ترمب يعتبر نتنياهو عقبة أمام عملية السلام لكنه واثق من انخراطه فيها

ليبرمان يرى أن التسوية مع الفلسطينيين ممكنة فقط في إطار سلام إقليمي

TT

ترمب يعتبر نتنياهو عقبة أمام عملية السلام لكنه واثق من انخراطه فيها

كشفت سبعة مصادر غربية وإسرائيلية، مطلعة على فحوى المحادثات التي أجراها الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على هامش أعمال الجمعية العامة، قبل أسبوعين، أن ترمب قال للأمين العام إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هو العقبة أمام التقدم السريع في التوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط، إذ «يصعب إقناعه في كل ما يتعلق بجهود التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني».
وقال دبلوماسي غربي إن «ترمب أوضح بأن الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني، محمود عباس، إشكاليان، لكن السياق العام لكلامه دل على أنه يرى أن نتنياهو إشكاليا أكبر».
وتستند هذه الرواية إلى سبعة مصادر، هي ستة دبلوماسيين غربيين ومسؤول إسرائيلي، جرى التكتم على هوياتهم بسبب الحساسية السياسية. وهؤلاء قالوا إن اللقاء بين الرئيس الأميركي والأمين العام للأمم المتحدة، الذي عقد في 19 سبتمبر (أيلول) الماضي في مقر الأمم المتحدة، في نيويورك، واستغرق ربع ساعة، تناول في نصفه، على الأقل، الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني. وخلال اللقاء الذي جرى في اليوم التالي للقاء ترمب بنتنياهو، طرح الرئيس الأميركي انطباعاته من محادثته مع نتنياهو، وموقفه من عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وقال الدبلوماسيون الغربيون إن ترمب كرر خلال اللقاء، إصراره على دفع اتفاق سلام تاريخي. وحسب الدبلوماسيين، فقد قال ترمب لغوتيريش، إنه نجح على مر السنين في صفقات كثيرة وصعبة، لكنه سمع دائما بأن أصعب صفقة هي تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وقال دبلوماسي غربي، إن «ترمب أكد رغبته في محاولة النجاح في هذا التحدي». وخلال اللقاء قال ترمب إنه صحيح بأن «الرئيس الفلسطيني مسن جدا ويعاني من مصاعب سياسية داخلية، لكنه يحتاج إلى ميراث يتركه خلفه. أما نتنياهو فيوجد في وضع يفهم فيه بأنه لن يجد رئيسا أميركيا مؤيدا أكثر من الرئيس الأميركي الحالي، ويظهر تفهما أكبر لاحتياجات إسرائيل الأمنية، ولذلك توجد فرصة بأن يوافق على تدابير رفضها في السابق».
وقال ترمب إنه عندما تسلم منصبه، اعتقد أن فرص تحقيق الصفقة متدنية، ولكن في ضوء المعطيات التي ذكرها بشأن نتنياهو وعباس، فإنه يعتقد أن الفرصة قائمة لتحقيق الصفقة. وحسب الدبلوماسيين الغربيين، فقد شجع غوتيريش الرئيس ترمب على مواصلة السعي إلى دفع مبادرة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وأكد أمامه أنه يعتقد بأن هناك فرصة لتحقيق اتفاق تاريخي. وقال الأمين العام لترمب إن زعيمي المعارضة في إسرائيل، يتسحاق هرتسوغ وتسيبي ليفني، قالا له، خلال زيارته إلى إسرائيل، في أغسطس (آب) الماضي، إنهما سيدعمان نتنياهو في حال دفع خطوة سياسية حقيقية.
وقال مسؤول رفيع في البيت الأبيض، معقبا على هذه التفاصيل، إن «اللقاء بين ترمب وغوتيريش كان قصيرا لكنه ناجع، وركز على الإصلاحات في الأمم المتحدة، والعمل الممتاز للسفيرة الأميركية فيها. وحسب المصدر، فقد جرى بعد ذلك، الحديث عن محادثات السلام المتواصلة، وقال الرئيس إنه يشعر بأن الطرفين يريدان التوصل إلى السلام، وإنه متفائل بشأن إمكانية تحقيق صفقة. نحن نركز على المحادثات الناجعة وليس على الضجيج الخلفي».
ومن جهة ثانية، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أمس، إنه لا يعرف خطة أو مبادرة أميركية لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، على الرغم من أن متحدثين أميركيين، وكذلك نتنياهو، ألمحوا مؤخرا، إلى أن ترمب يعتزم طرح مبادرة كهذه. وأضاف ليبرمان: «ينبغي أن نكون واضحين، والحد الأقصى الذي بالإمكان التوصل إليه، هو اتفاق مرحلي طويل الأمد». وأضاف أنه «بالنسبة لي، التسوية مع الفلسطينيين ممكنة فقط، من خلال تسوية إقليمية شاملة. وسأعارض بشدة اتفاقا ثنائيا بيننا وبين الفلسطينيين، فهذا لن ينجح، ولا أمل له، والقضية ليست قضية تسوية مع الفلسطينيين وإنما مع العالم العربي. وهذا يشمل ثلاثة مركبات: الدول العربية، عرب إسرائيل والفلسطينيين. وفقط بصفقة رزمة كهذه بالإمكان الحديث عن تسوية دائمة».
وادعى ليبرمان أن إسرائيل لا تريد صداما مع الفلسطينيين، وأن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، «يحاول أن يدهور العلاقات بيننا وبين قطاع غزة وجرنا إلى مواجهة هناك».
وتطرق ليبرمان إلى المصالحة الفلسطينية قائلا، إنه «الآن، وتحت ضغط مصري، قرروا إجراء عملية المصالحة، وكانت هناك خطوات كهذه من قبل. سنرى ما سيحدث هذه المرة. وأنا أنظر إلى الحقائق دائما، وهذه ليست المحاولة الأولى، وجميع المحاولات السابقة لم تنجح. لذلك أنصح بأن نضبط النفس قليلا، فنحن غير ملزمين بالتعقيب على كل شيء، ودعونا نسمح لهذه العملية بأن تتدحرج».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.