كيف نفرز ما هو علمي عما هو ليس علمياً؟

كارل بوبر
كارل بوبر
TT

كيف نفرز ما هو علمي عما هو ليس علمياً؟

كارل بوبر
كارل بوبر

حينما تواجه البشرية لغزاً من ألغاز الطبيعة، فإن العلماء يتجندون في متحدات علمية متنافسة وبحزم كبير لفك شفرتها، وقد ينتمي إلى هذه المتحدات الباحثة عن المخارج والحلول، جنسيات من الأفراد متعددة، وبألوان وانتماءات عقدية وآيديولوجية وفلسفية مختلفة؛ لكن يجمعهم دافع وهم مشترك واحد، هو اقتحام الطبيعة وجعلها تبوح بأسرارها الخبيئة، وهذا يدل على كونية العلم، وأن طريقة اشتغاله صارمة، يخضع لها كل عقل، فـ«العقل أعدل قسمة بين البشر»، كما أعلن ديكارت منذ القرن السابع عشر.
إن العلم استطاع أن يسيج نفسه بإحكام، ويؤطر ذاته بمقاييس دقيقة ومعايير منضبطة، لا تسمح لأي فكرة أن تقتحم عالمه بسهولة، فليس أي كلام يحسب على العلم، وليست أي نظرية تلقب بعلم، فخاتم العلمية لا يعطى إلا بشروط، والانضواء إلى نادي العلماء والدخول إلى حظيرتهم يحتاج جواز مرور، بتأشيرة صعبة المنال، يحرص المجمع العلمي على مراقبتها بشدة. إن العلم باختصار قد وضع لنفسه محطات مراقبة تمنع تسلل الأفكار غير العلمية بطريقة غير مشروعة. فما هي إذن مقاييس ومعايير علمية الأفكار؟ كيف يمكن رسم الحدود الفاصلة بين حقل العلم وحقل اللاعلم؟ هل من مصفاة من خلالها نفرز ما هو علمي عما هو ليس علمياً؟ هذا ما شغل كارل بوبر، الذي كانت ميوله العلمية متركزة بالضبط على التمييز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف.
ولبوبر كتاب شهير ألفه سنة 1934 مترجم للعربية، بعنوان «منطق الكشف العلمي» الذي وجه فيه نقداً للوضعية المنطقية؛ خاصة تلك المتمثلة في «حلقة فيينا» الرافضة لكل ما ليس تحته خط تجربة، محاولاً إرجاع بريق الميتافيزيقا المهاجمة. كما له كتابان في السياسة وهما: «المجتمع المفتوح وأعداؤه» و«عقم المذهب التاريخي» الذي يبرز فيهما توجهه الليبرالي وخصومته الكبيرة لماركس والشيوعية.
ويؤكد كارل بوبر على أن الفكرة هي علمية، إذا تمت صياغتها بطريقة تضم مؤشرات واضحة (مكان، أرقام، معطيات ملموسة، تجارب...) تسمح بدحضها وتفنيدها إيجاباً أو سلباً. بكلمة واحدة يؤكد كارل بوبر على أن العلم يُكذّب (بضم الياء) واللاعلم لا يُكذّب، فكيف ذلك؟
لكي نستوعب هذا الشرط، أي: القابلية للتكذيب باعتباره الحد الفاصل بين العلمي واللاعلمي، سنضرب كبداية الأمثلة التالية:
المثال 1: إذا سمعت عرافاً أو منجماً، يعلمني أن مستقبلي سيكون زاهراً، وأن أحوالي المادية ستتحسن، وأني سأتزوج وألد أبناء... وفي مقابل ذلك إذا سمعت عالم الأرصاد الجوية يقول: غداً بعد الزوال ستهطل الأمطار في الشمال بمقدار 30 مليمتراً، وستستمر إلى حدود صباح اليوم الموالي، فإننا سنقول بحسب كارل بوبر: إن كلام العراف ليس علمياً؛ لأنه لا يمكن أن يُكذّب، فكلامه فضفاض يعني كل شيء ولا شيء، بينما كلام عالم الأرصاد الجوية دقيق فيه مؤشرات تمكن من التكذيب ومعاودة النظر والمراجعة. وبالعودة إلى العراف فهو لا يمكنه أن يقول لي بوضوح ودقة، متى وكيف سيكون هذا المستقبل؟ ومتى سأحصل على الأموال؟ ومن طرف من؟ ومن هي زوجتي المستقبلية؟... فغياب الدقة يجعل كلام العراف كلاماً خارجاً من حظيرة العلم.
المثال 2: لنفترض نقاشاً أنه سيقال لجماعة: إنه يوجد الجن في البيت. فلا أحد يمكنه بحسب كارل بوبر أن يُكذب هذا الكلام، ومن ثمة يعد غير علمي، فهو مثلاً يدخل في إطار الإيمان، ولي أن أعتقد ذلك وبكل حرية، لكن لا أقدر أن أسمي كلامي علماً بالمقاييس المتفق عليها عند العلماء. وهل يعني أن كلامي فارغ؟ الجواب: لا؛ لكن كل ما هنالك أنه قول لا يدخل في إطار اهتمام العلم؛ لأن مؤشراته لا تسمح بتكذيبه.
المثال 3: إذا ما قال أحد الناس: إن التسونامي غضب إلهي، فمن سيكذبه؟ لا أحد يقدر على ذلك. إذن كلامه معتقد غير علمي؛ لكن إذا جاء عالم بصور الأقمار الاصطناعية لما قبل التسونامي وما بعده لإثبات أنه تكتونية «زلزال» وقع في عرض البحر، فهو بذلك يعطي مؤشرات تسمح بالمراقبة والدحض إيجاباً أو سلباً. وإذا ما جاء عالم آخر يثبت خطأ معطياته، فإن العالم الأول سيعترف بخطئه وبكل صدر رحب، ويتجه صوب معاودة النظر.
إذن نخلص إلى أن العلم يناقَش، ويؤخذ منه ويُرد، وأن النظريات العلمية نسبية، قد تكون مجدية للتفسير في حقبة معينة ما دام أن لها ما يؤيدها، لكن دائماً هي مهددة بالسقوط في كل لحظة، ما دام أن هناك ما يكذبها.
إن العالم الحق بحسب كارل بوبر لا يحتضن نظريته أبداً، بل يطلب بكل صدر رحب من يجد مكذبات تحرج ادعاءه، وهو يكون مستعداً للتنازل عن نظريته في كل لحظة، فالعالم يبحث ويعطي كل المؤشرات اللازمة وبوضوح كامل يسمح بدحض موقفه، وبهذا تتطور النظريات.

