الشاعر حسن السبع يطوي سنوات الفرح... ويرحل

كان أحد أعمدة الأدب الساخر... منسجم في نفسه ومتسامح مع العالم

الشاعر حسن السبع يطوي سنوات الفرح... ويرحل
TT

الشاعر حسن السبع يطوي سنوات الفرح... ويرحل

الشاعر حسن السبع يطوي سنوات الفرح... ويرحل

طوى الشاعر السعودي، حسن السبع سبعة عقود من عمره، أزهر فيها الفرح، ونبت على غصونها الأمل، وأوقد من زيتها القناديل، يفرش «حديقة الزمن الآتي»، ورحل أمس، في مشفاه، بعد نكسة صحية لم تمهله.
احترف حسن السبع منذ خطّ بالقلم رسم الابتسامة، والتبشير بالفرح، ومداواة الأحزان، مثلما اتصف بالتسامح والرضا والانسجام مع العالم. لم يناهض في حياته سوى الحزن والنكد والتشاؤم والكدر.
أكثر من أربعين عاماً قضاها حسن السبع في أروقة الصحافة، محررا وكاتباً، كانت كفيلة بأن تمنحه فرصة ليملأ المكان بالفرح والتباشير والمبادرات الإيجابية وصناعة البهجة أينما حلّ.
ورغم كتابته للشعر الرومانسي بإيقاع عذب، فإن حسن السبع كان يميل أكثر إلى شعر الفكاهة، لكن بمضمون نقدي عميق. وأغلب صور التشبيه التي تحفل بها قصائده الساخرة، تمثل نقداً اجتماعياً لاذعاً، بلغة رشيقة تعالج في مقطوعات صغيرة وبأسلوب النكتة قضايا اجتماعية حادة... كما يعتمد السبع على ملكة لغوية زاخرة بالمفردات العربية، وعلى إرث الشعراء الذين برعوا في الأدب الساخر واستطاع تطوير أدوات النقد اللاذع لديه، ليرسم من خلال مقطوعاته صوراً كاريكاتورية لشخصياته الشعرية.
حسن السبع (المولود سنة 1948) وهو الذي كان يقول: «ولدتُ في عام النكبة، وتزوجتُ في عام النكسة»، أصدر ثلاث مجموعات شعرية: «زيتها وسهر القناديل» و«حديقة الزمن الآتي»، و«ركلات ترجيح». وأخيراً اهتدى إلى غواية الرواية، حيث أصدر روايته «ليالي عنان: حكاية صبية بغدادية»، وهي نوع من الفنتازيا تمزج بين التاريخ والراهن، وبين الحلم والواقع، وبين الماضي بالحاضر. وكان يرى أن مهمة الكاتب والشاعر هي أن يمتع القارئ وليس صناعة التغيير. وفي حوار مع «الشرق الأوسط» قال مدافعاً عن الشعر الفكاهي: «اعترض أحد القراء على كتاباتي الهازلة بأن (البالَ مشغولٌ)». يضيف: «قلت للقارئ صاحب (البال المشغول) الذي يستكثر علينا الابتسامة في هذا العصر الضاج بالبكاء: لن يتوقف النشيد لو نقصت الجوقة عازفا واحدا، ولن يضارَّ الفضاء الفسيح لو نأى طائر واحد عن السرب، ولن يتوقف سيل الدموع لو غاب عن المأتم بكَّاء واحد».
حظي حسن السبع بأمسية تكريم أقامها أصدقاء الحرف ورفاق الكلمة، في شهر مارس (آذار) الماضي، قال فيها الشاعر أحمد الملا، رئيس فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام: «من لم يعرف حسن السبع عن قرب، عليه أن يجد أكثر من بديل ليواسيه في هذه الحياة... إذ يندر امتزاج تلك الفرادات الشخصية في كائن شفاف... شيخ بين الشيوخ، يفضحه قلب طفل، مفعم بحماسة الشغوف بالحياة وهو يراها مقبلة».
يضيف الملا: «لن تعدم أن تجد في من حولك، المطبوع شعرا ورقة، ولربما تجد الصديق المازح بتقدير والبشوش عند كل لقاء... وربما تعثر على متأمل في اللحظة الراهنة بوعي معرفي، التراثي في استشهاداته الملتقطة من بطون الكتب العتيقة... وستجد من له خصلة العطف والحنان على عثرات الأصدقاء. العاذر عند السهو، المتعفف عن مزاحمة اللاهثين، المشفق على الآخرين والساخر بضحكة يستر انفجارها بيد خجولة... نعم ستجد من يتمتع منعماً بخصلة مما سبق لكن حسن السبع يوفر عليك مجلسا مكتظاً بكل وجوهه السمحة ويأتيك بكله لا راجياً ولا ثقيلاً».
الناقد الدكتور مبارك الخالدي، يصف حسن السبع بأنه «المنسجم في نفسه والمتسامح مع العالم... حسن السبع الكائن المجبول من تواضع وتسامح، والإنسان الذي يتمتع بقدرة هائلة لا تحد على التواصل والتعايش مع الآخرين على اختلافهم فكرياً واجتماعيا وطائفياً ومناطقياً وسياسياً».
يضيف: «إن التعددية هي أدقُ وصفٍ تُوصَفَ به مصادر حسن السبع المعرفية والثقافية، لتعددها ثقافيا ولغويا لإجادته لغتين أجنبيتين هما الفرنسية والإنجليزية، ما مكنّه من النهلِ من منابعِ الثقافتين الفرانكوفونية والأنجلوساكسونية، إلى جانب الثقافة العربية، فالأديب السبع يتميز بعمق معرفته وقوة صلته بالتراث العربي الذي أخذَ أجمل ما فيه واستوعبَه، ولم يسجن فيه كما قال ذات حوار صحافي. فكان أن تجاور وتعايش فيه القديم والجديد، التراثي والحداثي كما يبدو جلياً في نثره وشعره وسرده».
الشاعر جاسم الصحيّح، يرى أن: حسن السبع هو الشاعر الذي يغسلُنا على الشاطئ... الشاعر القادم في «زيتها وسهر القناديل»... الحالم في «حديقة الزمن الآتي» والباسم في «ركلات ترجيح»... والشاعر الذي يُسْكِنُ الجمالَ على عرش الحروف، ويرحل بنا بعيداً عن ذواتنا الموجَعَة كي نَحِلَّ في ذواتِنا العاشقة على أمل أن نحبَّ أكثر.. وكلما أحسَّ بجرحه يكاد أن يلتهب، غسلَهُ بالنغم الضاحك وضمَّده بقافية الفكاهة. هو الشاعر الكبير المفرط في هدوئه وكأنه مقيم في معبد، والمفرط في طفولته وكأنّ عمره لم يبدأ بعد.
وصفه الشاعر فريد النمر بأنه: «ذلك الكائن الذي ينمو في مفاصل الكون على شجرة الحياة المثمرة، ولأنه كل الثقافة في المجتمع الحرّ فقد أصبح محور الفنون التي تطوف حوله».



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».