كيف ينظر سكان غزة إلى المصالحة بين حركتي فتح وحماس؟

الأمن والسيطرة على المعابر والوزارات أبرز الملفات الشائكة بين الجانبين

فلسطينيون يترقبون وصول أقاربهم عبر معبر رفح من رحلة الحج جنوب غزة (رويترز)
فلسطينيون يترقبون وصول أقاربهم عبر معبر رفح من رحلة الحج جنوب غزة (رويترز)
TT

كيف ينظر سكان غزة إلى المصالحة بين حركتي فتح وحماس؟

فلسطينيون يترقبون وصول أقاربهم عبر معبر رفح من رحلة الحج جنوب غزة (رويترز)
فلسطينيون يترقبون وصول أقاربهم عبر معبر رفح من رحلة الحج جنوب غزة (رويترز)

ينتظر سكان قطاع غزة بتلهف أكثر من غيرهم إنجاز اتفاق مصالحة، على أمل أن يخلصهم من الأزمات الحياتية الصعبة والمعقدة التي يعيشونها منذ زمن طويل، لكنهم يتعاملون بحذر شديد مع الاتفاق الأخير بين حركتي فتح وحماس في مصر، خشية من فشل أو انتكاسة جديدة، كما حدث خلال عشرات الجولات التي فشلت مسبقا.
وغلبت لغة التشاؤم على الفلسطينيين في غزة الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم حول ملف المصالحة الفلسطينية، حيث أكد جلهم أنهم لا يرون إمكانية تجاوز الكم الكبير من العقبات الموجودة في طريق المصالحة.
يقول فادي رأفت (27 عاما)، وهو خريج كلية الإعلام: «لست متفائلا لأن حركتي حماس وفتح كثيرا ما اتفقوا. لكن عند التطبيق يفشل الاتفاق وتعود الأوضاع إلى أسوأ ما كانت عليه».
ولتبرير تشاؤمه، أضاف رأفت «أنا خريج منذ ست سنوات، وأبلغ من العمر 27 عاما، لكنني لم أجد فرصة عمل، ولا يوجد لدي مستقبل هنا، لذلك أنتظر المصالحة بفارغ الصبر. أريدها بشدة، لكن عندما أرى أطراف الانقسام تتفق عشرات المرات على المصالحة ثم تفشل المصالحة، لا أستطيع أن أنظر بتفاؤل لهذا الاتفاق... ومع ذلك آمل أن يخيب ظني، وأن تنجح مصر بشكل كبير في هذه الجولة».
ويتفق التاجر عبد الرحمن حميدة (56 عاما) مع رأفت بقوله «أنا لست متفائلا كثيرا بنجاح المصالحة لأن الطرفين يبحثان عن مصالحهما الحزبية أكثر من مصالحنا. إنهم لا يولون لنا أي اهتمام ولا لقضايانا، أو ظروفنا الحياتية الصعبة».
وأضاف حميدة بلهجة غاضبة: «الشباب أصبح بلا مستقبل، وهم حاليا ينتظرون المصالحة من أجل أن يفتح معبر رفح حتى يهاجروا إلى أي دولة كي يعيشوا حياتهم. الوضع الاقتصادي يتراجع بقوة وأثر على الجميع. هناك تراجع في الدخل وزيادة نسب الفقر بشكل غير عادي، وبخاصة في السنوات القليلة الأخيرة التي سبقت وتلت الحرب الإسرائيلية في صيف 2014».
وحول مطالب سكان غزة تابع حميدة موضحا «للسكان تطلعات بسيطة في أن يتلقوا حقوقهم بالعلاج والسفر، وأن تأتيهم الكهرباء بشكل يليق بهم، وبخاصة أنها لا تصلهم سوى 3 أو 4 ساعات كل 20 ساعة. ولكن لا أحد يهتم... تطلعاتنا بسيطة وهي أن نعيش فقط». وتحدث حميدة عن معاناته الخاصة وأصحاب المتاجر والمصانع والتجار خلال فترة الانقسام التي صاحبتها حروب إسرائيلية كبيرة ضد قطاع غزة. وبسبب هذه الحرب والانقسام أغلقت مئات المصانع وزادت نسب البطالة والفقر، وتحول أصحاب المصانع والمتاجر بسبب ذلك إلى فقراء بعد 10 سنوات عجاف.
