الأسرار الخمسة للمطبخ الفيتنامي

الجامع بين الرائحة الطيبة واللون الجميل والمذاق الطيب

الأسرار الخمسة للمطبخ الفيتنامي
TT

الأسرار الخمسة للمطبخ الفيتنامي

الأسرار الخمسة للمطبخ الفيتنامي

أصبح المطبخ والطعام الفيتنامي من أشهر المطابخ وأطباقه من أشهر الأطباق حول العالم في السنوات القليلة الماضية، ولهذا السبب انتشرت المطاعم الفيتنامية في كل حدب وصوب في العواصم الغربية الكبرى والمدن الرئيسية في كل مكان. وقد أصبح لهذا المطبخ الممتاز عشاقه ومحبوه بعد سنوات طويلة من سيطرة المطابخ الآسيوية الصينية واليابانية والهندية على المشهد المطبخي إلى جانب المطابخ الكلاسيكية كالمطبخين الفرنسي والإيطالي. وبهذا يضاف المطبخ الفيتنامي إلى لائحة المطابخ الآسيوية الممتازة والتي تضم المطابخ التركية واللبنانية أيضا. وإضافة إلى ذلك ينضم المطبخ الفيتنامي إلى لائحة أكثر المطابخ المفيدة للصحة في العالم أيضا - وفي هذا تبرير لشعبيته في السنوات الأخيرة، بعد تطور الوعي العام واهتمام الجمهور بالمأكولات الصحية والمفيدة للجسم - وذلك لعدة أسباب يأتي على رأسها كثرة استخدام الأعشاب والخضراوات الطازجة إلى جانب معكرونة النودلز والرز والقمح وفاصوليا المونج. وتنتشر المطاعم الفيتنامية كثيرا في البلدان التي توجد فيها المهاجرون الفيتناميون بكثرة كأستراليا وبريطانيا وخصوصا العاصمة لندن، والولايات المتحدة الأميركية التي حاربت في فيتنام لسنوات وفرنسا التي سبقت أميركا في محاولات السيطرة على فيتنام منذ القرن الثامن عشر، وكندا واليابان وكوريا وسلوفاكيا وبولندا وروسيا وألمانيا. ويعتبر الخبراء الأسواق الشعبية ومطاعم الشوارع المفتوحة في مدينة هوشي منه من أفضل عشر أسواق طعام في العالم.
بشكل عام يكثر الفيتناميون في أطباقهم، من استخدام الفلفل الحار (خصوصا الصغير الحجم والقوي) وحليب جوز الهند واللايم وعشب الليمون والتمر الهندي وقصب السكر والهليون والبطاطا ومعجون القريدس، صلصة الصويا، صلصة القريدس، الرز، عشبة الليمون، الزنجبيل، النعناع الفيتنامي، الكزبرة، الريحان الفيتنامي، القرفة والفلفل الحار. ورغم التأثير الكبير للمطبخ الفرنسي على هذا المطبخ الممتاز، تختلف طرق الطهي من منطقة إلى أخرى أيضا إذ يعتمد بعضها على الغليان وغيرها على القلي وبعضها الآخر على الشوي. ويكثر استخدام القلي السريع المعروف بـ«ستير فراينغ» كما يستخدم الناس كثيرا عيدان الأكل المعروفة تقليديا في كل من اليابان والصين، ويقللون من استخدام الألبان والأجبان والزيوت.
وكما هناك تأثير كبير للمطبخ الفرنسي على المطبخ الفيتنامي، ولكن هناك تأثير أوروبي واضح عام على هذا المطبخ، وخصوصا على صعد استخدام الصلصات واللحوم والنباتية إلى جانب الباغيت واللفائف الفرنسية. ويجدر الذكر هناك أن هناك الكثير من الطلب في بعض أنحاء البلاد على اللحوم الغريبة مثل لحوم السلاحف والثعبانين والحشرات وغيرها.
بأي حال وعلى الصعيد المناطقي، لا بد من الذكر أن لكل منطقة استخداماتها المطبخية، ففي المناطق الشمالية في فيتنام وبسبب قربهم من الصين وتلاقحهم الثقافي والمطبخي معها - يكثر الناس من استخدام صلصة الصويا والفلفل الأسود، أكثر من غيرهم في بقية المناطق الأخرى حيث يكثر الناس من الاعتماد على استخدام صلصة السمك. ولأن المناطق الشمالية مناطق باردة تكون الأطباق أقل اعتمادا على التوابل المتعذر وجودها، ولذا يستخدم الفلفل الأسود كبديل عن الفلفل الحار الطازج. ويخلط المطبخ الشمالي بين الكثير من المذاقات وخصوصا المذاقات الخمسة: الحلو والمر والحامض والمالح والحار ويوازن بينها باعتدال.
وفيما يستخدم لحم الدجاج والبقر، فإن أهل الشمال يكثرون من استخدام حيوانات المياه العذبة وخصوصا القشريات والرخويات كالقريدس والحبار والسرطان وبلح البحر والمحار، فيما تكثر أطباق السرطان في هذه المناطق، فإن صلصة الصويا وصلصة السمك وصلصة القريدس واللايم من المكونات الرئيسية لنكهة الطعام. ومن أشهر الأطباق الفيتنامية التي زحفت من الشمال وهانوي إلى المناطق الجنوبية هي: حساء البونزيو - Bún riêu cua أو سرطان الشعيرية وطبق لفة الكعك «بانكوون - Bánh cuốn» وأطباق أخرى لنودل الأرز مع الدجاج والسمك المشوي.
