أنقرة مرتابة من تدويل الحالة الكردية

بعد تطورات شمال سوريا... ثم استفتاء بارزاني

أنقرة مرتابة من تدويل الحالة الكردية
TT

أنقرة مرتابة من تدويل الحالة الكردية

أنقرة مرتابة من تدويل الحالة الكردية

بدا منذ اللحظة الأولى دعم أكراد تركيا وأكبر ممثل لهم، حزب الشعوب الديمقراطي، لاستفتاء إقليم كردستان العراق، إذ رفض الحزب مذكرة الحكومة التركية التي عرضت على البرلمان قبل الاستفتاء بيومين لتجديد صلاحيتها في إرسال القوات إلى سوريا والعراق. وكانت الحركة الكردية التركية قد رأت من قبل في ضعف قبضة الدولة المركزية السورية فرصة تاريخية قد تسمح للأكراد للمرة الأولى في تاريخهم بتأسيس دولة خاصة بهم في الشمال السوري، ما انعكس على قرار الحركة السياسية الكردية في تركيا، بشقيها العسكري المتمثل بحزب العمال الكردستاني، والسياسي المتمثل بحزب الشعوب الديمقراطي. إلا أن أهم ما أزعج تركيا هو تزامن استفتاء أكراد العراق مع سعي أكراد سوريا لتثبيت حكم ذاتي موسع مع ما يرتبط بذلك من أوجه قلق تنبع من أن حزب العمال الكردستاني أوسع انتشاراً ونفوذاً في شمال سوريا عنه في شمال العراق. وهكذا، دفعت تطورات الملف الكردي كلاً من أنقرة وطهران إلى طي صفحة التوتر بينهما، والتركيز معاً على الأخطار والمصالح المشتركة.
كشف الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق الذي أجري الاثنين الماضي رغم حالة الرفض الإقليمي والدولي الواسعة عن عمق المخاوف التركية من التهديدات المحيطة بها من جهة حدودها الجنوبية، ولا سيما في ظل الوجود الكردي في كل من العراق وسوريا.
هذه المخاوف خبت لفترة إبان علاقة حسن الجوار والتعاون الوثيق مع مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، عندما فتحت أنقرة الباب له، واستقبل كأي رئيس دولة يزور تركيا، أمام خلفية التنافر مع بغداد. لكنها اليوم عادت وبلغت حد تهديد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سلطات أربيل بالتجويع وإغلاق صنبور النفط والحدود والتلويح بالعمل العسكري، والتعاون فقط مع حكومة بغداد، وهذا حتى وإن لم تكن تركيا تخطط لاتخاذ خطوات سريعة على الصعيد الاقتصادي كي لا تتحمل أضراراً كبيرة.
لقد دعمت تركيا منذ نحو 15 سنة «الحكم الذاتي» الكردي في شمال العراق، وتعاونت وما زالت مع إدارة الإقليم في مواجهة حزب العمال الكردستاني الذي يخوض مواجهات مع جيشها داخل أراضيها، وتتبادل معها المعلومات الاستخباراتية التي مكنتها من احتواء نفوذه، والحد من عملياته العسكرية، لدرجة أن وزير الخارجية التركي كان يزور أربيل من دون المرور ببغداد.
كذلك أقامت أنقرة علاقات اقتصادية متقدمة مع إقليم كردستان العراق، وسمحت له بأن يصدر عبر أراضيها معظم إنتاجه النفطي، البالغ 600 ألف برميل يومياً، والمرشح للوصول إلى مليون برميل، وأمدّته بحاجاته من الأغذية وسائر المواد الاستهلاكية، فضلاً عن احتكار شبه كامل لمشاريع الإنشاءات والمقاولات، ليحتكر الإقليم 2.5 مليار دولار أميركي من إجمالي 8 مليارات دولار حجم تجارة تركيا مع العراق. واستفادت أنقرة من القطيعة بين أربيل وبغداد، وكذلك استفادت من العلاقات المتوترة بين أربيل وطهران في كسر احتكار طهران للنفوذ السياسي والعسكري في العراق إلى أن حانت لحظة الاستفتاء فتبدلت التحالفات بشكل كامل.
