واشنطن تحذر رعاياها بالعراق من اضطرابات محتملة جراء «الاستفتاء»

الأكراد يترقبون التصويت وسط أجواء مشحونة

الشرطة الكردية (أ.ف.ب)
الشرطة الكردية (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تحذر رعاياها بالعراق من اضطرابات محتملة جراء «الاستفتاء»

الشرطة الكردية (أ.ف.ب)
الشرطة الكردية (أ.ف.ب)

أصدرت السفارة الأميركية في العراق تحذيرا لرعاياها من اضطرابات محتملة أثناء الاستفتاء على استقلال كردستان العراق الذي تخطط السلطات الكردية في شمال البلاد له غداً (الاثنين)، رغم معارضة الحكومة المركزية في بغداد.
وقال تحذير السفارة الأميركية «يجب على المواطنين الأميركيين تجنب السفر إلى أو داخل المناطق المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان وحكومة العراق».
ولم تستجب حكومة كردستان لدعوات من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا لتأجيل الاستفتاء. كما تعارض إيران وتركيا بشدة الاستفتاء خشية أن يؤجج النزعة الانفصالية بين الأكراد فيهما.
وتسود أجواء من الترقب قبل أقل من أربع وعشرين ساعة من موعد إجراء الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، وسط الخشية من هذه الاضطرابات في أعقاب التحذيرات المتتالية من دول الجوار التي تعارض ذلك بشدة.
وفي أربيل، كبرى مدن إقليم كردستان ومعقل رئيسه مسعود بارزاني الذي دعا في يونيو (حزيران) إلى الاستفتاء، تزين الأعلام الكردستانية المنازل والمباني والسيارات. غير أن غالبية الذين سيدلون بأصواتهم، عبروا عن مخاوفهم من تبعات هذه المبادرة على الإقليم.
ويقول المواطن أحمد سليمان (31 عاماً): «بالحقيقة ننتظر بفارغ الصبر ما سيكون عليه الوضع بعد 25 سبتمبر (أيلول) لأننا نعرف النتائج مسبقاً أن غالبية شعبنا الكردي سيصوت بنعم للاستفتاء لأنه سيحدد مصيرنا ويحقق حملنا في بناء دولتنا».
لكنه ابدى مخاوفه مما سيحصل لاحقا.
وسيدلي ملايين الأكراد بأصواتهم يوم غد في ثلاث محافظات تتمتع بحكم ذاتي، إضافة إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين بغداد والإقليم.
وفي هذا الصدد، قال كاروان محمد (27 عاما)، إن «ما نخشاه هو مخططات دول الجوار وإلا جميع شعبنا مع الاستقلال لأننا لم نر أي خير مع العراق طوال هذه السنين». وأضاف الشاب الذي يعمل في بيع الملابس: «اليوم نرى دول الجوار تتفق ضدنا رغم أن لديهم كثيراً من الخلافات».
واعتبرت تركيا أن الاستفتاء «غير شرعي»، ونبه رئيس الوزراء بن علي يلدريم يوم أمس (السبت) إلى أن التدابير التي ستتخذها تركيا في حال إجراء الاستفتاء «ستكون لها أبعاد دبلوماسية وسياسية واقتصادية وأمنية».
وطالبت إيران وتركيا والعراق الخميس السلطات في إقليم كردستان إلى إلغاء الاستفتاء وهددوا باتخاذ إجراءات قاسية.
وفي السليمانية ثاني أكبر مدن الإقليم التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، يبدو المشهد أقل حماسة تجاه الاستفتاء.
ويقول كامران أنور (30 عاما): «سأتوجه إلى صندوق الاقتراع غدا، لكي أصوت ضد استقلال كردستان، لأن الوضع الحالي غير مناسب للاستقلال عن بغداد».
وأعرب أنور الذي يعمل معلماً عن خشيته بعد الاستفتاء قائلاً: «لدي مخاوف من حصار اقتصادي قد يفرض على الإقليم ومن اندلاع حرب داخلية مع الحشد الشعبي، كما أخاف أن أستيقظ من النوم لأشاهد دبابات تركية تدخل الإقليم».
لكن المدينة الأكثر حساسية هي كركوك التي تهافت سكانها على شراء المواد الغذائية، لكنها بدت هادئة صباح الأحد، وتغطي شوارعها الأعلام الكردية ورايات لإحياء ذكرى عاشوراء.
وقدم الاتحاد الوطني الكردستاني مقترحا إلى بارزاني يتضمن تأجيل الاستفتاء في مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها تفادياً لاندلاع نزاع.
وقالت النائبة آلا طالباني في رسالة حصلت الصحافة الفرنسية على نسخة منها: «هناك اجتماع اليوم في أربيل حول تأجيل الاستفتاء في كركوك والسيد نيجرفان بارزاني على تماس تام معنا حول هذا الموضوع والرجل متفهم تماما للمناشدات المحلية والدولية».
وليست كركوك جزءاً من المحافظات الثلاث التي تشكل منطقة الحكم الذاتي في كردستان. وهي منطقة متنازع عليها بين حكومة بغداد والأكراد الذين يؤكدون أنها تعود لهم تاريخياً قبل أن يطردهم منها صدام حسين ويوطن عشائر عربية فيها، على حد قولهم.
وتصاعدت التهديدات وأصبحت أكثر وضوحاً داخل العراق ضد كردستان.
وقال مستشار الأمن الوطني رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض إن «الحكومة الاتحادية ستؤدي جميع مسؤوليتها التي كفلها الدستور لحماية الأراضي العراقية وعدم تقسيمها». وأضاف أن «الاستفتاء هو عمل استفزازي وكسر للأطر التاريخية بين العرب والكرد وسيكلف الجهات الراعية له ثمناً باهظاً»، موضحاً أنه «متى ما تم الاستفتاء فسيتم الرد عليه بأسلوب دستوري وقانوني».
وتشكلت معظم فصائل الحشد الشعبي بعد انهيار الجيش العراقي في يونيو 2014 من أجل محاربة تنظيم داعش الذي استولى على ثلث مساحة العراق.
وصدر رد فعل حاد من عصائب أهل الحق أحد أبرز الفصائل المسلحة ضمن الحشد الشعبي تجاه الاستفتاء.
وقال محمود الربيعي المتحدث باسم الجماعة: «ندعو ونؤكد أن تقوم السلطات الاتحادية التشريعية والتنفيذية بواجبها الوطني واتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بالتصدي لهذا المشروع الذي يهدد السلم الأهلي والأمن الوطني وينذر بتصعيد وتوتر مجتمعي قد يفضي إلى ما لا يحمد عقباه».
ودعت واشنطن والدول الغربية كذلك إلى إلغاء أو تأجيل الاستفتاء.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.