المناطق الوسطى الجبلية غنية جدا بالبهارات والتوابل، ولذا تعتبر أكثر المناطق إنتاجا للأطباق الحارة، والأطباق المزخرفة والملونة التي كان يعرف بها المطبخ الفيتنامي الملكي قديما. ولهذا السبب أيضا يوجد في هذه المناطق الكثير من الأطباق المعقدة والمتطورة والتي تقدم بصحون صغيرة. وتشير الموسوعة الحرة بهذا الخصوص، إلى أن صلصات الفلفل الحار والروبيان القريدس من بين أكثر المكونات المستخدمة هناك.
ولأن المناطق الجنوبية تتمتع بطقس حار وتملك تربة خصبة في جنوب، فإنها غنية بمجموعة واسعة من الفواكه والخضراوات والثروة الحيوانية. ولهذا فإن أطباق الجنوب غالبا ما تكون حيوية وطيبة المذاق. ولا عجب أن يكثر استخدام الثوم والأعشاب الطازجة والبصل. ولأن هناك الكثير من المناطق الساحلية تكثر الأطباق البحرية ويكثر استخدام السكر وحليب جوز الهند أيضا.
وتقول الموسوعة الحرة، إن الملح يستخدم لتدليل على الرابط أو العلاقة بين عالمي الموت والحياة. وتستخدم الحلويات لتذكير الأزواج الجدد بالكمال والانسجام خلال حفلات الزفاف. وغالبا ما يوضع الطعام في مذبح الأجداد باعتباره كضحية للموتى في المناسبات الخاصة. ويلعب الطبخ والأكل كما يبدو وكما هو الحال في العيد من الثقافات والشعوب «دورا مهما للغاية في الثقافة الفيتنامية. فكلمة أكل - ăn يتم تضمينها في عدد كبير من الأمثال ولديها مجموعة كبيرة من الامتدادات الدلالية».
ويقال إن أسرار المطبخ الفيتنامي تكمن في الجمع بين الرائحة العطرة والذوق واللون. ويعتمد هذا المطبخ دائما على خمسة عناصر أساسية للتوازن أو خمسة مذاقات حسية أساسية: حار (معدن)، حامض (خشب)، مر (نار)، مالح (ماء) وحلو (أرض).
كما تشتمل الأطباق الفيتنامية أيضا على خمسة أنواع من المواد الغذائية: مسحوق وماء أو سائل وعناصر معدنية وبروتين ودهون. وعادة ما يحاول الطباخون الفيتناميون الحصول على خمسة ألوان في أطباقهم أيضا: أبيض (معدن)، أخضر (خشب)، أصفر (أرضي)، أحمر (نار)، أسود (ماء).
بأية حال فإن المطبخ الفيتنامي انعكاس مباشر لطريقة حياة الناس في فيتنام من بداية التحضير إلى طرق وسبل التقديم إذ صح التعبير. فلطالما كان معظم الفيتناميين فقراء من الناحية المادية بسبب الحروب والصراعات السياسية والتغيرات الثقافية خلال القرون القليلة الماضية، ولهذا كانت مكونات الأطباق بسيطة، لكن محاولات إيجاد اليينغ واليانغ أي التوازن بين الأضداد، تمنحها شكلا بسيطا ومذاقات غنية للغاية.
وبسبب الفقر اعتاد الفيتناميون على الاقتصاد والتدبير ولذا تكون مكونات أطباقهم انعكاسا لذلك، فعندما يذبحون البقرة مثلا يستخدمون كل شيء ولا يبذرون شيئا وينطبق الأمر نفسه على التعامل مع الخضراوات وشتى الخيرات. ولا عجب أن يفضل الفيتناميون تناول الطعام جماعيا، وأن يشارك جميع أفراد العائلة في تناول وجبة الطعام وعادة ما يشارك الجميع الأطباق الرئيسية ولا يملك الفرد على المائدة إلا طاسة الرز. وفيما ينتظر الصغير الكبير للبدء بتناول الطعام وتسكب الناس الأرز لأفراد العائلة كتقليد، يقوم أفراد العائلة باختيار وتقديم الطعام لبعضهم البعض تعبيرا عن المحبة والمودة.
ولا بد من الذكر هنا أن للمطبخ الفيتنامي جذورا ملكية منحته الكثير من مواصفاته الممتازة، ولهذا تتمتع أطباق المناطق الوسطى التي كانت مركز الأباطرة والحكم بأطباق فاخرة وملونة ومعقدة من ناحية التحضير. ويشير المؤرخون، إلى أن سلالة نغوين التي حكمت فيتنام من بداية القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، كانت تملك أفضل الطهاة في البلاد والذي وصل عددهم أحيانا إلى 50 طباخا من جميع أنحاء المملكة الفيتنامية. وكان للعائلة الحاكمة ثلاث وجبات يوميا - 12 طبقا لوجبة الفطور و66 طبقا لوجبتي الغداء والعشاء، 16 طبقا منها من الأطباق الرئيسية و16 طبقا للحلويات. وكان الطبق الأساسي حساء عش الطيور.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