عوامل القلق التركي
ميديام يانيك، الباحث في مركز الدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التركي (سيتا)، قال إن «أهم ما أزعج تركيا بشأن الاستفتاء هو التوقيت الذي أجرى فيه، إذ إنه تزامن مع سعي أكراد سوريا لتثبيت نوع حكم ذاتي موسع مع ما يحيط بذلك من أوجه قلق. ذلك أن الوضع في شمال سوريا أكثر إثارة لقلق تركيا، لأن حزب العمال الكردستاني أوسع انتشاراً ونفوذاً في شمال سوريا عنه في شمال العراق. ففي الشمال السوري، الذراعُ السوري للحزب، وهو حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياه (وحدات حماية الشعب الكردية) سيطروا على نحو ثلثي الحدود التركية السورية الممتدة بطول 900 كلم. في المقابل، فإن العلاقة الجيدة مع أكراد العراق ساعدت تركيا في ضبط أكراد سوريا بشكل غير مباشر».
من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن تركيا قد تكون استاءت من سعي الأكراد في الفترة الأخيرة إلى محاولة كسر ما يمكن تسميته بالاحتكار الاقتصادي التركي، وتنويع علاقاتهم الاقتصادية، وبشكل خاص مع روسيا، بعدما أقرضت شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت» سلطات أربيل ما يزيد على مليار دولار بضمان مبيعات النفط، والتزمت بتوفير 4 مليارات أخرى لمشاريع مختلفة. وأيضاً اقترضت أربيل نحو ملياري دولار من مؤسسات تجارية دولية متنوعة، وإن كان كل ذلك لا يغير كثيراً من واقع الاعتماد الكبير على تركيا.
تقارب الضرورة
أضف إلى ما سبق أن خطوة الاستفتاء الكردي دفعت أنقرة إلى السعي للتنسيق مع كل من بغداد وطهران، ويعتبر راصدو التطورات أن التنسيق التركي الجاري مع إيران بات تقارب ضرورة تفرضه الأزمات والمصالح المشتركة، بعدما بات الملف الكردي مصدر إزعاج للبلدين.
ويذكر هنا أنه رغم التوترات الحادة التي شابت العلاقات التركية - الإيرانية في الفترة الماضية، ظلت العلاقات الاقتصادية واعتبارات الجوار الجغرافي عامل تهدئة أساسياً بين البلدين، فضلاً عن الاتفاق في عدد من الملفات، بينها رفض تقسيم العراق عبر استفتاء الانفصال الكردستاني.
وحقاً، يشكل هذا الاستفتاء منعطفاً خطيراً بالنسبة لإيران وتركيا بسبب حجم الأقلية الكردية في كليهما. ففي إيران تشكل نحو 10 في المائة من السكان، بحسب إحصائيات غير رسمية، يعيش معظمها في شمال غربي البلاد، وتحديداً في محافظات كردستان وكرمانشاه وآذربيجان الغربية وإيلام، ويراود أكراد إيران طموح الانفصال حتى قبل الثورة الإيرانية.
أما في تركيا، فيمثل الأكراد ما بين 15 و20 في المائة من السكان، ولقد عاشوا صراعاً مع الدولة التركية، بعدما وضع مصطفى كمال «أتاتورك»، مؤسس تركيا الحديثة، مبادئ عامة جعل فيها القومية التركية، القومية السائدة في تركيا، وبالتالي، عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية، وحُظر استخدام اللغة الكردية. ولهذا السبب تسعى تركيا إلى القضاء على محاولات قيام كيان كردي في شمال سوريا على حدودها الجنوبية.
وهكذا تسعى كل من أنقرة وطهران إلى رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني الثنائي للتعامل مع التطورات التي تشهدها الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبهما، وهو ما ظهر في الزيارة التي قام بها رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري إلى تركيا في 15 أغسطس (آب) الماضي للمرة الأولى منذ عام 1979. وأعلنت إيران على إثرها أن علاقتها مع تركيا «دخلت مرحلة جديدة ومهمة» وقطعت شوطاً مهماً في المجال التكاملي. وبعد أسبوع من تلك الزيارة، قال الرئيس التركي إن عملية مشتركة مع إيران ضد المقاتلين الأكراد «مطروحة على الدوام». كذلك قالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة باقري شكلت حدثاً مهماً، وما كانت لتجري لولا استعداد الجانبين لعقد صفقات حول كل من سوريا والعراق.
