نُذر مواجهة عسكرية وسياسية للسيطرة على السلطة في طرابلس

العاصمة الليبية منقسمة على نفسها... وتنافس محموم بين أطراف دولية للهيمنة على الملف الملتهب

شرطي ليبي أمام السفارة الإسبانية في طرابلس التي تعرضت لتفجير في نيسان الماضي (غيتي)
شرطي ليبي أمام السفارة الإسبانية في طرابلس التي تعرضت لتفجير في نيسان الماضي (غيتي)
TT

نُذر مواجهة عسكرية وسياسية للسيطرة على السلطة في طرابلس

شرطي ليبي أمام السفارة الإسبانية في طرابلس التي تعرضت لتفجير في نيسان الماضي (غيتي)
شرطي ليبي أمام السفارة الإسبانية في طرابلس التي تعرضت لتفجير في نيسان الماضي (غيتي)

بينما تهبُّ رياح الخريف من البحر، يعيش الناس هنا في قلق وترقب.
دخلتْ من الطريق الساحلي العريض، من ناحية غرب العاصمة الليبية، طرابلس، أربع سيارات سوداء من نوع «جي إم سي» التابعة لإحدى السفارات الغربية. وانطلقت، بزجاجها المعتم، من شارع الصيَّاد الضيِّق، في اتجاه مزرعة جرى استئجارها حديثا في ضاحية جنزور. وبعد ساعات قليلة مرت أربع سيارات أخرى مماثلة، في الاتجاه نفسه. وبنهاية اليوم بلغ العدد نحو عشرين. ولا تتحرك مثل هذه السيارات التي يوجد فوقها هوائيات للاتصال، إلا في مناطق النزاعات الخطرة، كما كان يحدث في العراق عقب دخول القوات الدولية لإنهاء حكم صدام حسين.
تبدو طرابلس، بسمائها الملبَّدة بالغيوم، مقبلة على أيام جديدة من النزاع، قد تندلع يوم 25 من الشهر الحالي، حيث بدأت فصائل محلية مسلحة ومتنافسة، في إعداد خطط للاقتتال طمعاً في السيطرة على العاصمة، وهذا تطور مثير لقلق رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، الذي أشار، من بعيد، خلال كلمته في الأمم المتحدة، أخيرا، إلى خطورة تجاوز الاتفاق السياسي المعمول به منذ مطلع العام الماضي.
ويقول عضو في المجلس الرئاسي، مُحبَطاً: إن هواتف كثير من المسؤولين الغربيين لم تعد ترد على مكالمات المجلس الضرورية. ويضيف: هذا مؤشر على أن هناك قِدراً موضوعا على النار لإنضاج «طعام سياسي» جديد، لا نعرفه، وقد لا نستسيغه.
المشكلة الأكبر، بحسب البعض، أنه لا توجد رؤية موحدة لدى الأوروبيين، على الأقل، بشأن حل المشكلة الليبية. والتنافس في ليبيا هذه الأيام ليس بين القوات التابعة للسراج، وقوات قائد الجيش الوطني، خليفة حفتر، كما كان في السابق، لكنه محصور في العاصمة بين بعضٍ من قوات السراج، ومجاميع مسلحة أعلنت مبايعتها وتأييدها لرجل الأعمال الليبي، ذي التعليم الغربي والجنسية الأميركية، عبد الباسط إقطيط، ليكون أول رئيس لليبيا.
وتدور شكوك بشأن علاقة هذا الرجل الحالم، مع دولة قطر، ومع جماعات مسلحة متطرفة في الداخل الليبي. لكن «إقطيط» نفسه يقول لـ«الشرق الأوسط» إن هذا ليس صحيحا على الإطلاق. ويوضح: «بالعكس أنا ضد الوجود القطري في ليبيا. وهذا شيء أقوله بكل صراحة. أنا ضد وجود أي دولة في ليبيا».
