أكاديميون وباحثون عرب: المناهج النقدية في تراجع

الإبداع إذ يكسر قوالب المدارس

د. مصطفى الضبع - د.خولة شخاترة - د.حافظ المغربي
د. مصطفى الضبع - د.خولة شخاترة - د.حافظ المغربي
TT

أكاديميون وباحثون عرب: المناهج النقدية في تراجع

د. مصطفى الضبع - د.خولة شخاترة - د.حافظ المغربي
د. مصطفى الضبع - د.خولة شخاترة - د.حافظ المغربي

حين تقتني قطعة فنية فإن ما يهمك هو جماليتها ولا يهمك طريقة أو آلية صنعها... كذلك هي المادة التي تقرأها حول عمل إبداعي، لا يهمك بصفتك قارئاً عادياً إلى أي مدرسة نقدية تنتمي هذه الدراسة، ولا إن كان الناقد قد طبق فيها المعايير المدرسية وفق مسميات المدارس النقدية الشهيرة.. أنت بصفتك قارئاً لا تهتم بهذه التفاصيل المدرسية، لكن النقاد المتخصصين يعرفون هذه التفاصيل بحكم دراستهم أو اطلاعهم ويميزون إلى أي من المدارس تنتمي هذه الكتابة أو تلك. والسؤال الذي نطرحه في هذا التحقيق هو:
هل ما زالت المدارس النقدية الكلاسيكية كالبنيوية أو التفكيكية أو الواقعية، وغيرها من مدارس النقد، تُطبق فعلاً بمفهومها المدرسي أو الأكاديمي على الأعمال الأدبية، أم أنها أصبحت مجرد مصطلحات رصينة تتربع على صفحات المراجع للدراسة فقط وللتاريخ؟ وإن كان كذلك، فما الأسس التي يعتمدها النقاد اليوم؟
الناقد الدكتور مصطفى الضبع، ‏وكيل كلية دار العلوم بجامعة الفيوم وأستاذ الأدب العربي الحديث بالجامعة الأميركية بالقاهرة‏، لديه سلسلة كتابات نقدية على درجة من الأهمية، ويعد حالياً لمعجم نقدي عن الشعراء المعاصرين، طرحنا عليه السؤال فأجاب بأن «المناهج النقدية العربية في تراجع، والأسباب متعددة ليست تخص المناهج في حد ذاتها، وإنما تتشارك مجموعة من العوامل في تسجيل تراجعها». ويفصل الدكتور مصطفى الضبع الموضوع بشكل أدق فيقول: «هي عوامل تخص النقاد العرب الذين وقد عملوا على هذه المناهج دون محاولتهم قراءة الأعمال الإبداعية الغربية التي كانت مرجعية لهذه المناهج؛ مما جعلها مناهج مستنبتة في غير موطنها. الأكاديميون منهم طبقوا المناهج بطرائق آلية ميكانيكية جعلها تبدو جافة، وغير الأكاديميين نحّوها جانباً، وفضّل معظمهم البقاء على طرائقهم القديمة في تناول النصوص.
والأكاديمية العربية لعبت دوراً رباعي الأبعاد حين عمدت إلى تقديم هذه المناهج بطريقة آلية جافة أولاً، وهي لم تعد طلابها إعداداً جيداً لتقبل مثل هذه المناهج ثانياً. وحين تعامل باحثوها مع هذه المناهج بطريقة الموضة جاء التناول سطحياً لا عمق فيه. ورابعاً وحين انقسم نقادها إزاء هذه المناهج؛ إذ انقسم الأكاديميون إلى فريقين: فريق تقبّل هذه المناهج ويمثله جيل الأساتذة المبشرين بها، ويحسب لهم الترويج لها وتطبيقها، غير أنهم لم يعدوا أجيالاً تالية كان عليها أن تطور المناهج ضماناً لاستمرارها، وفريق رفض هذه المناهج واعتبرها رجساً من عمل الشيطان حتى أن بعضهم نسف الحداثة وكل مناهجها بمقولات أخلاقية حين وضعها تحت سيف الحرام.
والأجيال الجديدة: ويمثلون ثلاث فرق: الأول الأقل يجتهد في تطوير هذه المناهج، الثاني تعامل معها بوصفها مجرد موضة لتصدير إعلان حداثيته، الثالث اعتنق مذهب أساتذته الرافضين ونحّاها جانباً.
والصحافة الأدبية: حين تخلت عن رسالتها في تقديم مشروع نقدي من شأنه إنتاج جيل من النقاد يطور مفاهيم النقد، أي صحيفة أو دورية عربية يمكنها الآن طرح مثل هذا المشروع الذي يجب أن يقوم على النقد التطبيقي قبل النظري فالنظريات تتحقق في التطبيق والناقد الحقيقي هو من يشتبك مع النص لا مع النظرية.
