ولادة متعسرة اليوم لـ«مجموعة الاتصال» الخاصة بسوريا

اجتماع الـ5 الكبار في مجلس الأمن ورفض أميركي لانضمام طهران

رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تتحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء مغادرتهما جلسة لمجلس الأمن أمس (رويترز)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تتحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء مغادرتهما جلسة لمجلس الأمن أمس (رويترز)
TT

ولادة متعسرة اليوم لـ«مجموعة الاتصال» الخاصة بسوريا

رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تتحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء مغادرتهما جلسة لمجلس الأمن أمس (رويترز)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تتحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء مغادرتهما جلسة لمجلس الأمن أمس (رويترز)

في اجتماع وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي الذي يلتئم اليوم صباحا بحضور أمين عام الأمم المتحدة، أُدرج بطلب من فرنسا بند ينص على تشكيل «مجموعة اتصال» خاصة بالحرب في سوريا.
وهذا المشروع ليس جديدا، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من تحدث عنه بشكل رسمي في شهر يوليو (تموز) الماضي وعهد بتنفيذه إلى وزير خارجيته جان إيف لو دريان. وخلال الاجتماعات التي أجراها ماكرون مع نظرائه رؤساء الولايات المتحدة الأميركية وإيران وتركيا، وأيضا من خلال اتصالاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسوؤلين في الشرق الأوسط، كان مشروع «مجموعة الاتصال» حاضرا بقوة. كذلك، فإن ماكرون خصص للملف السوري فقرات عدة في خطابه، أول من أمس، في الجمعية العامة، مشددا على الحاجة إلى صيغة جديدة تكون نواتها الصلبة البلدان الخمس، وتضاف إليها الدول المؤثرة في الملف السوري. ووفق الرؤية الفرنسية، فإن هناك ثلاثة بلدان «رئيسية» يتعين أن تكون جزءا من المجموعة وهي المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران. وقالت أوساط دبلوماسية فرنسية وعربية في باريس لـ«الشرق الأوسط»، إن مصر والأردن والعراق مهتمون بالانضمام إلى «المجموعة». لكن الجانب الفرنسي ليس «متحمسا» لتوسيعها؛ انطلاقا من حرصه على عدم استنساخ صيغة «مجموعة الدعم لسوريا» التي تضم 17 عضوا أو مجموعة «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية التي تضم 11 عضوا.
بيد أن ولادة «المجموعة» العتيدة لن تكون سهلة. فقبل ساعات من الاجتماع الوزاري، ما زالت الأمور غامضة. فمن جهة، تشدد باريس على الحاجة إلى هذه. وبحسب الرئيس ماكرون، فإن اجتماعات آستانة، رغم النجاح الذي حققته في إيجاد مناطق خفض النزاع، فإنها «لا تكفي» لإطلاق مسار سياسي. وبالمقابل، فإن مسلسل اجتماعات جنيف «لم يحقق حتى الآن النتائج المرجوة». ومن جهة ثانية، تطرح مشاركة إيران في «المجموعة» إشكالية ربما تصعب على الحل بسبب الرفض الأميركي الجلوس إلى طاولة واحدة مع ممثلين عن طهران. وزادت الأمور صعوبة بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس دونالد ترمب، وهاجم فيه إيران بعنف، جاعلا منها ديكتاتورية تسعى إلى امتلاك السلاح النووي. وكان نائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد واضحا قبل يومين في إبراز معارضة واشنطن، عندما قال، إنه «إذا ضمت المجموعة إيران، فسيكون الوضع صعبا بالنسبة إلينا»، أي أن تكون واشنطن جزءا منها. والحال أن باريس تعتبر أن غياب طهران سينزع عن المجموعة فائدتها. واعتبر ماكرون في حديثه إلى الصحافة، عقب الخطاب الذي ألقاه في الجمعية العامة، أنه «إذا لم نعمل على الملف السوري بحضور إيران حول طاولة (المفاوضات) فلن نستطيع التوصل إلى أجوبة فاعلة». وابتدعت الدبلوماسية الفرنسية «حلا» قوامه أن تبقى إيران خارج غرفة اجتماعات المجموعة وأن تلعب باريس دور «صلة الوصل» بين ما يقال في الداخل والطرف الإيراني في الخارج؛ سعيا منها للالتفاف على التحفظ الأميركي.