ويضيف كذلك: «أنا ضد أي مجموعة، أو تيار، أو حراك ولاؤه ليس للوطن. وأي مجموعة تأخذ تعليماتها من جهة خارجية، سواء كانوا إخوان مسلمين، يأخذون تعليماتهم من المرشد... سواء كانوا الجماعة المقاتلة التي تأخذ تعليماتها من الخارج، أو سواء كانت حركة تأخذ تعليماتها من أي شيخ أو إمام من خارج ليبيا. أنا لست مع هؤلاء».
وتؤشر عموم الحركات، بما فيها السيارات السوداء، على وجود تنافس محموم بين أطراف دولية للهيمنة على الملف الليبي. ويقول دبلوماسي غربي في طرابلس: أعتقد أنه يوجد جناحان في الوقت الراهن. الأول هو الجناح الأميركي البريطاني، والآخر هو جناح الاتحاد الأوروبي، لافتا إلى أن هذا الأخير يعاني من خلافات داخلية، وبخاصة بين فرنسا وإيطاليا وألمانيا.
وبينما توصَّل المبعوث الأممي، غسان سلامة، إلى خريطة طريق تهدف إلى تعديل الاتفاق السياسي (الذي جاء بالسراج)، وإجراء انتخابات شاملة قبل نهاية العام المقبل، دعا «إقطيط» الليبيين للخروج في مظاهرات للتغيير، حدد لها يوم غد، في ساحة الشهداء، التي تكثر فيها طيور الحَمَام، حيث كانت تُسمى في عهد معمر القذافي، الساحة الخضراء. ويوضح إقطيط، وهو يستعد للعودة من خارج البلاد إلى طرابلس، إن مظاهرات العاصمة «ستكون سلمية». وأن هذا التحرك «آخر فرصة لدينا لإصلاح البلاد وإصلاح المسار».
لكن الأجواء العامة في هذه المدينة المطلة على البحر المتوسط، والتي يعيش فيها نحو مليوني مواطن، تبدو مرتبكة وغير مطمئنة للمستقبل. ويقول ناصر، صاحب متجر لبيع الملابس، القريب من ساحة الشهداء: يوم غد سوف أغلق باب الدكان، وأمكث في بيتي وأتابع ما سيجري على شاشة التلفزيون.
ومثل كثيرٍ من سكان العاصمة، الذين تعبوا من الفوضى والاقتتال وقلة الأموال ونقص الخدمات، لا يعوِّل ناصر على مجادلات السياسيين، لكنه يريد من يحسم الأمر في طرابلس، مرة واحدة، حتى يشعر بالأمن والاستقرار، بعد نحو ست سنوات من الاضطرابات. ويضيف: دكاني تعرض للنهب مرات عدة. ولا أجد جهة يمكن أن أشكو لها لتعيد لي حقي، أو تلقي القبض على الجناة.
وفي المقابل، هناك من ينظر إلى يوم المظاهرات المعلن عنها، بأملٍ في تغيير أحوال المدينة. ففي الزاوية المطلة على فندق طرابلس الكبير، يجهِّز التاجر عبد الله بيارق أعلام الدولة الليبية، أمام باب دكانه، استعدادا لبيعها للمتظاهرين. وفي الشارع المقابل، قرب «حديقة الطفل»، يوزع شُبَّانٌ متحمسون أوراقا تدعو للاحتشاد يوم 25، والالتفاف حول «إقطيط».
وينظر الدكتور موسى قريفة، الأستاذ في جامعة طرابلس، إلى دعوة «إقطيط» للمظاهرات، قائلا إنها «إذا كانت في إطار التعبير عن الرأي، فلا بأس في ذلك». ويضيف قريفة الذي عمل أيضا مستشارا سياسيا لأطراف في المجلس الرئاسي: «أنا مع حرية التعبير عن الرأي، وتأمين أي مظاهرة، أو أي حراك شعبي... التعبير عن الرأي حق مضمون، وفقا للقانون والدستور، وكذلك لطبيعة المرحلة التي تتطلب أيضا وجود حركات شعبية وضغط شعبي في هذا الاتجاه أو ذاك».
