باحثون ناقشوا في لندن أزمات اليمن الإنسانية والسياسية

TT

باحثون ناقشوا في لندن أزمات اليمن الإنسانية والسياسية

تداول باحثون ومسؤولون يمنيون وعرب وغربيون، جملة ملفات سياسية وإنسانية واقتصادية واجتماعية، خلال حلقة نقاش، نظمها الأسبوع الماضي، المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بعنوان «الأزمة الإنسانية والسياسية في اليمن: صياغة رد أوروبي»، في العاصمة البريطانية لندن، وشارك فيها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
وخصصت الجلسة الأولى لمناقشة الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث عرض المحامي صالح النود تقريراً أعده مركز «مدار» في جامعة عدن، وثّق فيه آلاف الانتهاكات التي قامت بها الميليشيات الحوثية ضد المدنيين في عدن حتى عام 2015م. كما تحدث الباحث البراء شيبان عن الانتهاكات في تعز، والحصار المفروض على المدنيين من قبل قوات صالح والانقلابيين. وتحدث بعد ذلك ممثل مؤسسة «أوكسفام» عن الصعوبات التي تواجهها منظمات الإغاثة في إيصال المساعدات إلى المدنيين. ثم تحدث الأستاذ ماهر الحضراوي مساعد المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة عن جهود المركز في مساعدة اليمنيين، وخصوصاً في القضاء على مرض الكوليرا، وعن الصعوبات التي تواجه المركز في إيصال مساعداته الإنسانية للمحتاجين في اليمن.
وركزت الجلسة الثانية (بحسب بيان المركز) على الأزمة الاقتصادية في اليمن، وتحدث فيها خالد العبادي من البنك المركزي اليمني عن الصعوبات التي تواجه البنك في أعماله، وعن الجهود الكبيرة التي يقوم بها منسوبو البنك في عدن لإعادة تشغيل البنك بشكل كامل، كما طالب المجتمع الدولي بالضغط على الانقلابيين في صنعاء بعدم استخدام موارد الدولة في تمويل حروبهم، وكذلك تحدث وزير الشباب والرياضة اليمني السابق رأفت الأكحلي. وذهبت الجلسة الثالثة في حلقة النقاش إلى بحث «تمهيد الطريق أمام تسوية ما بعد الحرب – وسائل للتنمية البناءة والحد من خطر الصراع». وناقشت الجلسة دخول اليمن في صراعات متقاطعة، وماذا يمكن للاعبين الدوليين والإقليميين والمنظمات الدولية غير الحكومية القيام به، من أجل الحد من الصراع وحل الأزمة، إضافة للدور الأوروبي والإقليمي، بالتعاون مع المنظمات اليمنية الداخلية في تقليل التوتر وتحسين دور الحكومة وتقديم الخدمات، من أجل خلق بيئة داخلية آمنة ومستقرة.
كما دار في الجلسة تأكيدات من مشاركين يمنيين من أطياف مختلفة على ضرورة عدم تسطيح المسألة، والاكتفاء بالتعامل معها على أنها مجرد امتداد لصراعات طائفية وحسب، ودعوا إلى فهم التعقيدات والتقاطعات المناطقية والقبلية، وتاريخ الصراعات السابقة، واستيعاب أبعاد الصراعات الحالية، حتى يتسنى الاستناد على تقديم حلول تتواءم مع فهم المشكلة. وأكدت الناشطة الجنوبية جهاد عباس على أن أي حل للأزمة اليمنية يجب أن يتضمن المملكة العربية السعودية كطرف ضامن وموثوق به من سائر الأطراف اليمنية، وأن لا حل من دون المملكة العربية السعودية.
وشهدت حلقة النقاش حضوراً رفيع المستوى من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ووزارة الخارجية البريطانية، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وعدد من الدبلوماسيين الأوروبيين، وممثلين عن شركات استشارية ورجال الأعمال وإعلاميين عرب وبريطانيين.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.