زعيمة ميانمار تتجاهل مأساة الروهينغا

في خطابها المنتظر لم تلفظ حتى اسم الأقلية لكنها أعلنت الاستعداد لتنظيم عودة حملة الجنسية

TT

زعيمة ميانمار تتجاهل مأساة الروهينغا

اعتبرت منظمة العفو الدولية، أمس الثلاثاء، أن زعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، تمارس «سياسة النعامة» تجاه «التطهير العرقي» و«الفظائع» التي ترتكب في ولاية راخين في بلادها ضد الأقلية المسلمة «الروهينغا»، وأشارت المنظمة إلى أن «هناك أدلة دامغة تثبت أن قوات الأمن تورطت في حملة تطهير إتني»، مضيفة أنها تأسف جداً لعدم تنديد الزعيمة البورمية، الحائزة جائزة نوبل للسلام، في خطابها، الثلاثاء، الذي طال انتظاره بدور الجيش في هذه الاضطرابات.
ووجهت سو تشي «رسالة دبلوماسية» إلى الأمة، أمام السفراء المعتمدين لدى ميانمار، بعد أن واجهت انتقادات لاذعة لصمتها وبرودتها طوال الأزمة المستمرة منذ ثلاثة أسابيع.
وتوجهت الزعيمة البورمية أونغ سان سو تشي، في خطابها، الذي انتظره العالم لأسابيع إلى المجتمع الدولي، قبل ساعات من افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلنةً أن بلادها «مستعدة» لتنظيم عودة لاجئي الروهينغا، الذين فروا إلى بنغلاديش، لكن من دون تقديم حل ملموس حول وضعهم القانوني. وقالت سو تشي إنَّه منذ 5 سبتمبر (أيلول) «توقفت المعارك وانتهت عملية التطهير التي قام بها الجيش».
وردّ العضو في منظمة «هيومن رايتش واتش» فيل روبرتسون من جهته، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية، على كلام سو تشي، عبر إبراز صور ملتقطة من الأقمار الصناعية، تظهر أن «الدخان لا يزال يتصاعد من ولاية راخين»، مضيفا: «لا يبدو أن كل شيء انتهى في 5 سبتمبر». وكررت المنظمة دعوتها، إلى الأمم المتحدة، «فرض عقوبات على ميانمار».
وقالت سو تشي، في كلمة متلفزة، من داخل البرلمان، في أول مداخلة لها، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الاضطرابات في غرب البلاد «نحن مستعدون لأن نبدأ التحقق في هويات اللاجئين بهدف تنظيم عودتهم». وأوضحت أن «ميانمار ستستقبل من تعتبرهم لاجئين من دون أي مشكلة، مع ضمان الحفاظ على أمنهم، بالإضافة إلى حصولهم على المساعدات الإنسانية». إلا أن الشروط التي تفرضها ميانمار على الروهينغا صارمة جداً، إذ إن هؤلاء لا يملكون أي مستند لإثبات إقامتهم منذ عقود في البلاد.
وينشط الرأي العام البورمي، إثر الانتقادات الدولية، حول مصير أكثر 410 آلاف من الروهينغا لجأوا إلى بنغلاديش بعد أن فروا من ولاية راخين، غرب ميانمار، حيث يقوم الجيش بحملات عسكرية رداً على هجمات قام بها مقاتلون من الروهينغا منذ 25 أغسطس (آب). وتحدثت الأمم المتحدة عن «تطهير اتني».
وقالت سو تشي، في خطابها الخالي من كلمة «روهينغا»، المحظور استخدامها في ميانمار، «نشعر بالحزن الشديد لآلام الأشخاص العالقين في الأزمة»، مشيرة إلى المدنيين الذين فروا إلى بنغلاديش، وأيضا إلى البوذيين الذين هربوا من قراهم في المنطقة.
ومضت تقول: «لا نريد أن تكون ميانمار منقسمة حول المعتقدات الدينية»، في الوقت الذي تتعرض فيه لانتقادات شديدة لمماطلتها في وجه التيار القومي البوذي القوي، الذي يعتبر المسلمين بمثابة تهديد للهوية الوطنية.
وتوجهت سو تشي إلى الجيش الذي قدمت له دعمها الثابت حتى الآن، رغم الاتهامات بارتكابه انتهاكات تحت غطاء إجراء عملية «مكافحة الإرهاب». وقالت إن «قوات الأمن تلقت تعليمات» من أجل «اتخاذ كل الإجراءات لتفادي الأضرار الجانبية وإصابة مدنيين بجروح»، مضيفة: «نندد بكل انتهاكات حقوق الإنسان».
وتعهدت سو تشي، العام الماضي، على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالدفاع عن حقوق هذه الأقلية التي تعتبر واحدة من الأقليات الأكثر اضطهاداً في العالم، ووعدت بـ«مواجهة الأحكام المسبقة والتعصب». واعتبر المحلل المستقل في ميانمار/ ريتشارد هورسي، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «التزاماً بعودة اللاجئين، بحسب اتفاق 1992، أمر جديد ومهم»، مشيراً إلى أن تقديم دليل بسيط على إقامتهم في ميانمار، يجب أن يكون كافياً لعودتهم، وليس تقديم دليل على حيازتهم الجنسية، التي حُرموا منها. لكن بعيداً عن هذا الخطاب الموجه إلى المجتمع الدولي، يعتبر البورميون أن الروهينغا ليسوا جزءاً من أمة ميانمار.
واقترحت أونغ سان سو تشين عكس ذلك، مؤكدة أنها تسير على خطّ والدها أونغ سان، عرّاب الاستقلال البورمي. إذ إن دستور 1947 سمح لقسم كبير من الروهينغا، بالحصول على وضع قانوني، ومنحهم حق التصويت، إلا أن الديكتاتورية العسكرية التي أنشئت في 1962، لعبت دورها في تغذية الكراهية ضد الإسلام، والقانون البورمي الصادر عام 1982 ترك الروهينغا من دون جنسية.
دبلوماسياً، تنأى أونغ سان سو تشي بنفسها عن قائد الجيش البورمي الجنرال مين أونغ هلاينغ، الذي يلعب في الخفاء دوراً أساسياً في هذا الملف. وحذر أونغ هلاينغ على حسابه على «فيسبوك» من أن مسألة الروهينغا «هي قضية وطنية ويجب أن نكون موحدين لتبيان الحقيقة، علماً بأن هذه الجماعة المحرومة من الجنسية لا تمتّ بصلة إلى ميانمار».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