مشروع «مؤتمر تأسيسي جديد» يكرس لـ«حزب الله» بالدستور ما يكسبه بـ«قوة الأمر الواقع»

يربك المسيحيين ويقترحه الغربيون مقابل نزع السلاح

سعد الحريري في لقاء سابق مع وليد جنبلاط ({الشرق الأوسط})
سعد الحريري في لقاء سابق مع وليد جنبلاط ({الشرق الأوسط})
TT

مشروع «مؤتمر تأسيسي جديد» يكرس لـ«حزب الله» بالدستور ما يكسبه بـ«قوة الأمر الواقع»

سعد الحريري في لقاء سابق مع وليد جنبلاط ({الشرق الأوسط})
سعد الحريري في لقاء سابق مع وليد جنبلاط ({الشرق الأوسط})

لا شيء يخيف غالبية الفرقاء المسيحيين في لبنان بقدر إنعاش التداول باقتراح الذهاب إلى «مؤتمر تأسيسي جديد»، يطيح باتفاق الطائف و«الميثاقية» التي أرساها بين المكونات الطائفية. والخشية من «المؤتمر التأسيسي الجديد» لا تتأتى من الفكرة في حد ذاتها، مع اعتراف القوى السياسية اللبنانية بأن عدم استكمال تطبيق «اتفاق الطائف» لا يحقق الأهداف المرجوة منه، وإنما من الربط بين هذه الفكرة والإطاحة بالمناصفة القائمة بين المسيحيين والمسلمين لصالح «المثالثة».
والحديث عن «المثالثة»، أي تقاسم السلطة بين الشيعة والسنة والموارنة، ليس جديدا، لكن أيا من الفرقاء المعنيين بهذه الصيغة أو الطامحين إليها أو المروجين لها، من أطراف محلية وخارجية، يجاهر بها علنا. ولعل رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، وهو من أشد معارضي «الطائف» منذ توقيعه، كان الأكثر مباشرة في التلميح إلى فكرة المثالثة، وإن من الناحية النظرية، بقوله مساء الأربعاء الماضي لقناة «المنار» التلفزيونية الناطقة باسم «حزب الله»: «يجب أن نكون كالمثلّث المتساوي الأضلاع. 3 أقطاب يمكن أن يشكلوا مثلثا، أي السيد حسن نصر الله والرئيس سعد الحريري وأنا، بحيث لا نستطيع أن نفكك هذا المثلث ونرمي كل قطعة في مكان، بل يجب أن نكون مرتبطين ببعضنا».
وعدا عن أن الحديث عن مثلث قوامه أمين عام «حزب الله» بوصفه ممثلا عن الشيعة، ورئيس الحكومة الأسبق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، بوصفه ممثلا عن السنة، وعون بوصفه ممثلا عن المسيحيين، وتحديدا الموارنة منهم، لا يذكر المكون الدرزي الممثل بالنائب وليد جنبلاط، من جهة، وهو بيضة القبان في ظل الستاتيكو السياسي القائم على الساحة اللبنانية، فإنه يستثني أيضا بقية القيادات والمكونات المسيحية. وكان من المتوقع مبادرة مسيحيي «14 آذار» إلى الرد سريعا على موقف عون، فاعتبرت النائبة في كتلة «القوات اللبنانية» ستريدا جعجع أن «المثالثة التي طرحها عون تنسف المناصفة واتفاق الطائف»، مشيرة إلى أن «ما أدلى به خطير جدا ومع احترامنا لشخصه الكريم فإنه لا يمثل المسيحيين وحده، وطرحه يذكرنا بترويكا الحكم أيام الوصاية السورية»، في إشارة إلى الحلف الذي كان قائما بعد اتفاق الطائف، بين الرئيس اللبناني الراحل إلياس الهراوي ورئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري.
