قبّعة

قبّعة
TT

قبّعة

قبّعة

تلفّتُّ حولي لم أرَ أي عامل في المحلّ الكبير، القبّعة تقليديّة من جهة، وحديثة من جهة أخرى. سوداء، رسميّة، من طراز ما كان يعتمره الممثّلون القدامى كهمفري بوكارت، وغاري كرانت ومنتجمري كليفت وغيرهم، لكنّها حديثة، صغيرة جداً، لا تكاد حافتها الخلفيّة تزيد على سنتيمترين، قررت شراءها، لكني توقّفت. هناك في الجهة اليسرى ثلاثة أشرطة ضيقة ملوّنة. وجدت العاملة، على بعد نحو عشرة أمتار، في القسم النّسائيّ، اغتبطتُ، لوّحت بيدي وأنا أنظر إلى جهتها. هزّت رأسها، زال تحفّظها عندما اقتربت، بادرتُ: رجاء هل هذه للرّجال أم النّساء؟ تهكّم مرح انطبع على تقاطيعها الجادّة: «أيوجد فرق؟»، ابتعدت عني، حالاً. لم أزد. قد تعتبرني مستفزّاً، إن أضفت كلمة أخرى. تتّهمني بالتمييز. لن أشتري القبعة. دفعت عربتي. في شقّتي قبّعات مكدّسات، لم أستعمل قسماً منها. عندما اكتشف تلاميذي شغفي بالقبّعات، قدّموا لي قبّعة هدية في حفلة نهاية كلّ فصل. حتى سكان العمارة أخذت هداياهم تترى. وجدت غير قبّعة معلّقة بيد الباب، خالية من الاسم، بينما أخذت د. كارولين تحصي ما أعتمره بدفتر ملاحظاتها، بالأوصاف والألوان، وتعيده ونحن نضحك في أول مطعم يجمعنا، وزوجها يقهقه. سأقول لها حين نلتقي: تمنّيت لو كنت معي لأتأكد من صلاحيّة القبعة، بدل تهكم العاملة الجاف: «أيوجد فرق؟».
في البيت فتحت علّاقة المشتريات، لأضعها في الثلاجة، أو المطبخ، فوجئت، انتصبت القبّعة نفسها أمامي. من وضعها؟ لا أتذكّر، إذن من؟ يا لي من غبيّ، أخذ نسياني يتفاقم. هل هذه إحدى علامات الخرف؟ تفحّصتها، نعم هي، القبّعة ذاتها. أخذ قلبي يدقّ. ماذا لو اكتشف رجل الأمن ذلك؟ وجه الفتاة المصفر، عيناها الدّامعتان، نظراتها تلتهب بالرّعب. إحدى العاملات الضّخمات تشدّ على ساعديها بكلتا يديها، وتسيّرها أمامها وإلى جانبها رجل الأمن، العملاق، متجهّم الملامح، عيناه تتّقدان شرراً. تخيلته يدفعني بدل الفتاة، أي خزي؟ ستأكل الصحافة المحلية، ووسائل الإعلام بجسدي أسبوعاً في الأقلّ، هل سيصدّقونني؟ ستشمت ألسنة حادّة بي، وستأسى أخرى لما أصابني. قبل كلّ شيء. اللعنة عليك يا أحمد صدري. أول مرّة رآني قال لي: لماذا تستفزّ النّاس الأبرياء بقبح صلعتك؟ خذ هذه واسترها!
كيف سأدافع عن نفسي؟ أأقول للشّرطة وضعتها في الحقيبة دون أن أشعر! حتى أنا لا أقتنع بهذا الجواب السّخيف. لماذا لا أتصل بأحمد ليخرجني من المستنقع الذي أوقعني به. لا. ستضحك علي زوجته. كيف سيدافع المحامي عنّي؟
الحلّ الوحيد أن أرجعها. سيطلب مني رجل الأمن إيصال الشّراء. استبعدت الأمر، سأضع نفسي في موقف الاتهام. ماذا سأقول؟ سيشكّ في أكثر، سيرسلون ثلّة من الشّرطة لتفتّش شقّتي، فقد أفعل ذلك لأتستّر على سرقات أخرى. هذا ردّ فعل طبيعيّ. لا، لن أقدم على هذه الخطوة. ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
«هلْلُللووو». جاء صوت ماريان الغنج، في سماعة الهاتف، توسّلتُ: «ماريان، تعالي أرجوك. أحتاجك الآن».
قهقهتْ: «لماذا؟».
- «لا أستطيع الشّرح. عندي مشكلة عويصة، أنت وحدك تستطيعين حلّها، تعالي».