الدكتورة خولة شخاترة، وهي أستاذة مشاركة في جامعة جدارا الأردنية، تعتقد أن هذا السؤال له اتساع كبير المدى، ويحتاج - حسب قولها - إلى الكثير من الاطلاع لاستقراء ما نشره النقاد، لكن مع ذلك فهي تجيب: «في حدود علمي المتواضع أن التطبيق المدرسي أو الأكاديمي كان يتم في مراحل سابقة... أكثر بكثير من الدراسات الحالية... وبخاصة من النقاد الذي ينتمون إلى مؤسسات أكاديمية، ولا سيما أنهم ينشرون هذه البحوث أو الدراسات في مجلات محكمة تراعي في الأغلب الأعم تطبيق منهج علمي أو منهج نقدي والتقديم النظري له. ولا أدري على وجه الدقة هل كانت الروح العلمية والرغبة في تطبيق المنهج النقدي بحرفيته وراء هذا التطبيق أو الالتزام؟ أو الرغبة بالتقيد بتعليمات المجلات التي ينشرون فيها؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن التطبيق الأكاديمي لهذه المدارس على أعمال أدبية تجاوزت هذه المدارس بمراحل، فتحولت بعض الدراسات إلى جداول ومعادلات وأقواس خاصة عند تطبيق البنيوية.
وهي ترى بأن هذه المدارس لم تتمكن من الدخول إلى العمل ودراسته الدراسة التي يستحقها، يضاف إلى ما سبق - حسب رأيها - أن هذه المناهج في بعضها لا تصلح من الأساس لدراسة العمل فتكون النتيجة تشويها للعمل الأدبي أكثر منه دراسة وتحليل.
وتضيف: «كأن الهدف هو تطبيق المنهج وليس توظيفه لخدمة النص. ومع أن هذه الممارسات ما زالت قائمة، لكن ربما بشكل أقل إلا أن المطلع قليلاً يجد أن بعض النقاد يبحث عن مفاتيح جديدة تصلح للولوج إلى عالم النص من خلال القراءة والاطلاع والمران بالدراسة التطبيقية بعيداً عن التنظير وحده. فيوظف قراءته المتعددة ومرجعياته الثقافية المختلفة في قراءة العمل الأدبي ودراستها... فبدأ الاهتمام بنظرية القراءة والتلقي، والالتفات إلى السرديات، ونظريات الحجاج وعلاقتها بالبلاغة، والدراسات النصية... وكل ما من شأنه دراسة الوجوه المتعددة للعمل الأدبي. فكل عمل أدبي حمّال أوجه ويتطلب من الباحث عناية فائقة وبحثاً جاداً وقراءة عميقة واختيار منهج له القدرة على فك مغاليق العمل الأدبي وليس مجرد كتالوج جاهز نضعه على كل نص. تطبيق مشروط باستدعاء النص».
الدكتور حافظ المغربي، ‏أستاذ النقد الأدبي السابق لدى ‏جامعة الملك سعود، وأستاذ ورئيس قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن‏ لدى ‏جامعة المنيا حالياً، يفصّل الأمر ويفرق ما بين مفهوم المصطلحات النقدية، ثم يطرح رؤيته:
‏ لا يمكن أن نطلق على منهج بأنه كلاسيكي إلا إذا اعتبرته بالمقاييس الغربية قديماً مثل البنيوية التي ظهرت في عشرينات القرن الماضي، ثم إن هناك خلطاً في المصطلحات، فالتفكيكية ليست بمنهج، بل ذرائع لغوية لتفكيك اﻷنساق القارّة على مستوى الأداة والرؤية على أساس دحض فكرة الحقيقة الثابتة، فالحقيقة وفق تغير الدوال مرجأة دوما بتعدد قراء النص.
التفكيكية ضد منهج البنيوية بمفهوم أن المنهج له أطر نظرية تعد مدخلات تفضي إلى مخرجات من خلال تحليل بنى نص يقتات من ذاته، يموت مؤلفه وتموت معه أي تداعيات تاريخية أو اجتماعية أو سيرية، وفق المفهوم البنيوي، فلا شيء خارج النص كما يقول رولان بارت... وإن كذب مفهومه وقوض البنيوية؛ التحليل النصي من خلال آلية التناص التي تتواشج مع تفكيكه. ويضيف الدكتور حافظ المغربي: أما عن الواقعية، فهي ليست بمنهج ولا يجب أن نخلطها بمفهوم الكلاسيكية، فهي مذهب آخر مغاير لها تماماً، إن الواقعية واقعيات وكل واقعية لها منهجها الخاص بها كالواقعية الاشتراكية التي سادت في مصر ردحاً طويلاً من الزمن، فالمذهب إذن يضم عدداً من المناهج والنظريات.
أما عن سؤالك حول قابلية تطبيق هذه المذاهب والمناهج والنظريات على النصوص؛ فهي من حيث المبدأ قابلة للتطبيق؛ بشرط أن يستدعيها النص على مستوى الرؤية واﻷداة. فالنص - والنص وحده - هو السيد في الدراسات النقدية التطبيقية. فنحن لا نفسر المنهج على النص عنوة... بل النص هو من يستدعي منهج قراءته في مراودة لطيفة.



تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
TT

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

كرّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة لعام 2024، ضمن فئتي الأفراد والمؤسسات، في 4 فروع رئيسية، بجوائز بلغت قيمتها 1.6 مليون ريال، ونال كل فائز بكل فرع 200 ألف ريال، وذلك برعاية وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس أمناء المجمع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.

وتشمل فروع الجائزة تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها، وحوسبة اللُّغة وخدمتها بالتقنيات الحديثة، وأبحاث اللُّغة ودراساتها العلميَّة، ونشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة.

ومُنحت جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد، ولدار جامعة الملك سعود للنَّشر من المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في فئة المؤسسات، فيما مُنحت في فرع «حوسبة اللُّغة العربيَّة وخدمتها بالتقنيات الحديثة»، لعبد المحسن الثبيتي من المملكة في فئة الأفراد، وللهيئة السُّعوديَّة للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» في فئة المؤسسات.

جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد (واس)

وفي فرع «أبحاث اللُّغة العربيَّة ودراساتها العلمية»، مُنحَت الجائزة لعبد الله الرشيد من المملكة في فئة الأفراد، ولمعهد المخطوطات العربيَّة من مصر في فئة المؤسسات، فيما مُنحت جائزة فرع «نشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة» لصالح بلعيد من الجزائر في فئة الأفراد، ولمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة من الإمارات في فئة المؤسسات.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة، وتقدير جهودهم، ولفت الأنظار إلى عِظَم الدور الذي يضطلعون به في حفظ الهُويَّة اللُّغويَّة، وترسيخ الثَّقافة العربيَّة، وتعميق الولاء والانتماء، وتجويد التواصل بين أفراد المجتمع العربي، كما تهدف إلى تكثيف التنافس في المجالات المستهدَفة، وزيادة الاهتمام والعناية بها، وتقدير التخصصات المتصلة بها؛ لضمان مستقبلٍ زاهرٍ للُّغة العربيَّة، وتأكيد صدارتها بين اللغات.

وجاءت النتائج النهائية بعد تقييم لجان التحكيم للمشاركات؛ وفق معايير محددة تضمَّنت مؤشرات دقيقة؛ لقياس مدى الإبداع والابتكار، والتميز في الأداء، وتحقيق الشُّمولية وسعة الانتشار، والفاعليَّة والأثر المتحقق، وقد أُعلنت أسماء الفائزين بعد اكتمال المداولات العلمية، والتقارير التحكيميَّة للجان.

وأكد الأمين العام للمجمع عبد الله الوشمي أن أعمال المجمع تنطلق في 4 مسارات، وهي: البرامج التعليمية، والبرامج الثقافية، والحوسبة اللغوية، والتخطيط والسياسة اللغوية، وتتوافق مع استراتيجية المجمع وداعمةً لانتشار اللغة العربية في العالم.

تمثل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع لخدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

وتُمثِّل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع؛ لخدمة اللُّغة العربيَّة، وتعزيز حضورها، ضمن سياق العمل التأسيسي المتكامل للمجمع، المنبثق من برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030».