وهنا يعتقد الدكتور سمير صالحة، أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعة «صباح الدين الزعيم» التركية، في تعليق لـ«الشرق الأوسط»، أن العلاقات بين طهران وأنقرة «تراجعت خلال السنوات الأخيرة سياسياً واقتصادياً، وبنت طهران تحالفاتها مع لاعبين إقليميين ودوليين، وكذلك الحال بالنسبة لتركيا، لكن الكرة الآن في ملعب إيران، وعليها أن تظهر للأتراك أنها خارج المشروع الروسي بشأن العراق وسوريا». وأشار صالحة إلى إمكانية وجود عروض لتبادل الخدمات بين طهران وأنقرة في أكثر من أزمة «لكن كل ذلك يبقى مرهوناً بحدوث تحول في الموقف الإيراني».
أكراد تركيا
منذ اللحظة الأولى ظهر دعم أكراد تركيا، وبالذات حزبهم الأبرز حزب الشعوب الديمقراطي، لاستفتاء كردستان العراق. فلقد رفض الحزب مذكرة الحكومة التي عرضت على البرلمان قبل الاستفتاء بيومين لتجديد صلاحيتها في إرسال القوات إلى سوريا والعراق... كما هلل قطاع كبير من الأكراد في تركيا لنتيجة الاستفتاء، وقال عثمان بايدمير، المتحدث باسم حزب الشعوب الديمقراطي «سلام منا على الاستفتاء»، واصفاً إياه بأنه «تعبير حر عن الحق الديمقراطي للشعب الكردي في العراق على الجميع احترامه».
ولا يختلف الخبراء والمتابعون للشأن التركي على أن المشكلة الكردية هي أكبر مشاكل تركيا (البالغ عدد سكانها نحو 80 مليون نسمة) منذ تأسيسها عام 1924 وحتى اليوم. إذ رأى مؤسسها «أتاتورك» أن التنوّع العرقي الكبير الذي تميزت به الدولة العثمانية كان أحد أسباب سقوطها. وقرّر أن ترفض الجمهورية التركية الوليدة ذلك لكي تُجنب المصير نفسه. في هذا السياق أنكرت تركيا منذ نشأتها تنوّعها العرقي، فاعتبرت كل مواطن يعيش داخل حدودها تركياً بغض النظر عن جذوره ولغته الأم. واتبع خلفاء «أتاتورك» النهج نفسه، وبأساليب أكثر تشدداً، ما أدى إلى التنكر لحقوق الأقليات العرقية في تركيا كالعرب والشركس واللاز والبوشناق، وكذلك الأكراد.
ولم يتوقف الأمر عند حد إنكار الحقوق الثقافية والاجتماعية لأكراد تركيا، ولا حتى حقوقهم السياسية، بل وصل إلى إهمال وتهميش شبه متعمدين لمناطق جنوب وجنوب شرقي تركيا، التي يشكل الأكراد أغلبية سكانها، فتراكم السخط والشعور بالغبن بين الأكراد الذي رأوا أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في البلاد.
ثم مع المد اليساري في العالم في ستينات وسبعينات القرن الماضي، احتكرت الحركة السياسية اليسارية الكردية التكلم باسم أكراد تركيا، مع تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978. ولم يلبث الحزب أن بدأ «حرب عصابات» ضد الدولة التركية عام 1984 كلفت تركيا حتى الآن حياة أكثر من 40 ألف شخص، وأكثر من 500 مليار دولار، فضلاً عن اضطراب سياسي وشرخ اجتماعي.
مفاوضات وانتكاسات
سعت تركيا مرتين من قبل خلال حكم تورغوت (طُرغُد) أوزال في الثمانينات، ثم في فترة رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان لحل المشكلة الكردية عبر مفاوضات السلام. ولكن لم يكتب للمحاولتين النجاح، إلى أن قرر حزب العدالة والتنمية، الذي تولى السلطة في عام 2003، حل المشكلة الكردية داخلياً، باعتراف رئيسه رجب طيب إردوغان عام 2005 بوجود «مشكلة كردية» في تركيا. ومن ثم بدأت سلسلة من التعديلات الدستورية والديمقراطية، بالتوازي مع إطلاق عشرات المشاريع الاقتصادية والتنموية في مناطق الكثافة الكردية.