وفي مكتب تابع لقوات الشرطة، الضعيفة، يقول مسؤول أمني في العاصمة: دعوة «إقطيط» لمظاهرات، ليس لها معنى إلا مناهضة سلطة السراج، مشيرا إلى أن السراج له قوات هنا... وهي قوات «كتيبة ثوار طرابلس» برئاسة هيثم التاجوري. وأعتقد أنها ستقف مع المجلس الرئاسي، إذا تعرضت مقراته، ومباني وزاراته، لتهديد كما حدث في السابق. لكن نحن في الشرطة، ليس لنا دخل في العمل السياسي. مهمتنا الحفظ على الأمن، وليس الوقوف مع أي طرف.
وتبدو العاصمة منقسمة على نفسها أكثر من أي وقت مضى. وتوجد فيها مخاوف قوية من تجدد الاقتتال وإطلاق القذائف العشوائية وسط البيوت، بين فريقين سبق لهما خوض حروب دامية في شوارع طرابلس وضواحيها قبل أربعة أشهر، ما زالت آثارها باقية حتى الآن.
الفريق الأول عبارة عن قوات محسوبة على مدينة مصراتة التي تقع على بعد نحو مائتي كيلومتر شرق العاصمة. وتُعد كثيرٌ من قيادات الميليشيات في مصراتة، ذات التسليح العسكري القويّ، من أكثر الأطراف قدرة على الدخول في تحالفات مع مجاميع مسلحة متطرفة، سواء من جماعة الإخوان، أو من الجماعة الليبية المقاتلة، كما حدث في معركة مطار طرابلس في 2014.
والفريق الآخر يتكون من مقاتلين جهويين من أبناء ضواحي العاصمة، وأبرز قوات هذا الفريق، مجموعة «التاجوري»، ومساعدوه من بعض المجاميع الدينية التي تدعو إلى «عدم الخروج على ولي الأمر».
وكان معظم الفريق الأول مواليا للسراج حتى مطلع هذا العام. وحققت فصائل عدة فيه، تحت اسم «البنيان المرصوص»، نجاحات عسكرية، كان آخرها طرد تنظيم داعش من سرت. لكن هذا الفريق، المُدرَّب جيدا، حاول الانقلاب على السراج، وموالاة حكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل، غير المعترف بها دوليا، في حرب اندلعت في العاصمة يوم 28 مايو (أيار) الماضي. وتمكنت قوات «التاجوري» وأعوانه، وقتها، من إفشال الخطة، وطردت قوات الفريق الأول من طرابلس.
ويقول مسؤول عسكري من الموالين لحفتر، وهو يتمركز مع قواته في جنوب غربي العاصمة: «نحن نراقب... لا دخل لنا في هذا الصراع». وعن تقديره لتوازن القوى في طرابلس، بالنظر إلى القلق من مظاهرات غدا، يوضح: أعتقد أن مجموعة مصراتة، سواء من بعضٍ من قوات «البيان المرصوص»، أو قوات الإخوان، أو قوات الجماعة المقاتلة، وجدوا في تحرك «إقطيط» فرصة للعودة من خلاله إلى طرابلس. لقد طُردوا منها، جميعا، في أواخر مايو الماضي، وحاولوا العودة، طوال الصيف، ولم يتمكنوا.
ويسعى «إقطيط» للظهور على شاشات التلفزيون، أمام العالم، وهو محمول على أعناق «المتظاهرين السلميين»، من وسط ساحة الشهداء، بصفته موحدا لليبيين، وبديلا عن حالة الانقسام السياسي وتعدد الحكومات المتنافسة. بيد أن هذا ليس هيِّنا، من أوجه عدة، على رأسها تحفُّز الميليشيات ضد بعضها بعضا، وعدم حسم الأمر من دعوة «إقطيط»، لدى قادة في الجيش والشرطة داخل طرابلس. أضف إلى ذلك، أن البلاد ليس فيها، بعد، ما ينظم عملية انتخاب الرئيس، من الأصل.