بمعزل عن الأسئلة التي يشرع عون الباب أمام طرحها، فإن الدعوة للنقاش في فكرة «مؤتمر تأسيسي جديد» ليست جديدة. هي فكرة تطرحها الدول الغربية قبل الإقليمية، أقله منذ عام 2000، بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وتحديدا في معرض النقاش حول مصير سلاح «حزب الله» بعد «انتفاء صفة المقاومة» عنه، وفق ما تقوله مصادر سياسية لبنانية، قريبة من دوائر القرار الغربية لـ«الشرق الأوسط». وتوضح أن «الأميركيين والأوروبيين كانوا سباقين في اقتراح فكرة المؤتمر التأسيسي وهم يطرحونها في جلسات خاصة وخلال لقاءات مع مسؤولين لبنانيين، انطلاقا من أن نزع سلاح (حزب الله) لا بد وأن يقابله دمج الحزب في المنظومة اللبنانية، من خلال منحه مكاسب سياسية بديلة في مواقع السلطة وإداراتها».
وكانت المرة الأولى التي سمع فيها القادة اللبنانيون بفكرة «المؤتمر التأسيسي» أثناء زيارة موفد وزير الخارجية الفرنسية جان كلود كوسران إلى لبنان في شهر يونيو (حزيران) 2007، بعد عامين من اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، أحد عرابي اتفاق الطائف. ويقول مصدر سياسي مطلع في فريق «14 آذار» لـ«الشرق الأوسط» إن «كوسران نقل إلى عدد من المسؤولين اللبنانيين حينها تبلغه من الإيرانيين باقتراح إعادة توزيع السلطة على قاعدة المثالثة وليس المناصفة مقابل تسليم (حزب الله) لسلاحه». وفي مؤتمر سان كلو الحواري الذي جمع ممثلي القوى السياسية في فرنسا في يوليو (تموز) 2007، يتابع المصدر «سمع اللبنانيون مجددا بالاقتراح ذاته، من مسؤول فرنسي تولى متابعة الملفين الإيراني واللبناني، نقلا عن مسؤولين إيرانيين، مما حدا بالوزير مروان حمادة، الذي كان أول المتحدثين في المؤتمر، إلى التأكيد في مستهل كلمته على ضرورة تطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده، وتحديدا المناصفة بين المسيحيين والمسلمين».
ويذكر المصدر ذاته بالشعار الذي اتخذه النائب ميشال عون لحملته الانتخابية عشية الانتخابات النيابية عام 2009، وهو «الجمهورية الثالثة»، مما أطلق حينها تفسيرات وتكهنات كثيرة وصلت إلى حد اتهام عون بالسعي لإقامة جمهورية جديدة على أنقاض جمهورية الطائف، خصوصا أن عون كان من أشد معارضي الاتفاق عند توقيعه نهاية سبتمبر (أيلول) 1989 في مدينة الطائف السعودية، بحضور 62 نائبا لبنانيا من أصل 73.
وجاء الحديث عن مؤتمر تأسيسي للمرة الرابعة على لسان أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، الذي اقترح على طاولة الحوار مطلع 2012 «مناقشة خيار بناء الدولة وتطوير الفكرة إلى عقد مؤتمر تأسيسي وطني عنوانه بناء الدولة». وأشار إلى «وجوب معالجة الأسباب بدل النتائج على طاولة الحوار التي ستتناول الاستراتيجية الدفاعية»، لافتا إلى أنه «يمكن انتخاب المؤتمر على أساس تركيبة الشرائح الوطنية وليس على أساس طائفي أو مناطقي». ولاقت مواقف نصر الله انتقادات حادة، وصلت إلى حد وصفها بأنها «نعي لاتفاق الطائف وللدستور اللبناني»، وتطيح بـ«المناصفة» و«نهائية كيان لبنان وعروبته ونظامه الديمقراطي الحرّ»، ليسحب الاقتراح بعدها من التداول.