وبعد سنوات من المفاوضات السرية مع عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا، بدأت الحكومة التركية ما سمته «عملية التسوية» بعد دعوة واضحة من الأخير لأعضاء حزبه لترك السلاح والانخراط في العملية السياسية عام 2013. إلا أن الهدنة التي استغرقت سنتين لم تصمد طويلاً على وقع التطورات المتسارعة في سوريا. هذا، وسبق أن ساعدت قيادة إقليم كردستان العراق في عملية المفاوضات الداخلية في تركيا مع الأكراد. وقام الحزبان الكرديان العراقيان الرئيسيان، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود البارزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني بدور الوساطة بين الجانبين، وتقديم التسهيلات اللازمة للجمع بينهما، وكذلك تقديم ما يشبه الأفكار والضمانات. وكان لافتاً الدور الذي قامت به هذه القيادة في الإفراج عن ثمانية جنود أتراك من أصل 139 تركياً كان قد أسرهم حزب العمال الكردستاني خلال السنوات القليلة الماضية.
مخاطر وحلول
واليوم يرى خبراء أن المشكلة الكردية بأبعادها الحالية تحمل بذور تدويل المشكلة، وأن ذلك إذا حدث سيشكل خطراً على تركيا في ظل حالة الجفاء بينها ومعظم حلفائها التقليديين... الذين يقدمون الدعم السياسي والعسكري للفصائل الكردية المسلحة في سوريا المصنّفة على قوائم الإرهاب في تركيا. وفوق ذلك تبدو الحكومة التركية تميل في تعاملها مع الأزمة إلى رؤية المؤسسة العسكرية، بعدما جربت رؤيتها الخاصة في الحل لسنوات عن طريق المفاوضات، التي انتهت إلى إعلان الساسة الأتراك - وفي مقدمتهم إردوغان - أنه «لا توجد مشكلة كردية في تركيا» رغم اعترافهم بوجود مشاكل كثيرة للأكراد.
ويذكر أن تركيا تفتقر حتى الآن إلى دستور يكرّس مبدأ المواطَنة، ويراعي التنوع الثقافي والعرقي والإثني في البلاد، ويقول الباحث المتخصص بالشؤون الكردية وحيد الدين إنجة «إن إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد أمر غير واقعي لانعدام مؤشرات تدل على إمكانية نجاح تلك المساعي، فضلاً عن استحالة سلخ مناطق جغرافية عن دولة قوية عسكرياً واقتصادياً مثل تركيا عبر صدام مسلح». وأضاف أن «هذا المسعى سيتسبب في الضرر للأكراد بدلاً من أن ينفعهم، لأن الجماعات التي تطالب بالحكم الذاتي لا تملك المقومات للحفاظ عليه. وبالتالي، فإن الهدف من هذا الإعلان هو الحفاظ على المناطق التي يعدها حزب العمال الكردستاني وتفرعاته مكتسبات في الشمال السوري».
ومن جهته رأى جان أجون، الباحث في علاقات الجوار التركي بمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (ستا)، أن «كل هذه التداعيات الداخلية والتدخلات الخارجية لا تعني أن أنقرة فاقدة للحلول بل عليها امتلاكها، ذلك أن غيابها سيفتح الباب على المدى البعيد أمام تدويل المشكلة، وتحفيز سيناريوهات الانفصال بمختلف مستوياتها، بالتزامن مع خطوات المشروع السياسي الكردي في الشمال السوري وفي كردستان العراق، وهو ما تعتبره أنقرة خطاً أحمر لأمنها القومي».

أكراد تركيا... تاريخياً وسياسياً
- تقدر نسبة الأكراد بـ20 في المائة من مجموع عدد السكان الذي يتجاوز 80 مليوناً. وتصل التقديرات إلى 20 أو 25 مليوناً.