جولة على أطباق تراثية تعود إلى الضوء

الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)
الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)
TT

جولة على أطباق تراثية تعود إلى الضوء

الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)
الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)

يزخر مطبخ البحر المتوسط بأطباق طعام منوعة وغنية، بينها ما يعود إلى بلاد الشام وأخرى إلى بلاد الأناضول. فكل بلد يحضّرها على طريقته وبأسلوب ربّات المنازل. فكل سيدة تصنعها كما تشتهيها، وتحاول تعديلها بما يلائم رؤيتها في الطبخ.

مؤخراً، شهد المطبخ اللبناني عودة ملحوظة للأطباق التراثية. وبعض مؤلفي كتب الطهي وغيرهم من الطهاة المعروفين يبحثون عنها، فيجوبون القرى والبلدات كي يعثروا على أصولها الحقيقية.

«الشرق الأوسط» اختارت 3 أطباق تراثية من المطبخ اللبناني، بينها ما يعود أصولها إلى القرى والضيع، وأخرى تم استقدامها من بلد آخر لما شهد لبنان من حضارات مختلفة.

رشتة المعكرونة والعدس (الشرق الاوسط)

«الزنكل بالعدس» طبق شتوي بامتياز

قلّة من اللبنانيين يعرفون هذا الطبق أو سبق وتذوقوه من قبل. في انتمائه إلى الصنف التراثي القديم، يشتهر هذا الطبق في قرى البقاع وجبل لبنان والشوف.

يتألف هذا الطبق من ثلاثة مكونات أساسية، ألا وهي العدس وحبيبات الزنكل والبصل المقلي. يعتبر من أشهى وأطيب الأطباق الشتوية. سريع التحضير ويحبّه أفراد العائلة أجمعين.

