الاستقلال حلم أكراد العراق لكن موعد الاستفتاء يفسد الود

بعكس تحمس أربيل... السليمانية رفعت شعار «لا»

الاستقلال حلم أكراد العراق لكن موعد الاستفتاء يفسد الود
TT

الاستقلال حلم أكراد العراق لكن موعد الاستفتاء يفسد الود

الاستقلال حلم أكراد العراق لكن موعد الاستفتاء يفسد الود

رغم أن حلم الاستقلال مبدأ غير قابل للنقاش لدى أكراد العراق، يشكل موعد الاستفتاء حول استقلال كردستان المقرر في 25 سبتمبر (أيلول) الحالي، أرضية انقسام بين المكونات السياسية في الإقليم الشمالي؛ ففي حين تخيم البهجة في أربيل، ترفع محافظة السليمانية شعار «لا للاستفتاء».
في عاصمة الإقليم الذي نال حكماً ذاتياً في عام 1991، تلونت الشوارع بالأعلام الكردية واللافتات التي تعلن «بلى بو ريفراندوم»، أي «نعم للاستفتاء»، فيما طلا البعض سياراتهم بالأخضر والأبيض والأحمر، ألوان العلم الكردي. ويقول بروا حمه أمين عزيز (23 عاماً)، العامل في متجر لبيع الكوفيات الكردية في منطقة القلعة وسط أربيل: «آن أوان الاستفتاء وتحقيق حلم الدولة. في 25 سبتمبر، سأبصم بالعشرة لأقول نعم».
ولا يشكك أكراد أربيل عموماً بصوابية إجراء الاستفتاء الذي يعتبرون أنه يأتي متأخراً. ووصل هذا اليقين بالبعض إلى حد التفاؤل بأن الاستقلال صار أمراً مبتوتاً، ما حدا بهم إلى استبدال اسم كردستان بالعراق على لوحات السيارات.
في شوارع المدينة، لا حديث إلا حديث الاستفتاء، وكلمة «إن شاء الله دولة» على كل لسان. وداخل كشك صغير لبيع الكتب والصحف قرب سوق المدينة القديمة، يؤكد سيروان أحمد (43 عاماً) أن «الاستفتاء ليس استفزازاً لأحد. ورفضه من البعض أمر طبيعي ودليل على الديمقراطية».
بدوره، يؤكد وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الاستقلال مقبل بلا شك». ويرى أنه «ملزم للقيادة الكردستانية وحكومة الإقليم بتنفيذ رغبة الشعب الكردي في ممارسة حقه بتقرير المصير وإنشاء دولته». ولو أن النتيجة الإيجابية، برأيه، «لا تعني إعلان الدولة في اليوم التالي»، بل بداية للعمل على تأسيس الدولة واستكمال المفاوضات مع بغداد التي ستستمر «خلال وبعد الاستفتاء».
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين بكردستان العراق عبد الحكيم خسرو، أن «لا عراقيل» قانونية أو دستورية تمنع إجراء التصويت و«أي عرقلة للاستفتاء تخدم الدول الإقليمية وتهدف إلى إضعاف الإقليم». وتدور أحاديث في الأروقة الكردية المعارضة عن إمكانية تأجيل الاستفتاء لأسباب عدة، منها اقتراب موعد العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في الحويجة الواقعة ضمن محافظة كركوك، بمشاركة قوات البيشمركة الكردية. ويرفض زيباري التأجيل. «الاستفتاء لن يؤجل ولن يؤخر (...) لأن ذلك سيكون انتحاراً سياسياً للقيادة السياسية الكردستانية».
وبالإضافة إلى الاستحقاقات العسكرية، يثير البعض المشكلات الاقتصادية التي تأثر بها إقليم كردستان بسبب تراجع أسعار النفط. لكن بالنسبة إلى أكراد أربيل، ليس هذا تبريراً مقنعاً لعدم المضي باتجاه دولتهم. ويعتبر عزيز أن «كل البلاد لديها أزمات اقتصادية، وحتى بعض الدول نالت استقلالها في أوج الأزمات وعملت على حلها بعد تحقيق الهدف الرئيسي».
وتعرض الأكراد للقمع خلال حكم صدام حسين الذي أطيح به عام 2003 إثر الغزو الأميركي للعراق. وسمح الحكم الذاتي لكردستان والهدوء الأمني الذي حظيت به منذ إرسائه، بازدهار الإقليم في مجالات عدة.
وإلى جنوب شرقي أربيل، تبدو السليمانية محافظة معزولة عن موجة التهليل لعقد الاستفتاء، رغم أن الجميع يؤكد حق الاستقلال وتقرير المصير. وتوالي السليمانية إجمالاً الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، على عكس أربيل التي تناصر بارزاني. ولا يتردد أبناء المدينة بإعلان المعارضة صراحة، ومنهم أستاذ المدرسة ريزكار عبد القادر (46 عاماً) الذي يقول: «لماذا نريد استفتاء؟ لا مقومات دولة أصلاً، فلتنظر تلك القيادة إلى تحسين وضع المواطن قبل الدعوة إلى إنشاء دولة».
ويقول عضو المكتب التنفيذي لحزب غوران (التغيير) الدكتور شورش حاجي، إن «قرار الاستفتاء حزبي وغير قانوني». ويضيف: «الدولة لا تعلن، بل تبنى، بدءاً من البنية التحتية الاقتصادية القوية». وفي هذا الإطار، تم تأسيس حركة «لا للاستفتاء» المناهضة لعملية التصويت في السليمانية. ويقول القيادي في الحركة إسماعيل كلالي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الاستقلال حق لكل الشعوب، لكن لا مقومات للدولة الآن». ويضيف: «برأيي الشخصي إن ما يجري مهزلة (...) سعياً لتأسيس إمارة جاهلة بفلسفة متخلفة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.