ومع بروز أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الأسابيع الأخيرة، وفشل القوى السياسية في التوصل إلى حد أدنى من التفاهم يسمح بتنافس ديمقراطي للوصول إلى الرئاسة، تعالت أصوات سياسية مطالبة بالدعوة إلى «مؤتمر تأسيسي»، انطلاقا من فشل صيغة اتفاق الطائف في تسيير شؤون الدولة وتمرير الاستحقاقات الكبرى. وعلى الرغم من أن «حزب الله» لم يدل بأي موقف في هذا السياق، واقتصرت المطالبة على عدد من حلفائه وحلفاء النظام السوري في لبنان كالوزيرين السابقين طلال أرسلان ووئام وهاب، فإن رئيس البرلمان نبيه بري سارع في جلسة الحوار الأخيرة التي عقدت مطلع الشهر الحالي، ووفق ما نقل عنه، إلى القول «نحن كمسلمين في لبنان، سنةً وشيعةً ودروزا وعلويين، نتمسك باتفاق الطائف وبصلاحيات المسيحيين، ولا عودة عن الطائف»، تزامنا مع تأكيد رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي أن «الكلام حول مؤتمر تأسيسي كلام مرفوض، لأن الأصل هو تطبيق الطائف كاملا بكل مندرجاته».
وكان الرئيس اللبناني ميشال سليمان، وفي معرض دعوته مطلع شهر مايو (أيار) الحالي، إلى «عدم التلكؤ عن واجب انتخاب الرئيس»، خاطب القوى السياسية بالقول، خلال افتتاح قرية رياضية باسمه في مدينة جبيل «بالله عليكم، لا تستدرجوا البلاد والعباد إلى مؤتمر تأسيسي، قد يؤدي في أحسن الأحوال، إلى الإخلال بالميثاقية والمناصفة، وتغيير وجه لبنان»، داعيا بدوره إلى «استكمال تطبيق اتفاق الطائف، الذي أرسى شبكة أمان نستظلها رغم هذه الظروف الاستثنائية الصعبة».
وعلى الرغم من أن الأهداف المرجوة من التداول باقتراح «مؤتمر تأسيسي» لا تبدو واضحة، خصوصا أن الطبقة السياسية لا تزال نفسها تتداول السلطة منذ الطائف، وبالتالي فإنها تتحمل عمليا مسؤولية أي خلل في تطبيق بنوده، فإن خبراء يربطون بين هذا الاقتراح والتعديل الطارئ على موازين القوى في لبنان، مع تصاعد نفوذ «حزب الله» ورغبته في التحكم بكل الاستحقاقات المفصلية.
وفي هذا السياق، ينفي الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، القريب من «حزب الله»، لـ«الشرق الأوسط»، أن «يكون الحزب بصدد إثارة موضوع المؤتمر التأسيسي في الوقت الراهن»، مشيرا إلى أن «السيد نصر الله عرض الفكرة عام 2012 من دون الدخول في أي طرح تفصيلي، ثم سحب الاقتراح على ضوء الانتقادات».
وتنسجم قراءة قصير مع ما تؤكده مصادر سياسية قريبة من «حزب الله» لـ«الشرق الأوسط» بقولها إن «الحزب سحب فكرة المؤتمر التأسيسي كليا من التداول بعد الردود السلبية التي تلقاها، وليست اليوم مطروحة على جدول أولوياته المتمثل في الحفاظ على الاستقرار ومعالجة القضايا الطارئة كانتخابات الرئاسة وقانون الانتخاب وقضية اللاجئين السوريين».
ويكرر قصير ما أفادت به مصادر لـ«الشرق الأوسط» لناحية أن «من يطرح فكرة المؤتمر التأسيسي جديا بعض المؤسسات الدولية والإقليمية والأوروبيين والأميركيين بالتعاون مع بعض الجهات المحلية، ولا علاقة لـ(حزب الله) بذلك».
ويقول قصير إن «فكرة المثالثة التي قال الفرنسيون في وقت سابق إنهم سمعوها من الإيرانيين هي فكرة مخترعة، والإيرانيون بدورهم قالوا إنهم سمعوها من الفرنسيين في إطار بحث الخيارات المتوافرة لاستيعاب سلاح الحزب بعد تحرير الجنوب عام 2000». ويجزم في الوقت ذاته بأن «(حزب الله) لم يطرح يوما فكرة المثالثة، وقياديو الحزب وكذلك حركة أمل يرددون دائما أنه لا طرح بديل عن اتفاق الطائف بالمعنى الرسمي».
