«العفو الدولية» تكشف عن صفقة أسلحة أُبرمت لصالح جوبا خارج القانون

سلفا كير يَعد بإنهاء الحرب واستعادة السلام والاستقرار

خلّف الصراع الدائر في جنوب السودان آلاف القتلى وتسبب في تهجير المئات (رويترز)
خلّف الصراع الدائر في جنوب السودان آلاف القتلى وتسبب في تهجير المئات (رويترز)
TT

«العفو الدولية» تكشف عن صفقة أسلحة أُبرمت لصالح جوبا خارج القانون

خلّف الصراع الدائر في جنوب السودان آلاف القتلى وتسبب في تهجير المئات (رويترز)
خلّف الصراع الدائر في جنوب السودان آلاف القتلى وتسبب في تهجير المئات (رويترز)

كشفت منظمة العفو الدولية عن تورط شركة في لندن في التوسط لإبرام صفقة أسلحة يُحتمل تسليمها لجوبا، التي جرى منعها من شراء الأسلحة بقرار من الأمم المتحدة، شاركت فيه بريطانيا.
وكشفت المنظمة في تقرير، اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، عن صفقة أسلحة ضخمة لصالح جنوب السودان من أوكرانيا، لعبت شركة يقع مقرها في لندن دور الوسيط في إتمامها، حيث كانت المورد الرئيسي لصفقة الأسلحة التي تمت سنة 2014، والتي كانت بقيمة 46 مليون دولار لحكومة جنوب السودان، وأبرز التقرير دور هذه الشركة المسجلة في المملكة المتحدة في واحدة من كبرى صفقات الأسلحة للدولة التي تمزقها الحرب.
وقالت المنظمة إن «الحكومة البريطانية كانت على علم بالممارسات المماثلة التي تجري داخل الأراضي البريطانية منذ ثماني سنوات دون أن تأخذ إجراءات فعالة، وذكر التقرير الذي أعده فريق من الباحثين في لندن وجوبا أن جنوب السودان استخدم هذه الأسلحة لقتل وتشويه آلاف المدنيين، وتسبب في أكبر أزمة للاجئين في أفريقيا. وأوضح جيمس لينش، رئيس منظمة العفو الدولية لمراقبة الأسلحة وحقوق الإنسان، أن «الحكومة البريطانية كانت مؤيدة صراحة لقرار الأمم المتحدة بحظر توريد الأسلحة إلى جنوب السودان، لكنها تغض الطرف عن الصفقات غير القانونية التي تجري تحت أنفها»، مشيراً إلى أن هناك ثغرات واضحة في تنظيم الشركات في المملكة المتحدة، ذلك أن تاجر الأسلحة غير المشروعة يمكنه عبر الإنترنت إنشاء شركة في المملكة المتحدة لتقديم أنشطة مختلفة، وقال بهذا الخصوص: «يجب على المملكة المتحدة مراجعة إجراءات تسجيل الشركات بسرعة لأنها توفر الآن الظروف المثالية لتصبح نقطة عبور في عمليات نقل الأسلحة التي دمرت جنوب السودان».
وأبرزت المنظمة أن الأسلحة المعنية كانت جزءاً من صفقة لم يتم الكشف عنها سابقاً بين شركة أسلحة أوكرانية تابعة للدولة، وشركة أخرى وقّعت بالإنابة عن جنوب السودان لشراء أسلحة بقيمة 169 مليون دولار، وتشمل هذه الأسلحة رشاشات، ومدافع هاون، وكميات من الذخيرة. وقال التقرير إن الصفقة تعد واحدة من كبرى عمليات نقل الأسلحة التي يتم الكشف عنها علناً منذ اندلاع القتال في ديسمبر (كانون الأول) 2013.
ولم تتمكن منظمة العفو الدولية من تحديد ما إذا كان بعض أو كل الأسلحة المدرجة في الوثائق التي نشرتها قد سلمت حتى الآن إلى جنوب السودان. لكن مدير الشركة المسجلة في بريطانيا نفى لمنظمة العفو تقديم الشركة أي معدات عسكرية إلى جنوب السودان. وأكدت المنظمة أنها زودت السلطات البريطانية بالوثائق والمعلومات التي حصلت عليها، مبرزة أن الحكومة كانت منذ ثماني سنوات على بينة بتعاقدات الأسلحة إلى منتهكي حقوق الإنسان والجهات المحظورة بما في ذلك سوريا وإريتريا وجنوب السودان، وقالت إن الحكومة البريطانية فشلت في اتخاذ أي إجراءات ذات مغزى ضد الشركات المعنية.
في غضون ذلك أعرب رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت عن أسفه لمعاناة شعبه بسبب استمرار الحرب في بلاده منذ أربع سنوات بين الجيش الحكومي والمعارضة المسلحة بزعامة ريك مشار، وقال في مقابلة مع إذاعة حكومية في جوبا، أمس، إنه ملتزم بوقف الحرب وإعادة السلام والاستقرار في البلاد. وأضاف كير موضحاً: «لست سعيداً، بل أعاني في دواخلي من المعاناة التي يواجهها شعبنا... وكيف لي أن أشعر بالسعادة وأنا أرى شعبي يعاني ويموت من الجوع بسبب الحرب؟»، ودعا الجميع للعمل معاً من أجل فتح صفحة جديدة في جنوب السودان، وقال بهذا الخصوص: «أعرف حجم المعاناة، وأبذل جهدي لانتشال البلاد من هذه الحالة التي تعيشها والخروج من دائرة الحرب».
كما شدد كير على أن عملية الحوار الوطني الذي بدأ أعماله في مايو (أيار) الماضي يعد الطريق الوحيد لاستعادة وحدة الدولة وتماسكها، وقال في هذا السياق «الحوار الوطني سينظر في المرارات التي لم تتطرق إليها اتفاقية السلام التي وقعت عام 2015.
ويعاني شعب جنوب السودان الذي نال استقلاله عن السودان عبر استفتاء شعبي عام 2011 من أوضاع صعبة بسبب الحرب التي اندلعت عام 2013، والتي خلقت ظروفاً اقتصادية سيئة بعد تدني إنتاج النفط الذي تشكل عائداته 98% من ميزانية الدولة، مما زاد من ارتفاع معدلات التضخم وتراجع العملة الوطنية أمام الدولار.



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.