- ما هي؟
- سرّ.
- لست صاحب سر.
- رجاء.
قهقهت ببرود، يعجبني صوتها عندما تقهقه، كمغنية الأوبرا، يتصاعد درجات ثم ينفجر كقنبلة لذيذة.
- ينتهي عملي في الثّانية والنصف. بعد ساعتين. هه هه هه.
ماريان ذكيّة، نشطة، لمّاحة، أنا متأكد. وحدها من سيحلّ المشكلة. لكن كيف ستعالج الأمر؟ «لا أدري»... عندي أكثر من ساعتين، أخذت ألهي نفسي، تغدّيت وأنا أفكر. كيف أصبحت القبعة مع المشتريات؟ هل وضعتها أنا بدل أن أعلقها في مكانها؟ أتذكر أنني نظرت بتمعن إلى بضع قبعات أخرى، إحداها زرقاء عميقة، وأخرى صفراء، وثالثة بلون الخاكي، لكنها وحدها نطت كالضفدع في الحقيبة، لماذا هي وحدها؟ لا شكّ أنها صنعت لجني أراد أن يحرجني. لا أدري، قبل أن أرشف قهوتي، سمعت الباب يفتح، وخطوات ماريان في الممّر: هلْلُللووو
هتفتُ وأنا أنهض لاستقبالها: القهوة جاهزة.
- لا. تناولتها وأنا في الطّريق، ما المشكلة؟ ما السّرّ؟
أمسكت ببطاقة السّعر بالسّبابة والإبهام، والقبّعة تهتز كبندول السّاعة، وكأنّها كانت على رأس أجرب، وخوف عدوى الوباء يهددني. بينما كانت ضحكة ماريان تترى من دون انقطاع، وهي تصفّق: أتخيل نفسي في مركز الشرطة أتكفّلك، أخترع الأكاذيب لأدافع عنك. لكن لا عليك. سأرجعها الآن. هيّا.
أشرت إلى الطّعام: كلي أولاً.
- لا، لنذهب.
في محلّ الملابس، وقفت قرب الدرج الكهربائي الصاعد، قرب الباب، قلت لماريان: اذهبي وحدك.
- لا تتردّد.
- لن أجيء.
مغامِرةٌ هذه ال ماريان، ترى ماذا ستقول لهم؟ كيف ستحلّ المشكلة؟ تمشّيت في الجوار، لم أبتعد. بعد نحو عشر دقائق سمعت صوتها: تعال.
أخذت تلوح بكيس صغير ملفوف.
- ماذا فعلوا؟ ماذا قالوا؟
ضحكت مرّة ثانية: لم يقولوا شيئاً، لم يفعلوا شيئاً.
كانت تسخر من هلعي، تقلدني: «مشكلة عويصة». قلت لهم، إنّني وجدت هذه القبعة في موقف الحافلة، قبل أن أدخل، وجئت بها لأن اسم المحل في بطاقة السعر.
- ألم يسألوا عن الإيصال؟
- لا. أخذوها، وتركوني، وقبل أن أصل إلى الدّرج النّازل، سمعت شرطي الأمن ورائي يستوقفني، قال لي: «المدير يطلبك». رافقته إليه و...
قاطعتها: ألم تخافي؟
ضحكت: لماذا أخاف؟ ماذا فعلت؟
غمزت عينها: أنت تسرق وأنا أخاف؟
ضحكتُ: ماذا أراد المدير؟
- نهض من وراء مكتبه، عانقني، شدّ على يدي، امتدح أمانتي، ثم استدعى إحدى العاملات، قال لها: لتأخذ مجاناً أي شيء بما يعادل مائة دولار فأقل. أعادت التّلويح بالكيس ثانية.
ضحكتُ: هل اخترت شيئاً بحدود مائة دولار؟
هزّت رأسها: لا، أرخص شيء، بأحد عشر دولاراً وعشرة سنتات فقط.
- دعيني أرى.
هزت رأسها وهي تضحك: لا لا لا. لا تدخل نفسك في شؤون النساء.
-- كاتب عراقي مقيم في اميركا



شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
TT

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)

أثار خبر وفاة الملحن المصري محمد رحيم، السبت، بشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 45 عاماً الجدل وسط شكوك حول أسباب الوفاة، كما تصدر اسم رحيم «ترند» موقعي «غوغل»، و«إكس»، خلال الساعات الأخيرة.

