الإنجليزية في مناطق المعارضة من دون «إنجازات الأسد والبعث»

لم تدع الحرب السورية ناحية من نواحي الحياة إلا ودمرتها. وطاول الدمار البنى التحتية من كهرباء وماء وطرقات ومبانٍ حكومية ومنشآت طبية، وصولاً إلى المؤسسات التعليمية، التي نالها القسط الأوفر من الخراب والدمار ماديا ومعنوياً.
لكن رغم الواقع المرير، فإن الشعب السوري الموجود في مناطق الحصار الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، مصرّ على المضي بالعمل في قطاع التعليم؛ ما جعله يحوّل الخيم والمزارع إلى صفوف للتدريس، بعدما باتت أبنية المدارس والجامعات مجرد أطلال.
وإذا كانت المؤسسات التعليمية لا تزال ماضية في اعتماد المناهج التربوية التي كانت معتمدة قبل اندلاع الثورة، فإنها مستمرة أيضاً في التمسك بتدريس اللغات الأجنبية، رغم محدودية القدرات، وتقلّص الكادر التعليمي المتخصص فيها، وهذه اللغة تبقى مادة أساسية ومهمّة في الامتحانات الرسمية.
المتغيرات التي فرضتها الحرب على الشعب السوري في المناطق المحاصرة، لم تغيّر في إرادة السوريين المؤيدين للثورة، وتمسكهم باللغة الأجنبية مادة أساسية في برامجها، ولا سيما في شمال سوريا، وخصوصاً في محافظة إدلب أو في الغوطة الشرقية أو في محافظة درعا، رغم أن الظروف الأمنية والعسكرية تفرض فوارق، وإن ضئيلة بين هذه المنطقة وتلك.
وقال أبو علي عبد الوهاب، القيادي في «الجيش السوري الحرّ» في إدلب لـ«الشرق الأوسط»، إن «المناهج التي تعتمدها مدارس إدلب، هي المناهج نفسها التي كانت قبل الثورة»، مشيراً إلى أن هذه المدارس «ألغت بعض الدروس التي تتحدث عن إنجازات حافظ الأسد، وتمجّد حزب البعث»، مشيراً إلى أن «اللغتين المعتمدتين إلى جانب اللغة العربية، هما الإنجليزية والفرنسية، بحيث يختار الطالب إحدى هاتين اللغتين»، نافياً اعتماد أي لغة إضافية جديدة، مثل اللغة التركية كما يتردد، لافتاً إلى أن «المنظمات الدولية أسست مدارس نموذجية، لكن عددها قليل، وهي متخصصة بالأطفال فقط، وتعطيهم حصصاً ترفيهية إضافية، وتدرّس اللغة الإنجليزية نفسها التي تدرّس في المنهاج التعليمي الرسمي».
وعمّا إذا كانت مناطق سيطرة الفصائل الإسلامية ألغت المادة الأجنبية، أو غيّرت في المناهج التعليمية، قال عبد الوهاب: إن «المدارس الرسمية في هذه المناطق لا تزال تدرس المنهج نفسه، بما فيها اللغة الإنجليزية أو الفرنسية»، لكنه لفت إلى أن «بعض الفصائل الإسلامية ومنها (جبهة النصرة)، لديها معاهد خاصة، أنشأتها للتدريس».
وأحصت دراسات وضعتها منظمات حقوقية، ومؤسسات تعنى بحقوق الإنسان أن النظام السوري، حوّل في السنوات الأولى من الحرب، مئات المدارس والجامعات، إلى معتقلات لسجن المعارضين الذين جرى اعتقالهم وتعذيبهم، بعدما غصت السجون بمئات الآلاف من المعتقلين، في حين دمرت المؤسسات التعليمية الموجودة في مناطق سيطرة المعارضة بالبراميل المتفجرة.
ما يسري على محافظة إدلب، يسري أيضاً على الغوطة الشرقية المحاصرة، حيث أكد إسماعيل الداراني، عضو «مجلس الثورة بريف دمشق»، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المناهج التي كانت قبل الثورة، لا تزال هي المعتمدة الآن في مدن وبلدات الغوطة»، مشيراً إلى أن «اللغة الأجنبية المعتمدة هي الإنجليزية فقط»، لكنه لفت إلى أنه «في مرحلة التعليم الثانوي، يخيّر الطالب ما إذا كان يرغب في تعلّم اللغة الفرنسية إلى جانب الإنجليزية، لكنها تبقى مادة ثانوية، غير ملزم الطالب بتقديمها في امتحانات شهادة الثانوية العامة، أي البكالوريا».
ولفت الداراني إلى أن «مدراس الغوطة لم تعدّ بغالبيتها مؤهلة لاستقبال الطلاب، لأنها باتت مدمرة كلياً أو جزئياً، عدا عن النقص الحاد في الكادر التعليمي؛ لأن المدرسين بغالبيتهم، إما قتلوا أو فروا من المنطقة»، مؤكداً أن «التعليم يتولاه الآن بغالبيته طلاب الجامعات، الذين يدرسون المواد التعليمية بما فيها اللغة الأجنبية، لكن بالحد الأدنى، وحسب طاقاتهم»، كاشفاً عن أن «البلدات والقرى التي دمرت مدارسها، تتخذ الآن من الخيم والغرف الخشبية الموجودة في المزارع، صفوفاً للتعليم والتعويض على ما فاتهم».
ولا يختلف هذا الوضع، عما تعيشه القطاعات التعليمية في محافظة درعا، التي تعتمد المنهج نفسه واللغة الأجنبية نفسها، مع فارق بسيط وهو الغياب شبة التام للغة الفرنسية، حسبما أفاد الناشط الإعلامي المعارض في درعا حميد ناصير، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللغة الأجنبية المعتمدة في مدارس الجنوب، ومنها محافظة درعا هي اللغة الإنجليزية»، لافتاً إلى أن «غياب مادة اللغة الفرنسية عن 90 أو 95 في المائة من مدارس جنوب سوريا، مردّه إلى عدم وجود مدرسين لها».