تقول مصادر دبلوماسية في باريس، إنه «ليس من المؤكد» أن ينجح لو دريان في التسويق لهذا الحل. فمن جهة، لا شيء يضمن أن يقبل الرئيس روحاني ووزير خارجيته حلا يجعلهم على مدخل غرفة اجتماعات «المجموعة» بعد أن كانوا طرفا فاعلا في «مجموعة الدعم» لسوريا. فضلا عن ذلك، يتعين على باريس أن تأخذ بعين الاعتبار موقف موسكو. والمعروف أن موسكو لم تعبر عن ترحيبها بالهيئة الجديدة التي تسعى باريس لإنشائها. كذلك، فإنها لم تقل إنها تقبل بصيغة المخرج الفرنسي بحيث يتم استبعاد حليفتها إيران بسبب «الفيتو» الأميركي عليها. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن موسكو لم تمانع «من حيث المبدأ» السير بالمشروع الفرنسي. إلا أن هناك الكثير من الشكوك التي تدفع إلى اعتبار أنها لن تسهل عملها في حال إنشائها، خصوصا أنها تمسك بالمبادرة ميدانيا ودبلوماسيا. يضاف إلى ذلك، أن أحد أسباب «ضعف» المبادرة الفرنسية التي يراد لها أن تعيد باريس إلى دائرة الفاعلين في الملف السوري بعد أن استبعدت، كما بقية الأوروبيين والعرب من اجتماعات آستانة «باستثناء الأردن الموجود فيها بصفة مراقب»، وهمشت في اجتماعات جنيف، أن فرنسا لا تملك حضورا ميدانيا فاعلا أو أوراقا سياسية قوية قادرة على تفعيلها. فضلا عن ذلك، ما زالت باريس، بحسب مصادرها، تعتبر أن واشنطن، رغم مرور نحو ثمانية أشهر على دخول ترمب إلى البيت الأبيض، لم تبلور بعد «رؤية سياسية متكاملة» لمستقبل سوريا، وما زالت تحصر اهتمامها بأمرين هما دحر «داعش» واحتواء النفوذ الإيراني؛ ما يعني عمليا ترك الأمور لموسكو.
عند الحديث إلى المسؤولين الفرنسيين عن فائدة مبادرتهم، فإنهم يبرزون بشكل أوتوماتيكي حجتين متصلتين: الأولى، أن الرئيس بوتين في حاجة إلى الخروج من المستنقع السوري ولا سبيل أمامه إلا الحل السياسي الذي من شأنه «وحده» أن يضع حدا للحرب ويقنع ملايين اللاجئين السوريين بالعودة إلى مدنهم وقراهم. والآخر أن سوريا تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة بناء ما هدمته الحرب. وبما أن لا روسيا ولا إيران قادرتان على ذلك، فهناك إذن حاجة ملحة إلى دور مالي واقتصادي للغربيين ولبلدان الخليج. والحال أن كل هؤلاء لن يضعوا قرشا واحدا طالما لم تحصل العملية السياسية، بغض النظر عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد في هذه المرحلة بالذات. من هنا، وفق المنطق الفرنسي، فائدة وأهمية «مجموعة الاتصال» التي حدد الوزير لو دريان مهمتها بـ«توفير الشرط السياسية لوضع حد لأوزار الحرب في سوريا» عن طريق «التوليف بين المبادرات الموجودة والحد من التناقضات القائمة بين «الأطراف الفاعلة» في إطار المجموعة الدولية، وأخيرا توفير الدعم للمبعوث الدولي دي ميستورا». ونبّه لو دريان وبقوة من «تفكك» سوريا ومن أن يكون مستقبلها «رهن الواقع الميداني في لحظة من اللحظات»؛ لأنه يعني، بحسب ما أشار إليه، تفكك بنى الدولة من جهة وبروز تنظيمات أصولية إرهابية جديدة من جهة أخرى. والطريق لتفادي ذلك كله يمكن أن يمر عبر تبني المبادرة الفرنسية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.