تركيا تلحق مناطق «درع الفرات» جغرافياً... ولغوياً

اللاجئون في المدارس الرسمية إجبارياً

TT

تركيا تلحق مناطق «درع الفرات» جغرافياً... ولغوياً

اتخذت تركيا عدداً من الخطوات لإقرار نظام تعليمي يخضع لإشرافها في المناطق التي تم تحريرها من يد تنظيم داعش عبر عملية «درع الفرات» التي نفذتها بالتعاون مع فصائل من «الجيش السوري الحر».
وقامت السلطات التركية منذ انتهاء العملية العسكرية في أواخر مارس (آذار) الماضي بتأهيل المرافق الخدمية والمدارس على محور أعزاز - جرابلس الباب فيما يشير إلى بسط سلطتها فعليا على هذه المناطق وربطها بتركيا وإدخال اللغة التركية في العملية التعليمية إلى جانب اللغة العربية بالتوازي مع إدماج أبناء اللاجئين السوريين في الداخل التركي في النظام التعليمي وإلحاقهم بالمدارس الرسمية.
وقبل انطلاق العام الدراسي الجديد في مناطق سيطرة «درع الفرات» التي توجد بها فصائل «الجيش السوري الحر» الموالية لتركيا، خضع 5 آلاف و686 معلما سوريا، لامتحان قبول أجرته وزارة التعليم التركية في هذه المناطق التابعة لمحافظة حلب شمال سوريا، للتدريس في مدارس المنطقة خلال العام الدراسي الذي انطلق الأحد الماضي.

التجربة التركية
وحول النظام الجديد الذي بدأ تطبقه في هذه المناطق، قال علي رضا ألتون إل مدير برنامج «التعلم مدى الحياة» في وزارة التعليم التركية إن الوزارة كثفت من أنشطتها لتسهيل إجراءات العام الدراسي في المدارس والمراكز التعليمية بمناطق «درع الفرات» التي تم تطهيرها من تنظيم داعش و«وحدات حماية الشعب» الكردية، مشيرا إلى أنه تم تجهيز مدارس المنطقة من خلال حملات مساعدات نظموها لهذا الغرض من أجل سد احتياجات التلاميذ بالمنطقة من المواد الكتابية.
وأضاف أن الدراسة بدأت في نحو 500 مدرسة قاموا بتجهيزها يدرس بها نحو 150 ألف تلميذ، لافتا إلى أن الوزارة تعمل على نقل تجربة التعليم في تركيا، وبخاصة نظام التعليم الإلكتروني إلى مناطق «درع الفرات» خلال فترة قصيرة.
وأضاف المسؤول التركي أنه تم خلال العطلة الصيفية تنظيم دورات في التأهيل التربوي في 9 مراكز مختلفة، وأن الأولوية للمدرسين المتخرجين في سوريا، لافتا إلى أن أبناء المنطقة يرغبون في تعلم اللغة التركية، لذلك فإن وزارة التعليم التركية تخصص مدرسين من تركمان المنطقة الذين يجيدون اللغة لتدريسها لا سيما أن أغلبية سكان المنطقة هم من أصول تركمانية.