في المقابل، يعرب الباحث والناشط السياسي توفيق الهندي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عن اعتقاده بأن «(حزب الله) هو من يقف فعليا وراء المطالبة بعقد مؤتمر تأسيسي، فيما المثالثة تعبّر عن رأي رئيس البرلمان، رئيس حركة أمل، نبيه بري، انطلاقا من مقولة مفادها أن الشيعة مغبونون في السلطة التنفيذية». ويوضح أن مطالبة «حزب الله» بمؤتمر تأسيسي هدفها «رسم معالم توجه لبنان في المنطقة، بمعنى أنه ومن خلال اتفاق جديد، يريد أن يكرس لبنان، بالدستور بعد الأمر الواقع، على أنه جزء لا يتجزأ من جبهة الممانعة، أي ربط لبنان بالمحور الإقليمي الذي تقوده إيران الإسلامية في المنطقة». ويرى الهندي في هذا السياق، أن «(حزب الله) ليس بحاجة اليوم إلى مهاجمة المسيحيين أو إرباكهم عبر الانتقال من المناصفة إلى المثالثة، ما دام تحالفه القائم والمستمر مع عون يمنحه تأييد جزء من المسيحيين».
وفي حين يؤيد قصير، من وجهة نظر شخصية «ضرورة إعادة النظر في اتفاق الطائف بعد أن كشف تطبيقه العديد من الثغرات، إن لناحية صلاحيات الرئيس أو صعوبة تنفيذ ما لم يطبق منه بعد»، يرى الهندي أن «اتفاق الطائف جيد ولا شوائب فيه إلا ببعض القضايا الإجرائية». ويوضح أن أهميته تتجلى في تأكيده على أن لبنان دولة حرة سيدة مستقلة، بعيدا عن أي وصاية مباشرة، أي السورية، أو غير مباشرة، أي الإيرانية، كما ينص على العيش المشترك والمساواة في السلطة بين المسيحيين والمسلمين إلى حين إلغاء الطائفية السياسية، لكن مع الحفاظ على ما يطمئن الطوائف من خلال المبادرة إلى تأسيس مجلس الشيوخ».
يعتبر الهندي، الذي كان في وقت سابق من الدائرة المقربة من رئيس حزب القوات سمير جعجع وأحد مستشاريه، أن «العلة ليست في الطائف، إنما في وقوع لبنان تحت الاحتلال السوري سابقا والإيراني راهنا»، منتقدا «ما دأبت الطوائف المدعومة سياسيا على القيام به لناحية عدم تنفيذ كل بنود الاتفاق».
وفي سياق متصل، يرى منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «قسما من اللبنانيين، وبعد توقيع اتفاق الطائف، تكيّف مع النسخة السورية منه، إذ وزعت الوصاية السورية السلطات بعد الطائف على القوى السياسية وفق معيار قربها منها، بمعنى أن (الرئيس الراحل) إلياس الهراوي و(النائبين) ميشال المر وسليمان فرنجية، على سبيل المثال، نالوا حصصا وازنة، فيما أقصيت بقية القيادات المسيحية إلى السجن (جعجع) أو المنفى (الرئيس الأسبق أمين الجميل والنائب ميشال عون)، وكذلك الحال بالنسبة لقيادات السنة والشيعة».
لا يستغرب سعيد أن يطرح «حزب الله» فكرة المؤتمر التأسيسي. يقول إن «الحزب بعد التحرير (انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان) عام 2000 وبعد صموده في حرب تموز (حرب إسرائيل ضد لبنان) عام 2006، بات يعتبر أن إنجازاته وظروفه تسمح له بإعادة توزيع السلطة، خصوصا مع وجود قوى مسيحية ممتعضة من (الطائف) وفي مقدمها النائب ميشال عون الذي يمكن أن يحصل (حزب الله) بسهولة على توقيعه، مقابل انصراف بقية القوى المسيحية إلى الاهتمام بملفات محلية ضيقة والاهتمام بالسياحة والحلم بتطبيق اللامركزية الإدارية وصولا إلى حديث البعض عن التقسيم».