* كاتب مغربي



الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
TT

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح. وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث لأنه يدفعنا إلى «إزالة أي تهديدات» وتحقيق أهدافنا، وفقاً لصحيفة «التلغراف».

وأوضح الأكاديمي، وهو أستاذ في علم الأعصاب والنوم في مستشفى كينغز كوليدج في لندن، أن الغضب يمكن أن يخدم «غرضاً مفيداً للغاية» ويمكّن من تحقيق نتائج أكثر ملاءمة.

وفي حديثه ضمن بودكاست Instant Genius، قال الدكتور ليشزينر إن هرمون التستوستيرون يلعب دوراً رئيساً في ذلك، حيث يستجيب الهرمون - الذي تشير بعض الدراسات إلى أنه مرتبط بالعدوانية والغضب - للنجاح.

وتابع «لذا، إذا فزت في رياضة، على سبيل المثال - حتى لو فزت في الشطرنج الذي لا يُعرف بشكل خاص أنه مرتبط بكميات هائلة من العاطفة - فإن هرمون التستوستيرون يرتفع... تقول إحدى النظريات إن هرمون التستوستيرون مهم بشكل أساسي للرجال على وجه الخصوص لتحقيق النجاح».

«شعور مهم»

وحتى في العالم الحديث، لا يزال الغضب يشكل حافزاً مهماً للنجاح، بحسب ليشزينر، الذي أوضح «إذا أعطيت الناس لغزاً صعباً للغاية لحله، وجعلتهم غاضبين قبل أن تقدم لهم هذا اللغز، فمن المرجح أن يعملوا عليه لفترة أطول، وقد يجدون فعلياً حلاً له... لذا، فإن الغضب هو في الأساس عاطفة مهمة تدفعنا إلى إزالة أي تهديدات من هدفنا النهائي».

وأشار إلى أن المشكلة في المجتمعات البشرية تكمن في «تحول الغضب إلى عدوان».

لكن الغضب ليس العاطفة الوحيدة المعرضة لخطر التسبب في الضرر، حيث لاحظ أن مشاعر أخرى مثل الشهوة أو الشراهة، قادرة على خلق مشكلات أيضاً. وتابع «كلها تخدم غرضاً مفيداً للغاية، ولكن عندما تسوء الأمور، فإنها تخلق مشكلات».

ولكن بخلاف ذلك، إذا استُخدمت باعتدال، أكد الدكتور أن هذه الأنواع من المشاعر قد يكون لها بعض «المزايا التطورية».