خطوة جديدة
وفي خطوة أخرى جديدة، تبدأ الدراسة في المعهد المتوسط للعلوم السياسية الذي أعلنت «أكاديمية آفاق للتطوير والتغيير» ومركزها مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا افتتاحه قبل العام الدراسي الجديد في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في خطوة هي الأولى من نوعها في مناطق «درع الفرات».
ويستمر تسجيل الطلاب حتى نهاية سبتمبر (أيلول) الحالي برسوم تبلغ ألف ليرة سورية تدفع في مقر المعهد. ويحق للمتقدم الحاصل على الشهادة الثانوية بكلّ فروعها ومصادرها (ائتلاف - عربية - التربية السورية - معياري - الهيئة الوطنية - المراكز المؤقتة في تركيا) التسجيل بالمعهد، وتقبل الشهادات بغض النظر عن تاريخ صدورها أو المعدل الحاصل عليه الطالب ويمكن للطلاب الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالتسجيل في الموعد، التقدم بطلب لإدارة المعهد للنظر فيه.
أما بالنسبة لأبناء اللاجئين السوريين في تركيا، قال مدير التعليم في ولاية إسطنبول التركية عمر فاروق يلكنجي إن المدارس السورية ستنهي خدماتها خلال السنوات الأربع المقبلة، فيما يستكمل طلابها دراستهم في المدارس التركية. وأضاف في مقابلة مع وكالة «الأناضول» في مناسبة بدء العام الدراسي الجديد، أن طلاّب بعض الصفوف الدراسية من السوريين سيلزمون بمتابعة دراستهم في المدارس التركية وأن الطلاب بمدارس التعليم المؤقت في المدن التركية سينتقلون تدريجيا إلى المدارس التركية.
وأشار إلى أن جميع الأطفال السوريين كانوا يدرسون بمراكز التعليم المؤقت، ولكن منذ العام الدراسي 2016 - 2017. تم إحداث تغيير نموذجي في التعليم وتم بداية، إلغاء الصفوف الأول والخامس والتاسع، وإجبار طلابها على التسجيل بالمدارس التركية، بينما ظل من لا يتقن التركية بشكل جيد من بين هؤلاء الطلاب خارج إطار النظام.
وعن التعديلات الجديدة، أشار يلكنجي إلى أنّ «عدد مراكز التعليم المؤقت بلغ هذا العام، 55 مركزا في إسطنبول، غير أنها لم تعد مستقلة كما كانت عليه في السنوات السابقة، فمنذ بداية العام الحالي تم ربط كل مركز بمدرسة تركية، لتتحول الدروس إلى المباني والمدارس التركية».
وقبل التعديلات الأخيرة لوزارة التعليم التركية، فإن 7 آلاف من الطلاب السوريين البالغ عددهم في إسطنبول 55 ألفا، تابعوا دراستهم بالمدارس التركية، و48 ألفا بمراكز التعليم المؤقت، لكن بعد تفعيل التعديلات، أصبح 29 ألف طالب بالمدارس، و26 ألفا بمراكز التعليم المؤقت من جملة 55 ألف طالب بإسطنبول.
وأضاف أن ألفا و711 متطوّعا يعملون بهذه المدارس، إلى جانب 828 مدرسا متعاقدين باللغتين العربية والتركية، لافتا إلى أن رواتب المدرسين المتعاقدين يتم دفعها وفق برنامج خاص مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، لتوظيف المدرّسين السوريين. ولفت إلى أن الطلاّب المسجّلين والحاملين لأرقام مؤقتة، سينتقلون تدريجيا خلال 4 سنوات إلى المدارس التركية، بمعنى أن جميع طلاب مراكز التعليم المؤقت سيتابعون دروسهم بالمدارس التركية.
وبخصوص المناهج، أوضح المسؤول التركي، أن المناهج بمراكز التعليم المؤقت مستقلة، في حين أن المدارس التركية ملزمة بالمنهج الرسمي.

صعوبات التوظيف
وحول مصير المدرسين السوريين، أو الحاصلين على الجنسية التركية، أوضح أن شروط انتقال العاملين والمدرسين في مراكز التعليم الخاص إلى القطاع العام التركي معلومة وتخضع للقوانين منها التمتع بالجنسية التركية.
كما تنطبق على هؤلاء المدرّسين القوانين التركية المطبقة على المدرسين الأتراك، منها معادلة الشهادة الجامعية، واستيفاء الشروط الكافية للتعليم، إضافة لاجتياز امتحان توظيف المواطنين الأتراك، وحتى الآن، لا يوجد أي تعديل في القوانين فيما يخص هؤلاء المدرسين.
وأشار المسؤول التركي إلى أن الطلاب الحاليين ليسوا جميعهم من القادمين من الحرب، بل هناك طلاب ولدوا في تركيا، ووصلوا لمرحلة التعليم، ولذلك فإننا نعمل بشكل جاد مع المدرسين المؤهلين ومنظمات المجتمع المدني.
وينطبق الوضع في إسطنبول على باقي أنحاء تركيا حيث يتم دمج الطلاب في مراحل التعليم قبل الجامعي والذي يصل عددهم إلى نحو نصف مليون في المدارس التركية بعد أن بدأ إغلاق مراكز التعليم المؤقتة للسوريين.



«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
TT

«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)

خلال السنوات الـ8 التي مرت منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016، كُتبت ملايين الكلمات عن آثاره. وحتى يومنا هذا، لا تزال قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقسم البريطانيين.

في المملكة المتحدة، هيمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على النقاش السياسي لسنوات، سيما بين عامي 2016 و2019. وبدا الأمر وكأن الملحمة لا نهاية لها. كنت نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة البريطانية طوال ذلك الوقت. وأعلم كم من الوقت استهلك الجدل الذي يبدو بلا نهاية.

لكن الساحة السياسية في المملكة المتحدة اليوم أصبحت أقل زخماً بحمى البريكست. واستقر النقاش الآن على شواغل أطول أجلاً: كيف يمكننا تنمية الاقتصاد؟ وكيف يمكننا التعامل مع مستويات الهجرة المرتفعة للغاية؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة أن ترسم طريقها في الساحة الدولية؟

وزير الخزانة البريطاني السابق كوازي كوارتنغ (غيتي)

في الأثناء، وفي أوروبا نفسها، هناك مشاكل ملحة لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمشاكل التي تواجهها أوروبا تماثل بشكل ملحوظ مشاكل بريطانيا.

يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اعتبار أنه عمل غريب وضرب من الجنون من جانب البريطانيين، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا أكثر تركيزاً على الداخل وأكثر تفتتاً من الناحية السياسية.

كان سقوط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا، في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مثالاً على مشكلة أوروبية لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جاء رحيل بارنييه، بعد 3 أشهر فقط، بعد وقت قصير من انهيار الائتلاف في ألمانيا، الذي دفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) 2025، بدل الموعد الذي توقعه الجميع في سبتمبر (أيلول).

في بريطانيا، بطبيعة الحال، حصلنا على نصيبنا العادل من الانتخابات المبكرة. كان قرار ريشي سوناك بإجراء الانتخابات في يوليو (تموز) 2024 أحدث دعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بعد الانتخابات المبكرة الناجحة التي أجراها بوريس جونسون عام 2019، وانتخابات تيريزا ماي المبكرة الكارثية عام 2017.

تظهر كل هذه الانتخابات المبكرة كيف أن الخروج البريطاني استشرف عصراً يتسم بقدر أكبر من عدم اليقين والفوضى. لا شك أن الأمور أصبحت أقل قابلية للتنبؤ بها بعد خروج بريطانيا، برغم أن المؤرخين سوف يتناقشون بلا أدنى شك حول ما إذا كان خروج بريطانيا أحد أبرز أعراض عصر الاضطرابات، أو بالأحرى أحد تداعياتها.

يشير نجاح دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية عام 2016 إلى أن الخروج البريطاني، الذي سبق انتخابات ترمب، كان جزءاً من مجموعة أوسع من المتغيرات.

كانت القضايا التي أدت إلى بريكست؛ بما فيها ركود النمو الاقتصادي والهجرة الجماعية وفقدان الهوية بالنسبة للعديد من الناس في الغرب، هي القضايا نفسها التي ساهمت إلى حد كبير في انتصارات ترمب الانتخابية في عامي 2016 و2024.

يواجه البريطانيون أسئلة ملحة عن النمو الاقتصادي (إ.ب.أ)

في بداية عام 2025، يواجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مشاكل تراجع النمو وارتفاع الهجرة نفسها. وتكمن خلف هذه الأسئلة القضايا المتعلقة بسياسات الهوية، والسياسات المثيرة للانقسام والمتعلقة بالعرق والجنس.

ويُقال إن الهوس المتصور بسياسات الهوية كان سبباً في إلحاق ضرر هائل بالديمقراطيين، كما بدا واضحاً في أحد الإعلانات الانتخابية الجمهورية، الذي يقول: «كامالا من أجلهم، والرئيس ترمب من أجلكم!».

هذه الرسالة المؤثرة بكل فعالية ألمحت إلى أن الديمقراطيين صاروا منغمسين في قضايا مثل حقوق المتحولين جنسياً، والاستخدام الصحيح للضمائر الشخصية، فضلاً عن مجموعة كاملة من النقاشات «المقبولة سياسياً» التي لم تكن على الإطلاق بين اهتمامات غالبية الأميركيين.

في أوروبا، هناك أيضاً مسألة الطاقة الرخيصة. وإلى أي مدى يتعيّن على الناس العاديين أن يدفعوا مقابل «التحول في الطاقة» لتصفير الكربون في اقتصاد بلدانهم عبر التخلي عن الوقود الأحفوري؟ لم تسبق أي قارة أوروبا في جهود «تصفير الكربون» أو الترويج للتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري. ومع ذلك، لم تشهد أي قارة صعوداً أقوى للشعبوية اليمينية من أوروبا. فالشعبوية اليمينية عموماً ليست صديقة لـ«التحول الطاقي» والطاقة الخضراء.

من الواضح أن كل هذه المشاكل تتجاوز قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تبدو أضيق وأكثر محدودية؛ إذ تنحسر أكثر في الزمن الماضي.

لكن بالنسبة لعشاق الاتحاد الأوروبي، فهناك شعور بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة خسارة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهم يزعمون أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كان بوسعهما التعامل مع هذه القضايا بشكل أكثر فاعلية.

غير أن الحقيقة الواقعية تشير إلى خلاف ذلك. فمن المرجح ألا يختلف الوضع الراهن من عدم اليقين والخلافات السياسية إذا ظلت المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حد ذاته لم يتسبب في الوعكة التي يعيشها الآن كل بلدان الغرب.

*وزير الخزانة البريطاني السابق