وفي الجانب الآخر من الشارع، الذي يقع فيه فندق عمر المختار، تقف عناصر مدنية مسلحة في ثياب شبه عسكرية، حول مدرعة تحت شجرة، وعليها مدفع رشاش من عيار 14.5 ملليمتر. وفي الخلفية تبدو رؤوس لأبراج سكنية طويلة مطلة على البحر، وقد توقف فيها البناء، بسبب الفوضى الأمنية، منذ سقوط نظام القذافي. ويقول أحد الشبان المسلحين الموالين لقوات «التاجوري»: تلقينا تعليمات بالانتشار. ربما كانت هناك أمور طارئة.
ويتحدث آمر لمجموعة أخرى قائلا: لن نسمح للأجانب بالسيطرة على طرابلس. ويقول ذلك وهو يتحدث عن السيارات السوداء التي عبرت إلى جنزور. ويضيف، أن أميركيين استأجروا مزرعة في جنزور، وبدأوا يتمركزون فيها. يستعدون لأمر ما. ويوضح آمر آخر من الموالين لـ«التاجوري» في منطقة إمعيتيقة: لن نسمح بعودة ميليشيات مصراتة إلى طرابلس، تحت أي مسمى، حتى لو كان الزعم بحماية مظاهرة «إقطيط».
وبثت عناصر يعتقد أنها محسوبة على أعضاء في المجلس الرئاسي، وعلى كتيبة «ثوار طرابلس»، سيلا من الشائعات، وزعمت أن «إقطيط» مدعوم من جماعات متطرفة، منها جماعة الإخوان والجماعة المقاتلة، ومن جهات غربية منها منظمة «إيباك» التي تعد بمثابة لوبي قوي في الولايات المتحدة الأميركية. كما تم نشر صورة له في اجتماع مع قيادات ليبية وتونسية من جماعة الإخوان.
وينفي إقطيط، المتزوج من سيدة إنجليزية، هذه المزاعم، ويقول إن الهدف من حراك يوم 25 المطالبة بإصلاح النظام الليبي الحالي، وتغييره، سواء في المنطقة الشرقية، (التي تهيمن عليها قوات حفتر)، أو في طرابلس (التي تسيطر عليها قوات تابعة للسراج). وعن صورته مع قادة الإخوان، يقول إنها تعود لعام 2013 حين كان يجري التفاوض معه لتولي موقع رئيس الحكومة الليبية.. و«هذا أمر قديم وانتهى».
ويعتقد البعض أن «إقطيط» مدفوع من الولايات المتحدة لإحداث حراك في الشارع، من أجل حث الأوروبيين والأطراف الدولية الأخرى على التوحد لحل الأزمة الليبية، لا غير. ويقول مصدر أمني أميركي مسؤول، في طرابلس: ليست لدينا توجيهات بشأن أي مظاهرات أو تحركات. هذا ليس من عملنا. أعتقد أن السياسة لها لعبتها الخاصة. البعض يدفع بشخص إلى الواجهة، حتى يتمكن من قراءة مؤشر التوجهات، بغض النظر عما يطمح إليه هذا الشخص.
ولا يخفي «إقطيط» العلاقة التي تربطه بالولايات المتحدة والغرب. ويقول: «لي علاقة بالحكومة الأميركية، وتربطني علاقة طيبة، وصداقة، مع حكومات عدة، أو مع جهات أوروبية عدة، ومع سياسيين أميركيين. نعم... هذا شيء أفتخر به. لكن أن أكون قد طلبت من جهة معينة أن تحميني فهذا لم يحدث».