في المقابل، لا ينكر المحلل السياسي قاسم قصير، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، أن «(حزب الله) وبعد حرب تموز 2006، اعتبر أن استمرار الحكومة في عملها بعد استقالة الوزراء الشيعة منها، كما حصل حينها، لا يمكن أن يتكرر، فطالب بضمانات أكبر واقترح فكرة الثلث الضامن في الحكومة»، وهو ما يسميه خصوم «حزب الله» السياسيون بـ«الثلث المعطل»، انطلاقا من أنه يمنح الحزب القدرة على تعطيل اتخاذ القرارات الحاسمة على طاولة مجلس الوزراء في حال لم يوافق عليها. ويستنتج قصير أن «(حزب الله) حقق من خلال هذه الفكرة التطبيقية، أي الثلث الضامن، ما يريد الحصول عليه من ضمانات من دون اللجوء إلى تعديل دستوري أو الإصرار على مؤتمر تأسيسي يعيد توزيع السلطة».
وفي موازاة جزم قصير بأن المؤتمر التأسيسي ليس أولوية «حزب الله» في الوقت الراهن، يستعيد سعيد الظروف التي أدت إلى توقيع «اتفاق الطائف». ويقول في هذا الإطار إن «الاتفاق بني على رغبة سنية بزعامة رفيق الحريري، ومسيحية عبر عنها البطريرك الماروني الاستثنائي السابق نصر الله صفير وجعجع، وبدعم سعودي، فيما عارضه كل من (حزب الله) وبري وعون وجنبلاط».
ويشير سعيد إلى أنه «مع بروز إيران كقوة إقليمية منذ التسعينات ومزايدتها على الدول العربية في رفع راية قضية فلسطين، بات (حزب الله) يعتبر أن موازين القوى تغيرت، وبالتالي فإن توزيع السلطة في الطائف، الذي أعقب سنوات الحرب الأهلية، لم يعد عادلا».
ويعرب منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» عن اعتقاده أن «المؤتمر التأسيسي يحتاج إلى توقيعين سني ومسيحي»، متابعا «التوقيع المسيحي تحصيل حاصل، محمد شطح (الوزير السابق الذي اغتيل في بيروت نهاية العام الماضي) مسيحي كفيل بالحصول على إمضائهم». ويلفت إلى أن «المسيحيين في لبنان باتوا يشعرون بأنهم مقيمون، ولا أحد من الناقورة حتى العاقورة مستعد للموت من أجل أحد لدى المسيحيين»، محملا القيادات المسيحية مسؤولية إفساح المجال من خلال تصريحاتهم لـ«حزب الله» بإثارة فكرة «المؤتمر التأسيسي».
بدوره، يشدد توفيق الهندي على أن «المتضررين من أي اتفاق جديد هم المسيحيون، خصوصا في ظل ظروف المنطقة والتغيير في التوازن الديموغرافي القسري في لبنان بسبب الهجرة الكبيرة التي طالت المسيحيين عدا عن التجنيس بالجملة في عهد الوصاية السورية». ويقول «صحيح أن المناصفة موجودة في اتفاق الطائف، لكن تنفيذه بالشكل الحالي لا يؤمن للمسيحيين المناصفة الحقيقية»، مبديا أسفه «لأن الصحة في العلاقات داخل الوسط المسيحي تذهب زيادة عن اللزوم، وضعف الموقف المسيحي، في حين أننا نجد في الوسط الشيعي ثنائية متنافسة ومتنافرة أحيانا لكنها تجتمع على موقف سياسي موحد يحقق لها مكاسب إضافية، وهذا ما ليس حاصلا لدى المسيحيين».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.