دخلت السياسة الخارجية السعودية منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد، مرحلة مختلفة إلى حد كبير عما كانت عليه في العقود الماضية.
اليوم والسعودية تحتفل بيومها الوطني السابع والثمانين، يمكن القول إن الرياض نجحت في ترتيب الكثير من أوراق المنطقة عبر ما يمكن تسميته «الشراكات الذكية» التي تعلّي من المشتركات وتقلل من حدة التباينات حول القضايا المختلف عليها إلى أقصى درجة، وهو ما يمكن التدليل عليه، على سبيل المثال لا الحصر، بعلاقات السعودية وروسيا، التي شهدت خلال العامين الماضيين انتعاشاً كبيراً منذ زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى بطرسبورغ ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، حيث لم يمنع التباين بين البلدين في الملف السوري من هذا التقارب.
الحال كذلك كان في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي استعادت خلال الأشهر الماضية عافيتها بعد 8 سنوات من الفتور، بفضل ذكاء دبلوماسية الرياض وزيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن، التي نجحت في أن تجعل بلاده المحطة الأولى على جدول الزيارات الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ دخوله البيت الأبيض، حيث تم استثمار هذه الزيارة كذلك في عقد قمة تاريخية تجمع لأول مرة 55 قائداً عربياً وإسلامياً برئيس أميركي، ودشنت ما يمكن وصفه بـ«صفحة جديدة في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي»، أساسها التصدي للتطرف ومحاربة الإرهاب، وكبح جماح تمويله والداعمين له.
ولأن الحفاظ على الأمن القومي العربي يعد في سلم أولويات السياسة السعودية، فقد عملت الرياض على التصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة لأمن دول المنطقة، وذلك عبر الكثير من الخطوات المهمة؛ يأتي في مقدمتها استجابتها السريعة لنداء الشرعية في اليمن وتشكيلها تحالفاً يضم 11 دولة، وإطلاقها عملية عاصفة الحزم لمواجهة مشروع طهران الذي كان ينفذه الحوثيون بالنيابة على الأراضي اليمنية.
ولم يكن لبنان ببعيد عن بوصلة اهتمامات السياسة السعودية، وذلك عبر ترحيبها السريع بتمكن اللبنانيين من كتابة الفصل الأخير في الفراغ الرئاسي وانتخاب المجلس النيابي لميشال عون رئيساً للجمهورية، وتوجيهها في ذلك الوقت دعوة له لزيارة المملكة، وهي الزيارة التي شهدت اتفاقات وتفاهمات هدفت لإعادة تصويب العلاقة بين الرياض وبيروت، عقب أن تأثرت تلك العلاقة في فترات سابقة بالخطاب التحريضي لـ«حزب الله» وأمينه حسن نصر الله الذي ظل ممسكاً بمفاصل الحكومة اللبنانية طيلة فترات الفراغ الرئاسي.
العلاقات السعودية - العراقية بدورها، لم تكن بمنأى عن تحركات الرياض الرامية لتحصين الأمن القومي العربي من أي اختراقات خارجية، لا سيما عقب سنوات عدة من سيطرة الإيرانيين على بغداد عقب الإطاحة بنظام صدام حسين، فخلال هذا العام كتب السعوديون والعراقيون فصلاً جديداً في العلاقات بين بلديهما، تكلل بصدور بيان مكة المشترك عقب زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى المملكة والتقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ينص على تأسيس مجلس مشترك بين الجانبين للارتقاء بالعلاقات، ويشدد على تكثيف التعاون لمحاربة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي، فيما تكللت تلك المجهودات بإعادة فتح المعابر الحدودية المشتركة، وهو ما سينعش حركة التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
وواصلت السعودية في ملف الأزمة السورية، مجهوداتها الرامية إلى توحيد صف المعارضة، أملاً في إنجاح التسوية السياسية التي طال أمدها، في وقت بقيت فيه على موقفها الذي يشدد على ضرورة حل الأزمة على أساس مقررات جنيف1 والقرار الأممي رقم 2254، وحث جميع الأطراف الدولية الفاعلة ذات العلاقة على لعب دور فاعل لإرغام الأطراف المتصارعة على العودة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.
الهم الفلسطيني، لم ينفصل أبداً عن اهتمامات السياسة السعودية التي ظلت متمسكة بمبادرة السلام العربية وحل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس كأساس لمعالجة الصراع الأطول في تاريخ المنطقة، في وقت لعب فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز دوراً بارزاً في الانتصار للمقدسيين والمسجد الأقصى ضد الإجراءات الإسرائيلية الأحادية التي مارستها سلطات الاحتلال بحق المسجد والمصلين فيه.
وفي سبيل تصديها لآفة الإرهاب الذي بات يتمدد في أنحاء واسعة من دول منطقة الشرق الأوسط، رأت السعودية أن الحل يكمن في تأسيس تحالف إسلامي عسكري تكون مهمته مواجهة التنظيمات المتطرفة أياً كانت آيديولوجيتها وتوجهاتها المذهبية، كما أسست مركزاً دولياً خاصاً بمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) تم تدشينه خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية الأميركية التي احتضنتها الرياض مؤخراً.
«السياسة السعودية» تنتشي بعهد «الشراكات الذكية»
رتبت أوراق المنطقة عبر تحالفات جديدة... وأعادت العلاقات مع واشنطن إلى عافيتها... وانتصرت للأقصى
«السياسة السعودية» تنتشي بعهد «الشراكات الذكية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة