قرية المنيرة السُّنية العراقية وقصة التحرير والانتقام

بعد عام على طرد «داعش»... الحكومة المركزية أمام تحدي كسب ثقة السكان المحليين

يعبرون مع خرافهم نهر دجلة شمال قرية المنيرة
يعبرون مع خرافهم نهر دجلة شمال قرية المنيرة
TT

قرية المنيرة السُّنية العراقية وقصة التحرير والانتقام

يعبرون مع خرافهم نهر دجلة شمال قرية المنيرة
يعبرون مع خرافهم نهر دجلة شمال قرية المنيرة

أتى التحرير ببعض الإغاثة والراحة إلى إحدى القرى العربية السُّنية في العراق، لكن سرعان ما تبعهما الفقر، والإهانة، والانتقام.
نزل جنود إلى جمع من القرويين أمام كشك على جانب الطريق في قرية المنيرة العراقية، وسرعان ما سحبوا بنادقهم. أدى ذلك إلى لغط، وأدى اللغط إلى شجار تطور إلى إهانات. اقتاد الجنود شابين من أهل القرية في كل صلف وغطرسة إلى سيارتهم وكانوا يصفعونهما أمام أهلهما الذين شاهدوا ما يحصل في صمت عاجز.
يقول خالد صالح، عامل الإغاثة الإنسانية الذي كان يقف وسط الحشد يشاهد الجنود قبل بضعة أسابيع: «إنهم يمثّلون الحكومة المركزية. ولكن المشكلة أنهم يعتبروننا جميعاً موالين لتنظيم داعش الإرهابي».
والمشهد من قرية المنيرة التابعة لناحية حمام العليل جنوب الموصل على ضفاف نهر دجلة بشمال العراق. وهو يعكس لمحة من نضال إحدى القرى العربية السُّنية خلال العام التالي على طرد القوات الحكومية للمتطرفين وقواتهم بعيداً. المكان تحاصره الاتهامات المرسلة والشكوك المبهمة، واضطرابات العنف الشديد في أثناء محاولات إعادة التكيّف مع الأوضاع الجديدة من الموت والدمار والخسائر، كما هو الحال في أغلب أنحاء البلاد.
ويكمن الاختبار الحاسم للحكومة العراقية التي تقودها الطائفة الشيعية فيما إذا كانت تستطيع كسب ثقة الأقلية السُّنية في البلاد في مختلف القرى مثل هذه القرية، والتي تستقر بحالة شديدة الاضطراب على خطوط الصدع السياسية والاجتماعية في العراق. والأمة العراقية، بدورها، ظلت تستجدي الإجابات من قرية المنيرة الموصلية، ولماذا قدّم أبناؤها وشبابها الدعم والتأييد للتنظيم الإرهابي المسلح الذي كرّس جهوده لخدمة الإطاحة الدموية العنيفة بحكومة البلاد.
لقد مر 11 شهراً كاملة منذ تحرير قرية المنيرة، غير أن القرية لا تزال في انتظار عودتها مجدداً إلى أحضان الأمة العراقية.
بزغت بارقة الأمل المنشود ولحظات الوحدة التي طال انتظارها إثر هزيمة التنظيم الإرهابي وفرار مقاتليه من معاقلهم العراقية، لا سيما في مدينة الموصل القريبة. وعلى أدنى تقدير ممكن، كان هناك حس بالتضحية المشتركة إثر سقوط الآلاف من قوات الجيش والشرطة خلال هجوم القوات الحكومية الذي أسفر عن تحرير ملايين المواطنين العراقيين، بصرف النظر تماماً عن عرقهم أو طائفتهم، ممن كانوا محاصرين ومعذبين تحت نير الحكم الأصولي المتطرف للتنظيم الإرهابي.
في أبريل (نيسان) الماضي، خلص استطلاع للرأي أجرته «المجموعة المستقلة للأبحاث» إلى أن الآمال كانت قوية بين جموع السواد الأعظم من السُّنة في العراق بشأن توجهات البلاد لما بعد حرب التحرير، وكانت النتيجة مثيرة للدهشة بالنظر إلى كمّ الشكاوى من التهميش الكبير من جانب الحكومة المركزية تجاههم. ولكن عبر العديد من الزيارات المتكررة على مدى العام الماضي إلى قرية المنيرة، التي تضم نحو 440 عائلة سُنية منتشرة على سلسلة من التلال الصحراوية الباهتة، كانت العبارات العاكسة للتفاؤل إما باهتة وإما عابرة، ويبدو أن الأمل قد تبخر أو في طريقه للتلاشي بمرور الأيام.
كان إرث الصراع الطويل والقديم محفوراً على تضاريس القرية الصغيرة. لقد انهارت المنازل على أيدي قوات «داعش» الهاربة أو القوات الحكومية المرسلة للقضاء عليها والتخلص منها. وما تبقى منها كان مصيره النهب والحرق على أيدي الغوغاء والدهماء الذين تحركهم مشاعر الانتقام.
لا تزال جثث القتلى تطفو على ضفاف النهر الكبير، ولا تزال عمليات الكر والفر مستمرة تعكس إمارات الحرب الخفية والقذرة ما بين القوات الحكومية وأعدائها من فلول «داعش» في مختلف أحياء الموصل والمناطق المحيطة بها. ولا يمر يوم على الرعاة إلا ويعثرون فيه على جثث مزقها الرصاص في حقولهم ومراعيهم.
وبعد انتهاء أعمال القتال في القرية، تذكر سعدي خلف –وهو يشاهد الجنود يبتعدون بابنه نمير البالغ من العمر 21 عاماً– إحساساً قديماً وباهتاً بالأمل والإمكانية، قبل وصول المتطرفين إلى قريته. حيث كان الرجال يجدون الوظائف كضباط أو جنود في الشرطة، أو في غير ذلك من المناصب الحكومية المأمولة. ويقول: «كان الشباب يتمكنون من الزواج، وشراء السيارات، ويبنون المنازل»، مشيراً بيديه إلى سمات الإنجازات التي كانت مشهودة في هذه البقاع.
كافحت القوات الحكومية العراقية كثيراً لاستعادة السيطرة على الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية، منذ شهور. والآن، غاب الوجود الحكومي تماماً إلا من بعض الضباط والجنود الذين يتخذون مواقعهم للحراسة والتفتيش على مشارف القرية الصغيرة. ويقول سكان في القرية إن حفنة قليلة من ضباط الشرطة قد عادوا إلى مواقعهم هناك. وامتهن الرجال العاطلون تهريب السجائر أو إرسال أطفالهم لبيع زجاجات المياه الباردة لسائقي الشاحنات والحافلات التي تمر في القرية. وكانت الشاحنات تمر عبر القرية من خلال إحدى الطرق الترابية الصغيرة التي تحوّلت على أيدي الجيش مؤخراً إلى طريق مرور رئيسية في المنطقة، ما يعد طفرة صغيرة ولكنها مؤثرة في هذه القرية التي تعيش تحت سحابة من السخام والغبار والأتربة.
وقال سعدي خلف، الذي أطلق الجيش سراح ولده بعد ساعات قليلة من الاحتجاز، والغضب يملأ صدره: «إننا لا نرى مستقبلاً مشرقاً في العراق».
وفور اجتياح المتطرفين المسلحين قرية المنيرة الصغيرة في خريف العام الماضي، اهتزت الأجواء بعمليات الانتقام والانتقام المضاد. فلقد تعرضت 5 منازل تعود لأفراد عائلة واحدة وكبيرة من العائلات المتهمة بتوفير الدعم والتأييد لتنظيم داعش الإرهابي، للنهب والحرق. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، مرت مجموعة من أفراد تلك العائلة بين غرف أحد هذه المنازل التابعة لهم، والتي أفرغت تماماً من كل محتوياتها باستثناء دراجة طفل صغير، وغسالة ملابس محترقة، وحامل خشبي للمعاطف. وقال أصحاب المنزل إن الاتهامات على غير حق أو أساس، وألقوا باللوم في احتراق المنزل على ميليشيا عشائرية سُنيّة كانت مكلفة في ذلك الوقت بتأمين القرية.
ومع تلاوة سكان القرية قصصهم مع نهاية العام الماضي، كان هناك ثلاثة أفراد من الميليشيا يراقبون الطريق. وبدلاً من نفي مسؤولية حريق المنازل عن أنفسهم، أصروا على أن حرق المنازل لم يكن عقاباً كافياً بالنسبة لهم.
يقول شاكر عطا الله هلال، وهو ضابط شرطة متقاعد ومن رجال الميليشيات السُّنية، ويرتدي نظارة داكنة اللون تخفي ندبة خشنة تميّز وجهه: «إنهم لا يزالون يتنفسون الهواء!». وكانت جريمتهم أنهم شاركوا في الاحتجاجات العامة ضد انتهاكات الحكومة المركزية قبل ثلاث سنوات والتي كانت تُقام في المناطق ذات الأغلبية السُّنية في مختلف أرجاء العراق. وتسللت عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى تلك المظاهرات، واستغلت مشاعر السخط والغضب العارمة آنذاك، وبدءوا في مسيرتهم الدموية في جميع أنحاء البلاد.
وقد تعاطف كثيرون من سكان قرية المنيرة مع دعوات وأهداف الاحتجاجات، حتى وإن لم يشاركوا فيها بأنفسهم. بيد أن هذا الفارق الدقيق كان مصيره التلاشي التام في خضم مناخ الانتقام المريع الذي أعقب هزيمة قوات «داعش» في العراق. وقال الضابط هلال: «كانوا هم من جلبوا (داعش) إلى بلادنا»، مستخدما المختصر العربي لمسمى التنظيم الإرهابي.
وتنتشر في المناطق المحيطة بمدينة الموصل القصص المشابهة من حرق المنازل والانتقام الشديد خلال الأيام الأولى من هجوم القوات الحكومية العراقية. ولم يكن مصدر الغضب الشديد خافياً على أحد. فلقد كان الريف العراقي تتناثر به المقابر الجماعية لضباط وجنود الشرطة وغيرهم من أفراد الأمن الذين لقوا حتفهم على أيدي المتطرفين من عناصر «داعش»، وكانت أيديهم موثقة بالحبال خلف ظهورهم في أغلب الأحيان.
وأرخت تلك المقابر على ربوع المنطقة بظلال بؤس لا تمحوه الأيام، كما أضرمت في الصدور نيران غل عميق وانتقام لا ينام.
يقول الضابط هلال، الذي ينتمي إلى إحدى الميليشيات المحلية الجامحة والعنيدة والتي كانت مكلفة بمسؤولية تأمين المناطق المحررة حديثاً من قبضة مسلحي «داعش» المتطرفين: «لن نسمح لهم بالنسيان أبداً». وتحمل هذه الميليشيات مسمى «فرسان جبور» نسبة لإحدى كبرى العشائر السُّنية في المنطقة.
وفي غضون شهور، اختفى الرجال المتهمون بالمشاركة في الاحتجاجات تماماً من قرية المنيرة. وقال ياسر إبراهيم، مدير إحدى المدارس هناك، من على باب منزله في القرية قبل بضعة أسابيع، إنه لا يعرف أحد أيَّ شيء عنهم إطلاقاً. وأضاف أن عائلات أولئك الرجال ظلوا في أماكنهم وراء القرية. وكذلك رجال الميليشيات الذين نهبوا وأحرقوا منازلهم.
وتتركز الأحاديث المتعلقة بالعراق في هذه الأيام حول أن السكان العرب السُّنة الساخطين قد يندفعون يوماً، من واقع الإحباط واليأس الشديد، إلى معاودة الترحيب مرة أخرى بالمتطرفين. غير أن هذه المخاوف لا تشكل خطراً من الأخطار في قرية المنيرة، إذ يتحدث سكانها عن عهد تنظيم داعش بمزيد من الرعب والندم.
وكان بعضهم من ضباط الشرطة في مدينة الموصل قبل الاجتياح، وكانوا يتخذون مواقعهم هناك في ذلك الصباح المشؤوم من يونيو (حزيران) عام 2014. عندما استولى «داعش» بكل سهولة على المدينة، بعدما انسحب الرجال المكلفون بالدفاع عنها وحمايتها فرادى وجماعات. وقال إبراهيم جاسم محمد، وهو من ضباط الشرطة السابقين: «لقد فررنا جميعاً، واضطررت إلى الهروب بالسباحة عبر النهر، لقد كان من أحلك أيام حياتنا جميعاً».
واختطف المتطرفون المسلحون ما لا يقل عن 24 رجلاً من قرية المنيرة، بما في ذلك والد إبراهيم، مدير المدرسة، والذي لم يسمع أحد أي شيء عنه منذ ثلاث سنوات كاملة. وبدلاً من المحافظة على الوجود المستمر هناك، كان عناصر «داعش» يتوجهون إلى قرية المنيرة مرات عدة في الأسبوع. وقال إبراهيم إن الآباء كانوا يمنعون أولادهم من حضور الدروس الدينية للتنظيم لحمايتهم من اعتناق تعاليم المتطرفين وأفكارهم. وكان يجلس في مبنى المدرسة في كل يوم ينتظر وصول المتطرفين المسلحين، ثم يكذب عليهم بشأن عدم وجود طلاب في المدرسة. غير أن جهود سكان القرية الصغيرة في مقاومة المتطرفين لم تلقَ استحساناً من أحد على الإطلاق.
وكانت القرية محظوظة إن وصلها التيار الكهربائي لسويعات عدة في كل يوم، ولم يكن المسؤولون يوزعون قسائم المواد الغذائية على سكان القرية، وكانت إمدادات المياه شحيحة للغاية كذلك، وكانت الشاحنات التي تمر على طول الطريق الترابي الضيق تظهر في أسفلها أنابيب المياه الممزقة بوضوح.
وعلى نحو معاكس، اعتقد القرويون من سكان المنيرة أن الفساد الحكومي المتوطن في العراق حال دون رصف الطريق الرئيسي في القرية. والآن لا يعرف أحد على من تقع مسؤولية إصلاح ما فسد من الأمور.
ومن دون أي شيء يفعلونه، يمكن العثور على أغلب رجال القرية بالقرب من أحد الأكشاك على طول الطريق المزدحم يشاهدون حركة مرور الحافلات والشاحنات، والأطفال الحفاة يبيعون الوجبات الخفيفة وزجاجات المياه لسائقي الشاحنات لكسب قوت أسرهم بدلاً من آبائهم العاطلين عن أي عمل.
يقول عمار محمد، وهو جندي سابق يعمل الآن على كسب رزقه من تهريب السجائر إلى المناطق الكردية في الشمال: «إننا نأمل في الحصول على أشياء جيدة من الحكومة. وليس لدينا سوى الصبر والانتظار».
ولا يزال مصير قرية المنيرة معلقاً بين السماء والأرض، بطريقة ما، على مقدرة حازم خليل، وهو من قدامى سكان القرية، على الاستمرار والبقاء.
وكان شقيق حازم الأكبر من كبار قادة تنظيم داعش الإرهابي، وهو مفقود منذ فترة طويلة ويعتقد أنه فارق الحياة. وكان شقيقان آخران، متهمان بالانضمام إلى التنظيم المتطرف، يقبعان في السجن. ولقد فر والدا حازم المسنان من القرية بعد احتراق منزلهما تماماً سداداً لآثام وأخطاء أبنائهما الثلاثة.
يقول حازم خليل وهو يجلس في منزله مع أطفاله: «أقسم بالله أنه لم يتبق غيري هنا»، مما يعكس حجم الكارثة الهائلة التي حلت به وبأسرته وبقريته.
وفي خضم ذلك نجد شقيقه الأكبر شاكر، الذي درس الأدب الفرنسي وعمل مديراً للمدرسة المحلية وإماماً للمسجد هناك. ولقد تم تجنيده من جانب المتطرفين وفق ما اعتبروه سبباً ذهبياً من وجهة نظرهم؛ فلقد كان سجيناً لمدة عامين ونصف العام تعرض خلالها للتعذيب الشديد، كما قال شقيقه. وعندما استولى «داعش» على الموصل، خدم بينهم في منصب وزير الإسكان والعقارات.
وفي قرية المنيرة، تندر الناس في أسى أن المتطرفين لم يدمروا أي منزل من المنازل من دون موافقة شاكر شخصياً. غير أن السجن لم يكن السبب الرئيسي في تطرفه، كما يقول خليل. فقد كان من الصحيح أيضاً أن حالة السخط والاستياء انتشرت عبر قرية المنيرة وغيرها من المناطق السُّنية الأخرى في الفترة التي سبقت سيطرة المتطرفين على المنطقة، إذ يقول حازم خليل عن ذلك: «تسببت الأجندات السياسية المتضاربة في اندلاع التوترات الطائفية»، مشيراً إلى سياسات الحكومة المركزية في ذلك الوقت. وأضاف يقول: «لم تكن هناك علاقة واضحة بين قوات الأمن والمواطنين. كان هناك فراغ كبير. وهذا الوضع يسّر الأمور كثيراً على تنظيم داعش في بدايته».
ومع بقاء ذلك الإرث العقيم في مخيلة الناس، أردف حازم خليل يقول: «كنت كثيراً ما أخشى التحرير».
وفي العام الذي أعقب التحرير من «داعش»، حل تفاؤل شديد الحذر محل مخاوفه وقلقه. ومن واقع خبرته، كانت قوات الأمن تتعامل مع الناس بصورة جيدة. وتم تفكيك الميليشيات المحلية المخيفة. ورفض جيرانه توجيه اللوم إلى حازم خليل مقابل خطايا شقيقه. ولأي سبب من الأسباب، كان المكان الذي يعيش فيه من القرية لا ينقطع عنه التيار الكهربائي. ولقد احتفظ بوظيفته في أحد مصانع الإسمنت القريبة. ولقد قرر خليل ترميم وتجديد منزله. وكان قد تلقى رسائل تهديد بشأن شقيقه، ولكنها توقفت منذ نحو 6 أشهر. وعقد خليل العزم على البقاء في قرية المنيرة، معتمداً على إعانات صغيرة. وأردف يقول: «لم يسألني أحد بشأن أي شيء، ولم يتعرض منزلي للحرق».
وتنتشر القرى العربية السُّنية على طول نهر دجلة. حالة السخط والاستياء انتشرت عبر قرية المنيرة وغيرها من المناطق السُّنية الأخرى في الفترة التي سبقت سيطرة المتطرفين على المنطقة عام 2014، وهو الاستياء الذي يلقي السكان المحليون باللوم فيه على السياسات الطائفية للحكومة المركزية آنذاك. ولقد أسفرت هزيمة متطرفي «داعش» اليوم عن عراق منقسم على نفسه ولكن مع مزيد من الآمال بلحظة منشودة من الوحدة.
خدمة {واشنطن بوست}
خاص بـ {الشرق الأوسط}



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.