ويظن حميدة، أن المسؤولين لو كانوا يهتمون للناس لما وصلوا إلى ذلك الحد من الفقر والمعاناة. وبالتالي، فإنه من غير المرجح أن ينجحوا طالما أنهم لا يزالون يفكرون بالعقلية نفسها، حسب تعبيره. وعمليا توجد أمام المتحاورين عقبات عدة، تتمثل في ملف الأمن وموظفي حكومة حماس، والسيطرة على المعابر والوزارات والمؤسسات والدخل الضريبي.
من جانبه، يتوقع بكر قنديل (41 عاما)، وهو موظف تابع لحكومة حماس، أن تنجح المصالحة بين الجانبين في ظل الضغط الكبير الذي تمارسه مصر على السلطة الفلسطينية للتعاطي بإيجابية مع مواقف حماس. لكنه لا ينفي قلقه الكبير بأن تفشل الأمور مجددا. وقال بهذا الخصوص «هناك جدية واضحة لدى حماس لإنهاء الانقسام، ورغبة في إنقاذ ما تبقى من المشروع الوطني للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ومبادئه، والعمل على تجريم الاحتلال في المحافل الدولية، مع تعزيز العمل المقاوم الميداني، والوقوف جنبا بجنب ضد أي محاولة تسوية هزيلة أو تصفية للقضية. لذلك؛ نأمل أن ننجح هذه المرة».
ويدرك سكان غزة أكثر من غيرهم تعقيدات الوضع السياسي، ويعيشون حياة صعبة بكل فصولها؛ لذلك بدأوا يحلمون بحذر كذلك.
يقول الناشط الشبابي أحمد أبو عويلي (27 عاما) «الخشية من فشل الاتفاق مرة أخرى كبيرة. لذلك؛ آمل أن يضع طرفا الانقسام نصب أعينهم أجيالا عانت وما زالت تعاني الويلات من حالة التشرذم القائمة، وتحولت أبسط حقوقهم إلى مجرد أحلام لا قيمة لها على الأرض».
من جهته، يحلم الطالب الجامعي بلال جمال بتحسن الأوضاع في غزة، ويتطلع كغيره من الشبان للحصول على فرصة عمل لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وفتح الممر الآمن مع إسرائيل للسماح للعمال بالعمل هناك، وتحسين حركة السفر عبر معبر رفح، وتأمين حياة كريمة للمواطنين تنهي رغبتهم في ترك الوطن والهجرة. ويتخرج سنويا أكثر من 23 ألف طالب وطالبة من جامعات غزة، منهم ما يزيد على 60 في المائة يحصلون على فرصة عمل مؤقت لمدة ستة أشهر بعد عام ونصف على الأقل من تخرجهم. في حين أن الآخرين يعانون كثيرا للحصول على فرصة عمل ثابتة بعد ثلاثة أعوام من تخرجهم.
يقول المهندس محمد سالم (46 عاما) إنه يتمنى نجاح المصالحة من أجل توفير فرص عمل للخريجين كافة، بالإضافة إلى حل مشكلة الموظفين، وتسلم رواتبهم كاملة، وفتح معبر رفح بشكل دائم والسماح للمواطنين بالسفر دون ابتزازهم ماليا، وزيادة النشاط التجاري.
وأعرب سالم عن أمله في أن تكون هناك بوادر مصالحة حقيقية تحقق للفلسطينيين أمانيهم، مشيرا إلى أن تشاؤم المواطنين تجاه ما جرى في القاهرة مؤخرا يعود للتجارب السابقة الفاشلة، وإلى وجود بنود صعب أن يتنازل فيها طرف إلى الآخر.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.