تونس تنضم إلى برنامج «أوروبا المبدعة» حتى عام 2020

الاتحاد الأوروبي يخصص مليار يورو لتنفيذ البرنامج

إحدى صور الدعاية للبرنامج الأوروبي
إحدى صور الدعاية للبرنامج الأوروبي
TT

تونس تنضم إلى برنامج «أوروبا المبدعة» حتى عام 2020

إحدى صور الدعاية للبرنامج الأوروبي
إحدى صور الدعاية للبرنامج الأوروبي

أعلن الاتحاد الأوروبي عن تأسيس «مكتب تونس لأوروبا المبدعة» بهدف دعم قطاع الثقافة في تونس، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 2018 و2020.
وتتمتع تونس، تبعاً لذلك، بالإمكانات والامتيازات والمنح والبرامج نفسها التي تستفيد منها البلدان الأوروبية من حيث دعم المؤسسات والفضاءات الثقافية العمومية والخاصة بالإضافة إلى مختلف البرامج الثقافية. ورصد الاتحاد الأوروبي مبلغ 1,46 مليار يورو لبرنامج «أوروبا المبدعة» خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2020، وستحصل البرامج الثقافية التونسية على نصيب من هذه الاعتمادات المالية.
وفي هذا الشأن قال بلال العبودي المنسق التونسي لهذا البرنامج، إن اتفاقية انضمام تونس إلى برنامج «أوروبا المبدعة»، ستمكّن الفاعلين الثقافيين التونسيين، خصوصاً الجمعيات، من تدعيم قدرات القطاعات الثقافية ومختلف الأنشطة الإبداعية في المجال الثقافي والتنقل بين الدول، وتعزيز التعاون بين البلدان في مجال السياسات الثقافية وفي أنشطة التكوين والفاعليات التجارية والمهرجانات والأنشطة التعليمية المتصلة بقطاع السمعي البصري خصوصاً مجالات السينما والنشر، ومختلف العروض الفنية.
وأشار العبودي إلى انطلاق مكتب تونس لـ«أوروبا المبدعة» رسمياً في العمل 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
كما سيسهم هذا المشروع في نشر الإنتاج الثقافي التونسي في مختلف البلدان الأوروبية وتدعيم الحركة الثقافية وتنقل المبدعين والأعمال الفنية بين الدول الأعضاء. وكانت المفوضية الأوروبية قد تعهدت في السابق برفع مستوى التعاون الثقافي مع تونس، ودعم مساهمة قطاع الثقافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتعد تونس أول بلد عربي وأفريقي ينخرط في هذا البرنامج الثقافي.
وخلال ورشة عمل حول برنامج «أوروبا المبدعة»، أرجع وزير الثقافة التونسية محمد زين العابدين هذا الاختيار إلى انتهاج تونس مساراً ديمقراطياً ولما أقدمت عليه من إصلاحات شملت المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية جعلت منها تجربة فريدة لفتت إليها أنظار العالم، على حد تعبيره.
ويعمل برنامج «أوروبا المبدعة» على تحقيق مجموعة من الأهداف التي ضبطها الاتحاد الأوروبي والمتمثلة في تنمية المشاريع الثقافيّة الدوليّة وإرساء الشبكات الثّقافيّة بين البلدان المنضمة إلى هذا البرنامج، وترجمة الكتب وترويجها وإرساء منصات مشتركة للفاعلين الثقافيين، وتنمية القدرات والمهارات بالقطاع الثّقافي، ودعم الإنتاج الثقافي المشترك ودعم توزيع الأفلام وترويجها، ودعم المهرجانات السينمائيّة، ودعم الإنتاج السينمائي المشترك وتنمية الجمهور بقطاع السينما.



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.