رغم ذلك أثارت تسريبات عن احتمال وجود أميركي قوي في المشهد، في قابل الأيام، الرعب وسط أعضاء في المجلس الرئاسي، وفي مؤسسات أخرى، وبخاصة بعد أن أعلن «إقطيط» ذو البنية النحيفة والصوت الذي يعكس ثقة بالنفس، أنه سوف يعتمد بشكل كامل، صراحة، على الولايات المتحدة، وليس أي دولة أخرى، لمساعدته في النهوض بالدولة الليبية. بيد أن هناك ما ينذر بالخطر على أرض الواقع. فقد بدأت «كتيبة ثوار طرابلس»، التي تتكون من مئات عدة من الآليات المسلحة والمقاتلين الأشداء، في تنفيذ عملية لإعادة الانتشار في العاصمة. ويسود الاضطراب بين صفوفها بسبب اقتراب يوم غد، حيث تخشى من انفلات الأمور وعودة الميليشيات المناوئة لها إلى هنا. فقد قتل منها عدد من العناصر وهي تقاوم للاحتفاظ بطرابلس في حرب يوم 28 مايو الماضي.
وأخذت الكتيبة في توزيع قواتها في طرق رئيسية تفضي إلى ساحة الشهداء. وبالإضافة إلى ظهور عناصر مسلحة موالية لـ«التاجوري» في شارع عمر المختار، الذي تعتمد عليه متاجر رئيسية عدة، انتشرت سيارات مسلحة في شارع ميزران، وشارع الاستقلال، وبطول الحديقة العامة التي تطل على كل من شاطئ البحر والساحة المخصصة لحراك يوم غد. كما تمركزت عناصر مسلحة في أزقة قديمة مجاورة لقلعة السرايا الحمراء التاريخية التي تشرف على مكان المظاهرات.
وفي المساء، تحركت آليات أخرى تابعة للتاجوري قرب ميدان الجزائر. ومع حلول الظلام كانت الكتيبة نفسها قد نصبت بوابات في الطرق المؤدية إلى مقار وزارات المجلس الرئاسي.
ومع ذلك لم تتوقف الحملة الداعية للخروج يوم 25، ولا يقتصر الأمر على تنظيم المظاهرات، ولكن هناك دعوة أيضا أطلقها موالون لـ«إقطيط» للموظفين لإعلان «العصيان المدني»، في هذا اليوم. ويقول مسؤول في العاصمة، إن العصيان المدني «تحصيل حاصل... لأن حركة المواطنين والموظفين، في طرابلس، محدودة أساسا، بسبب الانفلات الأمني».
أما المجاميع المسلحة التي يُعتَقد أنها تسعى لاستغلال مظاهرات «إقطيط» في العاصمة، فقد وضعت هي الأخرى خططها الخاصة لهذا اليوم. ووفقا لمصادر قريبة من قيادات في مصراتة، فإن تحرك القوات سيبدأ من مراكزها الموجودة في خارج طرابلس، إلى داخل المدينة. وبدأت المعالم تتضح لإعادة انتشار قوات مناوئة للسراج، خلال الساعات الماضية، من جهات عدة على مشارف طرابلس، منها منطقة «القرة بولي» من الشرق، ومنطقة «بن غشير» من الجنوب.
أما في مزرعة جنزور، في غرب العاصمة، فقد جرى تخصيص مقر لاجتماعات سوف تعقد قبل موعد المظاهرات بيوم واحد على الأقل، وذلك داخل معسكر مجهز يطلق عليه أبناء المنطقة، هنا: «الكامبو». وتطوق المعسكر، حاليا، عشرات من سيارات الدفع الرباعي المنصوب عليها مدافع من عيار 23 ملليمترا، وسيارات سوداء مثل تلك التي شوهدت قبل أيام وهي تنطلق في اتجاه المقر نفسه.
ويقول الدكتور قريفة عن مخاوف بعض الأطراف من حدوث مواجهات بين مسلحين مؤيدين لـ«إقطيط»، ومسلحين مناوئين له، أو تابعين لحكومة السراج: إن «المخاوف تبقى موجودة».
ويضيف، أنه بالنسبة للذين يدعون للتظاهر، أو بالنسبة لمن يعارضونها، فإن أي مصادمات ستكون لها نتائج كارثية، وستضر بالمسار السياسي أكثر من السابق... «جرَّب الليبيون الحروب على مدار سبع سنوات، دون جدوى. ويجب أن يدركوا أن اللجوء إلى السلاح لن يكون حلاً، أبداً».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.