وكان الفنان المصري تامر حسني قد أعلن عن موعد مراسم الجنازة عبر خاصية «ستوري» بصفحته الرسمية بموقع «إنستغرام»، لكنه سرعان ما أعلن تأجيل المراسم، لافتاً إلى أن طاهر رحيم، شقيق الفنان الراحل، سيعلن عن موعد الجنازة مجدداً، وكان الأخير أعلن تأجيلها «حتى إشعار آخر»، وفق ما كتب عبر حسابه بـ«فيسبوك».

وحسب مواقع إخبارية محلية، فقد تم تأجيل مراسم الجنازة عقب توقيع الكشف الطبي على جثمان الملحن الراحل، ووجود شكوك في شبهة جنائية حول وفاته، إذ تضمن تقرير طبي متداول إعلامياً ومنسوب لإحدى الإدارات الصحية بمحافظة الجيزة وجود «خدوش وخربشة»، و«كدمات» في الجثمان.

يذكر أن رحيم كان قد أعلن في شهر فبراير (شباط) الماضي عبر حسابه بموقع «فيسبوك» عن اعتزاله الفن، لكنه تراجع عن قراره ونشر مقطعاً مصوراً أكد خلاله عودته مجدداً من أجل جمهوره.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حسابه على «فيسبوك») ‫‬

كان الراحل قد تعرض لذبحة صدرية في شهر يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته مدربة الأسود المصرية أنوسة كوتة.

من جانبها، أعلنت أرملة رحيم قبل ساعات عبر صفحتها الشخصية بموقع «فيسبوك»، عن موعد الجنازة مجدداً بعد صلاة عصر اليوم (السبت)، من مسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد، لكنها قامت بحذف المنشور.

الشاعر والناقد الموسيقي المصري فوزي إبراهيم أكد أن «وفاة رحيم شكلت صدمةً لجمهوره ومحبيه حيث كان بصحة جيدة، وخرج من محنته المرضية الأخيرة وتعافى تماماً وذهب لأداء العمرة قبل شهر».

الملحن المصري محمد رحيم (حسابه على «فيسبوك»)

وتحدث فوزي لـ«الشرق الأوسط» عن رحيم الملحن، لافتاً إلى أن «إنتاجاته لها مذاق مختلف، وهذه السمة نادرة الوجود حيث عُرف بالتفرد والإبداع والابتكار الذاتي».

وذكر فوزي أن تعاونه مع رحيم بدأ مطلع الألفية الحالية واستمر حتى رحيله، حيث كان على موعد لتسجيل أحدث أغاني «الكينج» محمد منير من كلماته وتلحين رحيم.

ووصف فوزي، رحيم، بأنه «أحد عباقرة العصر وإحدى علامات الأغنية المصرية في الربع قرن الأخير»، لكنه كان يعاني بسبب تجاهله وعدم تقديره إعلامياً.

ويستكمل فوزي حديثه قائلاً: «إحساسه بعدم التقدير جعله يوظف طاقته بالعمل، ويبتعد عن السلبيات، حتى صار مؤخراً في المرتبة الأولى في قائمة التحصيل وحق الأداء العلني بالأرقام الرسمية من جمعية (المؤلفين والملحنين المصرية - الساسيرو)، حتى أن اسمه فاق اسم الموسيقار بليغ حمدي في التحصيل، كما جرى تكريمه بالعضوية الذهبية».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب الملحن الراحل على «فيسبوك»)

وتعاون رحيم مع عدد من الفنانين، من بينهم نانسي عجرم، وعمرو دياب، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وساندي، وكارول سماحة، وبهاء سلطان، وتامر عاشور، وجنات، وهيفاء وهبي، وغيرهم.

ومن بين الألحان التي قدمها محمد رحيم منذ بدايته قبل 26 عاماً أغنيات «وغلاوتك» لعمرو دياب، و«أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق»، و«أنا في الغرام» لشيرين، و«بنت بلادي» لفارس، و«ليه بيداري كده» لروبي، و«في حاجات» لنانسي عجرم.