها مدينة طرابلس، شمال لبنان. وجاء توقيف بكري، بعد أسبوع على توزيعه بيانا صحافيا، حمل عنوان: «أنا هارب من الظلم لا من العدالة»، وتأكيده لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام أنه «ملاحق أمنيا من قبل الجهات القضائية اللبنانية»، واصفا نفسه بـ«الداعية المظلوم المتواري عن الأنظار في لبنان».
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية في لبنان، بأن «قوة من القوة الضاربة في فرع المعلومات المركزية في بيروت، تمكنت فجر أمس من إلقاء القبض على المطلوب بمذكرة المدعو الشيخ عمر بكري فستق من منزله في شارع البساتين - عاليه، في شقة يملكها حمد أبو لطيف، وهو مطلوب من الجيش وقوى الأمن الداخلي».
وكان بكري توارى عن الأنظار بعد إقرار الحكومة اللبنانية خطة أمنية نهاية شهر مارس (آذار) الماضي في مدينة طرابلس، شمال لبنان، إثر 20 جولة قتال شهدتها منذ عام 2008 وأودت بحياة المئات من القتلى والجرحى. وبدأ تطبيق الخطة الأمنية مطلع أبريل (نيسان) الماضي، بحملة مداهمات واسعة نفذها الجيش والأجهزة المعنية، ما أدى إلى إلقاء القبض على عدد من المتورطين بجولات الاقتتال والمشاركين فيها وفرار آخرين، بينهم زعيم جبل محسن النائب العلوي السابق علي عيد وابنه رفعت إضافة إلى بكري إلى جهات مجهولة.
وورد اسم بكري على لائحة أبرز المطلوبين للأجهزة الأمنية والمتورطين بأحداث طرابلس. وكان معروفا بدعمه لمقاتلي منطقة باب التبانة ذات الغالبية السنية وأفلت من قبضة القوى الأمنية مع بدء تنفيذ الخطة قبل شهرين، منكرا أي علاقة له بجولات القتال في طرابلس.
وفي حوار نشرته «الشرق الأوسط» قبل 3 أيام، قال بكري: «أنا متوار عن الأنظار هربا من ظلم الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية اللبنانية المنقسمة بحسب التيارات السياسية اللبنانية المتناحرة والمتنافسة على السلطة في البلاد»، في معرض تعليقه على جلسة محاكمة غيابيا، عقدتها المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيار خليل إبراهيم. وكشف بكري أنه كان يقضي أيامه الأخيرة في «خلوة داخل غرفة مفروشة في شقة صغيرة شبه فارغة في عمارة، أتفرغ فيها طوال الوقت للصلاة والعبادة وقراءة القرآن، ومطالعة الكتب ومتابعة الأخبار، متصفحا شبكة الإنترنت وغرف التواصل الاجتماعي». وأضاف: «إذا ما حان وقت الغروب أنزوي إلى مكان صغير لا نافذة له، كي أضيء لمبة تساعدني على القراءة في الليل، من دون أن ينتبه الجيران، كونهم لا يعرفون عن وجود سكان في الشقة المجاورة». وأوضح: «أنا لا أتنقل أبدا من مكاني المتواري فيه إلى أي مكان آخر أبدا، خشية أن يتعرف علي الناس، لأن وجهي من النوع المألوف والمعروف عند أكثر الناس بسبب مقابلاتي الإعلامية الدائمة».
وأطل بكري مرارا على وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والعالمية بوصفه «خبيرا في الحركات الجهادية» ومطلعا على «أدبيات الحركات الجهادية حول العالم». وكان بكري انتقل إلى لبنان بعد ترحيله أواخر عام 2005 من بريطانيا، حيث كان له تلاميذ وأتباع ومريدون بالمئات، كما كان المرشد الروحي لحركتي «المهاجرون» و«الغرباء»، قبل أن تحلا نفسيهما عقب تفجيرات السابع من يوليو (تموز) 2005 في لندن.
وتحول بكري إلى خصم لحزب الله في لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل، على خلفية انتقادات وجهها إلى الحزب وأمينه العام السيد حسن نصر الله لموقفهما الداعم للنظام السوري، فيما أعرب بكري مرارا عن تأييده ودعمه للمعارضة السورية. وكان حزب الله أوكل النائب في صفوفه نوار الساحلي عام 2010، للدفاع عن بكري الذي أوقف في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، وخرج في 23 من الشهر ذاته مقابل كفالة مالية بقيمة 3300 دولار أميركي.
وكانت الأجهزة الأمنية أوقفت حينها بكري إنفاذا لحكم غيابي صدر بحقه «بتهمة الانتماء إلى تنظيم مسلّح، والتدريب على السلاح، والحض على القتل والقيام بأعمال إرهابية، والحض على النزاع، واقتناء وحيازة مواد متفجرة وأسلحة، وإيواء مطلوبين للعدالة بهدف إقامة الإمارة الإسلامية في لبنان بدءا من مدينة طرابلس، من ضمن مجموعة مؤلفة من 54 شخصا كانت تحاكم في هذه القضية».
وبعد شيوع خبر توقيفه أمس، دعا عدد من تلاميذ بكري في لندن إلى اعتصام أمام مقر السفارة اللبنانية احتجاجا على توقيفه، وطالبوا في بيان السلطات اللبنانية بإطلاق سراحه فورا، معتبرين أن محكمة شرعية وحدها مخولة بمحاكمته.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.