من أجل إطعام أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص، يكفي إعداد كمية 800 غرام من البرغل الناعم ووضعه في وعاء معدني ونقعه، يتم غمره بكمية من المياه ويترك لمدة ربع ساعة. ومن ثم يتم عصره لاستخراج المياه منه. ومع نصف كيلو غرام من طحين القمح يتمّ خلط الكميتين بواسطة اليدين. وعندما تصبح كعجينة متماسكة نقسّمها قطعاً صغيرة، ومن ثم ندوّرها لتأخذ حجم حبة الكرز تقريباً، وذلك تمهيداً لغليها مع «القليّة». وهي كناية عن مرقة مكوّنة من البصل والزيت، يضاف إليها مقدار كوب من العدس. وعندما ينضج العدس تصبّ جميع مكونات الطبق في وعاء واحد كي يغلي، فيوضع على نار هادئة فترةً تمتد بين 20 و30 دقيقة. ويقدّم هذا الطبق وجبة ساخنة بعد أن يضاف إليها الملح وبهارات الفلفل كلّ بحسب ذوقه.

"الزنكل بالعدس" طبق شتوي بامتياز (الشرق الاوسط)

تعدّ «الرشتة بالمعكرونة» من الأطباق السريعة التحضير، وتدخل على لائحة أشهر أنواع الحساء الشعبي في لبنان. وتشتهر هذه الطبخة في قرى جبل لبنان والمتن، وتتألف من ثلاث مكونات رئيسية ألا وهي المعكرونة والعدس والبصل.

يشبه تحضير هذا الطبق سابقه. وبعد أن يتم غلي العدس كي ينضج، يضاف إليه البصل المقطّع شرحات والمقلي بالزيت مع الكزبرة والثوم المهروس. في هذا الوقت يتم سلق 500 غرام من المعكرونة. وبعد تصفيتها يتم غمر جميع المكونات بالمياه، وتترك لنحو 10 دقائق على نار متوسطة، ويقدّم مع مخلل اللفت الأبيض.

«الباشا وعساكره» يفتح الشهية من سوريا إلى لبنان

البعض يعدّ هذا الطبق من أصول تركية، فيما أهل الشام يؤكدون أنه من ابتكارهم. ويشتهر به في لبنان أهالي قرى الشمال. وينتمي هذا الطبق إلى تلك التي تحضّر مع روب اللبن. ويتألف من قطع عجين محشوة بالبصل واللحم وقطع الكبة اللبنانية الفارغة. فيجمع بذلك طبقين معروفين في لبنان الـ«كبّة باللبن» و«الشيش برك».

يمكن تحضير الكبّة كما قطع الـ«شيش برك» في المنزل أو شراءها جاهزة.

ويتم تحضير روب اللبن بحيث يوضع نحو كيلوغرام منه في وعاء يضاف إليه ربع كميته من المياه. ويضاف إلى هذا المزيج ملعقتان من طحين الذرة. ويتم خلط المكونات الثلاثة بالمضرب إلى حين تأليفها مزيجاً متماسكاً. يترك هذا الخليط جانباً، في حين يتم قلي كمية من الثوم المهروس بزيت الزيتون أو الزبدة. ويمكن حسب الرغبة إضافة الكزبرة الخضراء إليه. فيما البعض يفضل أن النعناع اليابس والجاف عند الانتهاء من عملية الطهي. بعد أن نحصل على الثوم المحمّر نبقي الوعاء على النار ونضيف إليه المزيج المحضّر سابقاً. ويتألّف من اللبن والمياه وطحين الذرة. نأخذ بتحريك اللبن من دون توقف إلى حين وصول المزيج إلى درجة الغليان. بعدها وعلى نار هادئة نضيف إلى الخليط قطع الكبّة و«الشيش برك». وبعد نحو 10 دقائق يمكن تقديمه على المائدة مع كمية من الأرز المسلوق أو من دونه. ويمكن تزيينه بحبوب الصنوبر المحمّرة بالزبدة.