- تعيش المجموعات الكردية في تركيا بشرق الأناضول منتشرة في مناطق ممتدة على حدود تركيا، مع العراق وسوريا وإيران وأرمينيا، وداخل هذه الدول أيضاً. ويعتقد أن تعداد الأكراد في العالم يتراوح بين 20 و30 مليوناً، وبالتالي، يعتبرون أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط لكن دون أن تجمعها دولة مستقلة، لذا كانت تحركاتهم في العراق وسوريا مصدر قلق لتركيا.
- درجت الأحزاب السياسية والمؤسسات الرسمية التركية في معالجتها وتناولها للقضية الكردية على استخدام تعبير «مشكلة المنطقة الشرقية».
- تعتبر دول الاتحاد الأوروبي المواطنين الأكراد ضمن الأقليات، وتطالب تركيا بمنحهم حقوقهم الثقافية.
- امتدت هذه المرحلة من عام تأسيس الجمهورية التركية 1923 إلى عام 1949. حين أقرت التعددية السياسية وسمح بتأسيس أحزاب سياسية، وجرى تأسيس الحزب الديمقراطي (اليميني) بزعامة عدنان مندريس، الذي خاض انتخابات عام 1950 وحقق فوزاً كبيراً أخرج حزب الشعب الجمهوري من السلطة بعد 27 سنة من الانفراد بها.
- شكل حزب عدنان مندريس حكوماته طوال عقد الخمسينات من القرن الماضي حتى وقوع الانقلاب العسكري عام 1960. وأُطيح بالحزب الحاكم وتولى سليمان ديميريل دفة القيادة طوال العقد التالي. وتابع ديميريل سياسة مندريس في تخفيف القيود الدينية والثقافية، ولكن من دون الاعتراف بالحقوق القومية لغير الأتراك.
- رغم وجود نحو 40 مجموعة عرقية وسياسية متنوعة، فقد كان الحديث عن «الحقوق القومية» محظوراً بالقانون والتطبيق، وكان التكلم بغير اللغة التركية في الأماكن العامة محظوراً ومخالفاً للقانون، وتترتب عليه عقوبات وغرامات. أما إصدار صحف أو عقد اجتماعات عامة باللغات القومية غير التركية، ومنها الكردية، فهو ممنوع ومجرّم قانونياً، لكن عقد السبعينات أظهر أهمية وضرورة الحديث عن الحقوق القومية، من دون أن يجرؤ أحد الأحزاب أو السياسيين على تعديل القوانين القومية على الرغم من إقرار التعددية السياسية منذ عقود.
- مع ظهور الحركة الإسلامية وأحزابها «العلمانية» بعد عام 1970، ومع تأسيس «الحزب الوطني» بزعامة نجم الدين أربكان على الساحة السياسية التركية، أصبحت الأصوات الكردية الدينية من الأصوات المحسوبة على أحزاب أربكان المتوالية: ملي نظام، والسلامة، والرفاه، والفضيلة. ولاحقاً، كان طبيعياً أن تكون المسألة الكردية على جدول برامج حزب العدالة والتنمية في مرحلة صعوده وتأسيسه عام 2001. إذ شارك العديد من الشخصيات الكردية في مرحلة التأسيس.
- عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002 بدأ تنفيذ وعوده الانتخابية ومنها الانفتاح على كل مكونات المجتمع التركي بكل قومياته وإثنياته وتياراته الفكرية والسياسية ومذاهبه الدينية وطوائفه الكثيرة. وجاء تنفيذ هذه الوعود على شكل حزم قانونية يصدرها البرلمان التركي، ومحورها الأساسي تطوير الحياة الديمقراطية في تركيا في كل مجالاتها، ولذلك سميت بالحزم الديمقراطية، وبلغت 10 حزم ديمقراطية. وكان أعضاء حزب العدالة والتنمية في البرلمان بمن فيهم أعضاؤه من أبناء القومية الكردية، في مقدمة البرلمانيين الذين يدافعون عن هذه الحزم الديمقراطية والحقوق القومية.
- تحقق الكثير من المطالب والحقوق لأبناء القومية الكردية، وتمكن صلاح الدين ديمرطاش (دمرداش) وهو زعيم حزب الشعوب الديمقراطي من أن ينافس على رئاسة الجمهورية أمام إردوغان عام 2014. غير أنه اعتقل عام 2016 وهو معتقل حتى الآن بتهمة دعم الإرهاب.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.